وهكذا قال الله تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال : ( آلآن وقد عصيت قبل ) أي : أهذا الوقت تقول ، وقد عصيت الله قبل هذا فيما بينك وبينه ؟ ( وكنت من المفسدين ) أي : في الأرض الذين أضلوا الناس ، ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ) [ القصص : 41 ]
وهذا الذي حكى الله تعالى عن فرعون من قوله هذا في حاله ذاك من أسرار الغيب التي أعلم الله بها رسوله ؛ ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله :
حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما قال فرعون : ( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ) قال : قال لي جبريل : [ يا محمد ] لو رأيتني وقد أخذت [ حالا ] من حال البحر ، فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة "
ورواه الترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم في تفاسيرهم ، من حديث حماد بن سلمة ، به وقال الترمذي : حديث حسن .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال لي جبريل : لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر ، فأدسه في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة " . وقد رواه أبو عيسى الترمذي أيضا ، وابن جرير أيضا ، من غير وجه ، عن شعبة ، به وقال الترمذي : حسن غريب صحيح .
ووقع في رواية عند ابن جرير ، عن محمد بن المثنى ، عن غندر ، عن شعبة ، عن عطاء وعدي ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، رفعه أحدهما - وكأن الآخر لم يرفعه ، فالله أعلم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن عمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما أغرق الله فرعون ، أشار بأصبعه ورفع صوته : ( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ) قال : فخاف جبريل أن تسبق رحمة الله فيه غضبه ، فجعل يأخذ الحال بجناحيه فيضرب به وجهه فيرمسه .
وكذا رواه ابن جرير ، عن سفيان بن وكيع ، عن أبي خالد ، به موقوفا
وقد روي من حديث أبي هريرة أيضا ، فقال ابن جرير :
حدثنا ابن حميد ، حدثنا حكام ، عن عنبسة - هو ابن سعيد - عن كثير بن زاذان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال لي جبريل : يا محمد ، لو رأيتني وأنا أغطه وأدس من الحال في فيه ، مخافة أن تدركه رحمة الله فيغفر له " يعني : فرعون
كثير بن زاذان هذا قال ابن معين : لا أعرفه ، وقال أبو زرعة وأبو حاتم : مجهول ، وباقي رجاله ثقات .
وقد أرسل هذا الحديث جماعة من السلف : قتادة ، وإبراهيم التيمي ، وميمون بن مهران . ونقل عن الضحاك بن قيس : أنه خطب بهذا للناس ، فالله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره ، معرِّفًا فرعون قبح صَنيعه أيّام حياته وإساءته إلى نفسه أيام صحته، بتماديه في طغيانه ، ومعصيته ربه ، حين فزع إليه في حال حلول سَخطه به ونـزول عقابه، مستجيرًا به من عذابه الواقع به ، لما ناداه وقد علته أمواج البحر ، وغشيته كرَبُ الموت: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ له، المنقادين بالذلة له، المعترفين بالعبودية ، الآن تقرُّ لله بالعبودية، وتستسلم له بالذلة، وتخلص له الألوهة، وقد عصيته قبل نـزول نقمته بك ، فأسخطته على نفسك ، وكنت من المفسدين في الأرض ، الصادِّين عن سبيله؟ فهلا وأنت في مَهَلٍ ، وباب التوبة لك منفتح ، أقررت بما أنت به الآن مقرٌّ؟
* * *
Quran Translation Sura Yunus aya 91
Now? And you had disobeyed [Him] before and were of the corrupters?