وقوله : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ) أي : إن ادعيتم وافتريتم وشككتم في أن هذا من عند الله ، وقلتم كذبا ومينا : " إن هذا من عند محمد " ، فمحمد بشر مثلكم ، وقد جاء فيما زعمتم بهذا القرآن ، فأتوا أنتم بسورة مثله ، أي : من جنس القرآن ، واستعينوا على ذلك بكل من قدرتم عليه من إنس وجان .
وهذا هو المقام الثالث في التحدي ، فإنه تعالى تحداهم ودعاهم ، إن كانوا صادقين في دعواهم ، أنه من عندمحمد ، فلتعارضوه بنظير ما جاء به وحده واستعينوا بمن شئتم وأخبر أنهم لا يقدرون على ذلك ، ولا سبيل لهم إليه ، فقال تعالى : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) [ الإسراء : 88 ] ، ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه ، فقال في أول سورة هود : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ) [ هود : 13 ] ، ثم تنازل إلى سورة ، فقال في هذه السورة : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ) وكذا في سورة البقرة - وهي مدنية - تحداهم بسورة منه ، وأخبر أنهم لا يستطيعون ذلك أبدا ، فقال : ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار ) الآية : [ البقرة : 24 ] .
هذا وقد كانت الفصاحة من سجاياهم ، وأشعارهم ومعلقاتهم إليها المنتهى في هذا الباب ، ولكن جاءهم من الله ما لا قبل لأحد به ، ولهذا آمن من آمن منهم بما عرف من بلاغة هذا الكلام وحلاوته ، وجزالته وطلاوته ، وإفادته وبراعته ، فكانوا أعلم الناس به ، وأفهمهم له ، وأتبعهم له وأشدهم له انقيادا ، كما عرف السحرة ، لعلمهم بفنون السحر ، أن هذا الذي فعله موسى ، عليه السلام ، لا يصدر إلا عن مؤيد مسدد مرسل من الله ، وأن هذا لا يستطاع لبشر إلا بإذن الله . وكذلك عيسى ، عليه السلام ، بعث في زمان علماء الطب ومعالجة المرضى ، فكان يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله ، ومثل هذا لا مدخل للعلاج والدواء فيه ، فعرف من عرف منهم أنه عبد الله ورسوله ؛ ولهذا جاء في الصحيح ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا .
القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون: افترى محمد هذا القرآن من نفسه فاختلقه وافتعله؟ قل يا محمد لهم: إن كان كما تقولون إني اختلقته وافتريته، فإنكم مثلي من العَرب، ولساني مثل لسانكم، وكلامي [مثل كلامكم ]، (15) فجيئوا بسورة مثل هذا القرآن.
* * *
و " الهاء " في قوله " مثله "، كناية عن القرآن.
وقد كان بعض نحويي البصرة يقول: معنى ذلك: قل فأتوا بسورة مثل سورته ، ثم ألقيت " سورة " ، وأضيف " المثل " إلى ما كان مضافًا إليه " السورة "، كما قيل: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [سورة يوسف: 82] يراد به: واسأل أهل القرية.
* * *
وكان بعضهم ينكر ذلك من قوله ، ويزعم أن معناه: فأتوا بقرآن مثل هذا القرآن.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي ، أن " السورة " إنما هي سورة من القرآن، وهي قرآن، وإن لم تكن جميع القرآن. فقيل لهم: (فأتوا بسورة مثله)، ولم يقل: " مثلها "، لأن الكناية أخرجت على المعنى ، أعني معنى " السورة " ، لا على لفظها، لأنها لو أخرجت على لفظها لقيل: " فأتوا بسورة مثلها ".
* * *
، (وادعوا من استطعتم من دون الله ) ، يقول: وادعوا، أيها المشركون على أن يأتوا بسورة مثلها مَنْ قدرتم أن تدعوا على ذلك من أوليائكم وشركائكم ، (من دون الله)، يقول: من عند غير الله، فأجمِعُوا على ذلك واجتهدوا، فإنكم لا تستطيعون أن تأتوا بسورةٍ مثله أبدًا.
* * *
وقوله: (إن كنتم صادقين) ، يقول: إن كنتم صادقين في أن محمدًا افتراه، فأتوا بسورة مثله من جميع من يعينكم على الإتيان بها. فإن لم تفعلوا ذلك ، فلا شك أنكم كَذَبَةٌ في زعمكم أن محمدًا افتراه، لأن محمدًا لن يَعْدُوَ أن يكون بشرًا مثلكم، فإذا عجز الجميع من الخلق أن يأتوا بسورةٍ مثله، فالواحد منهم عن أن يأتي بجميعه أعجز.
--------------------
الهوامش :
(15) في المخطوطة : " ولساني مثل لسانكم ، وكلامي فجيئوا" أسقط من الكلام ما وضعته بين القوسين استظهارًا ، أما المطبوعة ، فقد جعلها : " ولساني وكلامي مثل لسانكم " ، فأساء .
Quran Translation Sura Yunus aya 38
Or do they say [about the Prophet], "He invented it?" Say, "Then bring forth a surah like it and call upon [for assistance] whomever you can besides Allah, if you should be truthful."