( قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق ) أي : أنتم تعلمون أن شركاءكم لا تقدر على هداية ضال ، وإنما يهدي الحيارى والضلال ، ويقلب القلوب من الغي إلى الرشد الله ، الذي لا إله إلا هو .
( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى ) أي : أفيتبع [ العبد الذي يهدي إلى الحق ويبصر بعد العمى ، أم الذي لا يهدي إلى شيء إلا ] أن يهدى ، لعماه وبكمه ؟ كما قال تعالى إخبارا عن إبراهيم أنه قال : ( يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ) [ مريم : 42 ] ، وقال لقومه : ( أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون ) [ الصافات : 95 ، 96 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله : ( فما لكم كيف تحكمون ) أي : فما بالكم يذهب بعقولكم ، كيف سويتم بين الله وبين خلقه ، وعدلتم هذا بهذا ، وعبدتم هذا وهذا ؟ وهلا أفردتم الرب جل جلاله المالك الحاكم الهادي من الضلالة بالعبادة وحده ، وأخلصتم إليه الدعوة والإنابة .
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) ، يا محمد لهؤلاء المشركين ، (هل من شركائكم) ، الذين تدعون من دون الله، وذلك آلهتهم وأوثانُهم، (من يهدي إلى الحق) يقول: من يرشد ضالا من ضلالته إلى قصد السبيل، ويسدِّد جائرًا عن الهدى إلى واضح الطريق المستقيم؟ فإنهم لا يقدرون أن يدَّعوا أن آلهتهم وأوثانهم تُرشد ضالا أو تهدي جائرًا. وذلك أنهم إن ادَّعوا ذلك لها أكذبتهم المشاهدة ، وأبان عجزَها عن ذلك الاختبارُ بالمعاينة. فإذا قالوا " لا " وأقرُّوا بذلك، فقل لهم. فالله يهدي الضالَّ عن الهدى إلى الحق ، (أفمن يهدي) أيها القوم ضالا إلى الحقّ، وجائرًا عن الرشد إلى الرشد ، (أحق أن يتبع) ، إلى ما يدعو إليه ( أَمَّنْ لا يهدِّي إِلا أن يُهدى)؟
* * *
واختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قراء أهل المدينة: ( أَمَّنْ لا يَهْدِّي ) بتسكين الهاء ، وتشديد الدال، فجمعوا بين ساكنين (3) ، وكأنّ الذي دعاهم إلى ذلك أنهم وجَّهوا أصل الكلمة إلى أنه: أم من لا يهتدي، ووجدوه في خطّ المصحف بغير ما قرءوا ، (4) وأن التاء حذفت لما أدغمت في الدال، فأقرُّوا الهاء ساكنة على أصلها الذي كانت عليه، وشدَّدوا الدال طلبًا لإدغام التاء فيها، فاجتمع بذلك سكون الهاء والدال. وكذلك فعلوا في قوله: وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ ، [سورة النساء: 154] ، (5) وفي قوله: يَخِصِّمُونَ ، [سورة يس: 49]. (6)
* * *
وقرأ ذلك بعض قراء أهل مكة والشام والبصرة ، "(يَهَدِّي) بفتح الهاء وتشديد الدال. وأمُّوا ما أمَّه المدنيون من الكلمة، غير أنهم نقلوا حركة التاء من " يهتدي": إلى الهاء الساكنة، ، فحرَّكوا بحركتها ، وأدغموا التاء في الدال فشدّدوها.
* * *
وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة: (يَهِدِّي)، بفتح الياء، وكسر الهاء ، وتشديد الدال، بنحو ما قصدَه قراء أهل المدينة، غير أنه كسر الهاء لكسرة الدال من " يهتدي"، استثقالا للفتحة بعدها كسرةٌ في حرف واحدٍ.
* * *
وقرأ ذلك بعدُ ، عامة قراء الكوفيين (7) ( أَمَّنْ لا يَهْدِي)، بتسكين الهاء وتخفيف الدال. وقالوا: إن العرب تقول: " هديت " بمعنى " اهتديت "، قالوا: فمعنى قوله: ( أَمَّنْ لا يهدي) : أم من لا يَهْتَدي إلا أن يهدى .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءة في ذلك بالصواب ، قراءةُ من قرأ: ( أَمَّنْ لا يَهَدِّي) بفتح الهاء وتشديد الدال، لما وصفنا من العلة لقارئ ذلك كذلك، وأن ذلك لا يدفع صحته ذو علم بكلام العرب ، وفيهم المنكر غيره. وأحقُّ الكلام أن يقرأ بأفصح اللغات التي نـزل بها كلامُ الله.
* * *
فتأويل الكلام إذًا: أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع، أم من لا يهتدي إلى شيء إلا أن يهدى ؟
* * *
وكان بعض أهل التأويل يزعم أن معنى ذلك: أم من لا يقدر أن ينتقل عن مكانه إلا أن يُنْقل.
* * *
وكان مجاهد يقول في تأويل ذلك ما:-
17660- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أَمَّنْ لا يهدّي إلا أن يهدى )، قال: الأوثان، الله يهدي منها ومن غيرها من شاء لمن شاء.
17661- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (أمن لا يهدي إلا أن يهدى) ، قال: قال: الوثن.
* * *
وقوله: (فما لكم كيف تحكمون) ، ألا تعلمون أن من يهدي إلى الحق أحقُّ أن يتبع من الذي لا يهتدي إلى شيء ، إلا أن يهديه إليه هادٍ غيره، فتتركوا اتّباع من لا يهتدي إلى شيء وعبادته ، وتتبعوا من يهديكم في ظلمات البر والبحر ، وتخلصوا له العبادة فتفردوه بها وحده ، دون ما تشركونه فيها من آلهتكم وأوثانكم؟
------------------------
الهوامش :
(3) انظر ما قاله في شبه هذه القراءة فيما سلف 9 : 362 .
(4) في المطبوعة : " بغير ما قرروا " ، والصواب ما في المخطوطة .
(5) انظر ما سلف في هذه القراءة 9 : 362 .
(6) انظر ما سيأتي في هذه القراءة 23 : 11 ( بولاق ) .
(7) في المطبوعة : " وقرأ ذلك بعض عامة قرأة ، الكوفيين " جعل " بعد " ، " بعض " ، فأفسد الكلام وأسقطه .
Quran Translation Sura Yunus aya 35
Say, "Are there of your 'partners' any who guides to the truth?" Say, "Allah guides to the truth. So is He who guides to the truth more worthy to be followed or he who guides not unless he is guided? Then what is [wrong] with you - how do you judge?"