وقوله : ( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) أي : هذا حال أهل الجنة .
قال ابن جريج : أخبرت أن قوله : ( دعواهم فيها سبحانك اللهم ) [ قال : إذا مر بهم الطير يشتهونه ، قالوا : سبحانك اللهم ] وذلك دعواهم فيأتيهم الملك بما يشتهونه ، فيسلم عليهم ، فيردون عليه . فذلك قوله : ( وتحيتهم فيها سلام ) قال : فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم ، فذلك قوله : ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين )
وقال مقاتل بن حيان : إذا أراد أهل الجنة أن يدعوا بالطعام قال أحدهم : ( سبحانك اللهم ) قال : فيقوم على أحدهم عشرة آلاف خادم ، مع كل خادم صحفة من ذهب ، فيها طعام ليس في الأخرى ، قال : فيأكل منهن كلهن .
وقال سفيان الثوري : إذا أراد أحدهم أن يدعو بشيء قال : ( سبحانك اللهم )
وهذه الآية فيها شبه من قوله : ( تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما ) [ الأحزاب : 44 ] ، وقوله : ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ) [ الواقعة : 25 ، 26 ] . وقوله : ( سلام قولا من رب رحيم ) [ يس : 58 ] . وقوله : ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) [ الرعد : 23 ، 24 ] .
وقوله : ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) هذا فيه دلالة على أن الله تعالى هو المحمود أبدا ، المعبود على طول المدى ؛ ولهذا حمد نفسه عند ابتداء خلقه واستمراره ، وفي ابتداء كتابه ، وعند ابتداء تنزيله ، حيث يقول تعالى : ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) [ الكهف : 1 ] ، ( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض ) [ الأنعام : 1 ] إلى غير ذلك من الأحوال التي يطول بسطها ، وأنه المحمود في الأول و [ في ] الآخر ، في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، في جميع الأحوال ؛ ولهذا جاء في الحديث : " إن أهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس " وإنما يكون ذلك كذلك لما يرون من تضاعف نعم الله عليهم ، فتكرر وتعاد وتزاد ، فليس لها انقضاء ولا أمد ، فلا إله إلا هو ولا رب سواه .
وأما قوله: (دعواهم فيها سبحانك اللهم) ، فإن معناه: دعاؤهم فيها : سبحانك اللهم، (12) كما:-
17563- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرت أن قوله: (دعواهم فيها سبحانك اللهم) ، قال: إذا مرّ بهم الطيرُ يشتهونه (13)
قالوا: سبحانك اللهم! وذلك دعواهم، فيأتيهم الملك بما اشتهوا، فيسلم عليهم فيردّون عليه، فذلك قوله: ( وتحيتهم فيها سلام). قال: فإذا أكلوا حمدوا الله ربّهم، فذلك قوله: (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين).
17564- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (دعواهم فيها سبحانك اللهم) ، يقول: ذلك قولهم فيها ، (وتحيتهم فيها سلام).
17565- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبيد الله الأشجعي قال: سمعت سفيانا يقول: (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام) ، قال: إذا أرادوا الشيء قالوا: " اللهم " ، فيأتيهم ما دَعَوا به.
* * *
وأما قوله: (سبحانك اللهم) ، فإن معناه: تنـزيها لك ، يا رب ، مما أضاف إليك أهل الشرك بك ، من الكذب عليك والفِرْية. (14)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17566- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال: سمعت أبي. عن غير واحدٍ عطيةُ فيهم: " سبحان الله " تنـزيهٌ لله.
17567- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا سفيان، عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: سمعت موسى بن طلحة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " سبحان الله "، قال: إبراء الله عن السوء.
17568- حدثنا أبو كريب ، وأبو السائب ، وخلاد بن أسلم قالوا، حدثنا ابن إدريس قال ، حدثنا قابوس، عن أبيه: أن ابن الكوّاء سأل عليًّا رضي الله عنه عن " سبحان الله " ، قال: كلمة رضيها الله لنفسه.
17569- حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي قال ، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان بن سعيد الثوري ، عن عثمان بن عبد الله بن موهب الطلحي، عن موسى بن طلحة قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " سبحان الله "، فقال: تنـزيهًا لله عن السوء. (15)
17570- حدثني علي بن عيسى البزار قال ، حدثنا عبيد الله بن محمد قال ، حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال ، حدثني حفص بن سليمان قال ، حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير " سبحان الله " ، فقال: هو تنـزيه الله من كل سوء. (16)
17571- حدثني محمد بن عمرو بن تمام الكلبي قال ، حدثنا سليمان بن أيوب قال : حدثني أبي، عن جدي، عن موسى بن طلحة، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله ، قول " سبحان الله "؟ قال: تنـزيه الله عن السوء. (17)
* * *
، (وتحيتهم) ، يقول: وتحية بعضهم بعضًا ، (فيها سلام)، أي : سَلِمْتَ وأمِنْتَ مما ابتُلي به أهل النار. (18)
* * *
والعرب تسمي الملك " التحية " ، ومنه قول عمرو بن معد يكرب:
أَزُورُ بِهَــا أَبَــا قَــابُوسَ حَـتَّى
أُنِيــخَ عَــلَى تَحِيَّتِــهِ بِجُــنْدِي (19)
ومنه قول زهير بن جناب الكلبي:
مِــنْ كُــلِّ مَــا نَــالَ الفَتَــى
قَــــدْ نِلْتُــــهُ إلا التَّحِيَّـــهْ
* * *
وقوله: (وآخر دعواهم) ، يقول: وآخر دعائهم (20) ، (أن الحمد لله رب العالمين) ، يقول: وآخر دعائهم أن يقولوا: الحمد لله رب العالمين " ، ولذلك خففت " أن " ولم تشدّد لأنه أريد بها الحكاية.
-------------------------
الهوامش :
(12) انظر تفسير " الدعوى " فيما سلف 12 : 303 ، 304 .
(13) في المطبوعة : " فيشتهونه " بالفاء ، وأثبت ما في المخطوطة .
(14) انظر تفسير " سبحان " فيما سلف 14 ، 213 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(15) الأثر : 17567 ، 17569 - " سفيان " بن سعيد ، هو الثوري الإمام المشهور .
و " عثمان بن عبد الله بن وهب التيمي " ، مولى آل طلحة ينسب إلى جده يقال : " عثمان بن وهب " تابعي ثقة ، روى عن ابن عمر ، وأبي هريرة ، وأم سلمة . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 155 .
و " موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي " ، تابعي ثقة ، روى عن أبيه وغيره من الصحابة . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 286 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 147 .
وهو خبر مرسل ، وسيأتي موصولا في الذي يليه ، ولكنها أخبار لا يقوم إسنادها .
(16) الأثر : 17570 - " علي بن عيسى البزار " ، شيخ الطبري ، هو " علي بن عيسى بن يزيد البغدادي الكراجكي ، ثقة ، مضى برقم : 2168 .
و " عبيد الله بن محمد بن حفص التميمي ، العيشي " ، من ولد عائشة بنت طلحة ، ثقة ، مستقيم الحديث . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 335 .
و " عبد الرحمن بن حماد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله " ، منكر الحديث ، لا يحتج به .
مترجم في لسان الميزان 3 : 412 ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 226 ، ومي زان الاعتدال 2 : 102 .
و " حفص بن سليمان الأسدي البزار " ، ضعيف الحديث ، مضى برقم : 5753 ، 11458 .
و " طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي " ، وثقه ابن معين وغيره ، وقال البخاري : " منكر الحديث " ، وقال في كتاب الضعفاء الصغير ص : 46 : " وليس بالقوي " ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 477 .
وأبوه : " يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي " ، تابعي ثقة . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 283 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 160 .
وهذا خبر هالك الإسناد ، كما رأيت .
(17) الأثر : 17571 - " محمد بن عمرو بن تمام الكلبي ، المصري " ، أبو الكروس ، شيخ الطبري ، مترجم في ابن أبي حاتم 4 / 1 / 34 .
و " سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة " روى نسخة عن أبيه عن آبائه عامة ، أحاديثه لا يتابع عليها ، وروى أحاديث مناكير . وذكره ابن حبان في الثقات . مترجم من التهذيب وابن أبي حاتم 2 / 1 / 101 .
وهذا خبر ضعيف الإسناد أيضًا .
(18) انظر تفسير " التحية " فيما سلف 8 : 586 - 590 .
(19) من قصيدة طويلة له ، رواها أبو علي القالي في أماليه 3 : 147 - 150 ، واللسان ( حيا ) ، مع اختلاف في الرواية .
(20) انظر تفسير " الدعوى " فيما سلف ص : 30 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
Quran Translation Sura Yunus aya 10
Their call therein will be, "Exalted are You, O Allah," and their greeting therein will be, "Peace." And the last of their call will be, "Praise to Allah, Lord of the worlds!"