أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)

الحجاب الشرعي الكامل (النقاب) في القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الفقهاء والأئمة الأربعة


    بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله


    يجِبُ على المرأةِ المسلمة سَترُ بدَنِها كُلِّه أمامَ الرجُلِ الأجنبيِّ، بما في ذلك الوجهُ والكَفَّانِ. لم يكن حجاب المسلمات بما في ذلك النقاب وتغطية وجه المرأة عن الأجانب محل جدل بين المسلمين، بل هو من الأمور المسلَّمة ومتعارف عليه في بيئة المسلمين بعد أن نزل الحجاب.

    المعنى اللغوي والفرق بين المحجبة والمنتقبة والسافرة والمتبرجة


    المحجبة: حجاب في معجم اللغة العربية تعني ستر والحجاب (الجمع: أَحْجِبَة أو حُجُب) في الإسلام هو اللباس الساتر لجميع بدن المرأة وزينتها، بما يمنع الأجانب عنها من رؤية شيء من بدنها أو زينتها التي تتزين بها، فإن كانت المرأة في بيتها فيكون الحجاب من وراء الـجُدران وإن خرجت من المنزل لضرورة تستر جميع بدنها ولا يظهر منها شيء إلا ما ظهر بدون قصد أو لضرورة مثل العين لترى الطريق.
    المنتقبة: النقاب هو قطعة من القماش مفصلة تغطي به المرأة وجهها باستثناء فتحة لعينيها.
    السافرة: السفور في معجم اللغة هو كشف المرأة وجهها فأي امرأة تكشف وجهها للرجال تسمى سافرة.
    المتبرجة: التبرج هو أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجال لإثارة إعجاب الرجال بها وبمفاتنها. في معجم اللغة تبرَّجتِ المرأةُ: تبهرج،: تَزَيَّنَتْ وَأَظْهَرَتْ مَحَاسِنَهَا وَحُلِيَّهَا لغير زوجها.
    الكاسية العارية: الكاسيات العاريات هي النساء التي تلبس ملابس لا تستر مفاتن جسد المرأة والأمثلة على ذلك كثيرة كالتي تلبس الثياب التي إلى الركبة، أو إلى بعض الفخذ، أو إلى بعض الساق، وتكشف الرأس، كل هذه كسوة عارية، فلا تكون الكسوة كافية إلا إذا كانت ساترة للمرأة كلها، فالنساء الكاسيات العاريات هن اللاتي يلبسن لباسًا لا يسترهن، إما لقصره، وإما لرقته، وإما لضيقه -والعياذ بالله- حتى تبدو أحجام عورتها، هذه كاسية بالاسم، عارية في الحقيقة. يعتبر هذا شكل من أشكال التبرج.

    إختلاف شهوة الرجل عن شهوة المرأة


    تختلف طبيعة شهوة الرجل عن شهوة المرأة لأن الرجل يثار بمجرد النظر إلى المرأة ولا يهتم كثيرا بمن ينظر إليه. على العكس تكون شهوة المرأة فهي تثار وتفرح عندما ينظر الرجال إليها ويظهرون إعجابهم بجمالها لذلك يكون هوى المرأة بطبيعتها إظهار الزينة والمفاتن.
    لذلك كان أمر الله واضح في غض البصر من الرجل قبل المرأة. وأمر المرأة بستر نفسها عن الرجال بالحجاب وجعل صلاتُها في بيتِها خيرًا لها وأفضلَ وجعل قرارها في بيتها أفضل من خروجها لغير حاجة وذلك حتى لا تقع الفتنة بين الرجال والنساء ويرتكبوا المحرمات والعياذ بالله.
    أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[الملك: 14]

    الدليل على الحجاب الشرعي الكامل (النقاب) من القرآن الكريم والسنة النبوية وعمل الصحابة


    الدليل على الحجاب الكامل والنقاب من القرآن الكريم


    قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا[الأحزاب: 59]
    ومعنى هذه الآية يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يرخين على رؤوسهن ووجوههن من أرديتهن وملاحفهن؛ لستر وجوههن وصدورهن ورؤوسهن؛ ذلك أقرب أن يميَّزن بالستر والصيانة، فلا يُتعَرَّض لهن بمكروه أو أذى. وكان الله غفورًا رحيمًا حيث غفر لكم ما سلف، ورحمكم بما أوضح لكم من الحلال والحرام.
    وَجهُ الدَّلالةِ:
    في قولِه تعالى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ دَلالةٌ على أنَّ المرأةَ مأمورةٌ بسَترِ وَجهِها وجميعِ بدِنها عن الأجنبيِّينَ، فلا تدَعْ شيئًا منه مكشوفًا.
    في هذه الآية دلالة محكمة على وجوب الحجاب الكامل على سائر المؤمنات، وبيان ذلك من وجوه:
    الوجه الأول: الأمر واحد للجميع، فالصفة واحدة.
    في الآية مقدمة ونتيجة:
    المقدمة: أن الأزواج والبنات ونساء المؤمنين أمرن بأمر واحد، بلا فرق، هو: إدناء الجلباب.
    النتيجة: أن صفة الإدناء في جميعهن واحدة.
    فالجمع إذا خوطب بشيء، فالأصل أن فحوى الخطاب واحد في حق الجميع، ما لم يرد استثناء. وهنا لا استثناء في الآية، فيبقى الخطاب واحدا، فبالنظر إلى دلالة الآية: فإنها صريحة الدلالة في تساوي الأزواج والبنات ونساء المؤمنين، في صفة الإدناء، بغير فرق بين أحد.


    قال تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ[الأحزاب: 53]
    وَجهُ الدَّلالةِ:
    قولُه تعالى: فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أي: مِن وراءِ سِترٍ، فهذا أمرٌ عامٌّ، ولا يختَصُّ بأمَّهاتِ المُؤمِنينَ، وفيه دَلالةٌ على احتجابِ جميعِ بدنِ المرأةِ عن الرجالِ الأجانبِ. لأن إحدى الفئات التي ذكرت في الآية 59 من سورة الأحزاب وهم: الأزواج. قد عرف صفة إدنائها بقوله تعالى: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب، وبالإجماع الآية تدل على الحجاب الكامل.


    قَولُه تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ[النور: 31]
    وَجهُ الدَّلالةِ:
    أمر الله النساء المؤمنات أن لا يُظهرن زينتهن للرجال، بل يجتهدن في إخفائها إلا الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلُبْسها، إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، وليلقين بأغطية رؤوسهن على فتحات صدورهن مغطيات وجوههن؛ ليكمل سترهن، ولا يُظْهِرْنَ الزينة الخفية إلا لأزواجهن؛ إذ يرون منهن ما لا يرى غيرهم. وبعض الزينة الخفية مثل الوجه، والعنق، واليدين، والساعدين يباح رؤيته لآبائهن أو آباء أزواجهن أو أبنائهن أو أبناء أزواجهن أو إخوانهن أو أبناء إخوانهن أو أبناء أخواتهن أو نسائهن المسلمات دون الكافرات، أو ما ملكن مِنَ العبيد، أو التابعين من الرجال الذين لا غرض ولا حاجة لهم في النساء، مثل البُلْه الذين يتبعون غيرهم للطعام والشراب فحسب، أو الأطفال الصغار الذين ليس لهم علم بأمور عورات النساء، ولم توجد فيهم الشهوة بعد، ولا يضرب النساء عند سَيْرهن بأرجلهن ليُسْمِعْن صوت ما خفي من زينتهن كالخلخال ونحوه.
    وفي قوله تعالى : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ والجيب هو فتحة الرأس والخمار ما تخمربه المرأة رأسها وتغطيه به ، فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها إما لأنه من لازم ذلك أو بالقياس ، فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى لأنه موضع الجمال والفتنة.
    قولُه تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا أمَرَ بسَترِ كُلِّ الجسَدِ، ورَفَع الحرَجَ عمَّا لا تقوى المرأةُ على إخفائِه، كثيابِها.

    في هذه الآية دلالة واضحة على وجوب الحجاب الكامل، وبيان ذلك بأن الآية تعني العفو عما ظهر بغير قصد.

    المراد بالزينة في الصحيح الزينة الخارجية وهي ما تتزين بها المرأة، لا الزينة الْخِلقية التي خلق الله المرأة عليها، والدليل قوله تعالى: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وقوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف 31] كل مَن تأمل الزينة وجدها في الزينة الخارجية. وعلى هذا يكون الاستثناء عائدًا على ما يبدو من الثياب الذي لا بد من ظهوره.

    إذا حصل الفعل باختيار: أسند إلى الفاعل، وإلا لم يسند..مثال ذلك: فعل ظهر..
    - إذا كان عن اختيار، قيل: "أظهر"؛ أي فعل ذلك بإرادة وقصد.
    - وإذا كان عن غير اختيار، قيل: ظهر؛ أي بغير بإرادة من الفاعل.
    وفي الآية جاء الفعل ظهر، وليس "أظهر"، فالاستثناء إذن في قوله: إلا ما ظهر منها، يعود إلى ما يظهر من المرأة، من زينتها، بدون قصد.
    ولننظر الآن: ما الزينة التي تظهر منها بغير قصد؟.
    يقال هنا: قوله: ما ظهر منها، ضابط يندرج تحته كل زينة المرأة: الظاهرة، والباطنة. الوجه والكف، وما دونهما، وما فوقهما، فكل ما ظهر منها بغير قصد، فمعفو عنه، لأن الشارع لا يؤاخذ على العجز والخطأ.

    وبيان هذا: أن ما يظهر من المرأة بغير قصد على نوعين:

    - الأول: ما لا يمكن إخفاؤه في أصل الأمر: عجزا. وذلك مثل: الجلباب، أو العباءة، أو الرداء. [بمعنى واحد]، ويليه في الظهور: أسفل الثوب تحت الجلباب، وما يبدو منه بسبب ريح، أو إصلاح شأن، وكل هذه الأحوال واقعة على المرأة لا محالة.
    - الثاني: ما يمكن إخفاؤه في أصل الأمر، لكنه يظهر في بعض الأحيان: عفوا دون قصد. مثلما إذا سقط الخمار، أو العباءة، أو سقطت المرأة نفسها، فقد يظهر شيء منها: وجهها، أو يدها، أو بدنها.

    ففي كلا الحالتين: حالة العجز، وحالة العفو. يصح أن يقال: ظهر منها. وحينئذ فالآية بينت أنها غير مؤاخذة، لأنها عاجزة، ولأنها لم تتعمد، وبمثل هذا فسر ابن مسعود – رضي الله عنه - الآية، وجمع من التابعين، فذكروا الثياب مثلا على ما يظهر بغير اختيار، قال ابن كثير في تفسيره [6/47]: ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، أي ولا يظهرن شيئا زينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه. وقال ابن مسعود: كالرداء والثوب. يعني ما كان يتعاناه نساء العرب، من المقعنة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثوب، فلا حرج عليها فيه، لأن هذا لا يمكن إخفاؤه. ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها، وما لا يمكن إخفاؤه".
    وهذا التفسير يطابق معنى الآية، ولا يعارضه بوجه.

    في قولِه تعالى: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ إذا كانت المرأةُ مَنهيَّةً عن الضَّربِ بالأرجُلِ؛ خَوفًا مِن افتِتانِ الرَّجُلِ بما يُسمَعُ مِن صَوتِ خَلْخالِها ونَحوِه، فكيف بكَشفِ الوَجهِ ؟!

    الرد على من يقول بكشف الوجه وبيان خطأ هذا الرأي:

    أما قول من فسر الآية: ما ظهر منها، بالوجه واليد، فإن فيه إشكالا: فأصحاب هذا القول، يصرحون بجواز إظهارهما مطلقا، دون قيد، ولو أنهم جعلوا مناط الجواز: حال العفو. لكان موافقا لمعنى الآية، لكنهم قصدوا حال الاختيار والتعمد، وهذا ينافي معنى وتفسير الآية, كما تقرر آنفا.
    لذلك قال ابن كثير: وهذا يحتمل أن يكون تفسيرا للزينة التي نهين عن إبدائها [تفسير ابن كثير 6/45]. أي أنَّ المراد بالزينة هنا: الزِّينةُ التي نُهي عن إبدائها إلا لحاجة أو ضرورة أو بدون قصد، لا ما أُبِيحَ إبداؤُه مطلقا.


    قَولُه تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[النور: 60]
    هذه الآية استثنيت كبار السن من فرضية النقاب لأن فتنة الوجه انتهت وتشير الآية أن النقاب هو الأفضل في كل الأحوال حتى مع كبر السن.
    إن الله تعالى نفى في هذه الآية الأثم عن القواعد ، و هن العواجز اللاتي لا يرجون زواجا لعدم رغبة الرجال بهن ، بشرط أن لا يكون الغرض من ذلك التبرج و الزينة . و تخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن الشابات اللاتي يرجون النكاح يخالفن في الحكم ، و لو كان الحكم شاملا للجميع في جواز وضع الثياب ، و لبس درع و نحوه لم يكن لتخصيص القواعد فائدة .
    ومن قوله تعالى غير متبرجات بزينة دليل أخر على وجوب الحجاب للشابة التي تأمل بالزواج , لأن الغالب عليها إذا كشفت وجهها ، أنها تريد التبرج بالزينة ، و إظهار جمالها ، و تطلع الرجال لها ، و مدحها و نحو ذلك , ومن سوى هذه فشاذ ، والشاذ لا حكم له .


    قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى[الأحزاب: 33]
    معنى الآية والْزَمْنَ بيوتكن، ولا تخرجن منها إلا لحاجة، ولا تُظهرن محاسنكن، كما كان يفعل نساء الجاهلية الأولى في الأزمنة السابقة على الإسلام، وهو خطاب للنساء المؤمنات في كل عصر.
    قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ عند تفسيره هذه الآية: هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك.
    قال الشيخ المراغي: الزمن بيوتكن، لا تخرجن لغير حاجة، وهو أمر لهن ولسائر النساء[تفسيرالمراغي 33/ 6]
    وإذا خرجت المرأة فالمرأة ضعيفة، المرأة ضعيفة وهي محل شهوة الرجل شاء أم أبى، شاءت أم أبت، فإذا بقيت حيث يراها الرجال تخالطهم فإنهم يتطلعون إليها، وينظرون إليها غالباً، ولا تكاد تسلم من نظرات وغير ذلك مما يشكوه النساء في العالم.


    الدليل على الحجاب الكامل والنقاب من السنة النبوية


    عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المرأةُ عَورةٌ)) أخرجه التِّرمذي (1173)
    وَجهُ الدَّلالةِ:
    أنَّ وَصفَ المرأةِ بكَونِها عَورةً يدُلُّ على لُزومِ سَترِ كُلِّ جَسَدِها، ومنه الوجهُ والكَفَّان.


    عن أنسٍ رضِيَ اللهُ عنه- في قِصَّةِ زَواجِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن صِفيَّةَ رَضِيَ الله عنها-: ((فقال المُسلِمونَ: إحدى أمهَّاتِ المُؤمِنينَ، أو مِمَّا مَلَكَت يمينُه، فقالوا: إنْ حَجَبَها فهي من أمهَّاتِ المُؤمِنينَ، وإن لم يَحجُبْها فهي ممَّا مَلَكت يمينُه، فلمَّا ارتحَلَ وطَّأ لها خَلْفَه، ومَدَّ الحِجابَ بينها وبين النَّاسِ )) أخرَجَه البُخاريُّ (5085) واللَّفظُ له، ومُسلِمٌ (1365).
    وَجهُ الدَّلالةِ:
    أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ستَرَ وَجْهَها وجميعَ بدَنِها، ولا يختَصُّ ذلك بأمهَّاتِ المُؤمِنينَ، فقَولُهم: (إنْ حَجَبَها فهي من أمهَّاتِ المُؤمِنينَ، وإن لم يَحجُبْها فهي ممَّا ملكت يمينُه) عُلِمَ منه أنَّ ما ملكت أيمانُهم لم يكونوا يَحجُبونَهنَّ كحَجْبِ الحرائِرِ، وأنَّ آيةَ الحِجابِ خاصَّةٌ بالحرائِرِ دون الإماءِ


    عن أبي هُريرةَ رضِي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صِنفانِ مِن أهلِ النَّارِ لم أرَهما: قَومٌ معهم سِياطٌ كأذنابِ البَقَرِ يَضرِبونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارياتٌ، مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤوسُهنَّ كأسنِمةِ البُختِ المائِلةِ، لا يَدخُلْنَ الجنَّةَ، ولا يَجِدْنَ ريحَها، وإنَّ ريحَها لَيُوجَدُ مِن مسيرةِ كذا وكذا )) أخرجه مُسْلِم (2128) وأحمد (8665).

    وَجهُ الدَّلالةِ: هذا الحديث واضح في أن المرأة التى لا تلتزم بلبس الحجاب الشرعي كما أمر الله لا تدخل الجنة ولا تجد ريحها.
    قال النووي في المراد من ذلك : " أَمَّا ( الْكَاسِيَات العاريات ) فمَعْنَاهُ تَكْشِف شَيْئًا مِنْ بَدَنهَا إِظْهَارًا لِجَمَالِهَا , فَهُنَّ كَاسِيَات عَارِيَات . وقيل : يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِف مَا تَحْتهَا , كَاسِيَات عَارِيَات فِي الْمَعْنَى . وَأَمَّا ( مَائِلات مُمِيلات ) : فَقِيلَ : زَائِغَات عَنْ طَاعَة اللَّه تَعَالَى , وَمَا يَلْزَمهُنَّ مِنْ حِفْظ الْفُرُوج وَغَيْرهَا , وَمُمِيلَات يُعَلِّمْنَ غَيْرهنَّ مِثْل فِعْلهنَّ , وَقِيلَ : مَائِلَات مُتَبَخْتِرَات فِي مِشْيَتهنَّ , مُمِيلات أَكْتَافهنَّ , وَقِيلَ : مَائِلات إِلَى الرِّجَال مُمِيلات لَهُمْ بِمَا يُبْدِينَ مِنْ زِينَتهنَّ وَغَيْرهَا . وَأَمَّا ( رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت ) فَمَعْنَاهُ : يُعَظِّمْنَ رُءُوسهنَّ بِالْخُمُرِ وَالْعَمَائِم وَغَيْرهَا مِمَّا يُلَفّ عَلَى الرَّأْس , حَتَّى تُشْبِه أَسْنِمَة الإِبِل الْبُخْت , هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي تَفْسِيره , قَالَ الْمَازِرِيّ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ يَطْمَحْنَ إِلَى الرِّجَال وَلا يَغْضُضْنَ عَنْهُمْ , وَلا يُنَكِّسْنَ رُءُوسهنَّ .... " شرح النووي على صحيح مسلم 17/191


    عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تَنْتقِبِ المرأةُ المحرِمَةُ، ولا تَلبَسِ القُفَّازَينِ )) أخرَجَه البُخاريُّ (1838)
    وَجهُ الدَّلالةِ:
    دلَّ الحديثُ على أنَّ النِّقابَ والقُفَّازينِ كانا معروفَينِ في النِّساءِ، وذلك يقتضي سَترَ وُجوهِهنِّ وأيديهنَّ في غيرِ إحرامٍ يعني لكون وجه المرأة ويديها في الإحرام – كما نص على ذلك أهل التحقيق – كبدن الرجل في جواز إظهاره وحرمة ستره بالمُفَصَّل على قدره، وقول من قال من السلف: (إحرام المرأة في وجهها ويديها) إنما أراد به هذا المعنى .. وفي معنى حديث ابن عمر السابق جاء قوله أيضاً وذلك فيما رواه أبو داود والبيهقي والحاكم ورجاله رجال الصحيح: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم في إحرامهن عن القفازين والنقاب) .. ولا يعني وجوب كشفهما عند القيام بركن الإحرام والنهي الصريح عن لبسهما إبَّانِه، سوى أن المرأة في غير الإحرام ملزمة على سبيل الفرض بسترهما كما سيأتي في نص كلام القاضي ابن العربي .. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كان معروفين في النساء اللاتي لم يُحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن"[مجموع الفتاوى1 5/ 370، 371].

    الرد على من يقول بكشف الوجه وبيان خطأ هذا الرأي:
    لا يصح الاستدلال بنهي النبي صلى الله عليه وسلم المرأة المحرمة أن تلبس النقاب على أن وجه المرأة ليس عورة .
    وبيان ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة المحرمة بكشف وجهها ، وإنما نهاها عن لبس النقاب ، وفرق بين الأمرين ، فإنها لا تلبس النقاب ولكن تستر وجهها بغير النقاب ، كالسدال أو الطرحة .
    وهذا ، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل المحرم أن يلبس القميص ، فليس معناه أن يمشي عارياً ، بل يستر بدنه بغير القميص ، كالإزار والرداء .
    ولهذا كانت النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يغطين وجوههن في الإحرام بغير النقاب ، إذا كُنَّ قريبات من الرجال


    الدليل على الحجاب الكامل والنقاب من أقوال وعمل أمهات المؤمنين والصحابة


    ذكرنا في الأدلة من القرآن الكريم في قولهِ تعالَى : وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا أنه عن ابنِ مسعودٍ قال : هي الثيابُ
    عن عبد الله قال في قوله : وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ : الزينة القرط والدملج والخلخال والقلادة. وفي رواية عنه بهذا الإسناد قال : الزينة زينتان : فزينة لا يراها إلا الزوج : الخاتم والسوار ، [ وزينة يراها الأجانب ، وهي ] الظاهر من الثياب. (تفسير ابن كثير ج6 ص45)


    عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها- في قِصَّة الإفكِ- (... وكان صَفوانُ ابنُ المُعَطَّلِ السُّلَميُّ ثمَّ الذَّكوانيُّ مِن وَراءِ الجَيشِ، فأصبحَ عند مَنزلي، فرأى سوادَ إنسانٍ نائمٍ، فأتاني، وكان يراني قبل الحِجابِ) أخرَجَه البُخاريُّ (2661) مطَوَّلًا وفي روايةٍ: (فخَمَّرْتُ وجهي بجِلبابي) أخرجه البخاريُّ (1414)، ومسلمٌ (2770). وفي لفظ عند الطبرانيِّ (23/111) (151): (فسَتَرْتُ وجهي عنه بجِلبابي).
    وَجهُ الدَّلالةِ:
    قولُ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها: (فخَمَّرتُ وجهي بجِلبابي) و(وكان يراني قبل الحِجابِ) فيه دليلٌ على أنَّ النِّساءَ بعد نزولِ آيةِ الحِجابِ مأموراتٌ بسَترِ الوَجهِ مثل في قولِه تعالى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ.

    حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام) أخرجه مالك (3/474) بنحوه، وابن خزيمة (2690) باختلاف يسير، أخرجه الحاكم [1/ 454 وقال عنه صحيح على شرط البخاري ومسلم]

    حديث فاطمة بنت المنذر ولفظه: (كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، تعني جدتها) الموطأ1/ 328 بسند صحيح والحاكم1/ 454 وصححه ووافقه الذهبي..
    وفيه وفي سابقَيه، دليل دامغ على عموم ذلك للنساء سواء كن في عهد الصحابة أو ما بعده لأن أسماء كانت جدة لفاطمة، ودليل دامغ على أن مواكب المؤمنات إلى بيت الله الحرام كن يغطين وجوههن عن أعين الرجال مع معرفتهن بوجوب إظهاره أثناء الإحرام، ودليل دامغ أيضاً على فرضيته على عمومهن في غير الحج بطريق الأولى

    عن عائشة أم المؤمنين كانَ الرُّكبانُ يمرُّونَ بنا ونحنُ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ محرماتٌ فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابَها من رأسِها على وجهِها فإذا جاوزونا كشفناهُ أخرجه أبو داود (1833)، وابن ماجه (2935)، وأحمد (24021) باختلاف يسير. تكلم بعض العلماء في صحة هذا الحديث لكن الحق أنه توجد أحاديث أخرى صحيحة بنفس المعنى عن عائشة رضي الله عنها.
    فأيضا بإسناد صحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (المحرمةُ تلبسُ منَ الثِّيابِ ما شاءت إلَّا ثوبًا مسَّهُ ورسٌ ، أو زعفرانٌ ولا تتبرقعُ ، ولا تلثَّمُ وتسدلُ الثَّوبَ على وجْهِها إن شاءت) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (ج5/ص75) أخرجه البيهقي (9316)
    هذه المجموعة من الأحاديث عن أم المؤمنين عائشة وأختها أسماء وأيضا فاطمة بنت المنذر كلها تثبت بالدليل أن النساء المؤمنات يغطين وجوههن عن أعين الرجال في الإحرام وبالتأكيد في غير الإحرام أيضا وذلك كله يتوافق مع آيات القرآن الكريم التى جاء فيها أمر واضح أن تغطي النساء كامل بدنها عن الرجال ويشمل ذلك الوجه والكفين.


    تفسير عبد الله ابن عباس للآيات:
    يوجد شاهدًا على شرْط الشيخين يَذكر فيه ابنُ عباس تَغطيةَ المُحرِمة لوجهها- مع أنها مُحْرِمة– ويَذكر فيه تفسيرَ إدناءِ الجلباب– وهو ما رواه أبو داوودَ في مسائله لأحمدَ، عن ابن عباس قال: (تُدني الجلبابَ إلى وَجهِها، ولا تَضْرِبُ به). (ص110)
    قال رَوْحٌ في حديثِه، قُلتُ: وما لا تَضرِبُ به؟ فأشارَ لي كما تُجَلْبِبُ المرأةُ، ثُمَّ أشارَ لي ما على خَدِّها من الجِلبابِ، قال: تَعْطِفُه وتَضرِبُ به على وَجْهِها، كما هُو مَسْدُولٌ على وجْهِها) [ص: 155]، فأوجب ابنُ عباس على المحرِمة هنا غطاءَ الوجه، وتبيَّن بالنص أنَّ الإدناءَ سدلُه على الوجه.

    إثبات أن ابن عباس لا يبيح كشف الوجه بشكل مطلق:
    ورَدَ عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما في تفسير آية النور أنَّ المراد الوجه والكفَّان، وكل الطرق إليه في ذلك ظاهرةُ الضَّعْفِ
    سِوى ما جاءَ من طريق عليِّ ابن أبي طلحةَ، عن ابن عبَّاس، والأقرب إنْ شاء الله أنَّها طريقٌ حسنةٌ- على خِلافٍ في ذلك؛ لأنَّ ظاهرها الانقطاع–
    ولفظه: (قال: والزِّينةُ الظاهرةُ: الوجهُ، وكُحل العين، وخِضاب الكفِّ، والخاتم؛ فهذه تَظهَرُ في بيتِها لِمَن دخَل مِن الناس عليها). [الطبري 17/259]. فإذا تأمَّلنا في هذا النصَّ وجَدْنا أنَّ ابن عباس لا يأذن للمرأةِ أن تَخرُجَ للناس باديةً ذلك، وإنما في بيتها، أي: لمحارمها، وليس لغيرهم، وهذا مقطوعٌ به، ومع ذلك نصَّ عليه ابنُ عبَّاس في تفسيرِ قوله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ... إلى قوله: عَوْرَاتِ النِّسَاءِ- قال: الزِّينةُ التي تُبديها لهؤلاء: قُرطاها، وقِلادتها وسِوارها، فأمَّا خَلْخَالَاها ومِعْضَداهَا, ونَحْرُها، وشَعرُها؛ فإنَّه لا تُبديه إلَّا لزَوجِها. [الطبري 17/264]، فابن عبَّاس يُشدِّدُ فيما تُبديه المرأة لمحارمها خلافَ ما يظنُّه بعضُهم من تَساهُله رضِي الله عنه، لأن ابن عباس لا يُبيح للمرأةِ أن تُبدي ذلك لكلِّ أحد، وهذا المرويُّ عن ابن عباس هنا يتوافَقُ مع روايته الأخرى في سورة الأحزاب من طريقِ عليِّ بن أبي طلحة أيضًا، حيث قال: (أمَر اللهُ نِساءَ المؤمنين إذا خَرجْنَ مِن بُيوتهنَّ في حاجةٍ أن يُغطِّين وجوههنَّ مِن فوق رؤوسهنَّ بالجلابيب، ويُبدين عينًا واحدةً). [الطبري 19/181]. فليس بين قولي ابن عباس أيُّ تعارُضٍ لا مِن قريبٍ ولا من بعيد. لأنه رضي الله عنه لم يبيح للنساء كشف الوجه للأجنبي بدون حاجة. وتأمَّل الجنايةَ على أقوال ابن عبَّاس حين يَزعُم بعضُهم أنَّها متعارضةٌ، ثم يتطلَّب ترجيحَ بعضها على بعضِ بأقوال تلاميذِ ابن عباس!!!



    الدليل على الحجاب الكامل والنقاب من أقوال الفقهاء والأئمة الأربعة


    يجبُ على الباحث أن يُفرِّق بين عورة الصَّلاة بالنسبة للمرأةِ، وعورةِ النَّظر؛ وعليه: فإذا وجَدْنا نصًّا عن عالِم يذكر فيه أنَّ عورةَ المرأة في الصَّلاة الوجه والكفَّان، فلا ينبغي أن نسحبَ ذلك على عورةِ النَّظرِ وما يَنبغي أن تَستُره.
    إنَّ عادةَ المسلِماتِ تغطيةُ الوجه على مرِّ العصور، وأحسَبُ أنَّ هذا هو الذي صرَفَ الأئمَّةَ كأبي حنيفة ومالك والشافعي عن التنصيصِ عليه، أو على خِلافه، وهم أجلُّ مِن أن يُنسَبَ إليهم جوازُ ما ابتُلي به عصرُنا من كثرة السُّفور وشُيوعه، بل ما هو أشدُّ!
    يقول الموزعيُّ الشافعيُّ: (والسَّلف والأئمَّة كمالكٍ والشافعيِّ وأبي حنيفة وغيرِهم لم يَتكلَّموا إلَّا في عورة الصلاة... وما أظنُّ أحدًا منهم يُبيح للشابَّةِ أن تَكشِفَ وجهَها لغير حاجة) [تيسير البيان 2/1002]

    في المعيار المعرب (1/402): (لأنَّ عورة الصلاة والعورة التي يجوزُ النظر إليها نوعانِ مُختلفان؛ ولذلك يوجد أحدُهما دون الآخَر, فالمَحرَمُ يَنظُر إلى ذِراع ذات مَحْرَمِه وغير ذلك مِن أطرافها, ولا يجوزُ إبداؤها ذلك في الصَّلاة، والزوج يرَى من زوجته أكثرَ ومِن نفْسه ما لا يجوزُ إبداؤُه في الصَّلاة، والعورة في نفسها تختلف أحكامُها في الصلاة؛ فإنْ أبدت الحُرَّةُ شَعرَها أو صدْرَها أو ظهورَ قدميها أعادتْ في الوقت خاصَّةً على المشهور, وذلك حرامٌ على الأجنبيِّ النظرُ إليه، وفي العورة الحقيقيَّة تُعيد أبدًا كالرَّجُل، والنظر إلى العورةِ مِن الرَّجُل لا يَحِلُّ بحالٍ مع الاختيار, وطلبُ سَتْر العورةِ لذات الصَّلاة في الخَلوةِ مُختلَفٌ فيه؛ فدلَّ جميعُ هذا على أنَّ للعورةِ بالنسبة إلى النَّظر حُكمًا، وبالنسبة إلى الصَّلاة حُكمًا آخر, يدلُّ على طلب ستر الوجهِ للحُرَّة أنَّها لو صَلَّتْ متنقبة لم تُعِدْ).

    وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة: (فليستِ العورةُ في الصلاة مرتبطةً بعورة النَّظر، لا طردًا ولا عكسًا) [مجموع الفتاوى 22/115]. وأنصح بمراجعة كلامِه في هذا مِن أوَّلِه– رحمه الله.

    وقال أبو حامد الغزالي: " إذ لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات" إحياء علوم الدين 2/47.

    مذهب الإمام أحمد ابن حنبل والصحيح من مذهب الشافعي أنه يجب على المرأة ستر وجهها وكفيها أمام الرجال الأجانب ، لأن الوجه والكفين عورة بالنسبة للنظر ، ومذهب أبي حنيفة ومالك أن تغطيتهما غير واجبة ، بل مستحبة ، لكن أفتى علماء الحنفية والمالكية منذ زمن بعيد أنه يجب عليها سترهما عند خوف الفتنة بها أو عليها. والمراد بالفتنة بها : أن تكون المرأة ذات جمال فائق ، والمراد بخوف الفتنة عليها أن يفسد الزمان، بكثرة الفساد وانتشار الفساق، وعلى هذا يمكن أن يقال إن فقهاء المذاهب الأربعة متفقون على وجوب ستر وجه المرأة عند خوف الفتنة وفساد الزمن وهو الحال وقت كتابة هذه المقالة.


    علماء المذهب الحنفي:

    يقول شمس الأئمة السرخسي: " وبيان هذا أن المرأة من قرنها إلى قدمها عورة هو القياس الظاهر، واليه أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (( المرأة عورة مستورة))، ثم أبيح النظر إلى بعض المواضع منها للحاجة والضرورة" المبسوط1/ 145.
    وقال ابن الهمام الحنفي أيضاً: " المرأة منهية عن إبداء وجهها للأجانب بلا ضرورة وكذا دل الحديث عليه" فتح القدير 2/514.
    وقال ابن عابدين: " قَوْلُهُ وَتُمْنَعُ الْمَرْأَةُ (الشابة) إلَخْ" أَيْ تُنْهَى عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً " قَوْلُهُ بَلْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ"...وَالْمَعْنَى تُمْنَعُ مِنْ الْكَشْفِ لِخَوْفِ أَنْ يَرَى الرِّجَالُ وَجْهَهَا فَتَقَعُ الْفِتْنَةُ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْكَشْفِ قَدْ يَقَعُ النَّظَرُ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ" ردالمحتار3/257، وفي حاشية ابن عابدين (رد المحتار) 1/406 – وهو مِن العُمَد في معرفةِ الصَّحيح عند الحنفيَّة.

    يَمنع أبو حنيفة غيرَ العجائزِ من شُهودِ الجماعة؛ لغلبة الفسادِ، وأمَّا العجائز فأباح لهنَّ حُضورَ فرضينِ فقط، ثم جاء متأخِّرو الحنفيَّة ومَنعوا حضورَ النِّساء كافَّةً كلَّ الفروض، وبيَّنوا أنَّ هذا هو حقيقةُ قول أبي حنيفة، وأنَّ المنع مِن حضور مجالسِ الوعظِ والاستسقاءِ أَوْلى وأَوْلى. [البحر الرائق 1/380]ٍ.
    يرى الحنفيَّة أنَّ الزوجة التي تُوفي عنها زوجُها وله أبناءٌ من غيرها وهم في بيت واحدٍ، أنَّ عليهم أن يضعوا سِترًا بينهم وبينها- مع أنَّهم محارمُ بالاتفاق- ويُنظر توجيه ذلك عندهم. [البحر الرائق 4/168].
    المشهور عند الحنفيَّة أنَّه لا يحلُّ للمرأة رفْعُ صوتها عند الأجنبيِّ حتى لو قيل: إنَّه ليس بعورة. [شرح فتح القدير 1/260، حاشية ابن عابدين 1/406].
    يرَى الحنفيَّة أنَّ ما يَنظُر إليه الخاطبُ الوجهُ. [بدائع الصنائع 5/122]. وفي هذا دليل أنه في الظروف العادية غير الخاطب الأجنبي لا ينظر إلى الوجه.
    يرَى الحنفية أنَّ المحرِمة تُغطِّي وجهَها عن الأجانب وجوبًا، وأنَّه يستحبُّ لها ذلك عند عدمهم. [حاشية ابن عابدين 2/528]. قال الإمام الطحاوي رحمه الله: وَكَانَ مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ فِي إِبَاحَةِ الْمَرْأَةِ السَّدْلَ عَلَى وَجْهِهَا فِي الْإِحْرَامِ أَوْلَى عِنْدَنَا لِفِعْلِهَا ذَلِكَ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كتاب أحكام القرآن للطحاوي ج2 ص47)
    هذا رأي المذهب الحنفي وإذا كان الخاطبُ عندهم لا يرَى إلَّا الوجهَ؟! سيكون هذا مِن تحصيل الحاصلِ، وتأمَّل كيف أوجبوا على المُحرِمةِ سترَ وجهها مع أنَّ إحرامها في وجهِها؟!
    في المحيط البرهاني في الفقه النعماني (8/ 291): (والنظرُ إلى الأجنبيَّة مع ما فيه من خوفِ الفِتنة لا يجوزُ إلَّا لضرورة).
    وقال في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 285): (ودلَّتِ المسألةُ على أنَّ المرأةَ لا تَكشِف وجهَها للأجانبِ من غيرِ ضرورةٍ).
    في البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق 1/284: (قال مَشايخُنا: تُمنَعُ المرأةُ الشابَّةُ من كشْفِ وجهِها بين الرِّجال في زَماننا للفِتنة).
    وفي مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر 1/81: (وفي المُنتقَى: تُمنَعُ الشابَّةُ عن كشْفِ وجهِها؛ لئلَّا يُؤدِّي إلى الفِتنة، وفي زَمانِنا المنعُ واجبٌ، بل فرضٌ؛ لغلبة الفسادِ).
    وفي حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص241: ("إلَّا وجهها" ومنع الشابَّة مِن كَشْفِه؛ لخوف الفتنة).
    وفي الحاشية أيضًا 2/528: (وفي المحيط: ودلَّت المسألة على أنَّ المرأة منهيَّةٌ عن إظهارِ وجهِها للأجانب بلا ضرورة؛ لأنَّها منهيَّةٌ عن تغطيتِه لحقِّ النُّسك، لولا ذلك وإلَّا لم يكُن لهذا الإرخاءُ فائدةٌ. اهـ، ونحوه في الخانية، ووفَّق في البحر بما حاصلُه: أنَّ محمل الاستحباب عند عدَم الأجانب).

    في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب: 59] يقول أبو بكرٍ الجَصَّاص أحد أئمة المذهب الحنفي أن تغطيةَ الوجه واجبة، ويُبيِّن أنه واجبٌ على الحرائر دون الإماء؛ يقول- رحمه الله -: (في هذه الآية دَلالةٌ على أنَّ المرأةَ الشابَّةَ مأمورةٌ بسَتْر وجْهِها عن الأجنبيِّين، وإظهارِ السِّترِ والعفافِ عند الخروجِ؛ لئلَّا يطمعَ أهلُ الريب فيهنَّ، وفيها دلالةٌ على أنَّ الأَمَةَ ليس عليها سترُ وجهها وشَعرها؛ لأنَّ قوله تعالى: وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ظاهرُه: أنه أراد الحرائرَ، وكذا رُوِي في التفسير؛ لئلَّا يكُنَّ مِثلَ الإماء اللاتي هنَّ غيرُ مأموراتٍ بستر الرأس والوجه، فجَعَل السِّترَ فَرقًا يُعرَفُ به الحرائرُ من الإماء) [أحكام القرآن 5/245]

    إنَّ هذه الكوكبةَ من علماء الحنفيَّة أدْرَى بمرادِ أبي حنيفة من كلامِه وأعرفُ بمقصوده، ومن خلال كلامِهم يظهر بجلاءٍ أنَّ ما نقَلَه عنه محمَّد بن الحسن من الكشفِ والنظرِ مُقيَّد بالحاجةِ، أو الضرورة، وأنْ لا يكون الكشفُ ممَّن تمتدُّ إليها الأنظار.
    وإنَّ الواقع السيِّئ لكثيرٍ من نِساء المسلمين لا يصحُّ بحالٍ أن يُنسَب تجويزُه لأبي حنيفة- رحمه الله- أو إلى مذهبِه.



    أقوال علماء المالكية:

    قال الدردير: " وعورة الحرة مع رجل أجنبي منها أي ليس بمحرم لها جميع البدن غير الوجه والكفين، وأما هما فليسا بعورة وإن وجب عليها ستره لخوف فتنة" أقرب المسالك 1/289.
    وقال أحمد بن غنيم " اعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَ يُخْشَى مِنْ رُؤْيَتِهَا الْفِتْنَةُ وَجَبَ عَلَيْهَا سَتْرُ جَمِيعِ جَسَدِهَا حَتَّى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا... وَأَقُولُ: الَّذِي يَقْتَضِيه الشَّرْعُ وُجُوبَ سَتْرِهَا وَجْهَهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ.." الفواكه الدواني 8/ 73.
    وقال محمد بن إبراهيم التتائي: " فإن خيفت الفتنة به فقال ابن مرزوق: مشهور المذهب وجوب سترهما... وأما الأجنبي الكافر فجميع جسدها حتى وجهها وكفيها عورة بالنسبة إليه، فمن الضلال المبين تساهل النساء مع اليهودي والبدوي" فتح الجليل شرح مختصر خليل 1/222.

    إنَّ النُّصوصِ عن المالكيَّة بوجوب ستر الوجه كثيرة جدًا، وقول علماء المالكية بكون الوجه واليدان ليسا بعورة لا يريدون به إباحة الكشف مطلقًا وإنما عند الحاجة والضرورة.
    قال ابنُ خُويز منداد: (إنَّ المرأةَ إذا كانتْ جميلةً وخِيف من وجهِها وكفَّيها الفتنةُ، فعليها سترُ ذلك، وإنْ كانت عجوزًا أو مقبَّحة، جاز أن تكشفَ وجهها وكفَّيها). القرطبي 12/229.
    وفي البيان والتحصيل (4/ 428): (فجائزٌ للرَّجُل أن يَنظُر إلى ذلك من المرأةِ عند الحاجةِ والضرورة)، أي: الوجه والكفَّين.
    وقال الحطَّاب: (واعلم أنَّه إنْ خُشي من المرأة الفتنةُ يجبُ عليها سترُ الوجه والكفَّين؛ قاله القاضي عبد الوهاب، ونقلَه عنه الشيخُ أحمد زروق، وهو ظاهرُ التوضيح) [مواهب الجليل 1/499].
    قال في الفواكه الدواني 2/277: (اعلم أنَّ المرأةَ إذا كان يُخشى من رُؤيتها الفتنةُ، وجَبَ عليها سترُ جميعِ جسدِها، حتى وجهِها وكفَّيها).
    وفي 2/313: ("وأمَّا المُتجالَّة" وهي العجوزُ الفانية "فله" أي: الأجنبي "أن يرَى وجهَها" وكفَّيها "على كل حال"، ولو لغيرِ عُذر؛ للأمنِ ممَّا يحصُل برؤية الشابَّة).
    في الشرح الكبير 1/214: (فإذا خِيف من أَمَة فِتنةٌ وجَب سترُ ما عدا العورةِ؛ لخوف الفتنةِ، لا لكونها عورةً، وكذا يُقال في نظيره كستر وجهِ الحرَّة ويديها).
    وفي حاشية الصاوي 2/75 عن المحرِمة قال: (حاصلُ المعتمَد: أنَّها متى أرادتِ السترَ عن أعينِ الرِّجالِ، جاز لها ذلك مطلقًا، عَلِمتْ أو ظنَّتِ الفِتنة بها أم لا، نعمْ إذا عَلِمتْ أو ظَنَّت الفتنة بها وجَبَ كما قال الشارحُ) قال الزرقاني: لأنَّه يصير عورةً. [شرح الزرقاني على مختصر خليل 2/290].
    وفي جواهر الإكليل 1/41: (وأمَّا الأجنبيُّ الكافر فجميعُ جسدِها، حتى وجهها وكفَّيها، عورةٌ بالنسبة له).
    قال ابنُ عَطيَّة: (لَمَّا كانتْ عادةُ العربيَّات التبذُّلَ في معنى الحِجْبة، وكنَّ يكشِفْنَ وجوههنَّ كما يفعلُ الإماءُ، وكان ذلك داعيةً إلى نظر الرِّجال إليهنَّ، وتشعُّب الفِكر فيهنَّ- أمَرَ الله تعالى رسولَه عليه السلام بأمرهنَّ بإدناءِ الجلابيب؛ ليقعَ سترُهنَّ، ويَبِين الفرقُ بين الحرائر والإماء، فيُعرف الحرائرُ بسترهنَّ) [المحرر الوجيز 7/147].
    وقال ابن العربي في أحكام القرآن 3/616: (والمرأةُ كلُّها عورةٌ؛ بَدنُها وصوتُها، فلا يجوزُ كشفُ ذلك إلَّا لضرورةٍ أو لحاجةٍ، كالشَّهادة عليها).

    ومن خلال ما وقفتُ عليه من نقولٍ كثيرةٍ عن المالكيَّة يظهر أنَّهم يرون وجهَ المرأة عورةً يجبُ سترُها إذا خُشِي منها الفتنة، وإذا نظَر إليها أحدٌ تلذُّذًا كنظر المحدِّق، ولو كانت مُحرِمةً، وأنه يجوزُ أن تكشفَ لحاجةٍ كشهادةٍ، وعلاجٍ، ورؤيةِ خاطب، والعجوزُ يجوزُ لها ذلك، أمَّا الكافرُ فعندهم جميعُ جسدِها بما في ذلِك الوجه والكفَّان عورةٌ، لا يَحِلُّ لها أن يرَى الكافرُ الأجنبيُّ منها شيئًا.
    وبناءً على ما تَقدَّم فلا يصحُّ للمرأة أنْ تَخرُجَ بين الرجال كاشفةً؛ لأنَّه لا يخلو الأمرُ من ناظرٍ بتلذُّذ، وليستِ الفتنةُ مأمونةً، ولَمَّا كان مآلُ الأمر في الواقع إلى التغطية اختارَ جمهرةٌ من المالكيَّة أنَّ كلَّ بدن المرأة عورةٌ، كابن عطية، وابن العربي، والقرطبي.



    أقوال علماء الشافعية:

    قال الإمام النووي: " وَيَحْرُمُ نَظَرُ فَحْلٍ بَالِغٍ إلَى عَوْرَةِ حُرَّةٍ كَبِيرَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَكَذَا وَجْههَا وَكَفَّيْهَا عِنْدَ خَوْفِ فِتْنَةٍ، وَكَذَا عَنْدَ الْأَمْنِ عَلَى الصَّحِيحِ ط المنهاج 1/. 301
    وقال الإمام السبكي " إن الأقرب إلى صنع الأصحاب أن وجهها وكفيها عورة في النظر لا في الصلاة " مغني المحتاج 6/ 323.
    وقال الخطيب الشربيني: " يكره أن يصلي في ثوب فيه صورة، وأن يصلي الرجل متلثما والمرأة منتقبة إلا أن تكون في مكان، وهناك أجانب لا يحترزون عن النظر إليها فلا يجوز لها رفع النقاب" الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 1/453.
    وقال البجيرمي: " قَوْلُهُ (وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا عَوْرَتُهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ لِنَظَرِ الْأَجْنَبِيِّ إلَيْهَا فَهِيَ جَمِيعُ بَدَنِهَا حَتَّى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ولو عند أمن الفتنة" حاشيته على الخطيب 1/450.
    قال الرمليُّ: (وحيثُ قيل بالتَّحريم- وهو الراجحُ- حرُمَ النظرُ إلى المنتقبةِ التي لا يَبينُ منها غيرُ عينيها ومحاجرِها، كما بحَثه الأذرعيُّ ولا سيَّما إذا كانتْ جميلةً؛ فكم في المحاجرِ مِن خناجِر! وأفهم تخصيصُ الكلامِ بالوجه والكفَّين حُرمةَ كشْفِ ما سوى ذلك من البَدن، وما اختاره الأذرعيُّ تبعًا لجمْعِ مَن حلَّ نظَرَ وجهِ وكفِّ عجوزٍ تُؤمَن الفِتنةِ من نظرها لآيةِ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ [النور: 60]- ضعيفٌ مردودٌ بما مرَّ مِن سدِّ الباب، وأنَّ لكلِّ ساقطةٍ لاقطةً) [نهاية المحتاج 6/188].

    ويُبيِّن العمرانيُّ معنى كشْف المحرِمة لوجهها، فيقول: (وإذا أَحرمت المرأةُ.. فإنَّه لا يجبُ عليها كشْفُ رأسها، ولكن لا يجوزُ لها تغطيةُ وجهها، ولَسْنا نريد بذلك أنَّها تُبرزه للناس، وإنما نُريد أنَّها لا تُغطِّيه؛ فإن أرادتِ المرأة أن تسترَ وجهها عن الناس.. عقدَتِ الثوبَ على رأسها، وسَدَلَتْه على وجهها) [البيان في مذهب الشافعي 4/154-155].
    وأمَّا الإجماعات التي يَنقُلها الشافعيَّةُ على تحريم السُّفور، أو على أنَّ عادة النساء في كلِّ عصرٍ تغطيةُ الوجه فمتعدِّدة، فقد حكاه الموزعيُّ. تيسير البيان 2/1001، والجويني. نهاية المطلب 12/31، والغزالي. إحياء علوم الدين 2/47، وابن حجر. فتح الباري 9/324.


    أقوال علماء الحنابلة:

    قال الإمام أحمد: " كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها " نقله ابن تيمية في شرح العمدة 4/268.
    وقال ابن تيمية: "وكون الوجه واليدين ليسا بعورة لا يبيح إبداءهما للرجال بكل حال.. وإنما يظهر أثر ذلك في الصلاة ونحوها" شرح العمدة 3/373.
    وقال ابن القيم: " والعورة عورتان عورة في النظر وعورة في الصلاة، فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك" إعلام الموقعين 2/80.
    وقال الشيخ منصور البهوتي: " والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة، حتى ظفرها وشعرها.. إلا وجهها.. (وهما) أي الكفان (والوجه) من الحرة البالغة (عورة خارجها) أي الصلاة (باعتبار النظر كبقية بدنها) لما تقدم من قوله (ص): المرأة عورة" كشاف القناع 1/267
    قال الإمام أحمدُ: (كلُّ شيءٍ من المرأة عورةٌ، حتى ظُفرها، وقال: الزينةُ الظاهرة، والثياب، وكلُّ شيءٍ منها عورة- يعنى: المرأة- حتى الظُّفر، وقال: ظُفر المرأة عورةٌ، وإذا خرجت فلا يَبين منها لا يَدُها ولا ظُفرُها ولا خُفُّها؛ فإنَّ الخفَّ يصِفُ القدمُ) [أحكام النساء للإمام أحمد- رواية الخلال ص32-33].
    وفي كشاف القناع 1/266: ("وهما" أي: الكفَّان "والوجه" من الحُرَّةِ البالغة "عورةٌ خارجَها" أي: الصلاة "باعتبار النَّظرِ كبقيَّة بدنِها").
    قال في نيل المآرب 1/125: (والوجْهُ والكفَّانِ من الحُرَّةِ البالغةِ عورةٌ خارجَ الصلاة باعتبار النظرِ كبقيَّة بدنها).
    وقال في كشف المُخدَّرات 1/116: (والوَجْهُ والكفَّان عَورةٌ خارجَها باعتِبارِ النَّظرِ كبقِيَّةِ بدنِها).

    يقول شيخُ الإسلام: (اختلفت عبارةُ أصحابِنا في وجْه الحُرَّة في الصلاة؛ فقال بعضُهم: ليس بعورةٍ، وقال بعضُهم: عورةٌ وإنَّما رُخِّص في كشْفِه في الصلاة للحاجة، والتحقيق: أنَّه ليس بعورةٍ في الصَّلاة، وهو عورةٌ في باب النَّظر إذْ لم يَجُز النظر إليه) [الفتاوى الكبرى 5/324]. قال المرداويُّ: (وهو الصوابُ) [الإنصاف بحاشية المقنع والشرح الكبير 3/207].




    حديث أسماء في كشف الوجه والكفين غير صحيح ❌


    ⚠️ حديث أسماء ليس بصحيح، وهو حديث أسماء بنت أبي بكر، فيه: أنها دخلت على النبي ﷺ وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها النبي ﷺ وقال: يا أسماء! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يحل أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه هذا الحديث .... رواه أبو داود لكنه ضعيف الإسناد، لعلل منها:
    أنه من رواية خالد بن دريك عن عائشة، ولم يسمع منها فهو منقطع، وفي سنده سعيد بن بشير وهو ضعيف الرواية.
    وكذلك في سنده قتادة وقد عنعن، والمعنعن إذا كان مدلسًا لا تقبل روايته حتى يصرح بالسماع.
    ثم فيه علة رابعة: وهو أن أسماء بنت أبي بكر أخت عائشة، المرأة المعروفة بالاستقامة والخير زوجة الزبير، كيف يليق منها أن تدخل على النبي ﷺ في ثياب رقاق؟! هذا منكر المتن، لا يمكن، ولا يتصور أن أسماء المعروفة بالدين والاستقامة زوجة الزبير أن تدخل على النبي ﷺ في ثياب رقاق!!



    الدليل على النقاب والحجاب الساتر لكامل البدن بالصور والأدلة التاريخية


    من يتأمل حال الأزهر في مصر في عصرنا الحالي يجد أنه يحارب الحجاب الكامل (النقاب) ويدعي بعض الكاذبين من شيوخ الأزهر مثل ❌أحمد الطيب ومحمد سيد طنطاوي❌ أن النقاب لا هو سنة ولا هو فرض ويزيدون في الإفتراء ويقولون أنه عادة وليس عبادة❌ وتصريحاتهم هذه بالطبع تخالف القرآن الكريم والسنة النبوية وهي دعوة صريحة للسفور كما تم توضيحه في هذه الصفحة حيث تم الإثبات بالدليل القاطع أن المرأة كلها عورة وأن المرأة تستر كامل بدنها بالأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية. يتبع علماء الأزهر المذهب الأشعري والأشاعرة فرقة كلامية تقدم العقل على النقل. بالرغم من ذلك تجد كبار علماء الأشاعرة على مر التاريخ الإسلامي لا ينكرون النقاب كما يفعل شيوخ الأزهر في عصرنا الحالي.
    قال الغزالي: (فإذا خرَجَت فينبغي أن تغُضَّ بصَرَها عن الرِّجالِ، ولَسْنا نقولُ: إنَّ وَجهَ الرَّجُلِ في حَقِّها عورةٌ كوَجهِ المرأةِ في حَقِّه، بل هو كوجهِ الصَّبيِّ الأمردِ في حَقِّ الرجُلِ، فيَحرُمُ النظَرُ عند خَوفِ الفتنةِ فقط، فإن لم تكُنْ فتنةٌ فلا؛ إذ لم يزَل الرِّجالُ على مَرِّ الزَّمانِ مَكشوفي الوجوهِ، والنِّساءُ يخرُجْنَ مُنتَقِباتٍ، ولو كان وجوهُ الرِّجالِ عَورةً في حَقِّ النِّساءِ، لأُمِروا بالتنَقُّبِ، أو مُنِعنَ مِن الخروجِ إلَّا لضرورةٍ). ((إحياء علوم الدين)) (2/47).
    وقال النووي: (وإذا قُلنا تُؤَذِّنُ، فلا ترفَع الصَّوتَ فوق ما تُسمِعُ صواحِبَها؛ اتَّفَق الأصحابُ عليه، ونصَّ عليه في الأمِّ، فإن رفَعَت فوق ذلك حَرُمَ، كما يَحرُمُ تكَشُّفُها بحضرةِ الرِّجالِ؛ لأنَّه يُفتَتَنُ بصوتِها، كما يُفتَتَنُ بوَجْهِها). ((المجموع)) (3/100).
    قال الجُوَيني: (مع اتِّفاقِ المُسلمين على منعِ النِّساءِ مِن التبَرُّج والسُّفور وتَركِ التنَقُّب). ((نهاية المطلب في دراية المذهب)) (12/31)، وأقرَّه الرافعي في ((العزيز شرح الوجيز)) (7/472)، والنووي في ((روضة الطالبين)) (7/21).
    فهذا إثبات أن كبار علماء المذهب الأشعري الذي يتبعه الأزهر يقولون بشكل صريح أن الوجه والكفين عورة وأن الحجاب هو تغطية كامل البدن (النقاب) فلماذا يخالف الأزهر في عصرنا الحالي إجماع الأمة الإسلامية وينكر النقاب بالمخالفة للكتاب والسنة؟

    أسباب هذا الإنحراف ولماذا ينكر بعض المسلمين في عصرنا الحالي النقاب

    أول ظهور لقضية السفور كان مع تأسيس محمد علي (1769-1849) الدولة المصرية الحديثة، وما ارتبط بها من إرسال البعثات إلي أوروبا عموما، وفرنسا خصيصًا. كان رفاعة الطهطاوي (1801- 1873) إماما للبعثة إلى فرنسا وللأسف الشديد فتن رفاعة الطهطاوي بثقافة الغرب الكافر ويظهر هذا في كتابه الشهير (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) سنة 1834. تظهر في كتابات رفاعة الطهطاوي أنه فتن بشدة بالنساء الفرنسيات من حيث سفورها واختلاطها بالرجال في مجالات الحياة الاجتماعية المختلفة. سفور المرأة الفرنسية وملبسها قد فرض نفسه علي عقل رفاعة، خصوصا أنه عاش عالم هذه المرأة الفرنسية، خمس سنوات. وكان علي رفاعة أن يقبل هذا الحضور المتعين للمرأة أو يرفضه. ونعرف من كتاب رفاعة أنه اتخذ مبدأ التحسين والتقبيح العقليين عند المعتزلة أساسا لقبول أو رفض ما رآه في فرنسا، ومنه زي المرأة الفرنسية وسفورها. وقد أعمل رفاعة عقله في سفور المرأة، فرأي أنه شيء مقبول❌ مخالفا بذلك القرآن الكريم وسنة رسول الله ﷺ.

    قاسم أمين (1 ديسمبر 1863، في الإسكندرية – 23 أبريل 1908 في القاهرة) اتبع نفس طريق رفاعة الطهطاوي ولكن بشكل أوسع حيث أنه درس أيضا في فرنسا وعاد إلى مصر بكتابه الشهير تحرير المرأة 1899 يدعو فيه النساء بشكل صريح إلى السفور ويجب ذكر أن قاسم أمين فشل في إقناع زوجته في خلع حجابها الكامل (النقاب). هل تتخيل أن قاسم أمين الرجل الذي دعا المرأة المصرية إلى نزع الحجاب فشل في إقناع زوجته بأن تنزع حجابها؟!. نعم هذا ما حدث لقد ظلت زوجته متمسكة بوضع الحجاب على وجهها إلى ما بعد أن نزعت أغلب المصريات حجابهن. نعم هذه التفاصيل ذكرها مصطفى أمين في كتابه «من واحد لعشرة». في وقت نشر كتاب قاسم أمين تعرض لهجوم شديد جدا لأن كل النساء وقتها كانت منتقبات وهذه حقيقة تاريخية. فهناك شخصية مشهورة جداً قامت مع تأييد الحجاب، وهو محمد طلعت حرب الاقتصادي المعروف الذي اقترن اسمه -للأسف الشديد جداً- بشئون الاقتصاد الربوي، فإنه ألف أول كتاب في الرد على قاسم أمين، واسم الكتاب (تربية المرأة والحجاب) استنكر عليه دعوته وقال: إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوروبا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا في العالم الإسلامي.

    لم تكن الدعوة للسفور وقتها سهلة مثل عصرنا الحالي ففي بيت سعد زغول إن معاصريه ما كانوا ليسمحوا لزوجاتهم برؤية أصدقائهم ولا يذكر أحد من أصدقاء عدلي يكن باشا أنه رأى وجه زوجته بل الأغرب من هذا كله أن قاسم أمين زعيم تحرير المرأة كان يتردد باستمرار على بيت سعد زغلول ويتناول الغداء معه ومع صفية ولكن زوجة قاسم أمين لم تحضر هذا الغداء الدوري مرة واحدة. تاريخيا لم تتوقف الدعوة إلى السفور وخلع الحجاب على رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين فقط ولكن التطبيق العملي وبداية نزع النقاب والحجاب كليا كانت في عهد ثورة 1919 المصرية. حيث كانت رموز ثورة 1919 مثل سعد زغلول وزوجته صفية وهدى شعراوي وسيزا نبراوي هي صديقة هدى شعراوي في المؤتمرات الدولية والداخلية وهما أول من نزع الحجاب في مصر بعد عودتهما من الغرب إثر حضور مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما 1923م. في واقعة خلع النساء حجابهن في محطة القطار في 1923م.

    فبقدوم الاستعمار الصليبي إلى ديار المسلمين انبهر بعض المفتونين بالحضارة الغربية فشنوا هجومهم الكاسح على الحجاب، وكانت بدايتهم التركيز على النقاب حتى انتهى الأمر بهم إلى كشف العورات وخروج النساء من بيوتهن يزاحمن الرجال في كل الميادين أسوة بالدول الغربية والأمم غير المسلمة، وتأثّرَ بهذا الجو كثير من المنتسبين لأهل العلم في البلدان التي صار الحجاب الكامل لديها نسياً منسياً، وساعدهم على ذلك بعض العبارات الواردة في بعض الكتب الفقهية التي نصت على أن وجه المرأة ليس بعورة، مع أن هذا لا علاقة له بالنقاب، وإنما قصدهم ليس بعورة في الصلاة، فخلط هؤلاء بين الأمرين وتركوا المحكم للمتشابه، ومن ثم أصدروا كتباً في هذا الصدد زاعمين بأن النقاب ليس واجباً، وأن للمرأة أن تكشف وجهها في كل ميدان وأمام كل أحد خيفت الفتنة أم لم تخف، وزعموا أن هذا هو رأي جمهور العلماء. ❌

    بعد أن عرضنا الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الصحابة والفقهاء والأئمة الأربعة التى تؤكد أن المرأة المسلمة تغطي كامل بدنها عن الرجال وتغطي الوجه والكفين. سنعرض بعض الصور التاريخية التى تؤكد أن تغطية الوجه والكفين والحجاب الكامل هو الأصل وأن انتشار النساء السافرات والكاسيات العاريات هو بسبب ضعاف النفوس المتأثرين بالإستعمار الغربي.

    شكل الحجاب قبل دخول الاستعمار الغربي بلاد الإسلام
    شكل الحجاب في مصر قبل الإستعمار سنة 1906
    شكل الحجاب قبل الاستعمار الغربي 1918
    كل الصور من ثورة 1919 تظهر فيها النساء بالحجاب الكامل والنقاب


    أقوال العلماء في صحة ما نقله علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:
    علي بن أبي طلحة، إن صح أخذه التفسير من مجاهد فهو متصل، وهذا هو ما كان، قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (3/134):
    - "أخذ تفسير ابن عباس – رضي الله عنهما - عن مجاهد، فلم يذكر مجاهدا، بل أرسله عن ابن عباس" رضي الله عنهما -.
    فهذه شهادة باتصال تفسيره إلى ابن عباس، هذا وإن رواية علي هذه من الروايات المقبولة والمعتبرة عند المحدثين، قال السيوطي [في الإتقان في علوم القرآن 2/241]:
    "وقد ورد عن ابن عباس في التفسير ما لا يحصى كثرة، وفيه روايات وطرق مختلفة، فمن جيدها طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي، عنه قال أحمد بن حنبل:
    - بمصر صحيفة في التفسير، رواها علي ابن أبي طلحة، لو رحل رجل فيها إلى مصر، قاصدا، ما كان كثيرا.
    أسنده أبو جعفر في ناسخه. قال ابن حجر:
    - وهذه النسخة كانت عند أبي صالح، كاتب الليث، رواها معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس – رضي الله عنهما -، وهي عند البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في صحيحه كثيرا، فيما يعلقه عن ابن عباس – رضي الله عنهما -، وأخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح.
    وقال قوم: لم يسمع ابن أبي طلحة من ابن عباس رضي الله عنهما - التفسير، وإنما أخذه عن مجاهد أو سعيد بن جبير. قال ابن حجر: بعد أن عرفت الواسطة، وهو ثقة، فلا ضير في ذلك"(5).
    وذكر ابن حجر في كتابه [العجاب في بيان الأسباب ص57-58] فقال: "ومن طريق: معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس. وعلي: صدوق. لم يلق ابن عباس، لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه، فلذلك كان البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما، يعتمدون على هذه النسخة".
    وابن حجر نفسه يحتج بهذه الرواية ويصححها، ففي الفتح [13/271] قال:
    "وأخرج الطبري بسند صحيح عن عاصم بن كلي، عن أبيه عن ابن عباس – رضي الله عنهما - ثم أخرج من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس – رضي الله عنهما - بسند صحيح، قال: الأب: الثمار الرطبة".
    إذن لا وجه للطعن في هذه الرواية، فهي ثابتة، عمل بها الأئمة، واحتجوا بها، وليس بعد قول الإمام أحمد والبخاري وابن حاتم وابن حجر فيها قول.
    أما عبد الله بن صالح، فقد نقل الذهبي أقوال الأئمة فيه، بين مجرح ومعدل (ميزان الاعتدال 2/440-442)، فالشيخ قال فيه ضعف، وهذه إشارة إلى أن ضعفه ليس بالشديد، وهكذا قال أبو زرعة:
    - "لم يكن عندي ممن يتعمد الكذب، وكان حسن الحديث".
    - "وقال ابن عدي: هو عندي مستقيم الحديث، إلا أنه يقع في أسانيده ومتونه غلط، ولا يتعمد".
    - قال الذهبي: "وقد روى عنه البخاري في الصحيح، على الصحيح، ولكنه يدلسه، يقول: حدثنا عبد الله ولا ينسبه، وهو هو، نعم علق البخاري حديثا فقال فيه: قال الليث بن سعد، حدثني جعفر بن ربيعة، ثم قال في آخر الحديث: حدثني عبد الله بن صالح، حدثنا الليث، فذكره. ولكن هذا عند ابن حمّويه السرخسي دون صاحبيه، وفي الجملة ما هو بدون نعيم بن حماد، ولا إسماعيل بن أبي أويس، ولا سويد بن سعيد، وحديثهم في الصحيحين، ولكل منهم مناكير تغتفر في كثرة ما روي".
    فإذا كان هذا رأي الذهبي فيه، وابن عدي، وأبي زرعة، والبخاري، فكيف يرد حديثه جملة وتفصيلا؟.
    ثم إن ثناء الإمام أحمد وقبوله، والإمام البخاري، وابن أبي حاتم، وابن حجر:
    ما في صحيفة علي بن أبي طلحة تعديل وقبول ضمني لرواية أبي صالح عبد الله بن صالح، إذ هو أحد رواة هذه الصحيفة.