أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)

(اختيار من أقسام الكتاب والفتاوى)

معنى قوله ﷺ: "نور أنى أراه قوله رأيت نورا"

    ج/ 6 ص -507-قال الشيخ شمس الدين ابن القيم‏:‏
    سمعت شيخ الإسلام أحمد بن تيمية يقول في قوله ﷺ‏:‏‏"‏نور أنى أراه‏"‏ معناه‏:‏
    كان ثم نور، وحال دون رؤيته نور فأنى أراه‏؟‏ قال‏:‏ ويدل عليه أن في بعض ألفاظ الصحيح هل رأيت ربك‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏رأيت نورًا‏"‏‏.‏
    وقد أعضل أمر هذا الحديث على كثير من الناس، حتى صحفه بعضهم فقال‏:‏ ‏"‏نورًا إني أراه‏"‏ على أنها ياء النسب، والكلمة كلمة واحدة‏.‏ وهذا خطأ لفظًا ومعنى، وإنما أوجب لهم هذا الإشكال والخطأ أنهم لما اعتقدوا أن رسول الله ﷺ رأى ربه، وكان قوله‏:‏ ‏"‏أنى أراه‏؟‏‏"‏ كالإنكار للرؤية، حاروا في الحديث، ورده بعضهم باضطراب لفظه، وكل هذا عدول عن موجب الدليل‏.‏
    وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب ‏[‏الرد له‏]‏ إجماع الصحابة، على أنه ﷺ لم ير ربه ليلة المعراج، وبعضهم استثنى ابن عباس من ذلك، وشيخنا يقول‏:‏ ليس ذلك بخلاف في الحقيقة، فإن ابن عباس لم يقل

    ج/ 6 ص -508-رآه بعيني رأسه،وعليه اعتمد أحمد في إحدى الروايتين، حيث قال‏:‏ إنه رآه، لم يقل‏:‏ بعيني رأسه‏.‏
    ولفظ أحمد كلفظ ابن عباس‏.‏
    ويدل على صحة ما قال شيخنا في معنى حديث أبي ذر‏:‏ قوله ﷺ في الحديث الآخر‏:‏
    ‏"‏حجابه النور‏"‏ فهذا النور هو والله أعلم النور المذكور في حديث أبي ذر‏:‏ ‏"‏رأيت نورًا‏"‏‏.‏

    ج/ 6 ص -509-قال الشيخ رحمه الله‏:
    فَصْل
    وأما الرؤية، فالذي ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال‏:‏‏"‏رأى محمد ربه بفؤاده مرتين‏"‏، وعائشة أنكرت الرؤية‏.‏ فمن الناس من جمع بينهما فقال‏:‏ عائشة أنكرت رؤية العين، وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد‏.‏
    والألفاظ الثابتة عن ابن عباس هي مطلقة، أو مقيدة بالفؤاد، تارة يقول‏:‏ رأى محمد ربه، وتارة يقول‏:‏ رآه محمد، ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح بأنه رآه بعينه‏.‏
    وكذلك الإمام أحمد، تارة يطلق الرؤية، وتارة يقول‏:‏ رآه بفؤاده، ولم يقل أحد‏:‏ إنه سمع أحمد يقول‏:‏ رآه بعينه، لكن طائفة من أصحابه سمعوا بعض كلامه المطلق، ففهموا منه رؤية العين،كما سمع بعض الناس مطلق كلام ابن عباس ففهم منه رؤية العين‏.‏
    وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه، ولا ثبت ذلك عن أحد من

    ج/ 6 ص -510-الصحابة، ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل، كما في صحيح مسلم عن أبي ذر قال‏:‏ سألت رسول الله ﷺ هل رأيت ربك‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏نور، أنى أراه‏"‏‏.‏
    وقد قال تعالى‏:‏‏"‏سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا‏"‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 1‏]‏، ولو كان قد أراه نفسه بعينه لكان ذكر ذلك أولى‏.‏
    وكذلك قوله‏:‏ ‏
    "‏أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى‏"‏‏[‏النجم‏:‏ 12‏]‏، ‏"‏لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى‏"‏ ‏[‏النجم‏:‏18‏]‏ ولو كان رآه بعينه لكان ذكر ذلك أولى‏.‏
    وفي الصحيحين عن ابن عباس في قوله‏:‏‏
    "‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ‏"‏‏[‏الإسراء‏:‏60‏]‏، قال‏:‏ هي رؤيا عين، أريها رسول الله ﷺ ليلة أسرى به، وهذه ‏[‏رؤيا الآيات‏]‏ لأنه أخبر الناس بما رآه بعينه ليلة المعراج، فكان ذلك فتنة لهم، حيث صدقه قوم وكذبه قوم، ولم يخبرهم بأنه رأى ربه بعينه وليس في شىء من أحاديث المعراج الثابتة ذكر ذلك، ولو كان قد وقع ذلك لذكره كما ذكر ما دونه‏.‏
    وقد ثبت بالنصوص الصحيحة واتفاق سلف الأمة، أنه لا يرى الله أحد في الدنيا بعينه،إلا ما نازع فيه بعضهم من رؤية نبينا محمد ﷺ خاصة، واتفقوا على أن المؤمنين يرون الله يوم القيامة عيانًا، كما يرون الشمس والقمر‏.‏

    ج/ 6 ص -511-واللعنة تجوز مطلقًا لمن لعنه الله ورسوله، وأما لعنة المعيَّن فإن علم أنه مات كافرًا جازت لعنته‏.‏
    وأما الفاسق المعين، فلا تنبغي لعنته؛ لنهي النبي ﷺ أن يلعن ‏[‏عبد الله بن حمار‏]‏ الذي كان يشرب الخمر، مع أنه قد لعن شارب الخمر عمومًا، مع أن في لعنة المعين إذا كان فاسقًا أو داعيًا إلى بدعة نزاع، وهذه المسألة قد بسط الكلام عليها‏.‏

    ج/ 6 ص -512-سئل‏:‏ عن أقوام يدعون أنهم يرون الله بأبصارهم في الدنيا، وأنهم يحصل لهم بغير سؤال ما حصل لموسى بالسؤال‏.‏
    فأجاب‏:‏
    أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن المؤمنين يرون الله بأبصارهم في الآخرة، وأجمعوا على أنهم لا يرونه في الدنيا بأبصارهم، ولم يتنازعوا إلا في النبي ﷺ‏.‏
    وثبت عنه في الصحيح أنه قال‏:‏ ‏"‏واعلموا أن أحدًا منكم لن يرى ربه حتى يموت‏"‏‏.‏
    ومن قال من الناس‏:‏ إن الأولياء أو غيرهم يرى الله بعينه في الدنيا فهو مبتدع ضال، مخالف للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة، لا سيما إذا ادعوا أنهم أفضل من موسى، فإن هؤلاء يستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا، والله أعلم‏.


    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة PDF
    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة XML