أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)

(اختيار من أقسام الكتاب والفتاوى)

مما يبين أن طريقة اتباع الأنبياء هي الموصلة إلى الحق دون طريقة من خالفهم من الفلاسفة والمتكلمين

    ج/ 6 ص -66-فصل
    مما يبين أن طريقة أتباع الأنبياء من أهل السنة، هي الموصلة إلى الحق دون طريقة من خالفهم من الفلاسفة، والمتكلمين، أن المقصود هو العلم، وطريقه هو الدليل، والأنبياء جاؤوا المفصل والنفى المجمل، كإثبات الصفات لله مفصلة، نفى الكفؤ عنه ‏.‏
    والفلاسفة يجيؤون بالنفي المفصل، ليس بكذا ولا كذا‏.‏ فإذا جاء الإثبات أثبتوا وجودًا مجملاً، واضطربوا في أول مقامات ثبوته، وهو أن وجوده هو عين ذاته، أو صفة ذاتية لها، أو عرضية، ونحو ذلك من النزاعات الذهنية اللفظية‏.‏
    ومعلوم أن النفي لا وجود له، ولا يعلم النفي والعدم إلا بعد العلم بالثبوت والوجود، حتى إن طائفة من المتكلمين نفوا العلم بالمعدوم، إلا إذا جعل شيئًا؛ لأن العلم فيما زعموا لابد أن يتعلق بشىء، والتحقيق أن العلم بالعدم يحصل بواسطة العلم بالموجود، فإذا علمنا أنه لا إله إلا الله، تصورنا إلها موجودا، وعلمنا عدم ما تصورناه إلا عن الله‏.‏
    وكذلك سائر ما ننفيه، لابد أن نتصوره أولا ثم ننفيه، ولا نتصوره إلا بعد

    ج/ 6 ص -67-تصور شىء موجود، ثم نتصور ما شابهه، أو ما يتركب من أجزائه، كتصور بحر زئبق وجبل ياقوت، وآلهة متعددة، ونحو ذلك ثم ننفيه؛ وإلا فتصور معدوم مبتدع، لا يناسب الموجودات بوجه لا يمكن العقل إبداعه، سواء كان من العلوم النظرية أو العلمية، كتصور الفاعل ما يفعله قبل فعله‏.‏
    فإنه في الحقيقة تصور معدوم ليوجد، كما أن غيره تصور معدوم ممكن أو ممتنع يوجد، أو لا يوجد، فالمعدوم الفعلي وغير الفعلي لا يبتدعه عقل الإنسان من غير مادة وجودية، كما لا تبدع قدرته شيئًا من غير مادة وجودية، وإنما الإبداع من خصائص الربوبية، وكيف يعلم‏؟‏ وكيف يفعل‏؟‏ باب آخر‏.‏
    فتبين بهذا، أن العلم بالموجود وصفاته، هو الأصل، وأن العلم بالعدم المطلق والمقيد تبع له، وفرع عليه‏.‏ وأيضًا، فالعلم بالعدم لا فائدة للعالم به، إلا لتمام العلم بالموجود، وتمام الموجود في نفسه، إذ تصور لا شىء لا يستفيد به العالم صفة كمال، لكن علمه بانتفاء النقائص مثلاً عن الموجود علم بكماله‏.‏
    وكذلك العلم بنفي الشركاء عنه علم بوحدانيته، التي هي من الكمال، وكذلك تصور ما يراد فعله مُفْضٍ إلى وجود الفعل، وتصور ما يراد تركه مفض إلى الترك، الذي هو عدم الشر، الذي يكمل الموجود بعدمه‏.‏
    وذلك أن هذا الذي ذكرته في العلم والقول، يقال مثله في الإرادة والعمل، فإن الإرادة متوجهة إلى الموجود بنفسه، الذي هو الفعل، ومتوجهة إلى العدم الذي هو الترك على طريق التبع؛ لدفع الفساد عن المقصود الموجود‏.


    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة PDF
    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة XML