ج/ 4 ص -277-وَسُئلَ عن الصغير، وعن الطفل إذا مات: هل يمتحن ؟ إلخ
. . . الوقوف فيهم وأن يقال: اللّه أعلم بما كانوا عاملين، ولبسطه موضع آخر.
وإذا مات الطفل فهل يمتحن في قبره ويسأله منكر ونكير؟ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره:
أحدهما: أنه لا يمتحن، وأن المحنة إنما تكون على من كلف في الدنيا، قاله طائفة: منهم القاضي أبو يعلى وابن عقيل. والثاني: أنهم يمتحنون، ذكره أبوحكيم الهمداني، وأبو الحسن ابن عبدوس، ونقله عن أصحاب الشافعي. وعلى هذا التفصيل تلقين الصغير والمجنون: من قال إنه يمتحن في القبر، لقنه. ومن قال: لا يمتحن، لم يلقنه. وقد روى مالك وغيره عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنه ﷺ صلى على طفل، فقال: (اللّهم قِهِ عذاب القبر وفتنة القبر)، وهذا القول موافق لقول من قال: إنهم يمتحنون في الآخرة، وإنهم مكلفون يوم القيامة، كما هو قول أكثر أهل العلم
ج/ 4 ص -278-وأهل السنة من أهل الحديث والكلام، وهو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة واختاره، وهو مقتضى نصوص الإمام أحمد، واللّه أعلم.
وإذا دخل أطفال المؤمنين الجنة فأرواحهم وأرواح غيرهم من المؤمنين في الجنة، وإن كانت درجاتهم متفاضلة، والصغار يتفاضلون بتفاضل آبائهم، وتفاضل أعمالهم إذا كانت لهم أعمال فإن إبراهيم ابن النبي ﷺ ليس هو كغيره، والأطفال الصغار يثابون على ما يفعلونه من الحسنات، وإن كان القلم مرفوعاً عنهم في السيئات؛ كما ثبت في الصحيح: أن النبي ﷺ رَفعتْ إليه امرأة صبيًا من مِحَفَّة فقالت: ألهذا حج؟ قال: (نعم. ولك أجر). رواه مسلم في صحيحه.
وفي السنن أنه قال: (مُرُوهم بالصلاة لِسَبعٍ، واضربوهم عليها لِعَشْرٍ، وفَرِّقوا بينهم في المضاجع). وكانوا يُصَوِّمون الصغار يوم عاشوراء وغيره، فالصبي يثاب على صلاته وصومه، وحجه وغير ذلك من أعماله، ويفضل بذلك على من لم يعمل كعمله، وهذا غير ما يفعل به إكراماً لأبويه، كما أنه في النعم الدنيوية قد ينتفع بما يكسبه وبما يعطيه أبواه، ويتميز بذلك على من ليس كذلك.
وأرواح المؤمنين في الجنة، كما جاءت بذلك الآثار، وهو كما قال النبي ﷺ: (نسمة المؤمن تَعْلُقُ من الجنة) أي: تأكل، ولم يوقت في ذلك وقت قبل يوم القيامة.
ج/ 4 ص -279-والأرواح مخلوقة بلا شك، وهي لا تعدم ولا تفنى، ولكن موتها مفارقة الأبدان، وعند النفخة الثانية تعاد الأرواح إلى الأبدان.
وأهل الجنة الذين يدخلونها على صورة أبيهم آدم عليه السلام طول أحدهم ستون ذراعاً، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة.
وقد قال بعض الناس: إن أطفال الكفار يكونون خدم أهل الجنة، ولا أصل لهذا القول.
وقد ثبت في الصحيحين أن الجنة يبقى فيها فضل عن أهل الدنيا، فينشئ اللّه لها خلقاً آخر فيسكنهم الجنة، فإذا كان يسكن من ينشئه من الجنة من غير ولد آدم في فضول الجنة، فكيف بمن دخلها من ولد آدم وأسكن في غير فضولها؟ فليسوا أحق بأن يكونوا من أهل الجنة، ممن ينشأ بعد ذلك ويسكن فضولها.
وأما الورود المذكور في قوله تعالى: "وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا" [مريم: 71] فقد فسره النبي ﷺ في الحديث الصحيح، رواه مسلم في صحيحه عن جابر: (بأنه المرور على الصراط)، والصراط هو الجسر، فلابد من المرور عليه لكل من يدخل الجنة، من كان صغيراً في الدنيا ومن لم يكن.
والولدان الذين يطوفون على أهل الجنة خلق من خلق الجنة، ليسوا من أبناء الدنيا، بل أبناء أهل الدنيا إذا دخلوا الجنة كمل خلقهم كأهل الجنة، على صورة آدم، أبناء ثلاث وثلاثين في طول ستين ذراعاً، كما تقدم. وقد روى أن العرض سبعة أذرع، واللّه أعلم.
ج/ 4 ص -280-سُئلَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ عن الصغير هل يحيا ويسأل أو يحيا ولا يسأل؟ وبماذا يسأل عنه؟ وهل يستوى في الحياة والسؤال من يكلف ومن لا يكلف؟
فأَجَابَ:
الحمد للّه رب العالمين، أما من ليس مكلفاً كالصغير والمجنون، فهل يمتحن في قبره ويسأله منكر ونكير ؟ على قولين للعلماء:
أحدهما: أنه يمتحن وهو قول أكثر أهل السنة، ذكره أبو الحسن ابن عبدوس عنهم، وذكره أبو حكيم النهروانى وغيرهما.
والثاني: أنه لا يمتحن في قبره، كما ذكره القاضي أبو يعلى، وابن عقيل وغيرهما. قالوا: لأن المحنة إنما تكون لمن يكلف في الدنيا.
ومن قال بالأول، يستدل بما في الموطأ عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنه ﷺ صلى على صغير لم يعمل خطيئة قط، فقال: (اللّهم قه عذاب القبر وفتنة القبر). وهذا يدل على أنه يفتن.
ج/ 4 ص -281-وأيضاً، فهذا مبني على أن أطفال الكفار الذين لم يكلفوا في الدنيا يكلفون في الآخرة، كما وردت بذلك أحاديث متعددة، وهو القول الذي حكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة، فإن النصوص عن الأئمة كالإمام أحمد وغيره: الوقف في أطفال المشركين، كما ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه سئل عنهم فقال: (اللّه أعلم بما كانوا عاملين).
وثبت في صحيح البخاري من حديث سَمُرَة أن منهم من يدخل الجنة. وثبت في صحيح مسلم أن الغلام الذي قتله الخضر طُبِع يوم طُبِع كافراً؛ فإن كان الأطفال وغيرهم فيهم شقي وسعيد، فإذا كان ذلك لامتحانهم في الدنيا لم يمنع امتحانهم في القبور، لكن هذا مبني على أنه لا يشهد لكل مُعَينَّ من أطفال المؤمنين بأنه في الجنة، وإن شهد لهم مطلقاً، ولو شهد لهم مطلقًا. فالطفل الذي ولد بين المسلمين قد يكون منافقاً بين مؤمنين، واللّه أعلم.