أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)

(اختيار من أقسام الكتاب والفتاوى)

باب حد الزنا

    ج/ 34 ص -177-باب حد الزنا
    سئل شَيخ الإسلام قدس اللّه روحه عمن زنا بأخته‏:‏ ماذا يجب عليه‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    وأما من زنا بأخته مع علمه بتحريم ذلك وجب قتله، والحجة في ذلك ما رواه البراء بن عازب، قال‏:‏
    مر بي خالي أبو بردة، ومعه راية، فقلت‏:‏ أين تذهب ياخالي‏!‏ قال‏:‏ بعثني رسول اللّه ﷺ إلى رجل تزوج بامرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه، وأخمس ماله‏.‏ واللّه أعلم‏.‏
    وسئل رحمه اللّه عن امرأة مزوجة بزوج كامل، ولها أولاد، فتعلقت بشخص من الأطراف أقامت معه على الفجور، فلما ظهر أمرها سعت في مفارقة الزوج‏:‏ فهل بقي لها حق على أولادها بعد هذا الفعل‏؟‏ وهل عليهم إثم في قطعها‏؟‏ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرا‏؟‏ وإن فعل ذلك غيره يأثم‏؟‏

    ج/ 34 ص -178-فأجاب‏:‏
    الحمد للّه، الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات فإن لم تمتنع إلا بالحبس حبسوها، وإن احتاجت إلى القيد قيدوها‏.‏ وما ينبغي للولد أن يضرب أمه‏.‏ وأما برها فليس لهم أن يمنعوها برها، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء، بل يمنعوها بحسب قدرتهم‏.‏ وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها، وكسوها، ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتل ولا غيره، وعليهم الإثم في ذلك‏.‏
    وسئل رحمه اللّه تعالى عن بلد فيها جوار سائبات يزنون مع النصارى والمسلمين‏.‏
    فأجاب‏:‏
    وأما على سيد الأمة إذا زنت أن يقيم عليها الحد، كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال‏:
    ‏ ‏"‏إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها، ثم إن زنت فليجلدها، ثم إن زنت فليجلدها، ثم إن زنت في الرابعة فليبعها ولو بضفير‏"‏، والضفير‏:‏ الحبل، فإن لم يفعل ما أمره به رسول اللّه ﷺ كان عاصيا للّه ورسوله‏.‏ وكان إصراره على المعصية قادحًا في عدالته، فأما إذا كان هو يرسلها لتبغي وتنفق على نفسها من مهر البغاء، أو يأخذ هو شيئًا من ذلك، فهذا ممن لعنه اللّه ورسوله، وهو فاسق خبيث، آذن في الكبيرة، وآخذ مهر البغي، ولم ينهها عن الفاحشة‏.‏ ومثل هذا لا يجوز أن يكون معدلًا، بل لا يجوز إقراره بين المسلمين، بل يستحق العقوبة

    ج/ 34 ص -179-الغليظة حتى يصون إماءه‏.‏ وأقل العقوبة أن يهجر فلا يسلم عليه، ولا يصلى خلفه إذا أمكنت الصلاة خلف غيره، ولا يستشهد ولا يولى ولاية أصلًا‏.‏ ومن استحل ذلك فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وكان مرتدًا لا ترثه ورثته المسلمون‏.‏ وإن كان جاهلًا بالتحريم عرف ذلك حتى تقوم عليه الحجة، فإن هذا من المحرمات المجمع عليها‏.‏
    وسئل رحمه اللّه تعالى عمن حلف لولده أنه إن فعل منكرًا يقيم عليه الحد، فأقر لوالده فضربه مائة جلدة، وبقي تغريب عام، فهل يجوز في تغريب العام كفارة، أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    أنه إذا غربه في الحبس ولو في دار الأب يوفي يمينه، وإن كان مطلقا غير مقيد في موضع معين، فإنه لا يجب القيد، ولا جعله في مكان مظلم‏.‏ واللّه أعلم‏.‏
    وسئل عمن وجب عليه حد الزنا فتاب قبل أن يحد‏:‏ فهل يسقط عنه الحد بالتوبة‏؟‏

    ج/ 34 ص -180-فأجاب‏:‏
    إن تاب من الزنا، والسرقة، أو شرب الخمر، قبل أن يرفع إلى الإمام‏:‏ فالصحيح أن الحد يسقط عنه، كما يسقط من المحاربين بالإجماع إذا تابوا قبل القدرة‏.‏
    وسئل رَحمه اللّه عن رجل أذنب ذنبا يجب عليه حد من الحدود‏:‏ مثل جلد، أو حصب ثم تاب من ذلك الذنب، وأقلع، واستغفر، ونوي ألا يعود‏:‏ فهل يجزئه ذلك‏؟‏ أو يحتاج مع ذلك إلى أن يأتي إلى ولي الأمر ويعرفه بذنبه ليقيم عليه الحد، أم لا‏؟‏ وهل ستره على نفسه وتوبته أفضل، أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إذا تاب توبة صحيحة تاب اللّه عليه من غير حاجة إلى أن يقر بذنبه حتى يقام عليه الحد، وفي الحديث‏:‏ ‏"
    ‏من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر اللّه، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب اللّه‏"‏‏.‏ وفي الأثر أيضا‏:‏ من أذنب سرًا فليتب سرًا، ومن أذنب علانية فليتب علانية‏.‏ وقد قال تعالى‏:‏ ‏"‏وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ‏"‏ الآية ‏[‏آل عمران‏:‏ 135‏]‏‏.‏
    وسئل رَحمه اللّه عن إثم المعصية، وحد الزنا‏:‏ هل تزاد في الأيام المباركة، أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    نعم، المعاصي في الأيام المفضلة والأمكنة المفضلة تغلظ، وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان‏.‏

    ج/ 34 ص -181-وسئل رَحمه اللّه تعالى عن امرأة قوادة تجمع الرجال والنساء، وقد ضربت، وحبست، ثم عادت تفعل ذلك، وقد لحق الجيران الضرر بها‏:‏ فهل لولي الأمر نقلها من بينهم، أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    نعم، لولي الأمر كصاحب الشرطة أن يصرف ضررها بما يراه مصلحة‏:‏ إما بحبسها، وإما بنقلها عن الحرائر، وإما بغير ذلك مما يري فيه المصلحة، وقد كان عمر بن الخطاب يأمر العزاب ألا تسكن بين المتأهلين، وألايسكن المتأهل بين العزاب، وهكذا فعل المهاجرون لما قدموا المدينة على عهد النبي ﷺ، ونفوا شابا خافوا الفتنة به من المدينة إلى البصرة، وثبت في الصحيحين‏:‏
    أن النبي ﷺ نفي المخنثين وأمر بنفيهم من البيوت خشية أن يفسدوا النساء‏.‏ فالقوادة شر من هؤلاء، واللّه يعذبها مع أصحابها‏.‏
    وسئل عن الفاعل، والمفعول به بعد إدراكهما ما يجب عليهما‏؟‏ وما يطهرهما‏؟‏ وما ينويان عند الطهارة‏؟‏

    ج/ 34 ص -182-فأجاب‏:‏
    أما الفاعل والمفعول به فيجب قتلهما رجما بالحجارة، سواءكانا محصنين أو غير محصنين، لما في السنن عن النبي ﷺ أنه قال‏
    :‏ ‏"‏من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به‏"‏، ولأن أصحاب النبي ﷺ اتفقوا على قتلهما‏.‏ وعليهما الاغتسال من الجنابة، وترتفع الجنابة من الاغتسال، لكن لا يطهران من نجاسة الذنب إلا بالتوبة، وهذا معني ما روي أنهما لو اغتسلا بالماء ينويان رفع الجنابة واستباحة الصلاة‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏
    وسئل رحمه اللّه عن قوله في التهذيب‏:‏ من أتي بهيمة فاقتلوا المفعول، واقتلوا الفاعل بها‏:‏ فهل يجب ذلك، أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد للّه، هذا فيه حديث، رواه أبو داود في السنن، وهو قوله‏:
    ‏ ‏"‏من أتي بهيمة فاقتلوه، واقتلوها‏"‏، وهو أحد قولي العلماء، كأحد القولين في مذهب أحمد، ومذهب الشافعي‏.‏


    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة PDF
    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة XML