أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)

(اختيار من أقسام الكتاب والفتاوى)

باب النشوز

    ج/ 32 ص -274-باب النشوز
    سئل شيخ الإسلام رَحِمهُ اللّه عن رجل له زوجة، تصوم النهار وتقوم الليل، وكلما دعاها الرجل إلى فراشه تأبى عليه، وتقدم صلاة الليل وصيام النهار على طاعة الزوج‏:‏فهل يجوز ذلك‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    لا يحل لها ذلك باتفاق المسلمين، بل يجب عليها أن تطيعه إذا طلبها إلى الفراش، وذلك فرض واجب عليها‏.‏ وأما قيام الليل وصيام النهار فتطوع، فكيف تقدم مؤمنة للنافلة على الفريضة‏؟‏ ‏!‏ حتى قال النبي ﷺ في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة‏:‏أن النبي ﷺ قال‏
    :‏‏"‏لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه‏"‏‏.‏ ورواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما، ولفظهم‏:‏‏"‏لا تصوم امرأة وزوجها شاهد يوما من غير رمضان إلا بإذنه‏"‏‏.‏ فإذا كان النبي ﷺ قد حرم على المرأة أن تصوم تطوعا إذا كان زوجها شاهدا إلا بإذنه، فتمنع بالصوم بعض ما يجب له عليها‏:‏

    ج/ 32 ص -275-فكيف يكون حالها إذ طلبها فامتنعت‏؟‏ ‏!‏ وفي الصحيحين عن النبي ﷺ‏:‏‏"‏إذا دعا الرجل المرأة إلى فراشه فأبت، لعنتها الملائكة حتى تصبح‏"‏‏.‏ وفي لفظ‏:‏‏"‏إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى تصبح‏"‏‏.‏ وقد قال اللّه تعالى‏:‏‏"‏فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ‏"‏[‏النساء‏:‏34‏]‏، فالمرأة الصالحة هي التي تكون قانتة أي‏:‏مداومة على طاعة زوجها‏.‏ فمتى امتنعت عن إجابته إلى الفراش كانت عاصية ناشزة، وكان ذلك يبيح له ضربها كما قال تعالى‏:‏‏"‏وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عليهنَّ سَبِيلاً‏"‏ ‏[‏النساء‏:‏34‏]‏‏.‏
    وليس على المرأة بعد حق اللّه ورسوله أوجب من حق الزوج، حتى قال النبي ﷺ‏:‏‏
    "‏لو كنت آمراً لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة تسجد لزوجها؛ لعظم حقه عليها‏"‏‏.‏ وعنه ﷺ أن النساء قلن له‏:‏إن الرجال يجاهدون، ويتصدقون، ويفعلون، ونحن لا نفعل ذلك‏.‏ فقال‏:‏‏"‏حسن فعل أحدكن يعدل ذلك‏"‏ أي‏:‏أن المرأة اذا أحسنت معاشرة بعلها كان ذلك موجبا لرضاء اللّه وإكرامه لها، من غير أن تعمل ما يختص بالرجال‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

    ج/ 32 ص -276-وسئل رحمه اللّه تعالى عن رجل حلف على زوجته، وقال‏:‏لأهجرنك إن كنت ما تصلين فامتنعت من الصلاة ولم تصل، وهجر الرجل فراشها‏:‏فهل لها على الزوج نفقة أم لا‏؟‏ وماذا يجب عليها إذا تركت الصلاة‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد للّه، إذا امتنعت من الصلاة، فإنها تستتاب فإن تابت وإلا قتلت‏.‏ وهجر الرجل على ترك الصلاة من أعمال البر التي يحبها اللّه ورسوله، ولا نفقة لها إذا امتنعت من تمكينه إلا مع ترك الصلاة‏.‏ واللّه أعلم‏.‏
    وسئل رحمه اللّه عمن له زوجة لا تصلى‏:‏هل يجب عليه أن يأمرها بالصلاة‏؟‏ وإذا لم تفعل‏:‏هل يجب عليه أن يفارقها، أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    نعم عليه أن يأمرها بالصلاة، ويجب عليه ذلك، بل يجب عليه أن يأمر بذلك كل من يقدر على أمره به إذا لم يقم غيره بذلك، وقد قال

    ج/ 32 ص -277-تعالى‏:‏‏"‏وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عليها‏"‏ الآية ‏[‏طه‏:‏132‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏‏"‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ‏"‏ الآية ‏[‏التحريم‏:‏6‏]‏‏.‏ وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏‏"‏علموهم وأدبوهم‏"‏‏.‏
    وينبغى مع ذلك الأمر أن يحضها على ذلك بالرغبة، كما يحضها على ما يحتاج إليها، فإن أصرت على ترك الصلاة فعليه أن يطلقها، وذلك واجب في الصحيح‏.‏ وتارك الصلاة مستحق للعقوبة حتى يصلى باتفاق المسلمين، بل إذا لم يصل قتل‏.‏ وهل يقتل كافراً مرتداً‏؟‏ على قولين مشهورين‏.‏ واللّه أعلم‏.‏
    وسئل رَحمه اللّه تعالى عن قوله تعالى‏:
    ‏‏"‏وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ‏"‏ ‏[‏النساء‏:‏34‏]‏، وفي قوله تعالى‏:‏‏"‏وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا‏"‏ إلى قوله تعالى‏:‏‏"‏وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏"‏ ‏[‏المجادلة‏:‏11‏]‏، يبين لنا شيخنا هذا النشوز من ذاك‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد للّه رب العالمين، النشوز في قوله تعالى‏:‏‏
    "‏تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ‏"‏[‏النساء‏:‏34‏]‏، هو أن تنشز عن زوجها فتنفر عنه بحيث لا تطيعه إذا دعاها للفراش، أو تخرج من منزله بغير إذنه، ونحو ذلك مما فيه امتناع عما يجب عليها من طاعته‏.‏

    ج/ 32 ص -278-وأما النشوز في قوله تعالى‏:‏ "‏وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا‏"‏ ‏[‏المجادلة‏:‏11‏]‏، فهو النهوض والقيام والارتفاع‏.‏ وأصل هذه المادة هو الارتفاع والغلظ، ومنه النشز من الأرض، وهو المكان المرتفع الغليظ‏.‏ ومنه قوله تعالى‏:‏‏"‏وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا‏"‏ ‏[‏البقرة‏:‏259‏]‏، أى نرفع بعضها إلى بعض‏.‏ ومن قرأ ننشرها أراد نحييها‏.‏ فسمى المرأة العاصية ناشزاً لما فيها من الغلظ والارتفاع عن طاعة زوجها، وسمى النهوض نشوزاً لأن القاعد يرتفع من الأرض‏.‏ واللّه أعلم‏.‏
    وسئل رَحمه اللّه عن رجل له زوجة، وهي ناشز تمنعه نفسها‏:‏فهل تسقط نفقتها وكسوتها وما يجب عليها‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد للّه، تسقط نفقتها وكسوتها إذا لم تمكنه من نفسها، وله أن يضربها إذا أصرت على النشوز، ولا يحل لها أن تمنع من ذلك إذا طالبها به، بل هي عاصية للّه ورسوله، وفي الصحيح‏:‏‏"‏إذا طلب الرجل المرأة إلى فراشه فأبت عليه كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى تصبح‏"‏‏.‏

    ج/ 32 ص -279-وسئل شيخ الإسلام رَحمِهُ اللّه عن رجل له امرأة، وقد نشزت عنه في بيت أبيها من مدة ثمانية شهور، ولم ينتفع بها‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إذا نشزت عنه فلا نفقة لها، وله أن يضربها إذا نشزت، أو آذته، أو اعتدت عليه‏.‏
    وسئل رَحمه اللّه عما يجب على الزوج إذا منعته من نفسها إذا طلبها‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله، لا يحل لها النشوز عنه، ولا تمنع نفسها منه، بل إذا امتنعت منه وأصرت على ذلك فله أن يضربها ضربا غير مبرح، ولا تستحق نفقة ولا قسما‏.‏
    وسئل عمن تزوج بامرأة ودخل بها، وهو مستمر في النفقة، وهي ناشز‏.‏ ثم إن والدها أخذها وسافر من غير إذن الزوج، فماذا يجب عليهما‏؟‏

    ج/ 32 ص -280-فأجاب‏:‏
    الحمد لله، إذا سافر بها بغير إذن الزوج فإنه يعزر على ذلك‏.‏ وتعزر الزوجة إذا كان التخلف يمكنها، ولا نفقة لها من حين سافرت‏.‏ واللّه أعلم‏.‏
    وسئل رَحمه اللّه تعالى عن رجل تزوج امرأة من مدة إحدى عشرة سنة، وأحسنت العشرة معه، وفي هذا الزمان تأبى العشرة معه، وتناشزه‏:‏فما يجب عليها‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    لا يحل لها أن تنشز عليه ولا تمنع نفسها، فقد قال النبي ﷺ‏:‏‏
    "‏ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى تصبح‏"‏ فإذا أصرت على النشوز فله أن يضربها، وإذا كانت المرأة لا تقوم بما يجب للرجل عليها فليس عليه أن يطلقها ويعطيها الصداق، بل هي التي تفتدى نفسها منه، فتبذل صداقها ليفارقها، كما أمر النبي ﷺ لامرأة ثابت بن قيس بن شماس ‏"‏أن يعطي صداقها فيفارقها‏"‏‏.‏ وإذا كان معسراً بالصداق لم تجز مطالبته بإجماع المسلمين‏.‏
    وسئل رَحمه اللّه عن رجل تزوج بامرأة ما ينتفع بها ولا تطاوعه في أمر، وتطلب منه نفقة وكسوة، وقد ضيقت عليه أموره‏:‏فهل تستحق عليه نفقة وكسوة‏؟‏

    ج/ 32 ص -281-فأجاب‏:‏
    إذا لم تمكنه من نفسها أو خرجت من داره بغير إذنه فلا نفقة لها ولا كسوة، وكذلك إذا طلب منها أن تسافر معه فلم تفعل فلا نفقة لها ولا كسوة، فحيث كانت ناشزاً عاصية له فيما يجب له عليها من طاعته، لم يجب لها نفقة ولا كسوة‏.‏
    وسئل رَحمه اللّه تعالى عن امرأة متزوجة برجل، ولها أقارب كلما أرادت أن تزورهم أخذت الفراش، وتقعد عندهم عشرة أيام وأكثر، وقد قربت ولادتها، ومتى ولدت عندهم لم يمكن أن تجيء إلى بيتها إلا بعد أيام، ويبقى الزوج بردان‏:‏فهل يجوز لهم أن يخلوها تلد عندهم‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    لا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذنه، ولا يحل لأحد أن يأخذها إليه ويحبسها عن زوجها، سواء كان ذلك لكونها مرضعاً، أو لكونها قابلة، أو غير ذلك من الصناعات، وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشزة عاصية للّه ورسوله، ومستحقة للعقوبة‏.


    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة PDF
    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة XML