ج/ 32 ص -269-باب القسم بين الزوجات
وسئل رحمه الله تعالى عن رجل متزوج بامرأتين، وإحداهما يحبها، ويكسوها، ويعطيها ويجتمع بها أكثر من صاحبتها .
فأجاب:
الحمد لله، يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين. وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال:"من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل". فعليه أن يعدل في القسم. فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثًا بات عند الأخرى بقدر ذلك، ولا يفضل إحداهما في القسم، لكن إن كان يحبها أكثر، ويطأها أكثر، فهذا لا حرج عليه فيه، وفيه أنزل اللّه تعالى:"وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ" [النساء:129]، أي:في الحب والجماع، وفي السنن الأربعة عن عائشة قالت:كان رسول اللّه ﷺ يقسم ويعدل، فيقول:"هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك"، يعني:القلب.
ج/ 32 ص -270-وأما العدل في النفقة، والكسوة، فهو السنة أيضا، اقتداء بالنبي ﷺ، فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة، كما كان يعدل في القسمة، مع تنازع الناس في القسم:هل كان واجبا عليه أو مستحبا له؟ وتنازعوا في العدل في النفقة:هل هو واجب أو مستحب؟ ووجوبه أقوى، وأشبه بالكتاب والسنة.
وهذا العدل مأمور به ما دامت زوجة، فإن أراد أن يطلق إحداهما فله ذلك، فإن اصطلح هو والتي يريد طلاقها على أن تقيم عنده بلا قسم وهي راضية بذلك جاز، كما قال تعالى:"وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عليهمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ" [النساء:128]، وفي الصحيح عن عائشة قالت:أنزلت هذه الآية في المرأة تكون عند الرجل، فتطول صحبتها، فيريد طلاقها، فتقول:لا تطلقني، وأمسكني، وأنت في حل من يومي، فنزلت هذه الآية. وقد كان النبي ﷺ أراد أن يطلق سودة، فوهبت يومها لعائشة، فأمسكها بلا قسمة، وكذلك رافع بن خديج جرى له نحو ذلك، ويقال إن الآية أنزلت فيه.
وسئل رحمه اللّه عن رجل له امرأتان، ويفضل إحداهما على الأخرى في النفقة وسائر الحقوق، حتى إنه هجرها:فما يجب عليه؟
ج/ 32 ص -271-فأجاب:
يجب عليه أن يعدل بين المرأتين، وليس له أن يفضل إحداهما في القسم، فإن النبي ﷺ قال:"من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما أكثر من الأخرى، جاء يوم القيامة وشقه مائل". وإن لم يعدل بينهما، فإما أن يمسك بمعروف، وإما أن يسرح بإحسان. واللّه أعلم.
وسئل رحمه اللّه عن الرجل إذا صبر على زوجته الشهر والشهرين لا يطؤها:فهل عليه إثم أم لا؟ وهل يطالب الزوج بذلك؟
فأجاب:
يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه، أعظم من إطعامها.
والوطء الواجب قيل:إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة. وقيل:بقدر حاجتها وقدرته. كما يطعمها بقدر حاجتها وقدرته. وهذا أصح القولين. والله أعلم.
وسئل رحمه اللّه عن امرأة تضع معها دواء عند المجامعة، تمنع بذلك نفوذ المنى في مجارى الحبل:فهل ذلك جائز حلال أم لا؟
وهل إذا بقى ذلك الدواء معها بعد الجماع ولم يخرج. يجوز لها الصلاة والصوم بعد الغسل أم لا؟
ج/ 32 ص -272-فأجاب:
أما صومها وصلاتها فصحيحة وإن كان ذلك الدواء في جوفها. وأما جواز ذلك ففيه نزاع بين العلماء، والأحوط:أنه لا يفعل. والله أعلم.
وسئل رحمه اللّه عما إذا نظر الرجل إلى جميع بدن امرأته، ولمسه، حتى الفرج:عليه شيء، أم لا؟
فأجاب:
لا يحرم على الرجل النظر إلى شيء من بدن امرأته، ولا لمسه، لكن يكره النظر إلى الفرج. وقيل:لا يكره. وقيل:لا يكره إلا عند الوطء.
وسئل رحمه اللّه عن امرأة مطلقة وهي ترضع، وقد آجرت لبنها، ثم انقضت عدتها وتزوجت:فهل للمستأجر أن يمنعها أن تدخل على زوجها خشية أن تحمل منه فيقل اللبن على الولد؟
فأجاب:
أما مجرد الشك فلا يمنع الزوج ما يستحقه من الوطء، لا سيما وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال:"لقد هممت أن أنهى عن
ج/ 32 ص -273-ذلك، ثم ذكرت أن فارس والروم يفعلون ذلك فلا يضر أولادهم"، فقد أخبر ﷺ:أنهم يفعلون ذلك فلا يضر الأولاد، ولم ينه عنه. وإذا كان كذلك لم يجز منع الزوج حقه إذا لم يكن فيه منع الحق السابق المستحق بعقد الإجارة.
وسئل رحمه اللّه تعالى عن الأب إذا كان عاجزاً عن أجرة الرضاع:فهل له إذا امتنعت الأم عن الإرضاع إلا بأجرة أن يسترضع غيرها؟
فأجاب:
نعم، لأنه لا يجب عليه ما لا يقدر عليه.
وسئل شيخ الإسلام رَحِمهُ اللّه عمن تسلط عليه ثلاثة:الزوجة، والقط، والنمل:الزوجة ترضع من ليس ولدها، وتنكد عليه حاله وفراشه بذلك، والقط يأكل الفراريج، والنمل يدب في الطعام:فهل لهم حرق بيوتهم بالنار أم لا؟ وهل يجوز لهم قتل القط؟ وهل لهم منع الزوجة من إرضاعها؟
فأجاب:
ليس للزوجة أن ترضع غير ولدها إلا بإذن الزوج. والقط إذا صال على ماله، فله دفعه عن الصول ولو بالقتل، وله أن يرميه بمكان بعيد؛ فإن لم يمكن دفع ضرره إلا بالقتل قتل. وأما النمل:فيدفع ضرره بغير التحريق. واللّه أعلم.