ج/ 32 ص -192-باب الصّداق
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
السنة: تخفيف الصداق، وألا يزيد على نساء النبي ﷺ وبناته فقد روت عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه قال: "إن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة" وعن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: "خيرهن أيسرهن صداقًا" وعن الحسن البصري، قال: قال رسول الله ﷺ: "ألزموا النساء الرجال، ولا تغالوا في المهور". وخطب عمر بن الخطاب الناس فقال: ألا لا تغالوا في مهور النساء؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوي عند الله، كان أولاكم النبي ﷺ. ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية. قال الترمذي: حديث صحيح.
ويكره للرجل أن يصدق المرأة صداقًا يضر به إن نقده، ويعجز عن وفائه إن كان دينًا. قال أبو هريرة: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال:
ج/ 32 ص -193-إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال: "على كم تزوجتها؟" قال: على أربع أواق. فقال النبي ﷺ: "على أربع أواق فكأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل! ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسي أن نبعثك في بعث تصيب منه". قال: فبعث بعثًا إلى بني عبس فبعث ذلك الرجل فيهم. رواه مسلم في صحيحه. والأوقية عندهم أربعون درهمًا، وهي مجموع الصداق، ليس فيه مقدم ومؤخر. وعن أبي حدرد السلمي: أنه ذكر أنه تزوج امرأة فأتي النبي ﷺ يستعينه في صداقها، فقال: "كم أصدقت؟" قال: فقلت: مائتي درهم. فقال: "لو كنتم تغرفون الدراهم من أوديتكم ما زدتم". رواه الإمام أحمد في مسنده. وإذا أصدقها دينًا كثيرًا في ذمته وهو ينوي ألا يعطيها إياه، كان ذلك حرامًا عليه، فإنه قد روي أبو هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "من تزوج امرأة بصداق ينوي ألا يؤديه إليها فهو زان، ومن ادان دينًا ينوي أن لا يقضيه فهو سارق".
وما يفعله بعض أهل الجفاء والخيلاء والرياء من تكثير المهر للرياء والفخر، وهم لا يقصدون أخذه من الزوج، وهو ينوي أن لا يعطيهم إياه، فهذا منكر قبيح، مخالف للسنة، خارج عن الشريعة.
ج/ 32 ص -194-وإن قصد الزوج أن يؤديه وهو في الغالب لا يطيقه فقد حمل نفسه، وشغل ذمته، وتعرض لنقص حسناته، وارتهانه بالدين، وأهل المرأة قد آذوا صهرهم وضروه.
والمستحب في الصداق مع القدرة واليسار: أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي ﷺ ولا بناته، وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة بالدراهم الخالصة، نحوًا من تسعة عشر دينارًا، فهذه سنة رسول الله ﷺ من فعل ذلك فقد استن بسنة رسول الله ﷺ في الصداق، قال أبو هريرة رضي الله عنه: كان صداقنا إذ كان فينا رسول رسول الله ﷺ عشر أواق، وطبق بيديه. وذلك أربعمائة درهم. رواه الإمام أحمد في مسنده، وهذا لفظ أبي داود في سننه، وقال أبو سلمة: قلت لعائشة: كم كان صداق رسول الله ﷺ؟قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشًا. قالت: أتدري ما النش؟قلت: لا. قالت: نصف أوقية، فذلك خمسمائة درهم. رواه مسلم في صحيحه، وقد تقدم عن عمر أن صداق بنات رسول الله ﷺ كان نحوًا من ذلك، فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله ﷺ اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة، وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة، فهو جاهل أحمق. وكذلك صداق أمهات المؤمنين. وهذا مع القدرة واليسار. فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة.
ج/ 32 ص -195-والأولى تعجيل الصداق كله للمرأة قبل الدخول إذا أمكن، فإن قدم البعض وأخر البعض، فهو جائز. وقد كان السلف الصالح الطيب يرخصون الصداق، فتزوج عبد الرحمن ابن عوف في عهد رسول الله ﷺ على وزن نواة من ذهب. قالوا: وزنها ثلاثة دراهم وثلث. وزوج سعيد بن المسيب بنته على درهمين، وهي من أفضل أيم من قريش، بعد أن خطبها الخليفة لابنه فأبي أن يزوجها به. والذي نقل عن بعض السلف من تكثير صداق النساء، فإنما كان ذلك لأن المال اتسع عليهم، وكانوا يعجلون الصداق كله قبل الدخول، لم يكونوا يؤخرون منه شيئا. ومن كان له يسار ووجد فأحب أن يعطي امرأته صداقًا كثيرًا فلا بأس بذلك، كما قال تعالى: "وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شيئا" [النساء: 20]. أما من يشغل ذمته بصداق لا يريد أن يؤديه، أو يعجز عن وفائه، فهذا مكروه. كما تقدم. وكذلك من جعل في ذمته صداقًا كثيرًا من غير وفاء له، فهذا ليس بمسنون. والله أعلم.
وسئل رحمه الله عن الرجل يتزوج على صداق معين مكتوب، ويتفقا على مقدم فيعطيه ثم يموت: هل يحسب المقدم من جملة الصداق المكتوب؟
فأجاب:
وأما ما يقدمه الزوج للمرأة من النقد الذي اتفقوا عليه غير الصداق الذي يكتب في الكتاب إذا أعطاها الزوج ذلك أو بعضه أو
ج/ 32 ص -196-بدله، فإنه لا يحسب عليها من الصداق المكتوب، بل لو لم يعطها ذلك لكان لها أن تطلبه في أظهر قولي العلماء، وكان من الصداق الذي يستقر بالموت تأخذه كله بعد موته؛ فإنها إذا رضيت بأن يكون لها مقدم ومؤخر يسميه السلف عاجلاً وآجلاً وشارطته على أن يقدم لها كذا ويؤخر كذا وإن لم تذكر حين العقد فالشرط المتقدم على العقد إذا لم يفسخ حين عقد العقد كالمشروط في أظهر قولي العلماء. كما قد بسط الكلام على ذلك في الكتاب الكبير الذي صنفته في [مسائل الذرايع والحيل] و [بيان الدليل على بطلان التحليل] إلا أن يكون المراد أنه إذا دخل بها يعطيها قبل الدخول ذلك، فإذا لم يدخل بها لم تستحق ما شرط لها تعجيله قبل الدخول.
وسئل رحمه الله تعالى عن امرأة عجل لها زوجها نقدًا، ولم يسمه في كتاب الصداق، ثم توفي عنها، فطلب الحاكم أن يحسب المعجل من الصداق المسمي في العقد؛ لكون المعجل لم يذكر في الصداق.
فأجاب:
الحمد لله، إن كانا قد اتفقا على العاجل المقدم والآجل المؤخر كما جرت به العادة فللزوجة أن تطلب المؤخر كله إن لم يذكر المعجل في العقد، وكذلك إن كان قد أهدي لها كما جرت به العادة. وأما إن كان أقبضها من الصداق المسمي حسب على الزوجة. والله أعلم.
ج/ 32 ص -197-وسئل رحمه الله عن رجل اعتقلته زوجته عند الحاكم على الصداق مدة شهرين، ولم يوجد له موجود: فهل يجوز للحاكم أن يبقيه أو يطلقه؟
فأجاب:
إذا لم يعرف له مال حلفه الحاكم على إعساره وأطلقه. ولم يجز حبسه وتكليفه البينة والحالة هذه في المذاهب الأربعة.
وسئل رحمه الله عن امرأة بكر تزوجها رجل ودخل بها، ثم ادعي أنها كانت ثيبًا، وتحاكما إلى الحاكم، فأرسل معها امرأتين فوجدوها كانت بكرًا فأنكر. ونكل عن المهر: ما يجب عليه؟
فأجاب:
ليس له ذلك، بل عليه كمال المهر، كما قال زرارة، وقضي الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون: أن من أغلق الباب وأرخى الستر فقد وجبت عليه العدة والمهر. والله أعلم.
ج/ 32 ص -198-وسئل رحمه الله تعالى عن رجل خطب امرأة، فاتفقوا على النكاح من غير عقد، وأعطي أباها لأجل ذلك شيئا، فماتت قبل العقد: هل له أن يرجع بما أعطي؟
فأجاب:
إذا كانوا قد وفوا بما اتفقوا عليه، ولم يمنعوه من نكاحها حتى ماتت فلا شيء عليهم، وليس له أن يسترجع ما أعطاهم، كما أنه لو كان قد تزوجها استحقت جميع الصداق، وذلك لأنه إنما بذل لهم ذلك ليمكنوه من نكاحها وقد فعلوا ذلك، وهذا غاية الممكن.
وسئل رحمه الله عن امرأة تزوجت، ثم بان أنه كان لها زوج، ففرق الحاكم بينهما: فهل لها مهر؟وهل هو المسمي، أو مهر المثل؟
فأجاب:
إذا علمت أنها مزوجة ولم تستشعر؛ لا موته، ولا طلاقه، فهذه زانية مطاوعة لا مهر لها. وإذا اعتقدت موته وطلاقه فهو وطء شبهة بنكاح فاسد فلها المهر، وظاهر مذهب أحمد ومالك أن لها المسمي؛ وعن أحمد رواية أخرى كقول الشافعي أن لها مهر المثل. والله أعلم.
ج/ 32 ص -199-وسئل رحمه الله تعالى عن معسر: هل يقسط عليه الصداق؟
فأجاب:
إذا كان معسرًا قسط عليه الصداق على قدر حاله، ولم يجز حبسه، لكن أكثر العلماء يقبلون قوله في الإعسار مع يمينه، وهو مذهب الشافعي وأحمد. ومنهم من لا يقبل البينة إلا بعد الحبس، كما يقوله من يقوله من أصحاب أبي حنيفة. فإذا كانت الحكومة عند من يحكم بمذهب الشافعي وأحمد لم يحبس.
وسئل رحمه الله عن رجل تزوج امرأة وأعطاها المهر، وكتب عليه صداقًا ألف دينار وشرطوا عليه أننا ما نأخذ منك شيئا إلا عندنا هذه عادة وسمعة، والآن توفي الزوج، وطلبت المرأة كتابها من الورثة على التمام والكمال.
فأجاب:
إذا كانت الصورة على ما ذكر لم يجز لها أن تطالب إلا ما اتفقا عليه، وأما ما ذكر على الوجه المذكور فلا يحل لها المطالبة به، بل يجب لها ما اتفقا عليه.
ج/ 32 ص -200-وسئل رحمه الله تعالى عن امرأة تزوجت برجل، فهرب وتركها من مدة ست سنين، ولم يترك عندها نفقة، ثم بعد ذلك تزوجت رجلاً ودخل بها، فلما اطلع الحاكم عليها فسخ العقد بينهما: فهل يلزم الزوج الصداق؟ أم لا؟
فأجاب:
إن كان النكاح الأول فسخ لتعذر النفقة من جهة الزوج، وانقضت عدتها، ثم تزوجت الثاني، فنكاحه صحيح. وإن كانت تزوجت الثاني قبل فسخ نكاح الأول، فنكاحه باطل. وإن كان الزوج والزوجة علما أن نكاح الأول باق، وأنه يحرم عليهما النكاح، فيجب إقامة الحد عليهما. وإن جهل الزوج نكاح الأول، أو نفاه، أو جهل تحريم نكاحه قبل الفسخ، فنكاحه نكاح شبهة، يجب عليه فيه الصداق، ويلحق فيه النسب، ولا حد فيه، وإن كانت غرته المرأة أو وليها فأخبره أنها خلية عن الأزواج، فله أن يرجع بالصداق الذي أداه على من غره في أصح قولي العلماء.
ج/ 32 ص -201-وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
فصل
إذا خلا الرجل بالمرأة فمنعته نفسها من الوطء ولم يطأها، لم يستقر مهرها في مذهب الإمام أحمد الذي ذكره أصحابه كالقاضي أبي يعلى، وأبي البركات، وغيرهما وغيره من الأئمة الأربعة: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة. وإذا اعترفت بأنها لم تمكنه من وطئها لم يستقر مهرها باتفاقهم. ولا يجب لها عليه نفقة مادامت كذلك باتفاقهم. وإذا كانت مبغضة له مختارة سواه فإنها تفتدي نفسها منه.
وسئل رحمه الله عن مملوك في الرق والعبودية، تزوج بامرأة من المسلمين، ثم بعد ذلك ظهرت عبوديته، وكان قد اعترف أنه حر، وأن له خيرًا في مصر، وقد ادعوا عليه بالكتاب، وحقوق الزوجية، واقترض من زوجته شيئا: فهل يلزمه شيء أو لا؟
فأجاب:
الحمد لله، تزوج العبد بغير إذن سيده إذا لم يجزه السيد باطل باتفاق المسلمين، وفي السنن عن النبي ﷺ أنه قال: "أيما عبد تزوج بغير إذن موإليه فهو عاهر"، لكن إذا أجازه السيد بعد العقد صح في
ج/ 32 ص -202-مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين، ولم يصح في مذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى.
وإذا طلب النكاح فعلى السيد أن يزوجه لقوله تعالى: "وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ" [النور: 32]. وإذا غر المرأة وذكر أنه حر، وتزوجها، ودخل بها، وجب المهر لها بلا نزاع، لكن هل يجب المسمي كقول مالك في رواية؟أو مهر المثل كقول أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد في رواية؟أو يجب الخمسان: كأحمد في رواية ثالثة؟هذا فيه نزاع بين العلماء. وقد يتعلق هذا الواجب برقبته كقول أحمد في المشهور عنه، والشافعي في قول، وأظنه قول أبي حنيفة أو يتعلق ذلك بذمة العبد فيتبع به إذا أعتق، كقول الشافعي في الجديد، وقول أبي يوسف ومحمد وغيرهما؟والأول أظهر؛ فإن قوله لهم: إنه حر تلبيس عليهم، وكذب عليهم، ثم دخوله عليها بهذا الكذب عدوان منه عليهم. والأئمة متفقون على أن المملوك لو تعدي على أحد فأتلف ماله، أو جرحه أو قتله، كانت جنايته متعلقة برقبته، لا تجب في ذمة السيد، بل يقال للسيد: إن شئت أن تفك مملوكك من هذه الجناية، وإن شئت أن تسلمه حتى تستوفي هذه الجناية من رقبته. وإذا أراد أن يقتله، فعليه أقل الأمرين من قدر الجناية، أو قيمة العبد: في مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه وغيرهما.
ج/ 32 ص -203-وعند مالك وأحمد في رواية يفديه بأرش الجناية بالغًا ما بلغ، فهذا العبد ظالم معتد جار على هؤلاء، فتتعلق جنايته برقبته. وكذلك ما اقترضه من مال الزوجة مع قوله إنه حر، فهو عدوان عليهم، فيتعلق برقبته في أصح قولي العلماء. والله أعلم.
وسئل رحمه الله تعالى عن امرأة اعتاضت عن صداقها بعد موت الزوج، فباعت العوض، وقبضت الثمن، ثم أقرت أنها قبضت الصداق من غير ثمن الملك: فهل يبطل حق المشتري، أو يرجع عليها بالذي اعترفت أنها قبضته من غير الملك؟
فأجاب:
لا يبطل حق بمجرد ذلك، وللورثة أن يطلبوا منها ثمن الملك الذي اعتاضت به، إذا أقرت بأن قبض صداقها قبل ذلك. وكان قد أفتى طائفة بأنه يرجع عليها بالذي اعترفت بقبضه من التركة، وليس بشيء؛ لأن هذا الإقرار تضمن أنها استوفت صداقها، وأنها بعد هذا الاستيفاء له أحدثت ملكًا آخر، فإنما فوتت عليهم العقار، لا على المشتري.
وسئل رحمه الله عن رجل تزوج امرأة، وكتب كتابها، ودفع لها الحال بكماله، وبقي المقسط من ذلك، ولم تستحق عليه شيئا، وطلبها للدخول فامتنعت، ولها خالة تمنعها: فهل تجبر على الدخول، ويلزم خالتها المذكورة تسليمها إليه؟
ج/ 32 ص -204-فأجاب:
ليس لها أن تمتنع من تسليم نفسها والحال هذه باتفاق الأئمة، ولا خالتها ولا غير خالتها أن يمنعها، بل تعزر الخالة على منعها من فعل ما أوجب الله عليها، وتجبر المرأة على تسليم نفسها للزوج.
وسئل رحمه الله عن رجل تزوج بامرأة فطلقها ثلاثًا، ولها كتاب إلى مدة وهو معسر.
فأجاب:
إذا كان معسرًا لم يجز مطالبتها له حتى يوسر، وإذا شهدت بينة بذلك سمعت، بل القول قوله مع يمينه إذا لم يعرف له مال في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما.
وسئل رحمه الله عن رجل تزوج بامرأة وفي ظاهر الحال أنه حر، فأقامت في صحبته إحدى عشرة سنة، ثم طلقها ولم يردها، وطالبته بحقوقها، فقال: أنا مملوك يجب الحجر على: فهل يلزمه القيام بحق الزوجة على حكم الشرع الشريف في المذاهب الأربعة؟
ج/ 32 ص -205-فأجاب:
حق الزوجة ثابت لها المطالبة به لوجهين:
أحدهما: أن مجرد دعواه الرق لا يسقط حقها والحال ما ذكر؛ فإن الأصل في الناس الحرية، وإذا ادعي أنه مملوك بلا بينة ولم يعرف خلاف ذلك، ففي قبول قوله ثلاثة أقوال للعلماء في مذهب أحمد وغيره:
أحدها: يقبل فيما عليه دون ماله على غيره، كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في قول لهم.
والثاني: لا يقبل بحال، كقول من قال ذلك من المالكية، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.
والثالث: يقبل قوله مطلقًا، وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد، فإذا كان مع دعوي المدعي لرقه لا يقبل إقراره بما يسقط حقها عند جمهور أئمة الإسلام: فكيف بمجرد دعواه الرق؟وكيف وله خير وإقطاع، وهو منتسب، وقد ادعي الحرية حتى زوج بها؟
الوجه الثاني: أنه لو قدر أنه كذب ولبس عليها وادعي الحرية حتى تزوج بها ودخل، فهذا قد جني بكذبه وتلبيسه، والرقيق إذا جني تعلقت جنايته برقبته: فلها أن تطلب حقها من رقبته، إلا أن يختار سيده أن يفديه بأداء حقها، فله ذلك.