ج/ 31 ص -335- كتاب الفرائض
وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن امرأة توفى زوجها، وخلف أولادًا؟
فأجاب:
للزوجة الصداق، والباقى في ذمته، حكمها فيه حكم سائر الغرماء، وما بقى بعد الدين والوصية النافذة إن كان هناك وصية فلها ثمنه مع الأولاد.
وسئل رحمه الله عن امرأة ماتت، وخلفت زوجا وأبوين، وقد احتاط الأب على التركة، وذكر أنها غير رشيدة. فهل للزوج ميراث منها؟
فأجاب:
ما خلفته هذه المرأة فلزوجها نصفه، ولأبيها الثلث والباقي للأم. وهو السدس في مذهب الأئمة الأربعة، سواء كانت رشيدة أم غير رشيدة.
ج/ 31 ص -336-وسئل رحمه الله تعالى عن امرأة ماتت عن أبوين، وزوج، وأربعة أولاد ذكور، وأنثى. فقال الزوج لجماعة شهود: اشهدوا، على أن نصيبي هو ستة لأبوي زوجتي، وأولادها المذكورين بالفريضة الشرعية، فما خص كل واحد منهم؟
فأجاب:
إذا كان قد ملكه نصيبه الذي هو ستة أسهم لسائر الورثة على الفريضة الشرعية، والباقي ثمانية عشر سهما: للأبوين ثمانية أسهم، وأولاده عشرة أسهم، فترد تلك الستة على هذه الثمانية عشر سهما، ويقسم الجميع بينهم على ثمانية عشر سهما، كما يرد الفاضل عن ذوي السهام بينهم، عند من يقول بالرد؛ فإن نصيب الوارث جعله لهم بمنزلة النصيب المردود بينهم.
وسئل عن امرأة ماتت، ولها زوج، وجدة، وإخوة أشقاء، وابن: فما يستحق كل واحد من الميراث؟
فأجاب:
للزوج الربع، وللجدة السدس، وللابن الباقي، ولا شيء للأخوة باتفاق الأئمة.
ج/ 31 ص -337-وسئل عن امرأة توفيت، وخلفت زوجا، وابنتين، ووالدتها، وأختين أشقاء: فهل ترث الأخوات؟
فأجاب:
يفرض للزوج الربع، وللأم السدس، وللبنتين الثلثان. أصلها من اثنى عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر، وأما الأخوات فلا شيء لهن مع البنات؛ لأن الأخوات مع البنات عصبة، ولم يفضل للعصبة شيء، هذا مذهب الأئمة الأربعة.
وسئل عن امرأة ماتت، وخلفت زوجا، وأما، وأختا شقيقة، وأختا لأب وأخا وأختا لأم؟
فأجاب:
المسألة على عشرة أسهم، أصلها من ستة، وتعول إلى عشرة وتسمى [ذات الفروخ] لكثرة عولها. للزوج النصف، وللأم السدس سهم وللشقيقة ثلاثة، وللأخت من الأب السدس تكملة الثلثين، ولولدي الأم الثلث سهمان. فالمجموع عشرة أسهم. وهذا باتفاق الأئمة الأربعة.
ج/ 31 ص -338-وسئل رحمه الله عن امرأة ماتت، وخلفت زوجا، وبنتا، وأما، وأختا من أم فما يستحق كل واحد منهم؟
فأجاب:
هذه الفريضة تقسم على أحد عشر: للبنت ستة أسهم، وللزوج ثلاثة أسهم؛ وللأم سهمان، ولا شيء للأخت من الأم؛ فإنها تسقط بالبنت باتفاق الأئمة كلهم. وهذا على قول من يقول بالرد كأبي حنيفة، وأحمد.
ومن لا يقول بالرد؛ كمالك، والشافعي، فيقسم عندهم على اثنى عشر سهما؛ للبنت ستة، وللزوج ثلاثة، وللأم سهمان، والسهم الثاني عشر لبيت المال.
فصل
والمقصود هنا أن النصوص شاملة لجميع الأحكام. ونحن نبين ذلك فيما هو من أشكل الأشياء، لننبه به على ما سواه، والفرائض من أشكلها. فنقول:
ج/ 31 ص -339- النص والقياس وهما الكتاب، والميزان دلا على أن الثلث يختص به ولد الأم، كما هو قول على، ومن وافقه، وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد في المشهور عنه، وروى حرب التشريك، وهو قول زيد ومن وافقه، وقول مالك والشافعي، واختلف في ذلك عن عمر وعثمان، وغيرهما من الصحابة.
حتى قيل: إنه اختلف فيها عن جميع الصحابة إلا عليًا، وزيدًا، فإن عليًا لم يختلف عنه أنه لم يشرك، وزيد لم يختلف عنه أنه يشرك.
قال العنبري: القياس ما قال على، والاستحسان ما قال زيد. قال: قال العنبري: هذه وساطة مليحة، وعبارة صحيحة.
فيقال: النص والقياس دلا على ما قال على. أما النص فقوله تعالى: "فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ" [النساء: 12] والمراد به: ولد الأم، وإذا أدخلنا فيهم ولد الأبوين، لم يشتركوا في الثلث، بل زاحمهم غيرهم. وإن قيل: إن ولد الأبوين منهم وأنهم من ولد الأم، فهو غلط، والله تعالى قال: "وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ" الآية.
وفي قراءة سعد وابن مسعود: [من الأم]، والمراد به ولد الأم بالإجماع. ودل على ذلك قوله: "فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ"، وولد الأبوين والأب في آية في قوله: "يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ" [النساء: 176]،
ج/ 31 ص -340-فجعل لها النصف، وله جميع المال، وهكذا حكم ولد الأبوين.
ثم قال: "وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ"، وهذا حكم ولد الأبوين؛ لا الأم، باتفاق المسلمين.
فدل ذكره تعالى لهذا الحكم في هذه الآية، وكذلك الحكم في تلك الآية على أن أحد الصنفين غير الآخر. وإذا كان النص قد أعطى ولد الأم الثلث فمن نقصهم منه فقد ظلمهم. وولد الأبوين جنس آخر.
وقد قال النبي ﷺ: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر"
وهذا يقتضي أنه إذا لم تبق الفرائض شيئًا لم يكن للعصبة شيء، وهنا لم تبق الفرائض شيئًا.
وأما قول القائل: إن أباهم كان حمارًا، فقد اشتركوا في الأم. فقول فاسد حسًا، وشرعًا.
أما الحس: فلأن الأب لو كان حمارًا لكانت الأم أتانًا، ولم يكونوا من بني آدم. وإذا قيل: مراده أن وجوده كعدمه، فيقال: هذا باطل فإن الوجود لا يكون معدومًا.
وأما الشرع: فلأن الله حكم في ولد الأبوين، بخلاف حكمه في ولد الأم
ج/ 31 ص -341- وإذا قيل: فالأب إذا لم ينفعهم لم يضرهم؟
قيل: بلى، قد يضرهم، كما ينفعهم؛ بدليل ما لو كان ولد الأم واحدا وولد الأبوين كثيرين؛ فإن ولد الأم وحده يأخذ السدس، والباقي يكون لهم كله، ولولا الأب لتشاركوا هم وذاك الواحد في الثلث، وإذا جاز أن يكون وجود الأب ينفعهم جاز أن يحرمهم، فعلم أنه يضرهم.
وأيضًا، فأصول الفرائض مبنية على أن القرابة المتصلة، ذكر وأنثى، لا تفرق أحكامها. فالأخ من الأبوين لا يكون كأخ من أب، ولا كأخ من أم، ولا يعطي بقرابة الأم وحدها، كما لا يعطي بقرابة الأب وحده، بل القرابة المشتركة من الأبوين؛ وإنما يفرد إذا كان قرابة لأم منفردا، مثل ابني عم. أحدهما أخ لأم، فهنا ذهب الجمهور إلى أن للأخ لأم السدس، ويشتركان في الباقي، وهو مأثور عن علي، وروي عن شريح: أنه جعل الجميع للأخ من الأم، كما لو كان ابن عم لأبوين، والجمهور يقولون: كلاهما في بنوة العم سواء هما ابن عم من أبوين أو من أب والأخوة من الأم مستقلة ليست مقترنة، حتى يجعل كابن عم لأبوين.
ومما يبين الحكم في [مسألة المشتركة] أن لو كان فيهن أخوات من أب لفرض لهن الثلثان، وعالت الفريضة، فلو كان معهن أخوهن سقطن، ويسمى [الأخ المشؤوم]، فلما صرن بوجوده يصرن عصبة. صار تارة ينفعهن، وتارة يضرهن، ولم يجعل وجوده كعدمه في حالة الضر. كذلك قرابة الأب لما
ج/ 31 ص -342- الأخوة بها عصبة صار ينفعهم تارة ويضرهم أخرى. فهذا مجرى [العصوبة]، فإن العصبة تارة يحوز المال كله، وتارة يحوز أكثره، وتارة أقله، وتارة لا يبقى له شيء، وهو إذا استغرقت الفرائض المال. فمن جعل العصبة تأخذ مع استغراق الفرائض المال فقد خرج عن الأصول المنصوصة في الفرائض.
وقول القائل: هو استحسان. يقال: هذا استحسان يخالف الكتاب والميزان؛ فإنه ظلم للأخوة من الأم؛ حيث يؤخذ حقهم فيعطاه غيرهم.
والمنازعون في هذه المسألة ليس معهم حجة إلا أنه قول زيد. فقد روي عن عمر: أنه حكم بها فعمل بذلك من عمل من أهل المدينة وغيرها، كما عملوا بمثل ذلك في ميراث الجد والأخوة. وعملوا بقول زيد في غير ذلك من الفرائض تقليدًا له، وإن كان النص والقياس مع من خالفه. وبعضهم يحتج لذلك بقوله: "أفرضكم زيد". وهو حديث ضعيف، لا أصل له. ولم يكن زيد على عهد النبي ﷺ معروفا بالفرائض. حتى أبو عبيدة لم يصح فيه إلا قوله: "لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
وكذلك اتباعهم لزيد في [الجد]، مع أن جمهور الصحابة على خلافه. فجمهور الصحابة موافقون للصديق في أن الجد كالأب، يحجب الأخوة، وهو مروي عن بضعة عشر من الصحابة، ومذهب أبي حنيفة، وأحد الوجهين في مذهب الشافعي، وأحمد. اختاره أبو حفص البرمكي من أصحابه، وحكاه
ج/ 31 ص -343- بعضهم رواية عن أحمد. وأما المورثون للأخوة مع الجد فهم على وابن مسعود وزيد، ولكل واحد قول انفرد به. وعمر بن الخطاب كان متوقفا في أمره. والصواب بلا ريب قول الصديق؛ لأدلة متعددة، ذكرناها في غير هذا الموضع.
وأما [العمريتان]، فليس في القرآن ما يدل على أن للأم الثلث مع الأب والزوج، بل إنما أعطاها الله الثلث إذ ورثت المال هي والأب، فكان القرآن قد دل على أن ما رثته هي والأب تأخذ ثلثه، والأب ثلثيه، واستدل بهذا أكابر الصحابة؛ كعمر، وعثمان، وعلى وابن مسعود، وزيد وجمهور العلماء، على أن ما يبقى بعد فرض الزوجين، يكونان فيه أثلاثًا، قياسا على جميع المال، إذا اشتركا فيه، وكما يشتركان فيما يبقى بعد الدين، والوصية.
ومفهوم القرآن ينفي أن تأخذ الأم الثلث مطلقا، فمن أعطاها الثلث مطلقا حتى مع الزوجة، فقد خالف مفهوم القرآن.
وأما الجمهور فقد عملوا بالمفهوم، فلم يجعلوا ميراثها إذا ورثه أبوه كميراثها إذا لم يرث؛ بل إن ورثه أبوه فلأمه الثلث مطلقًا، وأما إذا لم يرثه أبوه، بل ورثه من دون الأب؛ كالجد، والعم، والأخ، فهي بالثلث أولى فإنها إذا أخذت الثلث مع الأب فمع غيره من العصبة أولى.
ج/ 31 ص -344-
ج/ 31 ص -345- وهذا مما يدل على صحة قول أكابر الصحابة، والجمهور الذين يقولون: لا تعطى في [العمريتين] زوج وأبوان، وزوجة وأبوان ثلث جميع المال.
قال ابن عباس وموافقوه: فإنها لو أعطيت الثلث هنا، لكانت تعطاه مع عدم الولد مطلقا، وهو خلاف ما دل عليه القرآن. وقد روى عنه أنه قال لزيد: أفي كتاب الله ثلث ما بقى؟ أي ليس في كتاب الله إلا سدس وثلث. فيقال: وليس في كتاب الله إعطاؤها الثلث مطلقا، فكيف يعطيها مع الزوجين الثلث؟ ! بل في كتاب الله ما يمنع إعطاؤها الثلث مع الأب وأحد الزوجين، فإنه لو كان كذلك كان يقول: فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث، فإنها على هذا التقدير تستحق الثلث مطلقًا، فلما خص الثلث ببعض الحال، علم أنها لا تستحق مطلقًا. فهذا مفهوم المخالفة، الذي يسمى دليل الخطاب، يدل على بطلان قول من أعطاها الثلث، إلا العمريتين ولا وجه لإعطائها الثلث مع مخالفته للإجماع.
إلى أن قال: فإن قوله: "وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ" [النساء: 11]، دل على أن لها الثلث، والباقي للأب بقوله: "وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ"، فإنه لما جعل الميراث ميراثا بينهما، ثم أخرج نصيبها، دل على أن الباقي نصيبه. وإذا أعطى الأب الباقي معها لم يلزم أن يعطى غيره مثل ما أعطى.
وإنما أعطينا سائر العصبة بقوله:"وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ" [الأنفال: 75]، وبقوله: "وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَإلى مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ" [النساء: 33]،
ج/ 31 ص -346- وبقول النبي ﷺ: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فلأولى رجل ذكر"
فصل
وأما ميراث الأخوات مع البنات، وأنهن عصبة، كما قال: "وَلَهُ أُخْتٌ" الذي هو قول جمهور الصحابة والعلماء فقد دل عليه القرآن والسنة أيضًا، فإن قوله تعالى: "يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ" [النساء: 176]، فدل على أن الأخت ترث النصف مع عدم الولد. وأنه هو يرث المال كله مع عدم ولدها.
وذلك يقتضى أن الأخت مع الولد لا يكون لها النصف مما ترك، إذ لو كان كذلك لكان لها النصف، سواء كان له ولد، أو لم يكن له، فكان ذكر الولد تدليسا وعبثا مضرا، وكلام الله منزه عن ذلك.
ومن هذا قوله تعالى: "لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ" [النساء: 176]، وقوله: "فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ" [النساء: 11]، وإذا علم أنها مع الولد لا ترث النصف، فالولد إما ذكر وإما أنثى.
ج/ 31 ص -347- أما الذكر فإنه يسقطها كما يسقط الأخ بطريق الأولى؛ بدليل قوله: "وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ" [النساء: 176]، فلم يثبت له الإرث المطلق إلا إذا لم يكن لها ولد، والإرث المطلق هو حوز جميع المال، فدل ذلك على أنه إذا كان لها ولد لم يحز المال، بل إما أن يسقط، وإما أن يأخذ بعضه. فيبقى إذا كان لها ولد، فإما ابن، وإما بنت. والقرآن قد بين أن البنت إنما تأخذ النصف، فدل على أن البنت لا تمنعه النصف الآخر، إذا لم يكن إلا بنت، وأخ. ولما كان فتيا اللّه إنما هو في الكلالة، والكلالة من لا والد له، ولا ولد، علم أن من ليس له ولد ووالد، ليس هذا حكمه.
ولما كان قد بين تعالى أن الأخ يحوز المال مال الأخت فيكون لها عصبة، كان الأب أن يكون له عصبة بطريق الأولى، وإذا كان الأب والأخ عصبة، فالابن بطريق الأولى، وقد قال تعالى: "وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالي مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ" [النساء: 33].
ودل أيضًا قول النبي ﷺ: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فلأولى رجل ذكر": أن ما بقى بعد الفرائض لا يرثه إلا العصبة، وقد علم أن الابن أقرب، ثم الأب، ثم الجد، ثم الأخوة. وقضى النبي ﷺ أن أولاد بني الأم يتوارثون، دون بني العَلات. فالأخ للأبوين أولى من الأخ للأب، وابن الابن يقوم مقام الابن، وكذلك كل بني أب أدنى هم أقرب من بني الأب الذي هو أعلى منه، وأقربهم إلى الأب الأعلى،
ج/ 31 ص -348- فهو أقرب إلى الميت. وإذا استوى في الدرجة فمن كان لأبوين أولى ممن كان للأب.
فلما دل القرآن على أن للأخت النصف مع عدم الولد، وأنه مع ذكور ولد يكون الابن عاصبا يحجب الأخت، كما يحجب أخاها.
بقى الأخت مع إناث الولد، ليس في القرآن ما ينفي ميراث الأخت في هذه الحال. بقى مع البنت: إما أن تسقط، وإما أن يكون لها النصف، وإما أن تكون عصبة. ولا وجه لسقوطها؛ فإنها لا تزاحم البنت. وأخوها لا يسقط. فلا تسقط هي، ولو سقطت بمن هو أبعد منها من الأقارب، والبعيد لا يسقط القريب، ولأنها كانت تساوي البنت مع اجتماعهما، والبنت أولى منها، فلا تساوي بها؛ فإنه لو فرض لها النصف لنقصت البنت عن النصف كزوج وبنت، فلو فرض لها النصف لعالت فنقصت البنت عن النصف، والإخوة لا يزاحمون الأولاد بفرض ولا تعصيب؛ فإن الأولاد أولى منهم.
والله إنما أعطاها النصف، إذا كان الميت كلالة. فلما بطل سقوطها وفرضها لم يبق إلا أن تكون عصبة أولى من البعيد، كالعم وابن العم، وهذا قول الجمهور.
وقد دل عليه حديث البخاري عن ابن مسعود لما ذكر له أن أبا موسى وسلمان بن ربيعة قال في بنت وبنت ابن وأخت: للبنت النصف،
ج/ 31 ص -349- وللأخت النصف، وائت ابن مسعود فإنه سيتابعنا. فقال: لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين، لأقضين فيها بقضاء رسول اللّه ﷺ، "للبنت النصف، وبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقى للأخت"، فدل ذلك أن الأخوات مع البنات عصبة، والأخت تكون عصبة بغيرها، وهو أخوها. فلا يمتنع أن تكون عصبة مع البنت.
وقوله ﷺ: "ألحقوا الفرائض بأهلها. ." إلخ فهذا عام خص منه المعتقة، والملاعنة، والملتقطة؛ لقوله ﷺ: "تحوز المرأة ثلاث مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت عليه"، وإذا كان عاما مخصوصا، خصت منه هذه الصورة بما ذكر من الأدلة.
فصل
وأما [ميراث البنتين] فقد قال تعالى: "يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ" [النساء: 11].
فدل القرآن على أن البنت لها مع أخيها الذكر الثلث، ولها وحدها النصف ولما فوق اثنتين الثلثان. بقيت البنت إذا كان لها مع الذكر الثلث لا الربع، فأن يكون لها مع الأنثى الثلث لا الربع أولى وأحرى، ولأنه قال: "وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ"،
ج/ 31 ص -350-فقيد النصف بكونها واحدة، فدل بمفهومه على أنه لا يكون لها إلا مع هذا الوصف، بخلاف قوله: "فَإِن كُنَّ نِسَاء"، ذكر ضمير [كُنَّ] و[نِسَاء] وذلك جمع، لم يمكن أن يقال: اثنتين؛ لأن ضمير الجمع لا يختص باثنتين، ولأن الحكم لا يختص باثنتين، فلزم أن يقال: "فَوْقَ اثْنَتَيْنِ"؛ لأنه قد عرف حكم الثنتين، وعرف حكم الواحدة، وإذا كانت واحدة فلها النصف، ولما فوق الثنتين الثلثان، امتنع أن يكون للبنتين أكثر من الثلثين، فلا يكون لهما جميع المال لكل واحدة النصف، فإن الثلاث ليس لهن إلا الثلثان، فكيف الثلاثة؟ ! ولا يكفيها النصف؛ لأنه لها بشرط أن تكون واحدة، فلا يكون لها إذا لم تكن واحدة.
وهذه الدلالة تظهر من قراءة النصب "وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً"، فإن هذا خبر كان، تقديره: فإن كانت بنتا واحدة أي مفردة ليس معها غيرها "فَلَهَا النِّصْفُ" فلا يكون لها ذلك إذا كان معها غيرها، فانتفي النصف وانتفي الجميع، فلم يبق إلا الثلثان. وهذه دلالة من الآية.
وأيضًا، فإن اللّه لما قال في الأخوات: "فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ" [النساء: 176]، كان دليلا على أن البنتين أولى بالثلثين من الأختين.
وأيضًا، فسنة رسول اللّه ﷺ لما أعطى ابنتي سعد بن الربيع الثلثين، وأمهما الثمن، والعم ما بقي. وهذا إجماع لا يصح فيه خلاف عن ابن عباس.
ج/ 31 ص -351- ودلت آية [الولد] على أن حكم ما فوق الاثنين حكم الاثنتين، فكذلك قال في الأخوات: "فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ" ولم يذكر ما فوقهما، فإنه إذا كانت الثنتان يستحقان الثلثين فما فوقهما بطريق الأولى والأحرى، بخلاف آية البنات؛ فإنه لم يدل قوله: "لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ" [النساء: 11] إلا على أن لها الثلث مع أخيها، وإذا كن اثنتين لم يستحقوا الثلث، فصار بيانه في كل من الآيتين من أحسن البيان؛ لما دل الكلام الأول على ميراث البنتين دون ما زاد على ذلك بين بعد ذلك ميراث ما زاد على البنتين في آية الصيف لما دل الكلام على ميراث الأختين، وكان ذلك دال بطريق الأولى على ميراث الثلاثة أو الأربعة، وما زاد لم يحتج أن يذكر ما زاد على الأختين. فهناك ذكر ما فوق البنتين دون البنتين، وفي الآية الأخرى ذكر البنتين دون ما فوقهما لما يقتضيه حسن البيان في كل موضوع.
ولما بين حكم الأخت الواحدة، والأخ الواحد وحكم الأختين فصاعدًا، بقى بيان الابنتين فصاعدًا من الصنفين، ليكون البيان مستوعبا للأقسام. ولفظ [الأخوة] وسائر جميع ألفاظ الجمع قد يعني به الجنس من غير قصد القدر منه، فيتناول الاثنين فصاعدًا. وقد يعني به الثالثة فصاعدًا. وفي هذه الآية إنما عني به العدد مطلقًا؛لأنه بين الواحدة قبل ذلك، ولأن ما ذكره من الأحكام في الفرائض فرق فيه بين الواحد والعدد، وسوى فيه بين مراتب العدد الاثنين والثلاثة، وقد صرح بذلك في قوله: "وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ" إلى قوله "فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ" [النساء: 12]، فقوله: "كَانُوَا"
ج/ 31 ص -352- ضمير جمع وقوله: "أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ"، أي من أخ وأخت، ثم قال: "فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ" فذكرهم بصيغة الجمع المضمر، وهو قوله: "فَهُمْ" والمظهر، وهو قوله: "شُرَكَاء". فدل على أن صيغة الجمع في آيات الفرائض تناولت العدد مطلقا: الاثنين فصاعدًا؛ لقوله: "يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ" [النساء: 11]، وقوله: "فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ" وقوله: "وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاء" [النساء: 176]
فصل
وأما [الجدة] فكما قال الصديق: ليس لها في كتاب اللّه شيء؛ فإن الأم المذكورة في كتاب اللّه مقيدة بقيود توجب اختصاص الحكم بالأم الدنيا، فالجدة وإن سميت أما لم تدخل في لفظ الأم المذكورة في الفرائض، فأدخلت في لفظ الأمهات في قوله: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ" [النساء: 23]، ولكن رسول اللّه ﷺ أعطاها السدس. فثبت ميراثها بسنة رسول اللّه ﷺ؛ ولم ينقل عنه لفظ عام في الجدات، بل ورث الجدة التي سألته، فلما جاءت الثانية أبا بكر جعلها شريكة الأولى في السدس.
وقد تنازع الناس في [الجدات] فقيل: لا يرث الاثنتان؛ أم الأم، وأم الأب؛ كقول مالك، وأبي ثور. وقيل: لا يرث إلا ثلاث؛ هاتان، وأم الجد؛ لما روى إبراهيم النخعي: أن النبي ﷺ
ج/ 31 ص -353- قال: "ورث ثلاث جدات: جدتيك من قبل أبيك، وجدتك من قبل أمك" وهذا مرسل حسن؛ فإن مراسيل إبراهيم من أحسن المراسيل. فأخذ به أحمد. ولم يرد في النص إلا توريث هؤلاء.
وقيل: بل يرث جنس الجدات المدليات بوارث، وهو قول الأكثرين؛ كأبي حنيفة، والشافعي، وغيرهما، وهو وجه في مذهب أحمد. وهذا القول أرجح؛ لأن لفظ النص وإن لم يرد في كل جدة، فالصديق لما جاءته الثانية قال لها: لم يكن السدس التي أعطى إلا لغيرك؛ ولكن هي لو خلت به فهو لها. فورث الثانية، والنص إنما كان في غيرها.
ولأنه لا نزاع أن من علت بالأمومة ورثت، فترث أم أم الأب، وأم أم الأم بالاتفاق، فيبقى أم أبي الجد. أي فرق بينها وبين أم الجد؟ ! وإن فرق بين أم الأب وأم الجد. ومعلوم أن أبا الجد يقوم مقام الجد، بل هو جد أعلا، كذلك الجد كالأب، فأي وصف يفرق بين أم أم الأب، وأم أبي الجد؟ !
يبين ذلك أن أم أم الميت وأم أبيه بالنسبة إليه سواء؛ فكذلك أم أم أبيه وأم أبي أبيه بالنسبة إلى أبيه سواء، فوجب اشتراكهما في الميراث.
وأيضًا، فهؤلاء جعلوا أم أم الأم وإن زادت أمومتها ترث، وأم أبي الأب لا ترث. ورجحوا الجدة من جهة الأم على الجدة من جهة الأب. وهذا ضعيف، فلم تكن أم الأم أولى به من أم الأب، وأقارب الأم لم
ج/ 31 ص -354- يقدموا في شيء من الأحكام، بل أقارب الأب أولى في جميع الأحكام، فكذلك في الحضانة.
والصحيح أنها لا تسقط بابنها أي الأب كما هو أظهر الروايتين عن أحمد؛ لحديث ابن مسعود، ولأنها ولو أدلت به فهي لا ترث ميراثه، بل هي معه كولد الأم مع الأم لم يسقطوا بها.
وقول من قال: من أدلى بشخص سقط به، باطل طردًا وعكسا؛ باطل طردا بولد الأم مع الأم، وعكسا بولد الابن مع عمهم، وولد الأخ مع عمهم. وأمثال ذلك مما فيه سقوط شخص بمن لم يدل به، وإنما العلة أنه يرث ميراثه، فكل من ورث ميراث شخص سقط به إذا كان أقرب منه، والجدات يقمن مقام الأم فيسقطن بها وإن لم يدلين بها.
وأما كون [بنات الابن مع البنت] لهن السدس تكملة الثلثين، وكذلك الأخوات من الأب مع أخت الأبوين؛ فلأن اللّه قال: "يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ" [النساء: 11]، وقد علم أن الخطاب تناول ولد النبين دون ولد البنات، وأن قوله: "أَوْلاَدِكُمْ" يتناول من ينسب إلى الميت، وهم ولده وولد ابنته، وأنه متناولهم على الترتيب، يدخل فيه ولد النبين عند عدم ولد الصلب، لما قد عرف من أن ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر، والابن
ج/ 31 ص -355- أقرب من ابن الابن، فإذا لم تكن إلا بنت فلها النصف، وبقى من نصيب البنات السدس، فإذا كان هنا بنات ابن فإنهن يستحققن الجميع لولا البنت، فإذا أخذت النصف فالباقى لهن.
وكذلك في الأخت من الأبوين مع الأخت من الأب، أخبر ابن مسعود: أن النبي ﷺ قضى للبنت بالنصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين. وأما إذا استكملت البنات الثلثين لم يبق فرض، فإن كان هناك عصبة من ولد النبين فالمال له، لأنه أولى ذكر، وإن كان معه أو فوقه عصبها عند جمهور الصحابة والعلماء كالأربعة وغيرهم. وأما ابن مسعود فإنه يسقطها؛ لأنها لا ترث مفردة.
والنزاع في الأخت للأب مع أخيها إذا استكمل البنات الثلثين. فالجمهور يجعلون البنات عصبة مع إخوانهن، يقتسمون الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين، سواء زاد ميراثهن بالتعصيب أو نقص، وتوريثهن هنا أقوى، وقول ابن مسعود معروف في نقصانهن.
ج/ 31 ص -356-فصل
وفي من [عمي موتهم] فلم يعرف أيهم مات أولًا، فالنزاع مشهور فيهم. والأشبه بأصول الشريعة أنه لا يرث بعضهم من بعض، بل يرث كل واحد ورثته الأحياء، وهو قول الجمهور، وهو قول في مذهب أحمد، لكن خلاف المشهور في مذهبه، وذلك لأن المجهول كالمعدوم في الأصول، كالملتقط لما جهل حال المالك كان المجهول كالمعدوم، فصار مالكا لما التقطه، لعدم العلم بالملك.
وكذلك [المفقود]، قد أخذ أحمد بأقوال الصحابة الذين جعلوا المجهول كالمعدوم، فجعلوها زوجة الثاني ما دام الأول مجهولا باطنا وظاهرًا، كما في اللقط، فإذا علم صار النكاح موقوفا على إجازته ورده، فخير بين امرأته والمهر. فإن اختار امرأته كانت زوجته، وبطل نكاح الثاني، ولم يحتج إلى طلاقه.
والمقصود هنا أن أحمد تبع الصحابة الذين جعلوا المجهول كالمعدوم، وهنا إذا كان أحدهما قد مات قبل الآخر فذاك مجهول، والمجهول كالمعدوم فيكون تقدم أحدهما على الآخر معدوما فلا يرث أحدهما صاحبه.
وأيضًا، فالميراث جعل للحي ليكون خليفة للميت ينتفع بماله.
ج/ 31 ص -357-وسئل رَحمه اللّه عن رجل توفي، وله عم شقيق، وله أخت من أبيه: فما الميراث؟
فأجاب:
للأخت النصف، والباقي للعم، وذلك باتفاق المسلمين.
وسئل عن أمراة ماتت، وخلفت من الورثة بنتا، وأخا من أمها، وابن عم فما يخص كل واحد؟
فأجاب:
للبنت النصف، ولابن العم الباقي، ولا شيء للأخ من الأم، لكن إذا حضر القسمة فينبغي أن يرضخ له. والبنت تسقط الأخ من الأم في مذهب الأئمة الأربعة. واللّه أعلم.
وسئل رَحمه اللّه عن امرأة ماتت عن زوج، وأب، وأم، وولدين أنثى وذكر ثم بعد وفاتها توفي والدها وترك أباه، وأخته، وجده، وجدته؟
ج/ 31 ص -358-فأجاب:
للزوج الربع، وللأبوين السدسان، وهو الثلث، والباقي للولدين أثلاثا؛ ثم ما تركه الأب فلجدته سدسه، ولأبيه الباقي، ولاشيء لأخته، ولا جده، بل كلاهما يسقط بالأب.
وسئل رَحمه اللّه عن رجل له أولاد، وكسب جارية، وأولدها، فولدت ذكرا، فعتقها، وتزوجت، ورزقت أولادا، فتوفي الشخص، فخص ابنه الذي من الجارية دارا، وقد توفي: فهل يخص إخوته من أمه شيء مع إخوته الذين من أبيه؟
فأجاب:
للأم السدس، ولأخوته من الأم الثلث، والباقي لأخوته من أبيه، للذكر مثل حظ الأنثيين. واللّه أعلم.
وسئل رَحمه اللّه عن امرأة ماتت، وخلفت زوجا، وابن أخت؟
فأجاب:
للزوج النصف، وأما ابن الأخت ففي أحد الأقوال له الباقي، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأحمد في المشهور عنه وطائفة من أصحاب الشافعي.
ج/ 31 ص -359- وفي القول الثاني: الباقي لبيت المال، وهو قول كثير من أصحاب الشافعي، وأحمد في إحدى الروايات.
وأصل هذه المسألة: تنازع العلماء في [ذوي الأرحام] الذين لا فرض لهم، ولا تعصيب. فمذهب مالك والشافعي وأحمد في رواية: أن من لا وارث له بفرض ولا تعصيب يكون ماله لبيت مال المسلمين. ومذهب أكثر السلف وأبي حنيفة، والثوري، وإسحاق، وأحمد في المشهور عنه، يكون الباقي لذوي الأرحام "بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ" [الأحزاب: 6]، ولقول النبي ﷺ: "الخال وارث من لا وارث له، يرث ماله، ويفك عانه"
وسئل رَحمه اللّه تعالى عن رجل مات، وترك زوجة، وأختا لأبويه، وثلاث بنات أخ لأبويه: فهل لبنات الأخ معهن شيء؟ وما يخص كل واحدة منهن؟
فأجاب:
للزوجة الربع، وللأخت لأبوين النصف، ولا شيء لبنات الأخ. والربع الثاني إن كان هناك عصبة فهو للعصبة، وإلا فهو مردود على الأخت على أحد قولي العلماء، وعلى الآخر هو لبيت المال.
ج/ 31 ص -360-وسئل شيخ الإسلام رَحِمهُ اللّه عن رجل مات، وخلف بنتا، وله أولاد أخ من أبيه، وهم صغار، وله ابن عم راجل، وله بنت عم، وله أخ من أمه، وليس هو من أولاد أعمامه: فمن يأخذ المال؟ ومن يكون ولي البنت؟
فأجاب:
أما الميراث فنصفه للبنت، ونصفه لأبناء الأخ. وأما حضانة الجارية فهي لبنت العم، دون العم من الأم، ودون ابن العم الذي ليس بمحرم وله الولاية على المال الذي لليتيمة لوصى أو نوابه.
وسئل عمن ترك ابنتين، وعمه أخا أبيه من أمه: فما الحكم؟
فأجاب:
إذا مات الميت وترك بنتيه، وأخاه من أمه، فلا شيء لأخيه لأمه باتفاق الأئمة، بل للبنتين الثلثان، والباقي للعصبة، إن كان له عصبة، وإلا فهو مردود على البنتين، أو بيت المال.
ج/ 31 ص -361-وسئل الشيخ رَحِمهُ اللّه عن رجل توفي وخلف أخا له؛ وأختين شقيقين؛ وبنتين، وزوجة وخلف موجودا. وكان الأخ المذكور غائبا، فما تكون القسمة؟
فأجاب:
للزوجة الثمن وللبنتين الثلثان، وللأخوة خمسة قراريط، بين الأخ والأخت أثلاثا. فتحصل للزوجة ثلاثة قراريط، ولكل بنت ثمانية قراريط، وللأخ ثلاثة قراريط وثلث، وللأخت قيراط وثلثا قيراط.
وسئل عن رجل له خالة ماتت وخلفت موجودًا، ولم يكن لها وارث: فهل يرثها ابن أختها؟
فأجاب:
هذا في أحد قولي العلماء هو الوارث، وفي الآخر بيت المال الشرعي.
وسئل عن رجل كانت له بنت عم، وابن عم، فتوفيت بنت العم، وتركت بنتا، ثم توفي ابن العم المذكور، وترك ولدين، فبقى الولدان وبنت بنت
ج/ 31 ص -362- العم المتوفية، ثم توفيت البنت، وتركت أولاد عم: فمن يستحق الميراث؛ أولاد ابن العم من الأم، أم أولاد عمها؟
الجواب:
مذهب الإمام أحمد وغيره ممن يقول بالتنزيل كما نقل نحو ذلك عن الصحابة والتابعين، وهو قول الجمهور فتنزيل كل واحد من ذوي الأرحام منزلة من أدلى به، قريبا كان أو بعيدا، ولا يعتبر القرب إلى الوارث، ثم اتحدت الجهة، فإن أولاد العم لهم ثلثا المال وأولاد ابن عم الأم ثلث المال، فإن أولئك ينتهي أمرهم إلى الأم. وإذا وجد أم مع أب، أو مع جد، كان للأم الثلث، والباقي له. واللّه أعلم.
وسئل رَحمه اللّه تعالى عن رجل خلف زوجة، وثلاثة أولاد ذكور منها. ثم مات أحدهم وخلف أمه، وأخويه. ثم مات الآخر، وخلف أمه، وأخاه. ثم مات الثالث، وخلف أمه وابنا له: فما يحصل للأم من تركته؟
فأجاب:
للزوجة من تركة الميت الأول الثمن، والباقي للإخوة الذين هم أولاد الميت، ثم الأخ الأول لأمه سدس تركته، والباقي لأخويه. والأخ الثاني لأمه ثلث تركته، والباقي لأخيه، والأخ الثالث لأمه سدس التركة، والباقي لابنه.
ج/ 31 ص -363-وسئل رَحمه اللّه عن رجلين إخوة لأب وكانت أم أحدهما أم ولد، تزوجت بإنسان، ورزقت منه اثنين، وكان ابن الأم المذكورة تزوج ورزق ولدًا، ومات وخلف ولده، فورث أباه، ثم مات الولد، وكان قد مات أخوه من أبيه في حياته، وخلف ابنا، فلما مات الولد خلف أخوه اثنين، وهم إخوة أبيه من أمه، وخلف ابن عم من أبيه: فما الذي يخص إخوة أبيه؟ وما الذي يخص ابن عمه؟
فأجاب:
الحمد للّه، الميراث جميعه لابن عمه من الأب، وأما إخوة أبيه من الأم فلا ميراث لهما، وهذا باتفاق المسلمين، لكن ينبغي للميت أن يوصى لقرابته الذين لا يرثونه، فإذا لم يوص فينبغي إذا حضروا القسمة أن يعطوا منه، كما قال تعالى: "وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا" [النساء: 8]
وسئل عن رجل توفي، وخلف ابنين، وبنتين، وزوجة، وابن أخ. فتوفي الابنان، وأخذت الزوجة ما خصها، وتزوجت بأجنبى، وبقى نصيب الذكرين ما قسم، وأن الزوجة حبلت من الزوج الجديد، فأراد بقية الورثة
ج/ 31 ص -364- قسمة الموجود، فمنع البقية إلى حيث تلد الزوجة. فهل يكون لها إذا ولدت مشاركة في الموجود؟
فأجاب:
الحمد للّه، الميت الأول لزوجته الثمن، والباقي لبنيه وبناته للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا شيء لابن الأخ، فيكون للزوجة ثلاثة قراريط، ولكل ابن سبعة قراريط، وللبنتين سبعة قراريط.
ثم الابن الأول لما مات خلف أخاه وأختين وأمه، والأخ الثاني خلف أختيه وأمه وابن عمه. والحمل إن كان موجودًا عند موت أحدهما ورثا منه؛ لأنه أخوه من أمه. وينبغي لزوج المرأة أن يكف عن وطئها من حين موت هذا. وهذا كما أمر بذلك علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه فإنه إذا لم يطأها وولدته، علم أنه كان موجودًا وقت الموت، وإذا وطئها وتأخر الحمل اشتبه، لكن من أراد من الورثة أن يعطي حقه أعطى الثلثين ووقف للحمل نصيب، وهو الثلث. واللّه أعلم.
وسئل رَحمه اللّه عن يتيم له موجود تحت أمين الحكم، وأن عمه تعمد قتله حسدًا فقتله، وثبت عليه ذلك. فما الذي يجب عليه شرعا، وما حكم اللّه في قسم ميراثه، من وقف وغيره، وله من الورثة والدة، وأخ من أمه، وجد لأمه، وأولاد القاتل؟
ج/ 31 ص -365-فأجاب:
الحمد للّه رب العالمين، أما الميراث من المال فإنه لورثته، والقاتل لا يرث شيئًا باتفاق الأئمة، بل للأم الثلث، والأخ من الأم السدس والباقي لابن العم، ولا شيء للجد أبي الأم.
وأما [الوقف] فيرجع فيه إلى شرط الواقف الموافق للشرع.
وأما [دم المقتول] فإنه لورثته، وهم الأم، والأخ، وابن العم القاتل في مذهب الشافعي، وأحمد وغيرهما.
ومذهب مالك أنهم إن اختلفوا، فأرادت الأم أمرًا، وابن العم أمرًا، فإنه يقدم ما أراده ابن العم، وهو ذو العصبية في إحدى الروايات التي اختارها كثير من أصحابه. وفي الثانية وهي رواية ابن القاسم التي عليها العمل عند المغاربة : أن الأمر أمر من طلب الدم، سواء كان هو العاصب، أو ذات الفرض. والرواية الثالثة كمذهب الشافعي: أن من عفا من الورثة صح عفوه، وصار حق الباقين في الدية.
لكن ابن العم، هل يقتل أباه؟ هذا فيه قولان أيضًا: أحدهما: لا يقتله؛ كمذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه. وفي الثاني: يقتله؛ كقول مالك، وهو قول في مذهب أحمد، لكن القود ثبت للمقتول، ثم انتقل إلى الورث، لكن كره مالك له قتله، ومن وجب له القود فله أن يعفو، وله أن يأخذ الدية، وإذا عفا بعض المستحق للقود سقط، وكان حق الباقين في الدية. وله أن يأخذ الدية بغير رضا القاتل في مذهب الشافعي
ج/ 31 ص -366- وأحمد في المشهور، وفي رواية أخرى: لا يأخذ الدية إلا برضا القاتل، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك.
وإذا سقط القود عن قاتل العمد، فإنه يضرب مائة جلدة، ويحبس سنة عند مالك، وطائفة من أهل العلم، دون الباقين.
وسئل عَن قَولِهِ:
جدتي أمه وأبي جده
وأنا عمة له وهو خالي
أفتنا يا إمام رحمك اللّ
ه ويكفيك حادثات الليالي
فأجاب رحمه اللّه:
رجل زوج ابنه أم بنته
وأتى البنت بالنكاح الحلال
فأتت منه ببنت قالت الشع
ر قالت لابن هاتيك خالي
رجل تزوج امرأة وتزوج ابنه بأمها، ولد له بنت، ولابنه ابن، فبنته هي المخاطبة بالشعر فجدتها أم أمها هي أم ابن الابن زوجة الابن وأبوها جد ابن ابنه، وهي عمته أخت أبيه من الأب، وهو خالها أخو أمها من الأم. واللّه أعلم.
ج/ 31 ص -367-وسئل رَحِمَه اللّه عن قوله:
ما بال قوم غدوا قد مات ميتهم
فأصبحوا يقسمون المال والحللا
فقالت امرأة من غير عترتهم
ألا أخبركم أعجوبة
مثلا في البطن مني جنين دام يشكركم
فأخروا القسم حتى تعرفوا الحملا
فإن يكن ذكرا لم يعط خردلة
وإن يكن غيره أنثى فقد فضلا
بالنصف حقا يقينا ليس ينكره
من كان يعرف فرض الله لا زللا
إني ذكرت لكم أمري بلا كذب
فلا أقول لكم جهلا ولا مثلا
فأجاب:
زوج، وأم، واثنان من ولد الأم، وحمل من الأب، والمرأة الحامل ليست أم الميت، بل هي زوجة أبيها. فللزوج النصف، وللأم السدس ولولد الأم الثلث. فإن كان الحمل ذكرًا فهو أخ من أب فلا شيء له باتفاق العلماء. وإن كان الحمل أنثى فهو أخت من أب، فيفرض لها النصف، وهو فاضل عن السهام. فأصلها من ستة، وتعول إلى تسعة.
وأما إن كان الحمل من أم الميت، فهكذا الجواب في أحد قولي العلماء من الصحابة، ومن بعدهم، وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد في المشهور عنه. وعلى القول الآخر: إن كان الحمل ذكرًا يشارك ولد الأم، كواحد منهم، ولا يسقط، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد في رواية عنه.
ج/ 31 ص -368-وسئل الشّيخ رَحمه اللّه عن امرأة مزوجة، ولزوجها ثلاث شهور، وهو في مرض مزمن، فطلب منها شرابًا فأبطأت عليه، فنفر منها. وقال لها: أنت طالق ثلاثة، وهي مقيمة عنده تخدمه، وبعد عشرين يوما توفي الزوج: فهل يقع الطلاق؟ وهل إذا حلف على حكم هذه الصورة يحنث؟ وهل للوارث أن يمنعها الإرث؟
فأجاب:
أما الطلاق فإنه يقع إن كان عاقلا مختارًا، لكن ترثه عند جمهور أئمة الإسلام، وهو مذهب مالك، وأحمد، وأبي حنيفة، والشافعي في القول القديم، كما قضى به عثمان بن عفان في امرأة عبد الرحمن بن عوف. فإنه طلقها في مرض موته، فورثها منه عثمان. وعليها أن تعتد أبعد الأجلين؛ من عدة الطلاق، أو عدة الوفاة. وأما إن كان عقله قد زال فلا طلاق عليه.
وسئل رَحمه اللّه عن رجل طلق زوجته طلقة واحدة قبل الدخول بها، في مرضه الذي مات فيه: فهل يكون ذلك طلاق الفار؟ ويعامل بنقيض قصده؟ وترثه الزوجة، وتستكمل جميع صداقها عليه؟ أم لا ترث وتأخذ نصف الصداق، والحالة هذه؟
ج/ 31 ص -369-فأجاب:
الحمد للّه رب العالمين، هذه المسألة مبنية على [مسألة المطلق بعد الدخول في مرض الموت]. والذي عليه جمهور السلف والخلف: توريثها؛ كما قضى بذلك عثمان بن عفان رضي اللّه عنه لامرأة عبد الرحمن بن عوف؛ تماضر بنت الأصبغ، وقد كان طلقها في مرضه، وهذا مذهب مالك، وأحمد، وأبي حنيفة والشافعي في القديم.
ثم على هذا، هل ترث بعد انقضاء العدة؟ والمطلقة قبل الدخول؟ على قولين للعلماء: أصحهما أنها ترث أيضًا، وهو مذهب مالك، وأحمد في المشهور عنه، وقول للشافعي؛ لأنه قد روي أن عثمان ورثها بعد انقضاء العدة؛ ولأن هذه إنما ورثت لتعلق حقها بالتركة لما مرض مرض الموت، وصار محجورًا عليه في حقها، وحق سائر الورثة، بحيث لا يملك التبرع لوارث، ولا يملكه لغير وارث بزيادة على الثلث، كما لا يملك ذلك بعد الموت، فلما كان تصرفه في مرض موته بالنسبة إلى الورثة كتصرفه بعد الموت لا يملك قطع إرثها، فكذلك لا يملك بعد مرضه، وهذا هو [طلاق الفار] المشهور بهذا الاسم عند العلماء وهو القول الصحيح الذي أفتى به.
وسئل رَحمه اللّه عن رجل زوج ابنته، وكتب الصداق عليه، ثم إن الزوج مرض بعد ذلك، فحين قوى عليه المرض فقبل موته بثلاثة أيام طلق الزوجة؛ ليمنعها من الميراث: فهل يقع هذا الطلاق؟ وما الذي يجب لها في تركته؟
ج/ 31 ص -370-فأجاب:
هذه المطلقة إن كانت مطلقة طلاقا رجعيًا، ومات زوجها، وهي في العدة ورثته باتفاق المسلمين، وإن كان الطلاق بائنا كالمطلقة ثلاثًا، ورثته أيضًا عند جماهير أئمة الإسلام، وبه قضى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي اللّه عنه لما طلق عبد الرحمن بن عوف زوجته بنت الأصبغ الكلبية، طلقها ثلاثا في مرض موته، فشاور عثمان الصحابة فأشاروا على أنها ترث منه، ولم يعرف عن أحد من الصحابة في ذلك خلاف.
وإنما ظهر الخلاف في خلافة ابن الزبير، فإنه قال: لو كنت أنا لم أورثها، وابن الزبير قد انعقد الإجماع قبل أن يصير من أهل الاجتهاد، وإلى ذلك ذهب أئمة التابعين، ومن بعدهم، وهو مذهب أهل العراق؛ كالثوري، وأبي حنيفة، وأصحابه، ومذهب أهل المدينة؛ كمالك، وأصحابه، ومذهب فقهاء الحديث؛ كأحمد بن حنبل، وأمثاله، وهو القول القديم للشافعي، وفي الجديد وافق ابن الزبير؛ لأن الطلاق واقع بحيث لو ماتت هي لم يرثها هو بالاتفاق، فكذلك لا ترثه هي، ولأنها حرمت عليه بالطلاق، فلا يحل له وطؤها، ولا الاستمتاع بها، فتكون أجنبية، فلا ترث.
والجمهور قالوا: إن المريض مرض الموت قد تعلق الورثة بماله من حين المرض، وصار محجورًا عليه بالنسبة إليهم، فلا يتصرف في مرض موته من التبرعات، إلا ما يتصرفه بعد موته، فليس له في مرض الموت أن يحرم بعض الورثة ميراثه، ويخص بعضهم بالإرث، كما ليس له ذلك بعد الموت، وليس له أن يتبرع لأجنبي بما زاد على الثلث في مرض موته، كما لا يملك ذلك بعد الموت.
ج/ 31 ص -371-وفي الحديث: "من قطع ميراثا قطع اللّه ميراثه من الجنة"، وإذا كان كذلك فليس له بعد المرض أن يقطع حقها من الإرث، لا بطلاق، ولا غيره. وإن وقع الطلاق بالنسبة له، إذ له أن يقطع نفسه منها، ولا يقطع حقها منه. وعلى هذا القول ففي وجوب العدة نزاع. هل تعتد عدة الطلاق أو عدة الوفاة؟ أو أطولهما؟ على ثلاثة أقوال: أظهرها أنها تعتد أبعد الأجلين، وكذلك هل يكمل لها المهر؟ قولان: أظهرهما أنه يكمل لها المهر أيضًا؛ فإنه من حقوقها التي تستقر، كما تستحق الإرث.
وسئل رَحمه اللّه عن رجل تزوج بامرأتين: إحداهما مسلمة، والأخرى كتابية، ثم قال: إحداكما طالق، ومات قبل البيان، فلمن تكون التركة من بعده؟ وأيهما تعتد عدة الطلاق؟
فأجاب:
هذه المسألة فيها تفصيل ونزاع بين العلماء. فمنهم من فرق بين أن يطلق معينة وينساها، أو يجهل عينها؛ وبين أن يطلق مبهمة، ويموت قبل تمييزها بتعيينه أو تعريفه.
ثم منهم من يقول: يقع الطلاق بالجميع؛ كقول مالك. ومنهم من يقول لا يقع إلا بواحدة؛ كقول الثلاثة، وإذا قدر تعيينها، ولم تعين، فهل تقسم
ج/ 31 ص -372-التركة بين المطلقة وغيرها، كما يقوله أبو حنيفة؟ أو يوقف الأمر حتى يصطلحا كما يقول الشافعي؟ أو يقرع بين المطلقة وغيرها كما يقول أحمد وغيره من فقهاء الحديث؟ على ثلاثة أقوال.
والقرعة بعد الموت هي قرعة على المال؛ فلهذا قال بها من لم ير القرعة في المطلقات. والصحيح في هذه المسألة سواء كانت المطلقة مبهمة أو مجهولة أن يقرع بين الزوجتين، فإذا خرجت القرعة على المسلمة لم ترث هي ولا الذمية شيئًا، أما هي فلأنها مطلقة، وأما الذمية فإن الكافر لا يرث المسلم، وإن خرجت القرعة على الذمية ورثت المسلمة ميراث زوجة كاملة. هذا إذا كان الطلاق طلاقا محرما للميراث، مثل أن يبينها في حال صحته.
فأما إن كان الطلاق رجعيا في الصحة والمرض، ومات قبل انقضاء العدة فهذه زوجته ترث، وعليها عدة الوفاة باتفاق الأئمة، وتنقضى بذلك عدتها عند جمهورهم؛ كمالك والشافعي، وأبي حنيفة، وهو قول أحمد في إحدى الروايتين. والمشهور عنه أنها تعتد أطول الأجلين من مدة الوفاة والطلاق. وإن كان الطلاق بائنا في مرض الموت فإن جمهور العلماء على أن البائنة في مرض الموت ترث، إذا كان طلقها طلاقا فيه قصد حرمانها الميراث. هذا قول مالك. وهو يرثها وإن انقضت عدتها وتزوجت، وهو مذهب أبي حنيفة وهو يرثها ما دامت في العدة، وهو المشهور عنه، ما لم تتزوج. وللشافعي ثلاثة أقوال كذلك، لكن قوله الجديد: أنها لا ترث.
ج/ 31 ص -373-وأما إذا لم يتهم بقصد حرمانها، فالأكثرون على أنها لا ترث، فعلى هذا لا ترث هذه المرأة؛ لأن مثل هذا الطلاق الذي لم يعين فيه، لا يظهر فيه قصد الحرمان، ومن ورثها مطلقًا كأحمد في إحدى الروايتين فالحكم عنده كذلك.
وإذا ورثت المبتوتة فقيل: تعتد أبعد الأجلين، وهو ظاهر مذهب أحمد، وقول أبي حنيفة، ومحمد. وقيل: تعتد عدة الطلاق فقط، وهو قول مالك، والشافعي المشهور عنه، ورواية عن أحمد، وقول للشافعي.
وأما صورة أنها لم تتبين المطلقة، فإحداهما وجبت عليها عدة الوفاة، والأخرى عدة الطلاق، وكل منهما وجبت عليه إحدى العدتين، فاشتبه الواجب بغيره؛ فلهذا كان الأظهر هنا وجوب العدتين على كل منهما؛ لأن الذمة لا تبرأ من أداء الواجب إلا بذلك.
وسئل رَحمه اللّه عن رجل توفي، وخلف مستولدة له، ثم بعد ذلك توفيت المستولدة، وخلفت ولدًا ذكرًا، وبنتين، فهل للبنات ولاء مع الذكر؟ وهل يرثن معه شيئًا؟
ج/ 31 ص -374-فأجاب:
هذا فيه روايتان عن أحمد، إحداهما وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي : أن الولاء يختص بالذكور. والثانية: أن الولاء مشترك بين النبين، والبنات، للذكر مثل حظ الأنثيين. واللّه أعلم.
وسئل رَحمه اللّه عن رجل له جارية، وله ولد، فزنى بالجارية، وهي تزني مع غيره، فجاءت بولد ونسبته إلى ولده، فاستلحقه، ورضي السيد. فهل يرث إذا مات مستلحقه؟ أم لا؟
فأجاب:
إن كان الولد استلحقه في حياته، وقال: هذا ابني، لحقه النسب، وكان من أولاده، إذا لم يكن له أب يعرف غيره. وكذلك إن علم أن الجارية كانت ملكا للابن، فإن "الولد للفراش، وللعاهر الحجر".
وسئل رَحمه اللّه عمن له والدة، ولها جارية؛ فواقعها بغير إذن والدته، فحملت منه، فولدت غلاما، وملكهما، ويريد أن يبيع ولده من الزنا؟
فأجاب:
هذا ينبغي له أن يعتقه باتفاق العلماء، بل قد تنازع العلماء، هل يعتق عليه من غير إعتاق؟ على قولين:
ج/ 31 ص -375-أحدهما: أنه يعتق عليه، وهو مذهب أبي حنيفة، وقول القاضي أبي يعلى من أصحاب أحمد، ولكن مع هذا لا يرث هذا لهذا، ولا هذا لهذا.
والثاني: لا يعتق عليه، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد في المنصوص عنه. واللّه أعلم.
وسئل رَحمه اللّه عن رجل أعطى لزوجته من صداقها جارية، فأعتقتها، ثم بعد مدة وَطِئ الجارية، فولدت ابنًا، وولدت زوجته بنتًا، وتوفي: فهل يرث الابن الذي من الجارية مع بنت زوجته؟
فأجاب:
إذا كان قد وطئ الجارية المعتقة بغير نكاح، وهو يعلم أن الوطء حرام فولده ولد زنا، لا يرث هذا الواطئ، ولا يرثه الواطئ، في مذهب الأئمة الأربعة. واللّه أعلم.