أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)

(اختيار من أقسام الكتاب والفتاوى)

باب الموصي إليه

    ج/ 31 ص -319- باب الموصى إليه
    وسئل رحمه الله تعالى عن وصى على أيتام بوكالة شرعية، وللأيتام دار، فباعها وكيل الوصي من قبل أن ينظرها، وقبض الثمن، ثم زيد فيها‏:‏ فهل له أن يقبل الزيادة‏؟‏ أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إن كان الوكيل باعها بثمن المثل، وقد رؤيت له صح البيع‏.‏ وإن لم تر له، فيه نزاع‏.‏ وإن باعها بدون ثمن المثل فقد فرط في الوصية، ويرجع عليه بما فرط فيه، أو يفسخ البيع، إذا لم يبذل له تمام المثل‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل عن رجل جليل القدر، له تعلقات كثيرة مع الناس، وأوصى بأمور، فجاء رجل إلى وصيه في حياة الموصي، وقال‏:‏ يا فلان، جئتك في حياة فلان

    ج/ 31 ص -320-الموصى بمال، فلي عنده كذا، وكذا‏.‏ فذكر الوصي ذلك للموصي، فقال الموصي‏:‏ من ادعى بعد موتي على شيئا فحلفه وأعطه بلا بينة‏:‏ فهل يجوز أو يجب على الوصي فعل ذلك مع يمين المدعي‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    نعم، يجب على الوصي تسليم ما ادعاه هذا المدعي إذا حلف عليه، وسواء كان يخرج من الثلث أو لا، أما إذا كان يخرج من الثلث كان أسوأ الأحوال، كما يكون هذا الموصى متبرعًا بهذا الإعطاء‏.‏ ولو وصى لمعين إذا فعل فعلا، أو وصى لمطلق موصوف، فكل من الوصيتين جائز باتفاق الأئمة، فإنهم لا ينازعون في جواز الوصية بالمجهول، ولم يتنازعوا في جواز الإقرار بالمجهول؛ ولهذا لا يقع شبهة لأحد في أنه إذا خرج من الثلث وجب تسليمه وإنما قد تقع الشبهة فيما إذا لم يخرج من الثلث‏.‏ والصواب المقطوع به أنه يجب تسليم ذلك من رأس المال؛ لأن الدين مقدم على الوصايا؛ فإن هذا الكلام مفهومه رد اليمين على المدعي، والأمر بتسليم ما حلف عليه‏.‏
    لكن رد اليمين هل هو كالإقرار‏؟‏ أو كالبينة‏؟‏ فيه للعلماء قولان‏.‏ فإذا قيل‏:‏ هو كالإقرار صار هذا إقرار لهذا المدعي، غايته أنه أقر بموصوف أو بمجهول، وكل من هذين إقرار يصح باتفاق العلماء؛ مع أن هذا الشخص المعين ليس الإقرار له إقراراً بمجهول؛ فإنه هو سبب اللفظ العام، وسبب اللفظ العام مراد فيه قطعاً، كأنه قال‏:‏ هذا الشخص المعين إن حلف على ما ادعاه فأعطوه إياه‏.‏ ومثل هذه الصفة جائزة باتفاق العلماء، واجب تنفيذها‏.‏ وإن

    ج/ 31 ص -321- قيل‏:‏ إن الرد كالبينة صار حلف المدعي مع نكول المدعي عليه بينة، ويصير المدعي قد أقام بينة على ما ادعاه، ومثل هذا يجب تسليم ما ادعاه إليه بلا ريب هذا على أصل من لا يقضي برد اليمين على المدعي؛ كمالك، والشافعي، وأحد القولين في مذهب الإمام أحمد‏.‏
    وأما عند من يقضي بالنكول كأبي حنيفة وأحمد في أشهر الروايتين عنه، فالأمر عنده أوكد؛ فإنه إذا رضي الخصمان فحلف المدعي كان جائزاً عندهم، وكان من النكول أيضًا، فالرجل الذي قد علم أن بينه وبين الناس معاملات متعددة منها ما هو بغير بينة، وعليه حقوق قد لا يعلم أربابها، ولا مقدارها، لا تكون مثل هذه الصفة منه تبرعا، بل تكون وصية بواجب، والوصية بواجب لآدمي تكون من رأس المال باتفاق المسلمين، وذلك أنه إذا علم أن عليه حقا، وشك في أدائه لم يكن له أن يحلف، بل إذا حلف المدعي عليه وأعطاه فقد فعل الواجب، فإذا كان عليه حق لا يعلم عين صاحبه كان عليه أن يفعل ما تبرأ به زمته فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها، وكمن عليه دين لأحد رجلين لا يعلم عين المستحق، فإذا قال‏:‏ من حلف منكما فهو له ونحو ذلك، فقد أدى الواجب‏.‏
    وأيضًا، فإنه إذا ادعى عليه بأمر لا يعلم ثبوته ولا انتفاءه لم يكن له أن يحلف على نفيه يمين بت؛ لأن ذلك حلف على ما لا يعلم، بل عليه أن يفعل ما يغلب على ظنه، وإذا أخبره من يصدقه بأمر بني عليه، وإذا رد اليمين على المدعي عند

    ج/ 31 ص -322- اشتباه الحال عليه فقد فعل ما يجب عليه؛ فإنه لو نهاهم عن إعطائه قد يكون ظالماً مانعا المستحق، وإن أمر بإعطاء كل مدع أفضي إلى أن يدعي الإنسان بما لا يستحقه، وذلك تبرع، فإذا أمر بتحليفه وإعطائه فقد فعل ما يجب عليه حيث بني الأمر على ما يغلب على ظنه أن تبرأ ذمته منه، فإن كان قد فعل الواجب أخرج ذلك من رأس المال‏.‏
    وسئل رحمه الله تعالى عن وصى على أولاد أخيه، وتوفى، وخلف أولاداً، وضعوا أيديهم على موجود والدهم‏:‏ فهل يلزم أولاد الوصي المتوفي الخروج عن ذلك، والدعوى عليهم‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إذا عرف أن مال اليتامى كان مختلطا بمال الرجل، فإنه ينظر كم خرج من مال اليتامى نفقة وغيرها، ويطلب الباقي وما أشبه ذلك، ويرجع فيه إلى العرف المطرد‏.‏
    وسئل عن رجل وصى على مال يتيم، وقد قارض فيه مدة ثلاث سنين، وقد ربح فيه فائدة من وجه حل‏:‏ فهل يحل للوصى أن يأخذ من الفائدة شيئا‏؟‏ أو هي لليتيم خاصة‏؟‏

    ج/ 31 ص -323-فأجاب‏:‏
    الربح كله لليتيم، لكن إن كان الوصي فقيرا وقد عمل في المال فله أن يأخذ أقل الأمرين من أجرة مثله أو كفايته، فلا يأخذ فوق أجرة عمله وإن كانت الأجرة أكثر من كفايته لم يأخذ أكثر منها‏.‏
    وسئل رحمه الله عن وصى تحت يده أيتام أطفال، ووالدتهم حامل‏:‏ فهل يعطي الأطفال نفقة، والذي يخدم الأطفال، والوالدة إذا أخذت صداقها‏:‏ فهل يجوز أن تأكل الأطفال ووالدتهم ومن يخدمهم جميع المال‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    أما الزوجة فتعطي قبل وضع الحمل‏.‏ وأما سائر الورثة فإن أخرت قسمة التركة إلى حين الوضع فينفق على اليتامى بالمعروف، ولا بأس أن يختلط مالهم بمال الأم، ويكون خبزهم جميعا، وطبخهم جميعا، إذا كان ذلك مصلحة لليتامى ، فإن الصحابة سألوا رسول الله ﷺ عن ذلك فأنزل الله تعالى‏
    :‏ ‏"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ‏"‏[‏البقرة‏:‏ 220‏]‏‏.‏ وأما الحمل فإن أخرت فلا كلام، وإن عجلت أخر له نصيب ذكر احتىاطًا‏.‏
    وهل تستحق الزوجة نفقة لأجل الحمل الذي في بطنها وسكنى‏؟‏ على ثلاثة أقوال للعلماء‏:‏

    ج/ 31 ص -324-أحدها‏:‏ لا نفقة لها، ولا سكني، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين، والشافعي في قول‏.‏
    والثاني‏:‏ لها النفقة والسكنى، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وقول طائفة‏.‏
    والثالث‏:‏ لها السكني، دون النفقة، كما نقل عن مالك والشافعي في قول‏.‏
    وسئل رحمه الله عن يتيمة حضر من يرغب في تزويجها، ولها أملاك‏:‏ فهل يجوز للوصى أن يبيع من عقارها شيئا، ويصرف ثمنه في جهاز وقماش لها، وحلي يصلح لمثلها أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    نعم، للولي أن يبيع من عقارها ما يجهزها به، ويجهزها الجهاز المعروف، والحلي المعروف‏.‏ وسئل عن وصى على أختيه، وقد كبرتا، وولديهما؛ وآنس منهما الرشد‏:‏ فهل يحتاج إلى إثبات عند الحاكم‏؟‏ أو إلى شهود‏؟‏

    ج/ 31 ص -325-فأجاب‏:‏
    إذا آنس الوصي منهم الرشد دفع إليهم المال، ولا يحتاج إلى شهود، بل يقر برشدهم، ويسلم إليهم المال، وذلك جائز بغير إذن الحاكم، لكن له إثبات ذلك عند الحاكم‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل عن وصى قضي دينا عن الموصى بغير ثبوت عند الحاكم، وعوض عن الغائب بدون قيمة المثل‏:‏ فهل للورثة فسخ ذلك‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    ليس للوصى أن يقضي ما يدعي من الدين إلا بمستند شرعي، بل ولا بمجرد دعوي من المدعي، فإنه ضامن له‏.‏ ولا يجوز له التعويض إلا بقيمة المثل، وما عوضه بدون القيمة بما لا يتغابن الناس به، فإما أن يضمن ما نقص من حق الورثة، وإما أن يفسخ التعويض ويوفي الغريم حقه‏.‏ والمستند الشرعي متعدد؛ مثل إقرار الميت، أو إقرار من يقبل إقراره عليه، مثل وكيله إذا أقر بما وكله فيه، ويدخل في ذلك ديوان الأمير، وأستاذ داره؛ مثل شاهد يحلف معه المدعي، ومثل خط الميت الذي يعلم أنه خطه وغير ذلك‏.‏
    وسئل عن نصراني توفي وخلف تركة، وأوصى وصيته، وظهرت عليه ديون بمساطر وغير مساطر‏:‏ فهل للوصى أن يعطي أرباب الديون بغير ثبوت على يد حاكم‏؟‏

    ج/ 31 ص -326-فأجاب‏:‏
    إذا كان الميت ممن يكتب ما عليه للناس في دفتر ونحوه، وله كاتب يكتب بإذنه ما عليه ونحوه، فإنه يرجع في ذلك إلى الكتاب الذي بخطه أو خط وكيله، فما كان مكتوبا وليس عليه علامة الوفاء كان بمنزلة إقرار الميت به، فالخط في مثل ذلك كاللفظ، وإقرار الوكيل فيما وكل فيه بلفظه أو خطه المعتبر مقبول، ولكن على صاحب الدين اليمين بالاستحقاق، أو نفي البراءة، كما لو ثبت الدين بإقرار لفظي‏.‏ وأما إعطاء المدعي ما يدعيه بمجرد قوله الذي لا فرق فيه بين دعواه ودعوي غيره فلا يجوز‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل رحمه الله تعالى عن الوصي ونحوه إذا كان بعض مال الوصي مشتركا بينه وبين وصى عليه وللموصى فيه نصيب؛ وباع الشركاء أنصباءهم أو اكتروه للوصي، واحتاج الولي أن يبيع نصيب اليتيم، أو يكريه معهم‏:‏ فهل يجوز له الشراء‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    يجوز له الشراء؛ لأن الشركاء غير متهمين في بيع نصيبهم، ولأن الشركاء إذا عينوا الوصي تعين عن غيره في نصيب اليتيم دخل ضرورة، ويشهد له المعني، قال الله تعالى‏:‏
    ‏"وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ‏"‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 220‏]

    ج/ 31 ص -327-وسئل رحمه الله تعالى عن وصى يتيم، وهو يتجر له ولنفسه بماله، فاشترى لليتيم صنفا، ثم باعه واشترى له بثمنه، ثم بعد ذلك اشترى المذكور، ومات ولم يعين‏:‏ هل هو لأحدهما أو لهما‏.‏ فهل يكون الصنف لورثة الوصي أم لليتيم‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إذا علم أنه لم يشتره إلا بماله وحده، وبمال اليتيم وحده، فإنه لأحدهما‏:‏ ينظر في ذلك‏:‏ هل يمكن علمه بأن يعرف مقدار مال اليتيم‏.‏ ومقدار مال نفسه‏.‏ وينظر دفاتر الحساب، وما كتبه بخطه، ونحو ذلك، وإن كان مال اليتيم متميزا بأن يكون ما اشتراه بكتبه ونحو ذلك كان مما لم يكتبه لنفسه، فإن تعذر معرفة المستحق من كل وجه كان فيه للفقهاء ثلاثة أقوال‏:‏
    أحدها‏
    :‏ أن يقسم بينهما كقول أبي حنيفة، كما لو تداعيا عينا يدهما عليها‏.‏
    والثاني‏:‏ يوقف الأمر حتى يصطلحا؛ كقول الشافعي؛ لأن المستحق أحدهما لا بعينه‏.‏
    والثالث‏:‏ وهو مذهب أحمد أنه يقرع بينهما، فمن أصابته القرعة حلف وأخذ، لما في السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلين اختصما في متاع إلى النبي ﷺ، ليس لواحد منهما بينة، فقال النبي ﷺ‏:‏ ‏[‏استهما عليه‏]‏ رواه أبو داود والنسائي‏.‏ وفي لفظ لأبي داود‏:‏ ‏"‏إذا كره الاثنان اليمين، أو استحباها فليستهما عليه‏"‏ رواه البخاري، ولفظه‏:‏ أن النبي ﷺ عرض على قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم أيهم يحلف‏.‏ والله أعلم‏.‏

    ج/ 31 ص -328-وسئل رحمه الله تعالى عن أيتام تحت الحجر؛ ولهم وصى وكفيل ولأمهم زوج أجنبي‏:‏ فهل له عليهم حكم‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله رب العالمين، ليس لزوج الأم عليهم حكم في أبدانهم ولا أموالهم، بل الأم المزوجة بالأجنبي لا حضانة لها لئلا يحضنهم الأجنبي؛ فإن الزوجة تحت أمر الزوج، فأسقط الشارع حضانتها؛ لئلا يكونوا في حضانة أجنبي، وإنما الحضانة لأم الأم، أو لغيرها من الأقارب‏.‏ وأما المال فأمره إلى الوصي‏.‏ والنكاح للعصبة‏.‏
    وسئل عن رجل حضرته الوفاة فأوصى وصية بحضرته‏:‏ أن هذه الدار نصفها للحرم الشريف، ونصفها لمملوكي ‏[‏سنقر‏]‏ المعتوق الحر، ولم يكن له وارث سوي ابن أستاذه، وأن الوصي قال لابن أستاذه‏:‏ هذا ما يجوز للمسلمين منعه، فخلي كلام الوصي وباعه وتصرف فيها تصرف المالك‏:‏ فهل يصح بيعه‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إذ كانت الوصية تخرج من الثلث وجب تنفيذها، ولم يكن للورثة إبطالها، فإن جحدوها فله تحليفهم، ومتى شهد له شاهد بقول الوصي أو غيره فله أن يحلف مع شاهده ويأخذ حصته‏.‏

    ج/ 31 ص -329-وسئل رحمه الله عن رجل تحت حجر بطريق شرعي، وأن الوصي توفي إلى رحمة الله تعالى، وترك ولده، وإن ولده قد وضع يده على ما ترك والده، وعلى ما كان والده وضع يده عليه من مال المحجور عليه، وإن اليتيم طلب الحساب من ولد الوصي فهل له ذلك، وأن ولده ادعى أن والده أقبض بعض مال محجوره لزيد وهو لا يستحق إقباض ذلك شرعا، وأنه بإشهاد عليهما، ثم إن ذلك القابض الذي أقبضه الوصي ادعى أنه أقبض ذلك المال لليتيم‏:‏ فهل تجوز هذه الشهادة على اليتيم المحجور عليه ما ذكر‏؟‏ أم لا‏؟‏ وهل له أن يرجع على مال الوصي بما أقبضه من ماله لمن لا يستحق إقباضه شرعا‏؟‏ وهل لولد الوصي الرجوع عن ما أقبضه والده بغير مستند شرعي‏؟‏ وما الحكم في ذلك‏؟‏
    فأجاب رحمه الله‏:‏
    إذا مات الوصي ولم يعرف أن مال اليتيم قد ذهب بغير تفريط فهو باق بحكم يوجب إبقائه في تركة الميت، لكن هل يكون دينا يحاص الغرماء‏؟‏ أو يكون أمانة يؤخذ من أصل المال‏؟‏ فيه نزاع‏.‏ وإذا ادعى الوارث رده إليه لم يقبل بمجرد قوله‏.‏
    وأما إذا كان الوصي قد أقبضه لغيره، وذلك الغير أقبضه لليتيم، فإن ثبت ذلك وكان الإقباض مما يسوغ، فقد برئت ذمة الوصي في ذلك، مثل أن

    ج/ 31 ص -330- يكون اليتيم قد رشد‏.‏ فسلم إليه ماله بعد أنه آنس الرشد، وإن لم يثبت ذلك عند الحاكم، فإن ذلك الحجر عنه لا يحتاج إلى ثبوت الحاكم ولا حكمه، بل متى آنس الوصي منه الرشد فعليه أن يدفع إليه ماله، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏"وَابْتَلُواْ اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إليهمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إليهمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عليهمْ وَكَفَي بِاللّهِ حَسِيبًا‏"‏ ‏[‏النساء‏:‏ 6‏]‏‏.‏
    وأما إن كان الوصي قد سلم المال من لا يجوز تسليمه إليه فهو ضامن له، ثم إن كان المال وصل إلى اليتيم الباين رشده فقد برئت ذمة الوصي، كما تبرأ ذمة كل غاصب يوصل المال إلى مستحقه، ولو كان بغير فعل الغاصب، ولا تعد؛ مثل أن يأخذه المالك قهراً، أو يخلصه له بعض الناس، أو تطيره إليه الريح، فإن أنكر اليتيم بعد إيناس الرشد وصوله إليه من جهة ذلك القابض الذي ليس بوكيل للوصى فالقول قوله مع يمينه، وأما إن أنكر إقباض الوصي أو وكيله لأحد‏:‏ فهل يقبل قوله‏؟‏ أو قول الوصي‏؟‏ فيه نزاع مشهور بين العلماء‏.‏
    وسئل رحمه الله عن وصى تحت يده مال لأيتام‏:‏ فهل يجوز أن يخرج من ماله حصته، ومن مالهم حصته، وينفقه عليهم وعليه‏؟‏

    ج/ 31 ص -331-فأجاب‏:‏
    ينفق على اليتيم بالمعروف، وإذا كان خلط طعامه بطعام الرجل أصلح لليتيم فعل ذلك، كما قال تعالى‏:‏
    ‏"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ‏"‏ [‏البقرة‏:‏ 220‏]‏، فإن الصحابة كانوا لما توعد الله على من يأكل مال اليتيم بالعذاب العظيم يميزون طعام اليتيم عن طعامهم، فيفسد، فسألوا عن ذلك النبي ﷺ؛ فأنزل الله هذه الآية‏.‏
    وسئل رحمه الله عن أيتام تحت يد وصي، ولهم أخ من أم، وقد باع الوصي حصته على إخوته، وذكر الملك كان واقعاً، ولم تعلم الأيتام ببيعه لما باعه الوصي منه إليهم‏:‏ فهل يجوز البيع أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    بيع العقار ليس للوصى أن يفعله إلا لحاجة أو مصلحة راجحة بينة؛ وإذا ذكر أنه باعه للاستهدام لم يكن له أن يشتريه لليتيم الآخر؛ لأن في ذلك ضرراً لليتيم الآخر إن كان صادقا، وضرراً للأول إن كان كاذبا‏.‏

    ج/ 31 ص -332-وسئل رحمه الله عن رجل له جارية، وله منها أولاد خمسة، وأودع عند إنسان دراهم، وقال له‏:‏ إن أنا مت تعطيها الدراهم، ثم إنه مات، فأخذت من الوصي بعض الدراهم، ثم إن أولادها طلبوها إلى الحاكم، وطلبوا منها الدراهم، فأعطتهم إياها، واعترفت أنها أخذتها من الموصي، ثم إنهم طلبوا الوصي بجملة المال وادعوا أن الذي أقرت به أنه منها لم يكن منه، إلا كان بعد أن أكرهوها على ذلك‏:‏ فالقول قول المرأة أنه من المبلغ أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    القول قول المستودع الموصى إليه في قدر المال مع يمينه، والقول قوله‏:‏ أنه دفع إلى المرأة ما دفع إذا صدقته على ذلك، والقول قول كل منهما مع يمينه أنه ليس عنده أكثر من ذلك‏.‏ والوصية لأم الولد وصية صحيحة إذا كانت تخرج من الثلث؛ ولهذه المرأة أن تأخذ ما وصى لها به إذا كان دون الثلث، فإن أنكر الوارث الوصية فلها عليه اليمين، وإن شهد لها شاهد عدل وحلفت مع شاهدها حكم لها بذلك، وإذا خرج المال عن يد الوصي وشهد لها قبلت شهادته لها‏.‏

    ج/ 31 ص -333- وإذا كانت كتمت أولا ما عند الوصي لتأخذ منه ما وصى لها به كان ذلك عذرا لها في الباطن، وإن لم يقم لها بذلك بينة‏.‏ فإن من علم أنه يستحق مالا في باطن ذلك وأخذه كان متأولا في ذلك، مع اختلاف العلماء في مسائل هذا الباب‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل رحمه الله عن وصي نزل عن وصيته عند الحاكم، وسلم المال إلى الحاكم، وطلب منه أن يأذن له في محضر ليسلمه‏:‏ فهل يجب ذلك على الحاكم‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إذا كان محتاجا إلى ذلك لدفع ضرر عن نفسه فعلى الحاكم إجابته إلى ذلك؛ فإن المقصود بالحكم إيصال الحقوق إلى مستحقيها، ودفع العدوان، وهو يعود إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإلزام بذلك‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل رحمه الله عن رجل وصى لرجلين على ولده، ثم إنهما اجتهدا في ثبوت الوصية‏:‏ فهل لهم أن يأخذوا من مال اليتيم ما غرموا على ثبوتها‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إذا كانا متبرعين بالوصية فما أنفقاه على إثباتها بالمعروف، فهو من مال اليتيم‏.‏ والله أعلم‏.‏

    ج/ 31 ص -334-وسئل رحمه الله تعالى عن رجل توفي صاحب له في الجهاد، فجمع تركته في مدة ثلاث سنين بعد تعب‏:‏ فهل يجب له على ذلك أجرة‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إن كان وصيا فله أقل الأمرين من أجرة مثله، أو كفايته وإن كان مكرهاً على هذا العمل فله أجرة مثله، وإن عمل متبرعاً فلا شيء له من الأجرة، بل أجره على الله، وإن عمل ما يجب غير متبرع، ففي وجوب أجره نزاع‏.‏ والأظهر الوجوب‏.‏


    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة PDF
    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة XML