أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)

(اختيار من أقسام الكتاب والفتاوى)

كتاب الوصايا

    ج/ 31 ص -305-كتاب الوصايا
    سئل رحمه الله تعالى عمن قال‏:‏ يدفع هذا المال إلى يتامى فلان في مرض موته، ولم يعرف أهذا إقرار‏؟‏ أو وصية‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إن كان هناك قرينة تبين مراده هل هو إقرار أو وصية عمل بها، وإن لم يعرف‏:‏ فما كان محكوما له به لم يزل عن ملكه بلفظ مجمل، بل يجعل وصية‏.‏ ‏.‏
    وسئل عن مودع مرض مودعه فقال له‏:‏ أما يعرف ابنك بهذه الوديعة‏؟‏ فقال‏:‏ فلان الأسير يجيء ما يقدر على شيء يعود عليه؛ وقصد بذلك أن يكون موصداً له، ولم يزد على ذلك، فإذا خرج من الثلث هل يجوز أن يصرفه في مصالح ذلك الأسير‏؟‏

    ج/ 31 ص -306-فأجاب‏:‏
    تنعقد الوصية بكل لفظ يدل على ذلك، كما إذا فهمت المخاطبة من الموصي، ويبقي قبول الوصية في التصرف فيها موقوفا على قبول الموصى له لفظا أو عرفا وعلى إذنه في التصرف فيها، على قبول الموصى له لفظا أو عرفا، وعلى إذنه في التصرف أو إذن الشارع ويجوز صرف مال الأسير في فكاكه بلا إذنه‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل عن رجل كتب وصيته، وذكر في وصيته‏:‏ أن في ذمته لزوجته مائة درهم، ولم تكن زوجته تعلم أن لها في ذمته شيئا‏:‏ فهل يجوز لوصيه بعد موته دفع الدراهم لزوجته بغير يمين، إذا كان قد أقر لها من غير استحقاق‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    لا يحل لها أن تأخذ من ذلك شيئا؛ فإن هذا يكون وصية لوارث لا يجوز له وصيته بإجماع المسلمين، إلا بإجازة بقية الورثة، وأما في الحكم فلا تعطي شيئا حتى تصدقه على الإقرار في مرض الموت، وإلا كان باطلا عند أكثر العلماء، وإذا صدقته على الإقرار فادعى الوصي أو بعض الورثة أن هذا الإقرار من غير استحقاق كما جرت عادة بعض الناس أنه يجعل الإنشاء إقراراً فإن ذلك بمنزلة أن يدعي في الإقرار أنه أقر قبل القبض‏.‏ ومثل ذلك قد تنازع العلماء في التحليف عليه‏.‏ والصحيح أنه يحلف‏.‏ والصحيح أنها لا تعطي شيئا حتى تحلف‏.‏

    ج/ 31 ص -307-وسئل عن امرأة أعتقت جارية دون البلوغ، وكتبت لها أموالها، ولم تزل تحت يدها إلى حال وفاتها أي السيدة المعتقة وخلفت ورثة‏:‏ فهل يصح تمليكها للجارية‏؟‏ أم للورثة انتزاعها‏؟‏ أو بعضها‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله، أما مجرد التمليك بدون القبض الشرعي فلا يلزم به عقد الهبة، بل للوارث أن ينتزع ذلك، وكذلك إن كانت هبة تلجئه بحيث توهب في الظاهر وتقبض مع اتفاق الواهب والموهوب له على أنه ينتزعه منه إذا شاء، ونحو ذلك من الحيل التي تجعل طريقاً إلى منع الوارث أو الغريم حقوقهم، فإذا كان الأمر كذلك، كانت أيضًا هبة باطلة‏.‏ والله أعلم‏.‏

    ج/ 31 ص -308-وسئل عمن أشهد على أبيه أن عنده ثلاثمائة في حجة عن فلانة، فقال ورثتها‏:‏ لا يخرج إلا بثلثها، فقال المشهود عليه‏:‏ أمي تبرع بها‏.‏ فما الحكم‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    مجرد هذا الإشهاد لا يوجب أن يكون هذا المال تركة مخلفة يستحق الورثة ثلثيها؛ لاحتمال ألا يكون من مال المرأة، ولاحتمال أن يكون حجة الإسلام الخارجة من صلب التركة‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل رحمه اللّه عن رجل تصدق على ابنته لصلبه، وأسند وصيته لرجل فآجره مدة ثلاثين سنة؛ وقد توفي الوصي المذكور‏.‏ ورشد من كان وصية عليها، ولم ترض الموصى عليها بعد رشدها بإجارة الوصي، وأن الوصي أجر ذلك بغير قيمة المثل‏:‏ فهل تنفسخ الإجارة وتتصرف في ملكها عادة الملاك‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    لها أن تفسخ هذه الإجارة بلا نزاع بين العلماء، وإنما النزاع هل تقع باطلة من أصلها‏؟‏ أو مضمونة على المؤجر‏؟‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل عن رجل أوصى لأولاده بسهام مختلفة، وأشهد عليه عند وفاته بذلك فهل تنفذ هذه الوصية‏؟‏ أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله رب العالمين، لا يجوز للمريض تخصيص بعض أولاده بعطية منجزة، ولا وصية بعد الموت، ولا أن يقر له بشيء في ذمته، وإذا فعل ذلك لم يجز تنفيذه بدون إجازة بقية الورثة‏.‏ وهذا كله باتفاق

    ج/ 31 ص -309- المسلمين، ولا يجوز لأحد من الشهود أن يشهد على ذلك شهادة يعين بها على الظلم، وهذا التخصيص من الكبائر الموجبة للنار، حتى قد روي أهل السنن ما يدل على الوعيد الشديد لمن فعل ذلك؛ لأنه كالمتسبب في الشحناء وعدم الاتحاد بين ذريته، لاسيما في حقه، فإنه يتسبب في عقوقه وعدم بره‏.‏
    وسئل عن رجل له زرع ونخل‏.‏ فقال عند موته لأهله‏:‏ أنفقوا من ثلثي على الفقراء والمساكين إلى أن يولد لولدي ولد فيكون لهم‏.‏ فهل تصح هذه الوصية أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    نعم تصح هذه الوصية؛ فإن الوصية لولد الولد الذين لا يرثون جائزة، كما وصى الزبير بن العوام لولد عبد الله بن الزبير‏.‏ والوصية تصح للمعدوم بالمعدوم، فيكون الريع للفقراء إلى أن يحدث ولد الولد فيكون لهم‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل عن رجل أوصى لأولاده الذكور بتخصيص ملك دون الإناث، وأثبته على يد الحاكم قبل وفاته‏:‏ فهل يجوز ذلك‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    لا يجوز أن يخص بعض أولاده دون بعض في وصيته ولا مرض موته باتفاق العلماء، ولا يجوز له على أصح قولي العلماء أن يخص بعضهم بالعطية

    ج/ 31 ص -310- في صحته أيضًا، بل عليه أن يعدل بينهم، ويرد الفضل، كما أمر النبي ﷺ بشير بن سعيد حيث قال له‏:‏ ‏"‏اردده‏"‏، فرده، وقال‏:‏ ‏"‏إني لا أشهد على جور‏"‏‏.‏ وقال له على سبيل التهديد‏:‏ ‏"‏أشهد على هذا غيري‏"‏‏.‏ ولا يجوز للولد الذي فضل أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يرد ذلك في حياة الظالم الجائر، وبعد موته، كما يرد في حياته في أصح قولي العلماء‏.‏
    وسئل رحمه الله عن امرأة وصت لطفلة تحت نظر أبيها بمبلغ من ثلث مالها، وتوفىت الموصية، وقبل للطفلة والدها الوصية المذكورة بعد وفاتها، وادعى لها عند الحاكم بما وصت الموصية، وقامت البينة بوفاتها وعليها، بما نسب إليها من الإيصاء، وعلى والدها بقبول الوصية لابنته، وتوقف الحاكم عن الحكم للطفلة بما ثبت لها عنده بالبينة، لتعذر حلفها لصغر سنها‏:‏ فهل يحلف والدها‏؟‏ أو يوقف الحكم إلى البلوغ ويحلفها‏؟‏ أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله، لا يحلف والدها؛ لأنه غير مستحق، ولا يوقف الحكم إلى بلوغها وحلفها، بل يحكم لها بذلك بلا نزاع بين العلماء، ما لم يثبت معارض، بل أبلغ من هذا لو ثبت لصبي أو لمجنون حق على غائب عنه من دين عن مبيع، أو بدل قرض، أو أرش جناية، أو غير ذلك مما لو كان مستحقا بالغا عاقلا‏:‏ يحلف على عدم الإبراء، أو الاستيفاء في أحد قولي

    ج/ 31 ص -311- العلماء، ويحكم به للصبي والمجنون، ولا يحلف وليه، كما قد نص عليه العلماء‏.‏ ولهذا لو ادعى مدع على صبي أو مجنون جناية أو حقا لم يحكم له، ولا يحلف الصبي والمجنون‏.‏ وإن كان البالغ العاقل لا يقول إلا بيمين، ولها نظائر‏.‏ هذا فيما يشرع فيه اليمين بالاتفاق، أو على أحد قولي العلماء‏.‏ فكيف بالوصية التي لم يذكر العلماء تحليف الموصى له فيها، وإنما أخذ به بعض الناس‏.‏ والوصية تكون للحمل باتفاق العلماء، ويستحقها إذا ولد حيا، ولم يقل مسلم‏:‏ إنها تؤخر إلى حين بلوغه‏.‏ ولا يحلف‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل عن امرأة وصت وصايا في حال مرضها، ولزوجها ولأخيها بشيء، ثم بعد مدة طويلة وضعت ولداً ذكرا، وبعد ذلك توفىت‏:‏ فهل يبطل حكم الوصية‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    أما ما زاد على ثلث التركة فهو للوارث، والولد اليتيم لا يتبرع بشيء من ماله‏.‏ فأما الزوج الوارث فالوصية له باطلة؛ لأنه وارث‏.‏ وأما الأخ فالوصية له صحيحة؛ لأنه مع الولد ليس بوارث، وإن كان عند الوصية وارثا‏.‏ فينظر ما وصت به للأخ والناس، فإن وسعه الثلث وإلا قسم بينهم على قدر وصاياها‏.‏

    ج/ 31 ص -312-وسئل رحمه الله عن امرأة ماتت ولم يكن لها وارث سوي ابن أخت لأم، وقد أوصت بصدقة أكثر من الثلث‏:‏ فهل للوصى أن ينفذ ذلك ويعطي ما بقي لابن أختها‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    يعطي الموصى له الثلث، وما زاد عن ذلك إن أجازه الوارث جاز، وإلا بطل‏.‏ وابن الأخت يرث المال كله عند من يقول بتوريث ذوي الأرحام، وهو الوارث في هذه المسألة عندهم‏.‏ وهو مذهب جمهور السلف، وأبي حنيفة، وأحمد، وطوائف من أصحاب الشافعي‏.‏ وهو قول في مذهب مالك إذا فسد بيت المال‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل عن رجل مات، وخلف ستة أولاد ذكور، وابن ابن، وبنت ابن، ووصى لابن ابنه بمثل نصيب أولاده، ولبنت ابنه بثلث ما بقي من الثلث بعد أن كان يعطي ابن ابنه نصيبه‏.‏ فكم يكون نصيب كل واحد من أولاده‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله، ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة أن هذه المسألة تصح من ستين، لكل ابن ثمانية، ولصاحب الوصية ثلث ما بقي بعد الثلث اثني عشر، ثلث ذلك أربعة‏.‏ ولها طرق يعمل بها‏.‏
    وجواب هذه المسألة معروف في كتب العلم‏.‏

    ج/ 31 ص -313-وسئل رحمه الله تعالى عن رجل توفي، وله مال كثير، وله ولد صغير، وأوصى في حال مرضه أن يباع فرسه الفلاني، ويعطي ثمنه كله لمن يحج عنه حجة الإسلام‏.‏ وبيعت بتسعمائة درهم‏.‏ فأراد الحاكم أن يستأجر إنسانا أجنبيا ليحج بهذا المقدار، فجاء رجل غيره فقال‏:‏ أنا أحج بأربعمائة‏.‏ فهل يجوز ذلك‏؟‏ أو يتعين ما أوصى به‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله، بل يجب إخراج جميع ما أوصىبه إن كان يخرج من ثلثه، وإن كان لا يخرج من ثلثه لم يجب على الورثة إخراج ما زاد على الثلث، إلا أن يكون واجبا عليه بحيث لا يحصل حجة الإسلام‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل عن رجل خلف أولادا، وأوصى لأخته كل يوم بدرهم، فأعطيت ذلك حتى نفد المال، ولم يبق من التركة إلا عقار مغله كل سنة ستمائة درهم‏:‏ فهل تعطى ذلك‏؟‏ أو درهما كما أوصى لها‏؟‏

    ج/ 31 ص -314-فأجاب‏:‏
    الحمد لله، إذا لم يكن ما بقي متسعاً لأن تعطى منه كل يوم درهما، ويبقي للورثة درهم، فلا تعطى إلا ما يبقى معه للورثة الثلثان، لا يزاد على مقدار الثلث شيء إلا بإجازة الورثة المستحقين، إذا كان المجيز بالغا رشيدا أهلا للتبرع‏.‏ وإن لم يكن المجيز كذلك، أو لم يجز، لم تعط شيئا‏.‏ ولو لم يخلف الميت إلا العقار فإنها تعطي من مغله أقل الأمرين من الدرهم الموصى به أو ثلث المغل، فإن كان المغل أقل من ثلاثة دراهم كل يوم لم تعط إلا ثلث ذلك، فلو كان درهما أعطيت ثلث درهم فقط، وإن أخذت زيادة على مقدار ثلث المغل استرجع منها ذلك، وليس في ذلك نزاع بين العلماء‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل عن امرأة توفيت، وخلفت أباها، وعمها أخا أبيها شقيقه، وجدتها، وكان أبوها قد رشدها قبل أن يزوجها، ثم إنها أوصت في مرض موتها لزوجها بالنصف‏.‏ ولعمها بالنصف الآخر، ولم توص لأبيها وجدتها بشيء‏:‏ فهل تصح هذه الوصية‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    أما الوصية للعم صحيحة، لكن لا ينفذ فيما زاد على الثلث إلا بإجازة، والوصية للزوج لا ينفذ شيء منها إلا بإجازة الورثة‏.‏ وإذا لم تجز الورثة بما زاد على الثلث كان للزوج نصف الباقي بعد هذه الوصية التي هي الثلث، وللجدة السدس، وللأب الباقي، وهو الثلث‏.‏

    ج/ 31 ص -315-وسئل رحمه الله عن امرأة أوصت قبل موتها بخمسة أيام بأشياء‏:‏ من حج، وقراءة، وصدقة‏:‏ فهل تنفذ الوصية‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إذا أوصت بأن يخرج من ثلث مالها ما يصرف في قربة لله وطاعته وجب تنفيذ وصيتها، وإن كان في مرض الموت‏.‏ وأما إن كان الموصى به أكثر من الثلث كان الزائد موقوفا، فإن أجازه الورثة جاز، وإلا بطل‏.‏ وإن وصت بشيء في غير طاعة لم تنفذ وصيتها‏.‏
    وسئل عن رجل أوصى زوجته عند موته أنها لا توهب شيئا من متاع الدنيا لمن يقرأ القرآن ويهدي له، وقد ادعى أن في صدره قرآنا يكفيه، ولم تكن زوجته تعلم بأنه كان يحفظ القرآن‏:‏ فهل أصاب فيما أوصى‏؟‏ وقد قصدت الزوجة الموصى إليها أنها تعطي شيئا لمن يستحقه يستعين به على سبيل الهدية‏:‏ ويقرأ جزءاً من القرآن ويهديه لميتها‏:‏ فهل يفسح لها في ذلك‏؟‏

    ج/ 31 ص -316-فأجاب‏:‏
    الحمد لله، تنفذ وصيته؛ فإن إعطاء أجرة لمن يقرأ القرآن ويهديه للميت بدعة، لم ينقل عن أحد من السلف، وإنما تكلم العلماء فيمن يقرأ لله ويهدي للميت‏.‏ وفيمن يعطي أجرة على تعليم القرآن وجوه‏.‏ فأما الاستئجار على القراءة وإهدائها فهذا لم ينقل عن أحد من الأئمة، ولا أذن في ذلك؛ فإن القراءة إذا كانت بأجرة كانت معاوضة، فلا يكون فيها أجر، ولا يصل إلى الميت شيء، وإنما يصل إليه العمل الصالح، والاستئجار على مجرد التلاوة لم يقل به أحد من الأئمة وإنما تكلموا في الاستئجار على التعليم لكن هذه المرأة إذا أرادت نفع زوجها فلتتصدق عنه بما تريد الاستئجار به، فإن الصدقة تصل إلى الميت باتفاق الأئمة، وينفعه الله بها‏.‏ وإن تصدقت بذلك على قوم من قراء القرآن الفقراء ليستغنوا بذلك عن قراءتهم حصل من الأجر بقدر ما أعينوا على القراءة، وينفع الله الميت بذلك‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل عن مسجد لرجل، وعليه وقف، والوقف عليه حكر، وأوصى قبل وفاته أن يخرج من الثلث ويشتري الحكر الذي للوقف، فتعذر مشتراه، لأن الحكر وقف، وله ورثة وهم ضعفاء الحال، وقد وافقهم الوصي على شيء من الثلث لعمارة المسجد‏:‏ فهل إذا تأخر من الثلث شيء للأيتام يتعلق في ذمة الوصي‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    بل على الوصي أن يخرج جميع الثلث كما أوصاه الميت، ولا يدع للورثة شيئا، ثم إن أمكن شراء الأرض التي عينها الموصى اشتراها ووقفها،

    ج/ 31 ص -317- وإلا اشترى مكانا آخر ووقف على الجهة التي وصى بها الموصي، كما ذكره العلماء فيما إذا قال‏:‏ بيعوا غلامي من زيد، وتصدقوا بثمنه‏.‏ فامتنع فلان من شرائه، فإنه يباع من غيره ويتصدق بثمنه، فالوصية بشراء معين والتصدق به لوقف كالوصية ببيع معين والتصدق بثمنه؛ لأن الموصى له هنا جهة الصدقة والوقف، وهي باقية، والتعيين إذا فات قام بدله مقامه، كما لو أتلف الوقف متلف، أو أتلف الموصى به متلف، فإن بدلهما يقوم مقامهما في ذلك، فيفرق بين الموصى به والموقوف؛ وبين بدل الموصى له والموقوف عليه؛ فإنه لو وصى لزيد لم يكن لغيره، ولو وصى أن يعتق عبده المعين، أو نذر عتق عبد معين فمات المعين لم يقم غيره مقامه‏.‏
    وتنازع الفقهاء إذا وصى أن يحج عنه فلان بكذا فامتنع ذلك المعين من الحج، وكان الحج تطوعا‏:‏ فهل يحج عنه أم لا‏؟‏ على قولين، هما وجهان في مذهب أحمد وغيره؛ لأن الحج مقصود في نفسه، ويقع المعين مقصودا، فمن الفقهاء من غلب جانب التعيين‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ بل الحج مقصود أيضًا كما أن الصدقة والوقف مقصود، وتعيين الحج كتعيين الموقوف والمتصدق به، فإذا فات التعيين أقيم بدله، كما يقام في الصدقة والوقف‏.‏

    ج/ 31 ص -318-وسئل رحمه الله تعالى عن رجل أوصى في مرضه المتصل بموته بأن يباع شراب في حانوت العطر قيمته مائة وخمسون درهما، يضاف ذلك إلى ثلاثمائة درهم من ماله، وأن يشتري بذلك عقار، ويجعل وقفا على مصالح مسجد لإمامه ومؤذنه وزيته‏.‏ وكتب ذلك قبل مرضه‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله رب العالمين، إذا أوصى أن يباع شيء معين من ماله من عقار أو منقول، يضم إلى ثمنه شيء آخر قدره من ماله، ويصرف ذلك في وقف شرعي، جاز‏.‏ وإذا كان ذلك يخرج من الثلث أخرج، وإن لم ترض الورثة، وما أعطاه للورثة في مرض موته أن أعطي أحدا منهم زيادة على قدر ميراثه لم يجز إلا بإجازة الورثة، وإن أعطي كل إنسان شيئا معينا بقدر حقه أو بعض حقه، ففيه قولان للعلماء في مذهب أحمد وغيره‏:‏ أحدهما‏:‏ له ذلك، وهو مذهب الشافعي‏.‏ والثاني‏:‏ ليس له ذلك، وهو مذهب أبي حنيفة‏.‏ وإذا قيل‏:‏ إن له ذلك بحسب ميراث أحدهم؛ فإن عطية المريض في مرض الموت المخوف بمنزلة وصيته بعد موته في مثل ذلك باتفاق الأئمة‏.‏ والله أعلم‏.‏


    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة PDF
    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة XML