أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)

(اختيار من أقسام الكتاب والفتاوى)

باب اللقطة

    ج/ 30 ص -411- باب اللّقطَة
    سئلَ شيخ الإِسلام رَحمِهُ اللّه عن رجل وجد فرسا لرجل من المسلمين مع أناس من العرب، فأخذ الفرس منهم، ثم إن الفرس مرض بحيث أنه لم يقدر على المشي، فهل للآخذ بيع الفرس لصاحبها ‏؟‏ أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد للّه، نعم يجوز، بل يجب في هذه الحال أن يبيعه الذي استنقذه لصاحبه، وإن لم يكن وكله في البيع، وقد نص الأئمة على هذه المسألة، ونظائرها، ويحفظ الثمن‏.‏ واللّه أعلم‏.‏
    وسئل عن رجل لقي لقية في وسط فلاة، وقد أنشد عليها إلى حيث دخل إلى بلده‏.‏ فهل هي حلال ‏؟‏ أم لا ‏؟‏

    ج/ 30 ص -412- فأجاب‏:‏
    يعرفها سنة قريبا من المكان الذي وجدها فيه، فإن لم يجد بعد سنة صاحبها، فله أن يتصرف فيها، وله أن يتصدق بها‏.‏ واللّه أعلم‏.‏
    وسئل عن الدراهم المنثورة يجدها الرجل ‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    يعرفها حولا، فإن وجد صاحبها، وإلا فله أن ينفقها، وله أن يتصدق بها‏.‏
    وسئل عن رجل وجد لقطة وعرف بها بعض الناس بينه وبينه سرا أياما، ولها عنده مدة سنين‏.‏ فما الحكم فيها ‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد للّه، لا يحل له مثل هذا التعريف، بل عليه أن يعرفها تعريفا ظاهرا، لكن على وجه مجمل، بأن يقول‏:‏ من ضاع له نفقة، أو نحو ذلك‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

    ج/ 30 ص -413- وسئل رَحمه اللّه عن حجاج التقوا مع عرب قد قطعوا الطريق على الناس، وأخذوا قماشهم، فهربوا وتركوا جمالهم والقماش فهل يحل أخذ الجمال التي للحرامية والقماش الذي سرقوه‏؟‏ أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد للّه، ما أخذوه من مال الحجاج فإنه يجب رده اليهم إن أمكن؛ فإن هذا كاللقطة تعرف سنة، فإن جاء صاحبها فذاك، وإلا فلآخذها أن ينفقها بشرط ضمانها‏.‏ ولو أيس من وجود صاحبها فإنه يتصدق به، ويصرف في مصالح المسلمين‏.‏
    وكذلك كل مال لا يعرف مالكه من الغصوب والعواري والودائع، وما أخذ من الحرامية من أموال الناس، أو ما هو منبوذ من أموال الناس، فإن هذا كله يتصدق به، ويصرف في مصالح المسلمين‏.‏
    وسئل رَحمه اللّه لما جاء التتار، وجفل الناس من بين أيديهم، وخلفوا دوابًا، وأثاثًا من النحاس، وغيره، وضمه مسلم، وطالت مدته، ولم يظهر له صاحب

    ج/ 30 ص -414- ولا منشد، وهو يستعمل الدواب والمتاع‏.‏ فما يصنع ‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    يجوز له أن يستعمله، ويجوز له أن يتصدق به على من ينتفع به‏.‏ واللّه أعلم‏.‏
    وسئل رَحمه اللّه عن سفينة غرقت في البحر، ثم إنها انحدرت وهي معلومة إلى بعض البلاد‏.‏ وقد كان فيها جرار زيت حار، ثم إن أهل القرية تعانوا على المركب حتي أخرجوها إلى البر، وقلبوها، فطفي الزيت على وجه الماء وبقي رائحا مع الماء، ثم إن أهل القرية جاؤوا إلى البحر فوجدوا الزيت على الماء، فجمع كل واحد ما قدر عليه، والمركب قريبة منهم، فهذا الزيت المجموع حلال أم حرام‏؟‏ ومركب رمان غرقت، وجميع ما فيها انحدر في البحر، فبقي كل أحد يجمع من ذلك، ولم يعرف له صاحب، فهل ما لا يعرف صاحبه حلال ‏؟‏ أم حرام ‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الذين جمعوا الزيت على وجه الماء قد خلصوا مال المعصوم من التلف، ولهم أجرة المثل، والزيت لصاحبه‏.‏ وأما كون الزيت لصاحبه فلا أعلم فيه نزاعا، إلا نزاعا قليلا؛ فإنه يروي عن الحسن بأنه قال‏:‏ هو لمن خلصه‏.‏

    ج/ 30 ص -415- وأما وجوب أجرة المثل لمن خلصه، فهذا فيه قولان للعلماء‏.‏ أصحهما وجوب الأجرة، وهو منصوص أحمد وغيره؛ لأن هذا المخلص متبرع‏.‏ وأصحاب القول يقولون‏:‏ إن خلصوه للّه تعالى فأجرهم على اللّه تعالى، وإن خلصوه لأجل العوض فلهم العوض؛ لأن ذلك لو لم يفعل لأفضي إلى هلاك الأموال؛ لأن الناس لا يخلصونها من المهالك إذا عرفوا أنهم لا فائدة لهم في ذلك، والصحابة قد قالوا فيمن اشتري أموال المسلمين من الكفار‏:‏ إنه يأخذه ممن اشتراه بالثمن؛ لأنه هو الذي خلصه بذلك الثمن، ولأن هذا المال كان مستهلكا لولا أخذ هذا، وتخليصه عمل مباح، ليس هو عاصيا فيه، فيكون المال إذا حصل بعمل هذا، والأصل لهذا، فيكون مشتركا بينهما، لكن لا تجب الشركة على المعين، فيجب أجرة المثل، ولأن مثل هذا مأذون فيه من جهة العرف؛ فإن عادة الناس أنهم يطلبون من يخلص لهم هذا بالأجرة‏.‏
    والإجارة تثبت بالعرف والعادة، كمن دخل إلى حمام، أو ركب في سفينة بغير مشارطة، وكمن دفع طعاما إلى طباخ وغسال بغير مشارطة ونظائر ذلك متعددة‏.‏
    ولو كان المال حيوانا فخلصه من مهلكة ملكه، كما ورد به الأثر؛ لأن الحيوان له حرمة في نفسه، بخلاف المتاع، فإن حرمته لحرمة صاحبه، فهناك تخليصه لحق الحيوان، وهو بالمهلكة قد ييأس صاحبه،

    ج/ 30 ص -416- بخلاف المتاع؛ فإن صاحبه يقول للمخلص‏:‏ كان يجوز لك من حين أن أدعه، والحق فيه لي، فإذا لم تعطني حقي لم آذن لك في تخليصه‏.‏
    وأما الرمان إذا لم يعرف صاحبه فهو كاللقطة، واللقطة إن رجي وجود صاحبها عرفت حولا، وإن كانوا لا يرجون وجود صاحبه، ففي تعريفه قولان، لكن على القولين لهم أن يأكلوا الرمان أو يبيعوه، ويحفظوا ثمنه، ثم يعرفوه بعد ذلك‏.‏ واللّه أعلم‏.‏
    وسئل قدسَ اللّه روحه عمن وجد طفلا، ومعه شيء من المال، ثم رباه حتي بلغ من العمر شهرين‏.‏ فجاء رجل آخر لترضعه امرأته للّه‏.‏ فلما كبر الطفل ادعت المرأة أنه ابنها، وأنها ربته في حضن أبيه‏.‏ فهل يقبل قولها ‏؟‏ وهل يجب عليها أن تعطي الرجل الثاني ما أنفقه عليه‏؟‏ ويلزم الرجل الأول ما وجد مع ابنه‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إذا كان الطفل مجهول النسب، وادعت أنه ابنها، قبل قولها في ذلك ويصرف من المال الذي وجد معه في نفقته مدة مقامه عند الملتقط‏.‏ واللّه أعلم‏.


    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة PDF
    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة XML