ج/ 30 ص -18-باب الحجر
وسئل رحمه الله
عن رجل عسفه إنسان على دين يريد حبسه وهو معسر. فهل القول قوله في أنه معسر؟ أو يلزم بإقامة البينة في ذلك؟.
فأجاب: إذا كان الدين لزمه بغير معاوضة كالضمان ولم يعرف له مال قبل ذلك فالقول قوله مع يمينه في الإعسار. والله أعلم.
وسئل الشيخ رحمه الله
عن رجل مسلم اشترى من ذمي عقارا ثم رمى نفسه عليه واشترى منه قسطين والتزم يمينا شرعية الوفاء إلى شهر. فهل على أحد أن يعلمه حيلة وهو قادر؟.
فأجاب: الحمد لله. إذا كان الغريم قادرا على الوفاء لم يكن لأحد أن يلزم رب الدين بترك مطالبته ولا يطلب منه حيلة لا حقيقة لها
ج/ 30 ص -19-لأجل ذلك. مثل أن يقبض منه ثم يعيد إليه غير حقيقة استيفاء. وإن كان معسرا وجب إنظاره. واليمين المطلقة محمولة على حال القدرة; لا على حال العجز. والله أعلم.
وسئل
عمن ترك بعد موته كرما ودارا وعليه دين يستوعب ذلك كله وله من الورثة: زوجة وبنت والسلطان. فطلب أرباب الدين من الورثة بيع الملك فهل يلزم الورثة البيع؟ أو الحاكم؟.
فأجاب: إن باع الورثة ووفوا من الثمن جاز. وإن سلموه للغرماء فباعه الغرماء واستوفوا ديونهم جاز. وإن طلبوا من الحاكم أن يقيم لهم أمينا يتولى ذلك جاز. وإن أقاموا هم أمينا يتولى ذلك جاز. وإذا سلم الورثة ذلك إلى الغرماء لم يجب على الورثة أن يتولوا البيع. والله أعلم.
ج/ 30 ص -20-وسئل
عن رجل باع قماشا لإنسان تاجر وكسب فيه شيئا معينا وقسط عليه الثمن والمديون يطلب السفر ولم يقم له كافلا. فهل لصاحب المال أن يمنعه من السفر. أم لا؟.
فأجاب: إن كان الدين حالا وهو قادر على وفائه فله أن يمنعه من السفر قبل استيفائه. وكذلك إن كان مؤجلا ومحله قبل قدوم المدين فله أن يمنعه من السفر حتى يوثق برهن يحفظ المال أو كفيل. وإن كان الدين لا يحل إلا بعد قدوم المدين; ففيه نزاع بين العلماء. والله أعلم.
ج/ 30 ص -21-وسئل رحمه الله عمن أعتق عبدا وهو محتاج وعليه ديون وماله جدة. فهل يجوز له أن يبيعه ويوفي به دينه؟.
فأجاب: إن كان حين أعتقه موسرا ليس عليه دين أو عليه دين له وفاء غير العبد: فقد عتق ولا رجوع فيه وإن كان حين أعتقه عليه دين يحيط بماله: ففي صحته نزاع بين العلماء. والله أعلم.
وسئل عن رجل ادعى على غريم له عند الحاكم فاعترف له بدينه وبالقدرة والملاءة فاعتقله الحاكم وحجر عليه عقيب ذلك. ثم إن المعتقل أراد إثبات إعساره عند حاكم آخر; فهل له ذلك؟.
فأجاب: لا تقبل دعوى إعساره بعد الاعتراف بالقدرة وبعد الحجر عليه إذا لم يبين السبب الذي أزال الملاءة ويكون ذلك ممكنا في العادة كحرق الدار التي فيها متاعه ونحوه; وليس له طلب إتمام الحكم في ذلك.
ج/ 30 ص -22-وأن يدعي ذلك ويثبته عند غير الحاكم الذي حبسه وحجر عليه بدون إذنه. والله أعلم.
وسئل قدس الله روحه عن رجل استدان من التجار أموالا وطولب بها وامتنع من الوفاء مع القدرة على ذلك واعتقلوه بحكم الشرع. فهل يجوز للحاكم عقوبته حتى يوفي ما عليه؟ وماذا حكم الشرع فيه؟.
فأجاب: إذا امتنع مما يجب عليه من إظهار ماله والتمكين من توفية الناس جميع حقوقهم وكان ماله ظاهرا واحتيج إلى التوفية إلى فعل منه وامتنع منه وأصر على الحبس: فإنه يعاقب بالضرب حتى يقوم بالواجب عليه في ذلك في مذهب عامة الفقهاء. وقد صرح بذلك أصحاب مالك والشافعي من العراقيين والخراسانيين وأصحاب الإمام أحمد وغيرهم. ولا نعلم في ذلك نزاعا بل كرروا هذه المسألة في غير موضع من كتبهم ; فإنهم مع ذكرهم لها في موضعها المشهور ذكروها في غيره كما ذكروها في [باب نكاح الكفار] وجعلوها أصلا قاسوا عليه إذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع نسوة وامتنع من الاختيار
ج/ 30 ص -23-قالوا: يضرب حتى يختار; لأنه امتنع من فعل وجب عليه ويضرب حتى يقوم به كما لو امتنع من أداء الدين الواجب عليه فإنه يضرب حتى يؤديه. وقد قال النبي ﷺ في الحديث المتفق عليه في الصحيحين: "مطل الغني ظلم". والظالم مستوجب للعقوبة. وفي السنن عن النبي ﷺ: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته" [اللي]: المطل [والواجد]: القادر. فقد أباح النبي ﷺ من القادر الماطل عرضه. وقد اتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة. والمعاصي تنقسم إلى ترك مأمور وفعل محظور. فإذا كانت العقوبة على ترك الواجب - كعقوبة هذا وأمثاله من تاركي الواجب - عوقب حتى يفعله; ولهذا قال العلماء الذين ذكروا هذه المسألة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم: أنه يضرب مرة بعد أخرى. حتى يؤدي. ثم منهم من قدر ضربه في كل مرة بتسعة وثلاثين سوطا. ومنهم من لم يقدره; بناء على أن التعزير هل هو مقدر؟ أم ليس بمقدر؟ للحاكم أن يعزره على امتناعه عقوبة لما مضى وله أيضا أن يعاقبه حتى يتولى الوفاء الواجب عليه وليس على الحاكم أن يتولى هو بيع ماله ووفاء الدين.
ج/ 30 ص -24-وإن كان ذلك جائزا للحاكم; لكن متى رأى أن يلزمه هو بالبيع والوفاء زجرا له ولأمثاله عن المطل أو لكون الحاكم مشغولا عن ذلك بغيره أو لمفسدة تخاف من ذلك كانت عقوبته بالضرب حتى يتولى ذلك. فإن قال: إن في بيعه بالنقد في هذا الوقت علي خسارة; ولكن أبيعه إلى أجل وأحيلكم به. وقال الغرماء: لا نحتال; لكن نحن نرضى أن يباع إلى هذا الأجل وأن يستوفي ويوفي. وما ذهب على المشتري كان من ماله. فإنه يجاب الغرماء إلى ذلك. وللحاكم أن يبيعه ويقيم من يستوفي ويوفي مع عقوبته على ترك الواجب. وللغرماء أن يطلبوا تعجيل بيع ما يمكن بيعه نقدا إذا بيع بثمن المثل. ويجب عليه الإجابة إلى ذلك. وللحاكم أن يفعله كما تقدم وأن يعاقبه على ترك الواجب. والله أعلم.
وسئل عمن عليه دين فلم يوفه حتى طولب به عند الحاكم وغيره وغرم أجرة الرحلة. هل الغرم على المدين؟ أم لا؟.
فأجاب: الحمد لله. إذا كان الذي عليه الحق قادرا على الوفاء
ج/ 30 ص -25-ومطله حتى أحوجه إلى الشكاية فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المماطل; إذا غرمه على الوجه المعتاد.
وسئل عمن حبس بدين وليس له وفاء إلا رهن عند الغريم فهل يمهل ويخرج إلى أن يبيعه؟.
فأجاب: إذا لم يكن له وفاء غير الرهن وجب على الغريم إمهاله حتى يبيعه فمتى لم يمكن بيعه إلا بخروجه أو كان في بيعه في الحبس ضرر عليه وجب إخراجه ليبيعه ويضمن عليه أو يمشي [الغريم] أو وكيله [إليه].
وسئل عن رجل عليه دين حال وله ملك لا تفضل فضلة عن نفقته ونفقة عياله وإذا أراد بيعه لم يتهيأ إلا بدون ثمن مثله. فهل يلزمه بيعه بدون ثمن مثله؟ وإذا لم يلزمه بيعه فهل يقسط الدين عليه على قدر حاله؟ أم لا؟.
فأجاب: لا يباع إلا بثمن المثل المعتاد غالبا في ذلك البلد; إلا أن
ج/ 30 ص -26-تكون العادة تغيرت تغيرا مستقرا فيكون حينئذ ثمن المثل قد نقص فيباع بثمن المثل المستقر وإذا لم يجب بيعه فعلى الغريم الإنظار إلى وقت السعة أو الميسرة وله أن يطلب منه كل وقت ما يقدر عليه وهو التقسيط.
وسئل رحمه الله عن قزاز أسلمت له امرأة شقتي غزل فهرب وختم على دكانه فاشتكت صاحبة الشقتين على غزلها فرسم الوالي أن يفتح الدكان وكل من لقي شيئا من رحله يأخذه وبقيت الشقة الواحدة على النول فجاء إنسان موقع فذكر أن له عند القزاز قليل غزل فاشتكى إلى القاضي فرسم له أن يأخذ شقة المرأة ويقسم على أصحاب الأمانات وأنظر حال المرأة.
فأجاب: ما كان في حانوت المفلس من الأمانات مثل الثياب الذي ينسجها للناس والغزل وغير ذلك فإنها لأصحابها باتفاق المسلمين لا تعطى لغير صاحبها. وإذا كان قد أخذ للناس غزلا ولم يوجد عين الغزل لم يجز لصاحب الغزل أن يأخذ مال غيره بدلا عن ماله بل إذا أقرض فيها كانت في ذمته وكذلك ما أعطاه من الأجرة ولم يوف العمل; فإنها
ج/ 30 ص -27-دين في ذمته. والديون التي في ذمته لا توفى من أعيان أموال الناس باتفاق العلماء. ومن أقام من الناس بينة بأن هذا عين ماله أخذه وإن لم يقم أحد بينة وكان الرجل خائفا قد علم أن الذي ينسجه ليس هو له وإنما هو للناس لم يوف ديونه من تلك الأموال. ولا يجوز أن يعطى بعض الغزل بدعواه دون بعض بل يجب أن يعدل في ذلك بين الغرماء. وإن أقام واحد شاهدا وحلف مع شاهده حكم له بذلك وإن تعذر ما يعرف به مال هذا ومال هذا إلا علامات مميزة; مثل اسم كل واحد على متاعه: عمل بذلك. وإن تعذر ذلك كله أقرع بين المدعين فمن خرجت قرعته على عين أخذها مع يمينه. فقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ: القرعة في مثل هذا. والله أعلم.
وسئل عمن عليه دين ولم يكن قادرا على وفاء دينه وثبت أنه ما حصل معه شيء أوفاه وله والد له مال [ولم] يوف عنه شيئا. ويريد والده أن يأخذه معه إلى الحج. فهل يسقط عنه الفرض الذي عليه بحكم
ج/ 30 ص -28-الدين الذي عليه وأن ما معه شيء يحج به إلا والده؟
فأجاب: الحمد لله. نعم متى حج به أبوه من ماله جاز ذلك ويسقط عنه الفرض باتفاق العلماء. وتنازعوا: هل يجب عليه الحج إذا بذل له أبوه المال؟ والخلاف في ذلك مشهور. والفرض يسقط عنه سواء ملكه أبوه مالا أو أنفق عليه وأركبه من غير تمليك. فإن كان عليه دين فمتى أذن له الغرماء في السفر للحج فلا ريب في جواز السفر - وإن منعوه من السفر ليقيم ويعمل ويوفيهم كان لهم ذلك وكان مقامه ليكتسب ويوفي الغرماء أولى به وأوجب عليه من الحج - وكان لهم منعه من الحج ولا يحل لهم أن يطالبوه إذا علموا إعساره. ولا يمنعوه الحج. لكن إن قال الغرماء: نخاف أن يحج فلا يرجع فنريد أن يقيم كفيلا ببدنه توجه مطالبتهم بهذا فإن حقوقهم باقية ولكنه عاجز عنها. ولو كان قادرا على الوفاء والدين حال كان لهم منعه بلا ريب. وكذلك لو كان مؤجلا يحل قبل رجوعه فلهم منعه حتى يوثق برهن أو كفيل وهناك حتى يوفي أو يوثق. وأما إن كان لا يحل إلا بعد رجوعه والسفر آمن ففي منعهم
ج/ 30 ص -29-قولان معروفان هما روايتان عن أحمد. وإن كان السفر مخوفا كالجهاد فلهم منعه إذا تعين عليه وإذا تمكن الغرماء من استيفاء حقوقهم فلهم تخليته عند جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد وعن أبي حنيفة: لهم ملازمته وهذا في المقام فإذا أراد المعسر أن كان فيه نزاع والله أعلم.
سئل عن رجل عليه دين وتلف ماله وله بينة عادلة تشهد له بتلف ماله ; لكنها لا تدري: هل تجدد له مال بعد ذلك؟ أم لا؟ فهل القول قوله مع يمينه في الإعسار؟ أم يحتاج إلى بينة؟
فأجاب: إذا قال: لم يحدث لي بعد تلف مالي شيء فالقول قوله مع يمينه في ذلك: في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما. والله أعلم.
ج/ 30 ص -30-وسئل رضي الله عنه:
عن رجل طحان له على رجل مسطور من مدة تزيد على عشر سنين، واستوفى أكثره، ولم يذكر أن تأخر له منه إلا دون المائة. ثم إن صاحب المسطور أتى بمماليك من جهة أمير، وأخذوا له رأسي خيل من غير رهن شرعي، ولا دعوى عند حاكم، ولا أذن لهم في ذلك، واستعملهما من مدة ثمانية أشهر، ثم ادعى عدمهم. فهل له أن يطالب بأجرة استعمالهم عن هذه المدة المذكورة، وقيمة أثمانها؟ وهل القول قوله في القيمة، أو قول مالكهما في الأجرة والثمن؟.
فأجاب: الحمد لله رب العالمين. إذا لم يكن بقي له من الدين إلا مائة، وكانت قيمة الرأسين أكثر من مائة درهم: كان هذا المتولى ضامنا لما زاد على قدر حقه. وعليه أجرة ذلك لاستيلائه.
والقول في قيمتهما قول الضامن، وهو الغاصب، إلا أن يعرف صفتهما، وأن قيمتهما أكثر من ذلك، أو تقوم بينة – ولو شهد ويمين المدعى – بالقيمة.
وأما مقدار حقه فيقاص به ماله على المدين.
ج/ 30 ص -31-وسئل عن رجل مديون ولرجل معه معاملة في بضاعة سبع سنين وصار له عنده خمسمائة درهم. أوفى منها ثلاثمائة وتحت يده دار رهنا وقد رفعه إلى الحاكم. فقال المدين: يصبر علي ثمانية أيام أوفيه فما فعل يمهله. فهل يجوز أن يحبسه؟
فأجاب: إذا كان للرجل سلعة فطلب أن يمهل حتى يبيعها ويوفيه من ثمنها: أمهل بقدر ذلك. وكذلك إن أمكنه أن يحتال لوفاء دينه باقتراض أو نحوه وطلب ألا يرسم عليه حتى يفعل ذلك; وجبت إجابته إلى ذلك ولم يجز منعه من ذلك بحبسه. والله أعلم.
وسئل عن رجل عليه دين لجماعة وأعسر عن المبلغ واتفقوا جميعهم على أنهم يمهلوه ويخرجوه وكان قد بقي له بقية مال على أنه يعمل فيه ويوفيهم ففعلوا ذلك; إلا رجل واحد منهم أبى أن يفعل
ج/ 30 ص -32-ذلك بعد اتفاق الجماعة معه. فهل له أن يأخذ دون الجماعة الذي له؟ أم لا؟
فأجاب: ليس له بعد رضاه معهم بإنظارهم أن يختص باستيفاء ماله حالا دونهم على مذهب من يقول: إن الحال يتأجل كمالك وأحمد في قول. وعلى مذهب من يقول: لا يتأجل كالشافعي وأحمد في قول. أو من يقول يتأجل في المعاوضات دون التبرعات كأبي حنيفة وأحمد في رواية. ولا فرق في مذهب أحمد ومالك وغيرهما بين أن يكون قد اتفق معهم على التأجيل إلى أجل معين أو يقسطه أقساطا. أو اتفق معهم على أن يفعلوا ذلك فيما بعد: ليس له أن يغدر بهم ويمكر بهم; بل لو قدر أن التأجيل لم يلزم فإنهم مشتركون جميعهم في الاستيفاء من ذلك المتبقي مع الغريم.
وسئل عن رجل عليه دين وله مدة في الاعتقال ولا موجود له غير عمل يده. فهل يحل لأصحاب الدين ضربه أو اعتقاله أو الصبر عليه. ويأخذوا قليلا قليلا على قدر عمله؟
فأجاب: لا يحل اعتقاله ولا ضربه والحالة هذه; بل الواجب تمكينه حتى يعمل ما يوفي دينه بحسب الإمكان. والله أعلم.
ج/ 30 ص -33-وسئل عن رجل عليه دين من ضمان، وليس له وفاء إلا من شغله، ويريد يذهب معلمًا فيحصل شيئًا، ويقيم له ضامن وجه بحضوره. فهل يجوز حبسه؟ أم يمكن من ذلك؟
وإن ادعي الغريم أنه قادر على وفاء الضمان، وادعي هو العجز فهل القول قول الغريم؟ وهل يحتاج إلى أن يقيم بينة؟
فأجاب:
بل يجب تمكينه من إيفاء الدين على الوجه الذي يمكنه، ولا يجوز حبسه إن قام بذلك، وإذا ادعي الإعسار وعرف له مال لم تقبل دعوي الإعسار إلا ببينة. وإن لم يعرف له مال، فالقول قوله مع يمينه دون قول غريمه. وهذا مذهب الشافعي وأحمد، وكذلك مذهب مالك نحو من ذلك. وقد حكاه طائفة عن أبي حنيفة.
ج/ 30 ص -34-وسئل عن رجل عليه دين، وادعي عليه عند الحاكم، ورسم عليه، فقال: اقعد في الترسيم حتي أبيع مالى، وأوفي الدين فقال الغريم: لابد من حبسك. فهل يجوز حبسه؟ أم يلزمه حتي يبيع، ويوفي دينه؟
فأجاب:
بل إذا طلب أن يمكن من بيع ما يوفي دينه وجب تمكينه من ذلك، ولم يجب حبسه العائق له عن ذلك. وهذا باتفاق المسلمين. والله أعلم.
وسئل عن رجل معسر وله عائلة وخشي من صاحب الدين أن يعتقله ويضيع هو وعائلته، ونوي أنه إذا وسع الله عليه أعطاه دينه، إذا أنكره في ساعة وحلف: هل عليه إثم أم لا؟
فأجاب:
لا يحل له أن يجحد حقه، ولا يحلف أنه لا شيء عليه؛ بل عليه أن يقر بحقه، ويذكر عسرته، ويستغفر الله تعالى. "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" [الطلاق: 2، 3] . والله أعلم.
ج/ 30 ص -35-
وسئل عن رجل له مملوك، وطلب بعض الظلمة شراءه، فخاف أنه لا يعطيه ثمنه، فقال: هذا متي بعته ثمنه على حرام، وعليه دين فهل يبيعه ويوفي ثمنه؟
فأجاب:
نعم يجوز له بيعه ويوفي الناس حقوقهم. فإن قصد بقوله: ثمنه على حرام، أن ثمنه لا يبقي عنده، بل أوفيه للغرماء فلا شيء عليه. وإن قصد تحريم الثمن. فقيل: عليه كفارة يمين؛ كمذهب أحمد وأبي حنيفة. وقيل: لا شيء عليه؛ كمذهب مالك، والشافعي. والله أعلم.
وسئل عن رجل مديون، وله بالقرافة ملك، وباع منه نصفه بيع أمانة، وله بهذا بينة، وأشهره المشتري كل شهر بسعيه ونصف من تاريخ المبيع، وأن مداينًا آخر اشتكاه وضيق عليه باليد القوية حتي أخذ بقية الذي باع بها في الأول، وبقي الملك في قبضة الثاني.
ج/ 30 ص -36-فأجاب:
أما بيع الأمانة الذي مضمونه اتفاقهما على أن البائع إذا جاءه بالثمن أعاد عليه ملكه ذلك، ينتفع به المشتري بالإجارة والسكن، ونحو ذلك هو بيع باطل، باتفاق العلماء إذا كان الشرط مقترنًا بالعقد.
وإذا تنازعوا في الشرط المقدم على العقد، فالصحيح أنه باطل بكل حال، ومقصودهما إنما هو الربا بإعطاء دراهم إلى أجل، ومنفعة الدراهم هي الربح. والواجب هو رد المبيع إلى صاحبه البائع، وأن يرد البائع على المشتري ما قبضه منه؛ لكن يحسب له منه ما قبضه المشتري من المال الذي سموه أجرة. والله أعلم.
وسئل عن رجل في الرق يبيع ويشتري لأستاذه، وأستاذه يبيع ويشتري باسم المملوك، وقد وجب على أستاذه دين فهل يطلب به المملوك أو المالك؟
فأجاب:
الحمد لله، الدين على السيد يوفي من ماله، وما كان بيد العبد هو من ماله يوفي به دينه، ويباع أيضا في وفاء دينه. وإن كتم العبد شيئًا من المال الذي للسيد بيده، عوقب حتي يظهره، فيوفي منه دينه. والله أعلم.
ج/ 30 ص -37-وسئل عن رجل عليه دين، ثم إن صاحب الدين اعتقله، وإن المديون فقير لا مال له، وانتقلت اليه منافع بستان من جهة وقف شرعي، لا يتحصل من ريعه مقدار وفاء الدين المدة المذكورة إلى حين وفاء الدين.
فأجاب:
إن كان معسرًا لم يجز حبسه، ولا مطالبته، بل يجب إنظاره إلى الميسرة. وإذا لم يكن له ما يوفي الدين إلا منافع الوقف عليه، استوفي الدين من أجرة منافع الوقف بحسب الإمكان. فإن ظهر له مال سوي ذلك استوفي منه ما أمكن. والله أعلم.
وسئل رحمه الله عمن عليه حق وامتنع، هل يجب إقراره بالعقوبة؟
فأجاب:
حكم الشريعة: أن من وجب عليه حق وهو قادر على أدائه، وامتنع من أدائه، فإنه يعاقب بالضرب والحبس مرة بعد مرة، حتى
ج/ 30 ص -38-يؤدي، سواء كان الحق دينا عليه، أو وديعة عنده، أو مال غصب، أو عارية، أو مالا للمسلمين، أو كان الحق عملا؛ كتمكين المرأة زوجها من الاستمتاع بها، وعمل الأجير ما وجب عليه من المنفعة. وهذا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: "وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ" [النساء: 34] فأباح الله سبحانه للرجل أن يضرب المرأة إذا امتنعت من الحق الواجب عليها، من المباشرة، وفراش زوجها.
وقال النبي ﷺ: "مَطْلُ الغني ظلم" أخرجاه في الصحيحين. وقال: "لَي الواجد يحل عرضه وعقوبته" رواه أهل السنن. واللي: هو المطل، والواجد: هو القادر. فأخبر ﷺ أن مطل الغني ظلم، وأن ذلك يحل عرضه وعقوبته، فثبت أن عقوبة المماطل مباحة.
وروي البخاري في صحيحه: أن النبي ﷺ صالح أهل خيبر على الصفراء والبيضاء والسلاح، وسأل عم حيي بن أخطب عن كنزه، فقال: يا محمد، أذهبته النفقات، فقال للزبير: "دونك هذا" فأخذه الزبير فمسه بشيء من العذاب. فقال: رأيته يأتي إلى هذه الخربة، وكان في جلد ثور. لما علم النبي ﷺ أن هذا الرجل الذي يعلم مكان المال الذي يستحقه النبي ﷺ،
ج/ 30 ص -39-وقد أخفاه، أمر الزبير بعقوبته، حتي دلهم على المال، ومن كتم ماله أولي بالعقوبة، وقد ذكر هذه المسألة الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي، وأحمد، وغيرهم، ولا أعلم فيه خلافًا. وقد ذكروا بأن الممتنع من أداء الواجب من الدين وغيره إذا أصر على الامتناع فإنه يعاقب ويضرب مرة بعد مرة حتي يؤديه، ولا يقتصر على ضربه مرة، بل يفرق عليه الضرب في أيام متعددة، حتي يؤدي.
وقد أجمع العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة. والمعاصي نوعان: ترك واجب، وفعل محرم. فمن ترك أداء الواجب مع القدرة عليه فهو عاصٍ، مستحق للعقوبة، والتعزير. والله سبحانه أعلم.
وسئل عن رجل أحضر إلى منزله شهودًا فقال: اشهدوا على أن ابنتي فلانة رشيدة جائزة التصرف لا حجر عليها، وهي ذات زوج وأولاد بحضور زوجها، وأحد إخوتها، ووالدتها، وكرر ذلك مرات.
فلما انصرف شهوده قال أخوها للشهود الرشد لا تشهدوا به، ثم بعد أيام حضر والدها وأخوها، وقال والدها: أنا قد رجعت عن
ج/ 30 ص -40-ترشيدها، فهل يصح ذلك؟ أم لا؟ وهل له الرجوع بغير مستند شرعي؟
فأجاب:
ليس للشهود أن يلتفتوا إلى كلام أخيها، ولا غيره، والامتناع من الشهادة؛ بل عليهم أن يقيموا الشهادة لله، كما أمر الله ورسوله، وليس لأبيها أن يرجع عما أمر به من رشدها، بل إن ثبت أنه حدث عليها سفه يوجب الحجر عليها لم يكن الحجر عليها لأبيها، بل لولي الأمر، ولو لم يقر الأب برشدها، فمتي صارت رشيدة زال الحجر عنها، سواء رشدها أو لم يرشدها، وسواء حكم بذلك حاكم أو لم يحكم، وإن نوزعت في الرشد فشهد شاهدان أنها رشيدة، قبلت شهادتهما، ولم يلتفت إلى الأب ولا غيره. وإذا تصرفت مدة، وشهد الشاهد أنها كانت رشيدة في مدة التصرف، كان تصرفها صحيحًا، وإن كان الأب يدعي أنها كانت تحت حجره. والله أعلم.
وسئل عن امرأة تحت الحجر، وقد شهد لها بالرشد بينة عادلة ليسوا محارمها: هل يقبل ذلك؟ أم لا؟
فأجاب:
نعم إذا شهدت بينة عادلة برشدها حكم لها بذلك، وإن لم يكونوا أقارب؛ فإن العدالة والرشد ونحو ذلك قد تعلم بالاستفاضة، كما يعلم المسلمون رشد أمهات المؤمنين والنسوة المشهورات. والله أعلم.
ج/ 30 ص -41-وسئل عن رجل له بنت أرملة، وعقد عقدها، وتلفظ للشهود برشدها، فلما تيقنت البنت بذلك اختارت أن تكون تحت حجر أبيها، وما اختارت الرشد فهل لأبيها أن يفسخ الرشد؟ أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله، بعد أن تصير رشيدة لا يمكن أن تكون تحت الحجر، لكن لها ألا تتصرف في مالها إلا بإذن أبيها، فإن قالت: أنا لا أتصرف إلا بإذن أبي كان لها ذلك، إذا لم يكن التصرف واجبًا عليها.
وسئل عن رجل خلف ولدا ذكرا، وابنتين غير مرشدتين، وأن البنت الواحدة تزوجت بزوج، ووكلت زوجها في قبض ما تستحقه من إرث والدها، والتصرف فيه: فهل للأخ المذكور الولاية عليها؟ وهل يطلب الزوج بما قبضه، وما صرفه لمصلحة اليتيمة؟
ج/ 30 ص -42-فأجاب:
للأخ الولاية من جهة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعلت ما لا يحل لها نهاها عن ذلك.
وأما الحجر عليها إن كانت سفيهة فلوصيها إن كان لها وصى الحجر عليها، وإلا فالحاكم يحجر عليها، ولأخيها أن يرفع أمرها إلى الحاكم.
وسئل رحمه الله عن رجل له ولد عمره سبع سنين، وأن رجلا أركبه دابة بغير إذن الوالد، ولا أعلمه، فرفست الدابة الصغير ورمته وهربت منه، فاشتكي الرجل أبا الصغير، وكتب عليه حجة غصب نحو الدابة: فهل يضمن الوالد شيئًا؟
فأجاب:
إذا لم يكن الوالد له سبب في هذه القضية لم يكن عليه شيء، ولا يلزمه شيء من الحجة التي كتبت عليه كرها، فإن صاحب الدابة هو الذي أمر الصغير بركوبها من غير سعي الوالد.
ج/ 30 ص -43-وسئل رحمه الله عمن اشترى لليتيم من بيت المال بغبطة لبيت المال، ولم يظهر غبطة لليتيم. فهل يصح الشراء؟ وهل يضمن الوصي الزيادة؟
فأجاب:
إن اشتري لليتيم بثمن المثل، أو بزيادة للمصلحة، جاز، وإن اشتري بزيادة لا يتغابن الناس لمثلها، كان عليه ضمان ما أداه من الزيادة الفاحشة. وغبطة بيت المال لا تؤثر، فإن هذا في صورة لا حقيقة له. والله أعلم.
وسئل عن رجل معتقل في سجن السلطان، وهو خائف على نفسه، وطولب بدين شرعي عليه، ثم أشهد عليه في حال اعتقاله أن جميع ما يملكه من العقار ملكا لزوجته، وصدقته على ذلك فهل يجوز إقراره بذلك؟ وينفذ في جميع ماله؟ أو يختص هذا الإقرار بالثلث؟ ويبقي الثلثان موقوفًا على إجازة الورثة، أم لا؟ وإذا كانت له ابنة صغيرة
ج/ 30 ص -44-فقيرة هل ينفق عليها من ريع هذا العقار، والحالة هذه؟
فأجاب:
إذا كان عليه حقوق شرعية فتبرع بملكه بحيث لا يبقي لأهل الحقوق ما يستوفونه بهذا التمليك، فهو باطل في أحد قولي العلماء، كما هو مذهب مالك، والإمام أحمد في إحدى الروايتين: من جهة أن قضاء الدين واجب، ونفقة الولد واجبة. فيحرم عليه أن يدع الواجب، ويصرفه فيما لا يجب، فيرد هذا التمليك، ويصرفه فيما يجب عليه من قضاء دينه ونفقة ولده.
وأما إن كان الملك مستحقًا لغيره، أو فيه ما يستحقه غيره، لم يصح صرفه في حق الغير إلا بولاية أو وكالة، وإذا كان الإشهاد فيما يملكه، ملكه لزوجته، لم يدخل في ذلك ما لا يملكه.
وسئل رحمه الله عمن وُلِّي على مال يتامي وهو قاصر فما الحكم في ولايته، وأجرته؟
فأجاب:
لا يجوز أن يولي على مال اليتامي إلا من كان قويا، خبيرا بما ولي عليه، أمينا عليه.
ج/ 30 ص -45-والواجب إذا لم يكن الولي بهذه الصفة أن يستبدل به من يصلح، ولا يستحق الأجرة المسماة، لكن إذا عمل لليتامي عملا يستحق أجرة مثله كان كالعمل في سائر العقود الفاسدة.
وسئل عمن زوج ابنته لرجل، ولها في صحبته سنين، فجاء والدها يطلب شيئًا لمصالحها، فقال الزوج: أنا محجور على، وما ذكر في الكتاب تحت الحجر؟
فأجاب:
لا يقبل بمجرد قوله في أنه محجور عليه، بل الأصل صحة التصرف، وعدم الحجر، حتي يثبت. والله أعلم.
وسئل رحمه الله عن رجل تزوج امرأة، ورزق منها ولدًا، وأراد والد الزوجة المذكورة أن يضع يده على مال ابنته يتصرف فيه لنفسه، فمنعته من ذلك. فادعي أنها تحت الحجر. فهل تقبل منه هذه الدعوي. وهي لم يصدر منها سفه يحجر عليها؟ وهل لها منعه من التصرف في مالها؟
ج/ 30 ص -46-فأجاب:
ليس لأبيها أن يتصرف لنفسه، بل إذا كان متصرفًا في مالها لنفسه، كان ذلك قادحًا في أهليته، ومنع من الولاية عليها كالحجر.
وأما إن كان أهلا للولاية وإنما يتصرف لها بما فيه الحظ لها لا له، وليس له الولاية عليها إلا بشرط دوام السفه، فإنها إذا رشدت زال حجرها بغير اختياره. وإذا أقامت بينة برشدها، حكم برفع ولايته عنها، ولها عليه اليمين أنه لا يعلم رشدها إذا طلب ذلك، ولم يقم بينة. والله أعلم.
وسئل عن زوجة لرجل ادعت أنها تحت الحجر، ولم يكن الزوج يعلم بذلك، ثم طلقها وأبرأته،ثم تزوجت برجل آخر، ثم ادعي على الأول بالصداق لكونها تحت الحجر فهل يقبل ذلك؟
فأجاب رحمه الله:
لا يقبل بمجرد دعواها أنها تحت الحجر، بل إذا كانت تتصرف تصرف الرشيد فهي رشيدة نافذة البيوع،ولو كانت تحت الحجر، فإذا أقامت بينة أنها رشيدة، فقد تم تبرعها. والله أعلم.
ج/ 30 ص -47-وسئل رحمه الله عمن اعترف بمال لأيتام، وأعطي خطه، ثم إن اليتيم الواحد طالبه فأنكر عند الحاكم، وحلف أنه لا يستحق عليه شيئا، ثم إنه بعد ذلك طلب من اليتيم الإبراء وهو مريض فهل يصح إبراؤه وهو مريض؟
فأجاب:
لا يصح هذا الإبراء في نفس الأمر، ما دام المدعي عليه جاحدا للحق.
وسئل عمن دفع مال يتيم إلى عامل يشتري به ثمرة مضاربة، ومعه آخر أمينا عليه، وله النصف، ولكل منهما الربع، فخسر المال، وانفرد العامل بالعمل لتعذر الآخر، وكانت الشركة بعد تأبير الثمرة، وأفتي بعضهم بفسادها، وأن على العامل وولي اليتيم ضمان ما صرف من ماله.
فأجاب:
هذه الشركة في صحتها خلاف، والأظهر صحتها.
وسواء كانت صحيحة أو فاسدة. فإن كان ولي اليتيم فرط فيما
ج/ 30 ص -48-فعله ضمن، وأما إذا فعل ما ظاهره المصلحة فلا ضمان عليه لجناية من عامله.
وأما العامل فإن خان أو فرط، فعليه الضمان، وإلا فلا ضمان عليه. ولو كان العقد فاسدًا كان ما يضمن بالعقد الصحيح يضمن بالفاسد، وما لا يضمن بالعقد الصحيح لا يضمن بالعقد الفاسد. وعلى كل منهما اليمين في نفي الجناية، والتفريط.
وسئل رحمه الله عن أيتام تحت الحجر الشريف. ثم إن التتار أسروهم سنة شقحب، وهم صغار، فوشي بعض الناس إلى ولاة الأمر في أخذ مالهم، ولهم وارث ذو رحم وعصبات، فلما بلغ الورثة ذلك أثبتوا محضرًا على تقدير عدمهم، وأنهم ورَّاثهم فهل يحل لأحد أن يتعرض لأخذه مع علمه ذلك، وأن ينتظر لغيبتهم؟ وهل يأثم المتخذ ذلك مع علمه بذلك؟
فأجاب:
ليس لأحد غير الورثة أن يأخذ هذا الملك؛ لكن ينفق منه النفقة الواجبة على ربه، مثل نفقة ولده، ويقضي منه ديونه. وإذا حكم بموته فهو للوارث، وفي المدة التي ينتظرون اليها نزاع بين العلماء: من العلماء من يقدرها، ومنهم من يقول: يرجعون في ذلك إلى الحاكم.
ج/ 30 ص -49-ومنهم من يحدث في ذلك ليصرف المال إلى غير مستحقه، فإنه آثم في ذلك باتفاق الأئمة. والله أعلم.
وسئل رحمه الله عمن عنده يتيم، وله مال تحت يده، وقد رفع كلفة اليتيم عن ماله، وينفق عليه من عنده فهل له أن يتصرف في ماله بتجارة،أو شراء عقار، مما يزيد المال وينميه بغير إذن الحاكم؟
فأجاب:
نعم يجوز له ذلك، بل ينبغي له، ولا يفتقر إلى إذن الحاكم إن كان وصيا، وإن كان غير وصى وكان الناظر في أموال اليتامي الحاكم العالم العادل يحفظه ويأمر فيه بالمصلحة، وجب استئذانه في ذلك.
وإن كان في استئذانه إضاعة المال، مثل أن يكون الحاكم أو نائبه فاسقًا، أو جاهلًا، أو عاجزًا، أو لا يحفظ أموال اليتامي، حفظه المستولي عليه، وعمل فيه المصلحة من غير استئذان الحاكم.
ج/ 30 ص -50-وسئل عن رجل توفي إلى رحمة الله تعالى وخلف ثلاثة أولاد، وملكا، وكان فيهم ولد كبير، وقد هدم بعض الملك، وأنشأ، وتزوج فيه، ورزق فيه أولادًا، والورثة بطالون، فلما طلبوا القسمة قصد هدم البناء.
فأجاب:
أما العرصة، فحقهم فيها باق.
وأما البناء، فإن كان بناه كله من ماله دون الأول، فله أخذه؛ ولكن عليه ضمان البناء الأول الذي كان لهم. وإن كان أعاده بالإرث الأول فهي لهم.
وسئل رحمه الله عن كسوة الصبيان في الأعياد وغيرها الحرير هل يجوز لولي اليتيم أن يلبسه الحرير؟ أم لا؟ وإذا فعل ذلك هل يأثم؟ أم لا؟ وكذلك تمويه أقباعهم بالذهب، هل يجوز؟ أم لا؟
ج/ 30 ص -51-فأجاب:
الحمد لله، ليس لولي اليتيم إلباسه الحرير في أظهر قولي العلماء. كما ليس له إسقاؤه الخمر، وإطعامه الميتة. فما حرم على الرجال البالغين، فعلى الولي أن يجنبه الصبيان.
وقد مزق عمر بن الخطاب حريرا رآه على ابنِ الزبير، وقال: لا تلبسوهم الحرير. وكذلك ما يحرم على الرجال من الذهب.
وأما نسبة الولي إلى البخل فيدفع ذلك بأن يكسوه من المباح ما يحصل به التجمل في الأعياد وغيرها، كالمقاطع الإسكندرانية، وغيرها مما يحصل به التجمل والزينة، ودفع البخل من غير تحريم. ومن وضح له الحق ليس له أن يعدل عنه إلى سواه، ولا يجب على أحد أن يتبع غير الرسول ﷺ في كل ما يأمر به، وينهي عنه، ويحلله، ويحرمه. والله أعلم.
وسئل رحمه الله عن وصى له أملاك، ووليه في بلاد التتار، وقد باع أملاكه برأي منه إلى الذي اشتري منه بغير نداء، ولا إشهاد، ولا حكم أحد فهل يصح البيع؟
فأجاب:
إذا باع قبل أن يرشد، فبيعه باطل، لاسيما إن كان
ج/ 30 ص -52-قد باع بالغبن الفاحش.
فإن ادعي المشتري أنه كان رشيدًا، وقامت البينة بسفهه، حكم ببطلان البيع.. والله أعلم.
وسئل عن أمير يعامل الناس، ويتكل على حسابه فهل إذا أهمل ولم يكتبه يكون في ذمته؟ وأن الأمير لم يتحقق أن عليه في ذمته شيئا، لكن يتكل عي دفتر العامل؟
فأجاب:
الحمد لله، إن كان قد اجتهد في استعمال ذلك، وله كاتب وهو ثقة خبير، يجتهد في حفظ أموال الناس، لم يكن في ذمته شيء، فإن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها. وإن كان قد فرط في استعمال الكاتب بأن يكون خائنا، أو عاجزًا كان عليه درك بما ذهب من حقوق الناس بتفريطه. والله أعلم.
ج/ 30 ص -53-وسئل رحمه الله عن الوكلاء على قري الزرع، قد قدر لهم على كل فدان شيء من القمح وغيره. ومؤونتهم على الفلاحين، وله على الجند دراهم معلومة.
فأجاب:
إن كان الوكيل لا يأخذ لنفسه إلا أجرة عمله بالمعروف، والزيادة يأخذها المقطع، فالمقطع هو الذي ظلم الفلاحين. وأما الذي أخذ أجرة عمله فقد أخذ ما يستحق، فلا يحرم عليه ذلك. فإن كان الوكيل قد أعطي المقطع من الضريبة ما يزيد على أجرة مثله، ولم يأخذ لنفسه إلا أجرة عمله، جاز ذلك. والله أعلم.