وقال قدس الله روحه
فصل: في شروط عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي شرطها على أهل الذمة. لما قدم الشام وشارطهم بمحضر من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم وعليه العمل عند أئمة المسلمين لقول رسول الله ﷺ: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وقوله ﷺ: "اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر" لأن هذا صار إجماعا من أصحاب رسول الله ﷺ الذين لا يجتمعون على ضلالة على ما نقلوه وفهموه من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ. وهذه الشروط مروية من وجوه مختصرة ومبسوطة. منها ما رواه
ج/ 28 ص -652-سفيان الثوري عن مسروق بن عبد الرحمن بن عتبة قال: كتب عمر رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام كتابا وشرط عليهم فيه: أن لا يحدثوا في مدنهم ولا ما حولها ديرا ولا صومعة ولا كنيسة ولا قلاية لراهب ولا يجددوا ما خرب ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم ولا يأووا جاسوسًا ولا يكتموا غش المسلمين ولا يعلموا أولادهم القرآن ولا يظهروا شركا ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوه وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم: من قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا يتكنوا بكناهم ولا يركبوا سرجا ولا يتقلدوا سيفا ولا يتخذوا شيئا من سلاحهم ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية ولا يبيعوا الخمور وأن يجزوا مقادم رءوسهم وأن يلزموا زيهم حيث ما كانوا وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شيء من طريق المسلمين ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيا ولا يرفعوا أصواتهم بقراءتهم في كنائسهم في شيء في حضرة المسلمين ولا يخرجوا شعانين ولا يرفعوا مع موتاهم أصواتهم ولا يظهروا النيران معهم ولا يشتروا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين. فإن خالفوا شيئًا مما اشترط عليهم فلا ذمة لهم وقد حل للمسلمين منهم
ج/ 28 ص -653-ما يحل من أهل المعاندة والشقاق. وأما ما يرويه بعض العامة عن النبي ﷺ أنه قال: "من آذى ذميا فقد آذاني" فهذا كذب على رسول الله ﷺ، لم يروه أحد من أهل العلم. وكيف ذلك وأذاهم قد يكون بحق وقد يكون بغير حق بل قد قال الله تعالى:"وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا" [الأحزاب: 58] فكيف يحرم أذى الكفار مطلقا؟ وأي ذنب أعظم من الكفر؟ . ولكن في سنن أبي داود عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - عن النبي ﷺ قال: "إن الله لم يأذن لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ولا ضرب أبشارهم ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم" وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أذلوهم ولا تظلموهم. وعن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب النبي ﷺ عن آبائهم عن رسول الله ﷺ قال: "ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس. فأنا حجيجه يوم القيامة".
وفي سنن أبي داود عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول
ج/ 28 ص -654-الله ﷺ: "ليس على مسلم جزية ولا تصلح قبلتان بأرض".
وهذه الشروط قد ذكرها أئمة العلماء من أهل المذاهب المتبوعة وغيرها في كتبهم واعتمدوها، فقد ذكروا أن على الإمام أن يلزم أهل الذمة بالتميز عن المسلمين في لباسهم وشعورهم وكناهم وركوبهم: بأن يلبسوا أثوابا تخالف ثياب المسلمين: كالعسلي والأزرق والأصفر والأدكن ويشدوا الخرق في قلانسهم وعمائمهم والزنانير فوق ثيابهم. وقد أطلق طائفة من العلماء أنهم يؤخذون باللبس وشد الزنانير جميعا ومنهم من قال: هذا يجب إذا شرط عليهم. وقد تقدم اشتراط عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ذلك عليهم جميعًا حيث قال: ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا غيرها: من عمامة ولا نعلين. إلى أن قال: ويلزمهم بذلك حيث ما كانوا ويشدوا الزنانير على أوساطهم.
وهذه الشروط ما زال يجددها عليهم من وفقه الله تعالى من ولاة أمور المسلمين كما جدد عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - في خلافته وبالغ في اتباع سنة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
ج/ 28 ص -655-حيث كان من العلم والعدل والقيام بالكتاب والسنة بمنزلة ميزه الله تعالى بها على غيره من الأئمة وجددها هارون الرشيد وجعفر المتوكل وغيرهما وأمروا بهدم الكنائس التي ينبغي هدمها كالكنائس التي بالديار المصرية كلها ففي وجوب هدمها قولان: ولا نزاع في جواز هدم ما كان بأرض العنوة إذا فتحت.
ولو أقرت بأيديهم لكونهم أهل الوطن كما أقرهم المسلمون على كنائس بالشام ومصر ثم ظهرت شعائر المسلمين فيما بعد بتلك البقاع بحيث بنيت فيها المساجد: فلا يجتمع شعائر الكفر مع شعائر الإسلام كما قال النبي ﷺ: "لا يجتمع قبلتان بأرض" ولهذا شرط عليهم عمر والمسلمون - رضي الله عنهم - أن لا يظهروا شعائر دينهم. وأيضا فلا نزاع بين المسلمين أن أرض المسلمين لا يجوز أن تحبس على الديارات والصوامع ولا يصح الوقف عليها بل لو وقفها ذمي وتحاكم إلينا لم نحكم بصحة الوقف. فكيف بحبس أموال المسلمين على معابد الكفار التي يشرك فيها بالرحمن ويسب الله ورسوله فيها أقبح سب. وكان من سبب إحداث هذه الكنائس وهذه الأحباس عليها
ج/ 28 ص -656-شيئان. [أحدهما]: أن بني عبيد القداح - الذين كان ظاهرهم الرفض وباطنهم النفاق - يستوزرون تارة يهوديا وتارة نصرانيا واجتلب ذلك النصراني خلقا كثيرا وبنى كنائس كثيرة. [والثاني]: استيلاء الكتاب من النصارى على أموال المسلمين فيدلسون فيها على المسلمين ما يشاءون. والله أعلم. وصلى الله على محمد.
وقال الشيخ رحمه الله
تعلمون أنا بحمد الله في نعم عظيمة ومنن جسيمة وآلاء متكاثرة وأياد متظاهرة. لم تكن تخطر لأكثر الخلق ببال ولا تدور لهم في خيال. والحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى. إلى أن قال: والحق دائما في انتصار وعلو وازدياد والباطل في انخفاض وسفال ونفاد. وقد أخضع الله رقاب الخصوم وأذلهم غاية الذل وطلب أكابرهم من السلم والانقياد ما يطول وصفه. ونحن - ولله الحمد - قد اشترطنا عليهم في ذلك من الشروط ما فيه عز الإسلام والسنة وانقماع الباطل والبدعة وقد دخلوا في ذلك كله وامتنعنا حتى يظهروا ذلك إلى الفعل. فلم نثق لهم بقول
ج/ 28 ص -657-ولا عهد ولم نجبهم إلى مطلوبهم. حتى يصير المشروط معمولا والمذكور مفعولا ويظهر من عز الإسلام والسنة للخاصة والعامة ما يكون من الحسنات التي تمحو سيئاتهم. وقد أمد الله من الأسباب التي فيها عز الإسلام والسنة وقمع الكفر والبدعة: بأمور يطول وصفها في كتاب. وكذلك جرى من الأسباب التي هي عز الإسلام وقمع اليهود والنصارى بعد أن كانوا قد استطالوا وحصلت لهم شوكة وأعانهم من أعانهم على أمر فيه ذل كبير من الناس فلطف الله باستعمالنا في بعض ما أمر الله به ورسوله. وجرى في ذلك مما فيه عز المسلمين.
وتأليف قلوبهم وقيامهم على اليهود والنصارى وذل المشركين وأهل الكتاب مما هو من أعظم نعم الله على عباده المؤمنين. ووصف هذا يطول. وقد أرسلت إليكم كتابا أطلب ما صنفته في أمر الكنائس وهي كراريس بخطي قطع النصف البلدي. فترسلون ذلك إن شاء الله تعالى وتستعينون على ذلك بالشيخ جمال الدين المزي فإنه يقلب الكتب ويخرج المطلوب. وترسلون أيضا من تعليق القاضي أبي يعلى الذي بخط القاضي أبي الحسين إن أمكن الجميع وهو أحد عشر مجلدا وإلا فمن أوله مجلدا أو مجلدين أو ثلاثة. وذكر كتبا يطلبها منهم.
ج/ 28 ص -658-ما تقول السادة العلماء:
في قوم من أهل الذمة ألزموا بلباس غير لباسهم المعتاد وزي غير زيهم المألوف وذلك أن السلطان ألزمهم بتغيير عمائمهم وأن تكون خلاف عمائم المسلمين فحصل بذلك ضرر عظيم في الطرقات والفلوات وتجرأ عليهم بسببه السفهاء والرعاع وآذوهم غاية الأذى وطمع بذلك في إهانتهم والتعدي عليهم.
فهل يسوغ للإمام ردهم إلى زيهم الأول وإعادتهم إلى ما كانوا عليه مع حصول التمييز بعلامة يعرفون بها؟ وهل ذلك مخالف للشرع أم لا؟ .
قال ابن القيم: فأجابهم من منع التوفيق وصد عن الطريق بجواز ذلك وأن للإمام إعادتهم إلى ما كانوا عليه. قال شيخنا: فجاءتني الفتوى. فقلت: لا تجوز إعادتهم ويجب إبقاؤهم على الزي الذي يتميزون به عن المسلمين. فذهبوا ثم غيروا الفتيا ثم جاءوا بها في قالب آخر فقلت: لا تجوز إعادتهم. فذهبوا ثم أتوا بها في قالب آخر فقلت: هي المسألة المعينة وإن خرجت في عدة قوالب. قال ابن القيم: ثم ذهب شيخ الإسلام إلى السلطان وتكلم عنده بكلام عجب منه الحاضرون فأطبق القوم على إبقائهم. ولله الحمد والمنة
ج/ 28 ص -659-وسئل عن الرهبان الذين يشاركون الناس في غالب الدنيا: فيتجرون ويتخذون المزارع وأبراج الحمام وغير ذلك من الأمور التي يتخذها سائر الناس فيما هم فيه الآن. وإنما ترهب أحدهم في اللباس وترك النكاح وأكل اللحم والتعبد بالنجاسة ونحو ذلك. وقد صار من يريد إسقاط الجزية من النصارى يترهب هذا الترهب لسقوط الجزية عنه ويأخذون من الأموال المحبوسة والمنذورة ما يأخذون. فهل يجوز أخذ الجزية من هؤلاء أم لا؟ وهل يجوز إسكانهم بلاد المسلمين مع رفع الجزية عنهم أم لا؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب - رضي الله عنه - الحمد لله. الرهبان الذين تنازع العلماء في قتلهم وأخذ الجزية منهم: هم المذكورون في الحديث المأثور عن خليفة رسول الله ﷺ أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال في وصيته ليزيد بن أبي سفيان لما بعثه أميرًا على فتح الشام فقال له في وصيته: "وستجدون أقوامًا قد حبسوا أنفسهم في الصوامع فذروهم وما حبسوا أنفسهم له وستجدون أقواما قد
ج/ 28 ص -660-فحصوا عن أوساط رءوسهم فاضربوا ما فحصوا عنه بالسيف وذلك بأن الله يقول: "فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ" [التوبة: 12]".
وإنما نهى عن قتل هؤلاء، لأنهم قوم منقطعون عن الناس محبوسون في الصوامع يسمى أحدهم حبيسا لا يعاونون أهل دينهم على أمر فيه ضرر على المسلمين أصلاً ولا يخالطونهم في دنياهم، ولكن يكتفي أحدهم بقدر ما يتبلغ به. فتنازع العلماء في قتلهم كتنازعهم في قتل من لا يضر المسلمين لا بيده ولا لسانه، كالأعمى والزمن والشيخ الكبير ونحوه، كالنساء والصبيان.
فالجمهور يقولون: لا يقتل إلا من كان من المعاونين لهم على القتال في الجملة وإلا كان كالنساء والصبيان. ومنهم من يقول: بل مجرد الكفر هو المبيح للقتل وإنما استثنى النساء والصبيان، لأنهم أموال. وعلى هذا الأصل ينبني أخذ الجزية. وأما الراهب الذي يعاون أهل دينه بيده ولسانه: مثل أن يكون له رأي يرجعون إليه في القتال أو نوع من التحضيض: فهذا يقتل باتفاق العلماء إذا قدر عليه وتؤخذ منه الجزية وإن كان حبيسًا منفردًا في متعبده.
فكيف بمن هم كسائر النصارى في معايشهم ومخالطتهم الناس واكتساب الأموال بالتجارات والزراعات والصناعات،
ج/ 28 ص -661-واتخاذ الديارات الجامعات لغيرهم وإنما تميزوا على غيرهم بما يغلظ كفرهم ويجعلهم أئمة في الكفر مثل التعبد بالنجاسات وترك النكاح واللحم واللباس الذي هو شعار الكفر لا سيما وهم الذين يقيمون دين النصارى بما يظهرونه من الحيل الباطلة التي صنف الفضلاء فيها مصنفات ومن العبادات الفاسدة وقبول نذورهم وأوقافهم.
والراهب عندهم شرطه ترك النكاح فقط وهم مع هذا يجوزون أن يكون بتركًا وبطرقًا وقسيسًا وغيرهم من أئمة الكفر الذين يصدرون عن أمرهم ونهيهم، ولهم أن يكتسبوا الأموال كما لغيرهم مثل ذلك. فهؤلاء لا يتنازع العلماء في أنهم من أحق النصارى بالقتل عند المحاربة وبأخذ الجزية عند المسالمة وأنهم من جنس أئمة الكفر الذين قال فيهم الصديق رضي الله عنه ما قال وتلا قوله تعالى: "فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ" [التوبة: 12].
ويبين ذلك أنه سبحانه وتعالى قد قال: "إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ" [التوبة: 34] وقد قال تعالى: "اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" [التوبة: 31].
فهل يقول عالم: إن أئمة الكفر الذين يصدون عوامهم عن سبيل
ج/ 28 ص -662-الله ويأكلون أموال الناس بالباطل ويرضون بأن يتخذوا أربابًا من دون الله: لا يقاتلون ولا تؤخذ منهم الجزية، مع كونها تؤخذ من العامة الذين هم أقل منهم ضررا في الدين وأقل أموالا. لا يقوله من يدري ما يقول.
وإنما وقعت الشبهة لما في لفظ الراهب من الإجمال والاشتراك وقد بينا أن الأثر الوارد مقيد مخصوص وهو يبين المرفوع في ذلك. وقد اتفق العلماء على أن علة المنع هو ما بيناه. فهؤلاء الموصوفون تؤخذ منهم الجزية بلا ريب ولا نزاع بين أئمة العلم فإنه ينتزع منهم ولا يحل أن يترك شيء من أرض المسلمين التي فتحوها عنوة وضرب الجزية عليها، ولهذا لم يتنازع فيه أهل العلم: من أهل المذاهب المتبوعة: من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة: أن أرض مصر كانت خراجية وقد ثبت ذلك في الحديث الصحيح الذي في صحيح مسلم، حيث قال ﷺ: "منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مدها ودينارها ومنعت مصر إردبها ودرهمها وعدتم من حيث بدأتم" لكن المسلمون لما كثروا نقلوا أرض السواد في أوائل الدولة العباسية من المخارجة إلى المقاسمة ولذلك نقلوا مصر إلى أن استغلوها هم كما هو الواقع اليوم ولذلك رفع عنها الخراج. ومثل هذه الأرض لا يجوز باتفاق المسلمين أن تجعل حبسا على
ج/ 28 ص -663-مثل هؤلاء يستغلونها بغير عوض. فعلم أن انتزاع هذه الأرضين منهم واجب باتفاق علماء المسلمين، وإنما استولوا عليها بكثرة المنافقين من المنتسبين إلى الإسلام في الدولة الرافضية واستمر الأمر على ذلك وبسبب كثرة الكتاب والدواوين منهم ومن المنافقين: يتصرفون في أموال المسلمين بمثل هذا كما هو معروف من عمل الدواوين الكافرين والمنافقين. ولهذا يوجد لمعابد هؤلاء الكفار من الأحباس ما لا يوجد لمساجد المسلمين ومساكنهم: للعلم والعبادة، مع أن الأرض كانت خراجية باتفاق علماء المسلمين. ومثل هذا لا يفعله من يؤمن بالله ورسوله وإنما يفعله الكفار والمنافقون ومن لبسوا عليه ذلك من ولاة أمور المسلمين. فإذا عرف ولاة أمور المسلمين الحال عملوا في ذلك ما أمر الله به ورسوله. والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلى الله على محمد.
ج/ 28 ص -664-وسئل رحمه الله عن رجل يهودي معه كتاب يدعي أنه خط علي بن أبي طالب يمتنع به عن الجزية وله مدة لم يعطها.
فأجاب: كل كتاب تدعيه اليهود بإسقاط الجزية من على أو غيره فهو كذب يستحقون العقوبة عليه مع أخذ الجزية منهم وتؤخذ منه الجزية الماضية. والله أعلم.
وسئل رحمه الله عن اليهود والنصارى إذا اتخذوا خمورا. هل يحل للمسلم إراقتها عليهم وكسر أوانيهم وهجم بيوتهم لذلك أم لا؟ وهل يجوز هجم بيوت المسلمين إذا علم أو ظن أن بها خمرا، من غير أن يظهر شيء من ذلك، لتراق وتكسر الأواني ويتجسس على مواضعه أم لا؟ وهل يحرم على الفاعل ذلك أم لا؟ إذا كان مأمورا من جهة الإمام بذلك؟ أم يكون معذورا بمجرد الأمر دون الإكراه؟ . وإذا
ج/ 28 ص -665-خشي من مخالفة الأمر وقوع محذور به فهل يكون عذرا له أم لا؟
فأجاب: الحمد لله. أما أهل الذمة فإنهم وإن أقروا على ما يستحقون به في دينهم فليس لهم أن يبيعوا المسلم خمرا ولا يهدونها إليه ولا يعاونوه عليها بوجه من الوجوه فليس لهم أن يعصروها لمسلم ولا يحملوها له ولا يبيعوها من مسلم ولا ذمي. وهذا كله مما هو مشروط عليهم في عقد الذمة ومتى فعلوا ذلك استحقوا العقوبة التي تردعهم وأمثالهم عن ذلك.
وهل ينتقض عهدهم بذلك وتباح دماؤهم وأموالهم؟ على قولين في مذهب الإمام أحمد وغيره. وكذلك ليس لهم أن يستعينوا بجاه أحد ممن يخدمونه أو ممن أظهر الإسلام منهم. أو غيرهما على إظهار شيء من المنكرات، بل كما تجب عقوبتهم تجب عقوبة من يعينهم بجاهه أو غير جاهه على شيء من هذه الأمور. وإذا شرب الذمي الخمر. فهل يحد على ثلاثة أقوال للفقهاء. قيل: يحد. وقيل: لا يحد. وقيل يحد إن سكر. وهذا إذا أظهر ذلك بين المسلمين وأما ما يختفون به في بيوتهم من غير ضرر بالمسلمين بوجه من الوجوه فلا يتعرض لهم. وعلى هذا فإذا كانوا لا ينتهون عن إظهار الخمر أو معاونة المسلمين عليها أو بيعها وهديها للمسلمين إلا بإراقتها
ج/ 28 ص -666-عليهم فإنها تراق عليهم، مع ما يعاقبون به، إما بما يعاقب به ناقض العهد وإما بغير ذلك.
وسئل عن اليهود بمصر من أمصار المسلمين وقد كثر منهم بيع الخمر لآحاد المسلمين وقد كثرت أموالهم من ذلك وقد شرط عليهم سلطان المسلمين أن لا يبيعوها للمسلمين ومتى فعلوا ذلك حل منهم ما يحل من أهل الحرب. فماذا يستحقون من العقوبة؟ وهل للسلطان أن يأخذ منهم الأموال التي اكتسبوها من بيع الخمر أم لا؟ .
فأجاب: الحمد لله. يستحقون على ذلك العقوبة التي تردعهم وأمثالهم عن ذلك وينتقض بذلك عهدهم في أحد قولي العلماء في مذهب أحمد وغيره. وإذا انتقض عهدهم حلت دماؤهم وأموالهم وحل منهم ما يحل من المحاربين الكفار وللسلطان أن يأخذ منهم هذه الأموال التي قبضوها من أموال المسلمين بغير حق ولا يردها إلى من اشترى منهم الخمر فإنهم إذا علموا أنهم ممنوعين من شرب الخمر وشرائها وبيعها فاشتروها كانوا بمنزلة من يبيع الخمر من المسلمين ومن باع خمرا لم يملك ثمنه. فإذا كان المشتري قد أخذ الخمر فشربها لم
ج/ 28 ص -667-يجمع له بين العوض والمعوض، بل يؤخذ هذا المال فيصرف في مصالح المسلمين كما قيل في مهر البغي وحلوان الكاهن وأمثال ذلك مما هو عوض عن عين أو منفعة محرمة إذا كان العاصي قد استوفى العوض.
وهذا بخلاف ما لو باع ذمي لذمي خمرا سرا فإنه لا يمنع من ذلك. وإذا تقابضا جاز أن يعامله المسلم بذلك الثمن الذي قبضه من ثمن الخمر كما قال عمر رضي الله عنه: ولوهم بيعها وخذوا منهم أثمانها، بل أبلغ من ذلك أنه يجوز للإمام أن يخرب المكان الذي يباع فيه الخمر كالحانوت والدار كما فعل ذلك عمر بن الخطاب حيث أخرب حانوت رويشد الثقفي وقال: إنما أنت فويسق لست برويشد وكما أحرق علي بن أبي طالب قرية كان يباع فيها الخمر. وقد نص على ذلك أحمد وغيره من العلماء.
ج/ 28 ص -668- وسئل عن يهودي قال: هؤلاء المسلمون الكلاب أبناء الكلاب يتعصبون علينا وكان قد خاصمه بعض المسلمين.
فأجاب: - رحمه الله - إذا كان أراد بشتمه طائفة معينة من المسلمين فإنه يعاقب على ذلك عقوبة تزجره وأمثاله عن مثل ذلك وأما إن ظهر منه قصد العموم فإنه ينتقض عهده بذلك ويجب قتله.