رسالة من شيخ الإسلام قدس اللّه روحه إلى أصحابه وهو في حبس الإسكندرية قال:
بسم الله الرحمن الرحيم
"وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ" [الضحي: 11]. والذي أعَرِّف به الجماعة أحسن اللّه إليهم في الدنيا وفي الآخرة وأتم عليهم نعمته الظاهرة والباطنة فإني واللّه العظيم الذي لا إله إلا هو في نعم من اللّه ما رأيت مثلها في عمري كله، وقد فتح اللّه سبحانه وتعإلى من أبواب فضله ونعمته وخزائن جوده ورحمته ما لم يكن بالبال، ولا يدور في الخيال ما يصل الطرف إليها، يسرها اللّه تعإلى حتى صارت مقاعد، وهذا يعرف بعضها بالذوق من له نصيب من معرفة اللّه وتوحيده وحقائق الإيمان، وما هو مطلوب الأولين والآخرين من العلم والإيمان.
ص -31- فإن اللذة والفرحة والسرور وطيب الوقت والنعيم الذي لا يمكن التعبير عنه، إنما هو في معرفة اللّه سبحانه وتعإلى وتوحيده والإيمان به وانفتاح الحقائق الإيمانية والمعارف القرآنية، كما قال بعض الشيوخ: لقد كنت في حال أقول فيها: إن كان أهل الجنة في هذه الحال، إنهم لفي عيش طيب.
وقال آخر: لتمرعلى القلب أوقات يرقص فيها طرباً، وليس في الدنيا نعيم يشبه نعيم الآخرة إلا نعيم الإيمان والمعرفة. ولهذا كان النبي ﷺ يقول: "أرحنا بالصلاة يابلال"، ولا يقول: أرحنا منها، كما يقوله من تثقل عليه الصلاة، كما قال تعإلى: "وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ" [البقرة: 45]. والخشوع: الخضوع للّه تعإلى والسكون والطمأنينة إليه بالقلب والجوارح. وكان النبي ﷺ يقول: "حبب إلى من دنياكم النساء والطيب"، ثم يقول: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" ولم يقل: حبب إلى من دنياكم ثلاث. كما يرفعه بعض الناس، بل هكذا رواه الإمام أحمد والنسائي أن المحبب إليه من الدنيا النساء والطيب. وأما قرة العين، تحصل بحصول المطلوب وذلك في الصلاة.
والقلوب فيها وسواس النفس، والشيطان يأمر بالشهوات والشبهات ما يفسد عليه طيب عيشها، فمن كان محباً لغير اللّه، فهو معذب في الدنيا
ج/ 28 ص -32- والآخرة، إن نال مراده عذب به؛ وإن لم ينله، فهو في العذاب والحسرة والحزن.
وليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة اللّه والتقرب إليه بما يحبه ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة لا إله إلا اللّه، وهي ملة إبراهيم الخليل عليه السلام وسائر الأنبياء والمرسلين صلاة اللّه وسلامه عليهم أجمعين، وكان النبي ﷺ يقول لأصحابه: "قولوا: أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد ﷺ، وملة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً، وما كان من المشركين".
و [الحنيف] للسلف فيه ثلاث عبارات: قال محمد بن كعب: مستقيما. وقال عطاء: مخلصاً. وقال آخرون: متبعاً. فهو مستقيم القلب إلى اللّه دون ما سواه. قال اللّه تعإلى:"فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ" [فصلت: 6]، وقال تعإلى :"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا" [فصلت: 30] قال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه : فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة، فلم يلتفتوا بقلوبهم إلى ما سواه لا بالحب ولا بالخوف، ولا بالرجاء ولا بالسؤال ولا بالتوكل عليه، بل لا يحبون إلا اللّه ولا يحبون معه أندادا، ولا يحبون إلا إياه، لا لطلب منفعة، ولا لدفع مضرة، ولايخافون غيره كائناً من كان، ولا يسألون غيره ولا يتشرفون
ج/ 28 ص -33- بقلوبهم إلى غيره.
ولهذا قال النبي ﷺ لعمر رضي اللّه عنه : "ما أتاك من هذا المال وأنت غير سائل ولا متشرف فخذه، وما لا، فلا تتبعه نفسك" فالسائل بلسانه والمتشرف بقلبه متفق على صحته. وعن أبي سعيد عن النبي ﷺ أنه قال: "من يستعفف يعفه اللّه، ومن يستغن يغنه اللّه؛ ومن يصبر يصبره الله". متفق على صحته . فالغني في القلب، كما قال النبي ﷺ: "ليس الغني عن كثرة المال، ولكن الغني غني النفس". [والعفيف] الذي لا يسأل بلسانه لا نصراً ولا رزقا . قال تعإلى: "أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍأَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ"[الملك: 20، 21]. وقال تعالى: "وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَي وَنِعْمَ النَّصِيرُ"[الأنفال: 40]. وقال تعالى: "وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ"[الحج: 78] إلى آخر السورة. وقال تعالى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ"[الشوري: 11]، أي: لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله. فإنه سبحانه وتعالى من حسن تدبيره لعبده وتيسيره له أسباب الخير من الهدي للقلوب والزلفي لديه والتبصير، يدفع عنه شياطين الإنس والجن ما لا تبلغ العباد قدره.
والخير كله في متابعة النبي ﷺ النبي الأمي الذي "يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ"إلى آخر الآية [الأعراف: 157]. وأكثر الناس
ج/ 28 ص -34-لا يعرفون حقائق ما جاء به، إنما عندهم قسط من ذلك. "وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًي وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ"[محمد: 17]، وقال تعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا"[العنكبوت: 69]، والجهاد يوجب هداية السبيل إليه. وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"[الأنفال: 64]. فكل من اتبع الرسول فإن الله حسبه، أي: كافيه وهاديه وناصره، أي: كافيه كفايته وهدايته وناصره ورازقه.
فالإنسان ظالم جاهل كما قال تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ على السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ"إلى قوله: "ظَلُومًا جَهُولًا"[الأحزاب: 72]. وإنما غاية أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين وجنده الغالبين التوبة. وقد قال تعالى: "فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا" [النصر: 3]، وتوبة كل إنسان بحسبه وعلى قدر مقامه وحاله.
ولهذا كان الدين مجموعا في التوحيد والاستغفار، قال تعالى: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ"[محمد: 19]. وقال تعالى: "فَاسْتَقِيمُوا إليه وَاسْتَغْفِرُوهُ"[فصلت:6]. وقال تعالى: "وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إليه" [هود: 90]، ففعل جميع المأمورات وترك جميع المحظورات يدخل في التوحيد في قول: لا إله إلا الله، فإنه من لم يفعل الطاعات لله، ويترك المعاصي لله، لم يقبل الله عمله. قال تعالى: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ"[المائدة: 27]، قال طلق بن حبيب:التقوي:أن تعمل بطاعة الله على نور
ج/ 28 ص -35- من الله ترجو رحمة الله،وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله.
ولابد لكل عبد من التوبة والاستغفار بحسب حاله.
والعبد إذا أنعم الله عليه بالتوحيد فشهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه والإله هو المعبود، الذي يستحق غاية الحب والعبودية بالإجلال والإكرام، والخوف والرجاء، يفني القلب بحب الله تعالى عن حب ما سواه، ودعائه والتوكل عليه وسؤاله عما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه حلاه الله بالأمن والسرور، والحبور، والرحمة للخلق، والجهاد في سبيل الله فهو يجاهد ويرحم.له الصبر والرحمة، قال الله تعالى: "وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ"[البلد: 17]. وكلما قوي التوحيد في قلب العبد، قوي إيمانه وطمأنينته، وتوكله، ويقينه.
والخوف الذي يحصل في قلوب الناس هو الشرك الذي في قلوبهم، قال الله تعالى: "سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ" [آل عمران:151]. وكما قال الله جل جلاله في قصة الخليل عليه السلام: "أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ" إلى قوله: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ" [الأنعام: 80: 82]. وفي الحديث الصحيح: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة،
ج/ 28 ص -36- تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش". فمن كان في قلبه رياسة لمخلوق ففيه من عبوديته بحسب ذلك. فلما خوفوا خليله بما يعبدونه ويشركون به الشرك الأكبر كالعبادة قال الخليل: "وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عليكم سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"، يقول: إن تطيعوا غير الله، وتعبدون غيره، وتكلمون في دينه ما لم ينزل به سلطانًا، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟ أي: تشركون بالله ولا تخافونه وتخوفوني أنا بغير الله فمن ذا الذي يستحق الأمن؟ إلى قوله: "أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ"[الأنعام:81، 82] أي: هؤلاء الموحدون المخلصون. ولهذا قال الإمام أحمد لبعض الناس: لو صححت لم تخف أحدًا.
ولكن للشيطان وسواس في قلوب الناس،كما قال تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا" إلى قوله تعالى: "إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ" [الأنعام: 112-116]، أخبر سبحانه وتعالى : أن ما جاءت به الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لابد له من عدو شياطين الإنس والجن يوسوسون القول المزخرف، ونهي أن يطلب حكما من غير الله بقوله تعالى: "أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إليكم الْكِتَابَ مُفَصَّلاً" [الأنعام:114]،
ج/ 28 ص -37-والكتاب: هو الحاكم بين الناس شرعا ودينًا، وينصر القائم نصرًا وقدرًا. وقد قال الله تعالى: "إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّي الصَّالِحِينَ"[الأعراف: 196]. وقال تعالى: "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ على شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا" إلى قوله تعالى: "وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ" [الجاثية: 18، 19].
وقال تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ" إلى قوله: "إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" [الحديد: 25]، و[الميزان] هو: العدل، وما به يعرف العدل، وأنزل الحديد لينصر الكتاب، فإن قام صاحبه بذلك، كان سعيدًا مجاهدًا في سبيل الله، فإن الله نصر الكتاب بأمر من عنده، وانتقم ممن خرج عن حكم الكتاب، كما قال تعالى: "إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ" إلى قوله: "وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"[التوبة: 40]. وقوله ﷺ لأبي بكر:""إِنَّ اللّهَ مَعَنَا"" [التوبة: 40]، وقال تعالى: "إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ" [النحل: 128]. وقال تعالى: "إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"[البقرة: 153]. وكل من وافق الرسول ﷺ في أمر خالف فيه غيره، فهو من الذين اتبعوه في ذلك، وله نصيب من قوله: "لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا [التوبة: 40]؛ فإن المعية الإلهية المتضمنة للنصر هي لما جاء به إلى يوم القيامة، وهذا قد دل عليه القرآن، وقد رأينا من ذلك وجربنا ما يطول وصفه. وقال تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ"[فصلت: 53] إلى آخر السورة. وقال تعالى: "وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" [الأعراف: 128].
ج/ 28 ص -38- وقال تعالى:"ّفَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ"[الكوثر: 2، 3]، فمن شنأ شيئا مما جاء به الرسول ﷺ، فله من ذلك نصيب؛ ولهذا قال أبو بكر بن عياش لما قيل له: إن بالمسجد أقواما يجلسون ويجلس الناس إليهم فقال: من جلس للناس جلس الناس إليه، لكن أهل السنة يبقون ويبقي ذكرهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم. وذلك أن أهل البدعة شنؤوا بعض ما جاء به الرسول ﷺ فأبترهم بقدر ذلك. والذين أعلنوا ما جاء به النبي ﷺ فصار لهم نصيب من قوله تعالى: "وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ"[الشرح: 4]، فإن ما أكرم الله به نبيه من سعادة الدنيا والآخرة فللمؤمنين المتابعين نصيب بقدر إيمانهم. فما كان من خصائص النبوة والرسالة فلم يشارك فيه أحد من أمته، وما كان من ثواب الإيمان والأعمال الصالحة، فلكل مؤمن نصيب بقد ذلك.
والله تعالى يقول: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ"[التوبة: 33، والفتح:82، الصف: 9]: بالحجة والبيان؛ وبإلىد واللسان؛ هذا إلى يوم القيامة. لكن الجهاد المكي بالعلم والبيان، والجهاد المدني مع المكي بإلى والحديد، قال تعالى: "فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا"[الفرقان: 52] و[سورة الفرقان] مكية، وإنما جاهدهم باللسان والبيان، ولكن يكف عن الباطل، وإنما قد بين في المكية.
ج/ 28 ص -39-"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّي نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ"[محمد: 31].
وقال تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّي يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَي نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ"[البقرة: 214]. وقال تعالى:"الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ" إلى قوله: "سَاء مَا يَحْكُمُونَ"[العنكبوت: 1 4]. فبين سبحانه وتعالى : أنه أرسل رسله. والناس رجلان: رجل يقول: أنا مؤمن به مطيعه، فهذا لابد أن يمتحن حتي يعلم صدقه من كذبه. ورجل مقيم على المعصية فهذا قد عمل السيئات فلا يظن أن يسبقونا، بل لابد أن نأخذهم. وما لأحد من خروج عن هذين القسمين. قال تعالى:"وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ" إلى قوله: "لَبِئْسَ الْمَوْلَي وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ"[الحج: 3 13].
فبين سبحانه حال من يجادل في الدين بلا علم. والعلم: هو ما بعث الله به رسوله ﷺ، وهو: السلطان كما قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ"[غافر: 56]. فمن تكلم في الدين بغير ما بعث الله به رسوله ﷺ، كان متكلما بغير علم. ومن تولاه الشيطان فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير، ومن انقاد لدين الله. فقد عبد الله بإلىقين، بل إن أصابه ما يهواه استمر،
ج/ 28 ص -40- وإن أصابه ما يخالف هواه رجع، وقد عبد الله على حرف، و[الحرف] هو: الجانب، كحرف الرغيف وحرف الجبل ليس مستقرًا بإثبات، "فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ"في الدنيا، "\اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ" أي: محنة امتحن بها، "انقَلَبَ على وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ"[الحج: 11]، وحرف الجبل ليس مستقرًا بالثبات، معناه: خسر الدنيا بما امتحن به وخسر الآخرة برجوعه عن الدين "يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ"الآية [الحج: 12] أي: يدعو المخلوقين؛ يخافهم، ويرجوهم، وهم لا يملكون له ضرًا ولا نفعًا، بل ضرهم أقرب من نفعهم،وإن كان سبب نزولها في شخص معين، أسلم وكان مشركا فحكمها عام في كل من تناوله لفظها ومعناها إلى يوم القيامة. فكل من دعا غير الله، فهو مشرك، والعيان يصدق هذا، فإن المخلوقين إذا اشتكي إليهم الإنسان فضررهم أقرب من نفعهم، والخالق جل جلاله وتقدست أسماؤه ولا إله غيره إذا اشتكي إليه المخلوق وأنزل حاجته به واستغفره من ذنوبه، أيده وقواه وهداه، وسد فاقته وأغناه وقربه وأقناه، وحبه واصطفاه. والمخلوق إذا أنزل العبد به حاجته استرذله وازدراه ثم أعرض عنه، خسر الدنيا والآخرة. وإن قضي له ببعض مطلبه؛ لأن عنده من بعض رعاياه يستعبده بما يهواه، قال الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام : "فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إليه تُرْجَعُونَ"[العنكبوت: 17].
ج/ 28 ص -41-وقال تعالى: "إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعلى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ"[آل عمران: 160]. وقال تعالى: "وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"[آل عمران: 139].
وهذا باب واسع قد كتبت فيه شيئا كثيرًا، وعرفته: علماً، وذوقًا، وتجربة.
فصل
وفي الجملة، ما يبين نعم الله التي أنعم بها على وأنا في هذا المكان، أعظم قدرًا وأكثر عددًا ما لا يمكن حصره، وأكثر ما ينقص على الجماعة، فأنا أحب لهم أن ينالوا من اللذة والسرور والنعيم ما تقر به أعينهم، وأن يفتح لهم من معرفة الله وطاعته والجهاد في سبيله ما يصلون به إلى أعلى الدرجات، وأعرف أكثر الناس قدر ذلك فإنه لا يعرف إلا بالذوق والوجد، لكن ما من مؤمن إلا له نصيب من ذلك، ويستدل منه بالقليل على الكثير وإن كان لا يقدر قدره الكبير، وأنا أعرف أحوال الناس والأجناس واللذات، وأين الدر من البعر؟ وأين الفالوذج من الدبس؟ وأين الملائكة من البهيمة أو البهائم؟ لكن أعرف أن حكمة الله
ج/ 28 ص -42- وحسن اختياره ولطفه ورحمته يقتضي أن كل واحد يريد أن يعبد الله ويجاهد في سبيله علمًا وعملا بحسب طاقته ليكون الدين لله، ويكون مقصوده أن كلمة الله هي العليا، ولا يكون حبه وبغضه ومعاداته ومدحه وذمه إلا لله لا لشخص معين.
والهادي المطلق الذي يهدي إلى كل خير وكل أحد محتاج إلى هدايته في كل وقت هو رسول الله ﷺ، ثم أفضل أمته أفضلهم متابعة له، وهذا يكون بالإيمان واليقين والجهاد، كما قال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا"إلى قوله: "أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ"[الحجرات: 15]، فبين سبحانه وتعالى أن المؤمن لابد له من ثلاثة أمور:
أولها: أن يؤمن بالله ورسوله.
وثانيها: لا يرتاب بعد ذلك: أن يكون موقنًا ثابتًا، واليقين يخالف الريب، والريب نوعان: نوع يكون شكًا لنقص العلم. ونوع يكون اضطرابًا في القلب. وكلاهما لنقص الحال الإيماني، فإن الإيمان لابد فيه من علم القلب، وليس كل مكان يكون له علم يعلمه. وعمل القلب أو بصيرته وثباته وطمأنينته وسكينته وتوكله وإخلاصه وإنابته إلى الله تعالى، وهذه الأمور كلها في القرآن. يقال: رابني كذا وكذا
ج/ 28 ص -43- يريبني، أي: حرك قلبي، ومنه الحديث عن رسول الله ﷺ: أنه مر بظبي حاقف فقال: "لا يريبه أحد" أي: لا يحركه أحد. ومنه قوله ﷺ: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة، فإن الصادق من لا يقلق قلبه والكاذب يقلق قلبه، وليس هناك شك بل يعلم أن الريب أعم من الشك.
ولهذا في الدعاء المأثور: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك" الحديث إلى آخره. وفي المسند والترمذي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: "سلو الله اليقين والعافية، فإنه لم يعط خيرًا من اليقين والعافية فاسألوها الله سبحانه وتعالى". والعرب تقول: ماء يقن، إذا كان ساكنًا لا يتحرك. فقلب المؤمن مطمئن لا يكون فيه ريب. هذا معني قوله سبحانه وتعالى : "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ"[الحجرات: 15]. وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : قال: أعطي رسول الله ﷺ رهطًا ولم يعط رجلاً وهو أحب إلى منهم فقلت: يا رسول الله، مالك عن فلان؟ فوالله إني أراه مؤمنا، قال: "أو مسلمًا" مرتين أو ثلاثا ثم قال: "إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلى منه خشية أن يكبه الله على وجهه في النار".
ولهذا قال أبو جعفر الباقر وغيره من السلف: الإسلام دائرة
ج/ 28 ص -44- كبيرة، والإيمان دائرة في وسطها؛ فإذا زنا العبد خرج من الإيمان إلى الإسلام. كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".
وهذا أظهر قولي العلماء: إن هؤلاء الأعراب الذين قالوا: أسلمنا ونحوهم، من المسلمين الذين لم يدخل الإيمان المتقدم في قلوبهم يثابون على أعمالهم الصالحة، كما قال تعالى: "وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا"[الحجرات: 14]. وهم ليسوا بكفار ولا منافقين، بل لم يبلغوا حقيقة الإيمان وكماله، فنفي عنهم كمال الإيمان الواجب.وإن كانوا يدخلون في الإيمان، مثل قوله: "فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ"[النساء: 92]، وقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ"[المائدة: 6]، وهذا باب واسع.
والمقصود إخبار الجماعة بأن نعم الله علينا فوق ما كانت بكثير كثير، ونحن بحمد الله في زيادة من نعم الله وإن لم يمكن خدمة الجماعة باللقاء، فأنا داع لهم بالليل والنهار، قيامًا ببعض الواجب من حقهم، وتقربًا إلى الله تعالى في معاملته فيهم. والذي آمر به كل شخص منهم أن يتق الله ويعمل لله، مستعينًا بالله، مجاهدًا في سبيل الله، ويقصد بذلك أن
ج/ 28 ص -45-تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، ويكون دعاؤه وغيره بحسب ذلك،كما أمر الله به ورسوله:
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، واهدهم سبل السلام، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وجنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لهم في أسماعهم وأبصارهم ما أبقيتهم، واجعلهم شاكرين لنعمك مثنين بها عليك، قابليها، وأتممها عليهم يا رب العالمين. اللهم انصر كتابك ودينك وعبادك المؤمنين، وأظهر الهدي ودين الحق الذي بعثت به نبينا محمدًا ﷺ على الدين كله. اللهم عذب الكفار والمنافقين، الذين يصدون عن سبيلك ويبدلون دينك ويعادون المؤمنين. اللهم خالف كلمتهم، وشتت بين قلوبهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم؛ وأدر عليهم دائرة السوء. اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم مجري السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم، وانصرنا عليهم. ربنا أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدي لنا، وانصرنا على من بغي علينا. ربنا اجعلنا لك شاكرين مطاوعين مخبتين أواهين منيبين. ربنا تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا، واهد قلوبنا؛ وسدد ألسنتنا
ج/ 28 ص -46- واسلل سخائم صدورنا.
وهذا رواه الترمذي بلفظ إفراد، وصححه، وهو من أجمع الأدعية بخير الدنيا والآخرة، وله شرح عظيم.
والحمد لله ناصر السنة، وخاذل أهل البدعة والغرة، وصلي الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.
ج/ 28 ص -47-وكتب رحمه الله، وهو في السجن:
ونحن - ولله الحمد والشكر - في نعم عظيمة، تتزايد كل يوم، ويجدد الله تعالى من نعمه نعمًا أخرى، وخروج الكتب كان من أعظم النعم فإني كنت حريصًا على خروج شيء منها؛ لتقفوا عليه وهم كرهوا خروج [الإخنائية] فاستعملهم الله في إخراج الجميع؛ وإلزام المنازعين بالوقوف عليه، وبهذا يظهر ما أرسل الله به رسوله من الهدى، ودين الحق، فإن هذه المسائل كانت خفية على أكثر الناس.
فإذا ظهرت فمن كان قصده الحق هداه الله، ومن كان قصده الباطل قامت عليه حجة الله، واستحق أن يذله الله ويخزيه، وما كتبت شيئا من هذا، ليكتم عن أحد، ولو كان مبغضًا. والأوراق التي فيها جواباتكم وصلت، وأنا طيب، وعيناي طيبتان، أطيب ما كانتا. ونحن في نعم عظيمة لا تُحصى ولا تُعد. والحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه. ثم ذكر كلامًا وقال: كل ما يقضيه الله تعالى فيه الخير، والرحمة،
ج/ 28 ص -48-والحكمة، إن ربي لطيف لما يشاء، إنه هو القوي العزيز العليم الحكيم، ولا يدخل على أحد ضرر إلا من ذنوبه "مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ" [النساء: 79].
فالعبد عليه أن يشكر الله، ويحمده دائمًا على كل حال. ويستغفر من ذنوبه. فالشكر يوجب المزيد من النعم، والاستغفار يدفع النقم. ولا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له: إن أصابته سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له.
كتاب الشيخ إلى والدته يقول فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم من أحمد بن تيمية إلى الوالدة السعيدة، أقر الله عينيها بنعمه، وأسبغ عليها جزيل كرمه، وجعلها من خيار إمائه وخدمه. سلام الله عليكم. ورحمة الله وبركاته. فإنا نحمد إليكم الله، الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل، وهو على كل شيء قدير.
ونسأله أن يصلي على خاتم النبيين، وإمام المتقين، محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا.
ج/ 28 ص -49-كتابي إليكم عن نعم من الله عظيمة، ومنن كريمة، وآلاء جسيمة نشكر الله عليها، ونسأله المزيد من فضله. ونعم الله كلما جاءت في نمو، وازدياد، وأياديه جلت عن التعداد. وتعلمون أن مقامنا الساعة في هذه البلاد، إنما هو لأمور ضرورية، متى أهملناها؛ فسد علينا أمر الدين والدنيا.
ولسنا والله مختارين للبعد عنكم، ولو حملتنا الطيور؛ لسرنا إليكم. ولكن الغائب عذره معه، وأنتم لو اطلعتم على باطن الأمور فإنكم - ولله الحمد - ما تختارون الساعة إلا ذلك، ولم نعزم على المقام، والاستيطان شهرًا واحدًا، بل كل يوم نستخير الله لنا ولكم. وادعوا لنا بالخيرة فنسأل الله العظيم أن يخير لنا ولكم وللمسلمين، ما فيه الخيرة، في خير وعافية.
ومع هذا فقد فتح الله من أبواب الخير، والرحمة والهداية، والبركة ما لم يكن يخطر بالبال، ولا يدور في الخيال، ونحن في كل وقت مهمومون بالسفر، مستخيرون الله سبحانه وتعالى. فلا يظن الظان أنا نؤثر على قربكم شيئًا من أمور الدنيا قط. بل ولا نؤثر من أمور الدين ما يكون قربكم أرجح منه. ولكن ثم أمور كبار، نخاف الضرر الخاص والعام من إهمالها. والشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
والمطلوب كثرة الدعاء بالخيرة فإن الله يعلم ولا نعلم ويقدر
ج/ 28 ص -50-ولا نقدر وهو علام الغيوب. وقد قال النبي ﷺ: "من سعادة ابن آدم استخارته الله ورضاه بما يقسم الله له ومن شقاوة ابن آدم: ترك استخارته الله وسخطه بما يقسم الله له".
والتاجر يكون مسافرًا؛ فيخاف ضياع بعض ماله، فيحتاج أن يقيم؛ حتى يستوفيه، وما نحن فيه أمر يجل عن الوصف ولا حول ولا قوة إلا بالله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كثيرًا كثيرًا، وعلى سائر من في البيت، من الكبار، والصغار، وسائر الجيران، والأهل والأصحاب واحدًا واحدًا، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.
وقال الشيخ بعد حمد الله تعالى، والصلاة على نبيه، ﷺ. أما بعد. فإن الله - وله الحمد - قد أنعم على من نعمه العظيمة، ومننه الجسيمة، وآلائه الكريمة، ما هو مستوجب لعظيم الشكر، والثبات على الطاعة، واعتياد حسن الصبر على فعل المأمور.
والعبد مأمور بالصبر في السراء، أعظم من الصبر في الضراء قال تعالى: "وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ" [هود: 9]، "وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ" [هود: 10]، "إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ" [هود: 11].
ج/ 28 ص -51-وتعلمون أن الله سبحانه من في هذه القضية من المنن التي فيها من أسباب نصر دينه. وعلو كلمته ونصر جنده وعزة أوليائه وقوة أهل السنة والجماعة وذل أهل البدعة والفرقة. وتقرير ما قرر عندكم من السنة، وزيادات على ذلك بانفتاح أبواب من الهدى، والنصر، والدلائل، وظهور الحق لأمم، لا يُحصي عددهم إلا الله تعالى، وإقبال الخلائق إلى سبيل السنة والجماعة، وغير ذلك من المنن، ما لا بد معه من عظيم الشكر، ومن الصبر وإن كان صبرًا في سراء. وتعلمون أن من القواعد العظيمة، التي هي من جماع الدين: تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين فإن الله تعالى يقول: "فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ" [الأنفال: 1] ويقول: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ" [آل عمران: 103] ويقول: "وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [آل عمران: 105].
وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف، وتنهى عن الفرقة والاختلاف. وأهل هذا الأصل: هم أهل الجماعة كما أن الخارجين عنه هم أهل الفرقة. وجماع السنة: طاعة الرسول. ولهذا قال النبي ﷺ
ج/ 28 ص -52-في الحديث الصحيح، الذي رواه مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة: "إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه، ولا تُشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا، ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أموركم".
وفي السنن من حديث زيد بن ثابت، وابن مسعود - فَقِيهَيْ الصحابة - عن النبي ﷺ أنه قال: "نضر الله امرأً، سمع منا حديثًا فبلغه، إلى من لم يسمعه، فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر. ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من وراءهم". وقوله [لا يغل] أي لا يحقد عليهن. فلا يبغض هذه الخصال قلب المسلم بل يحبهن ويرضاهن. وأول ما أبدأ به من هذا الأصل: ما يتعلق بي فتعلمون - رضي الله عنكم - أني لا أحب أن يؤذى أحد من عموم المسلمين - فضلًا عن أصحابنا - بشيء أصلًا لا باطنًا ولا ظاهرًا ولا عندي عتب على أحد منهم. ولا لوم أصلًا، بل لهم عندي من الكرامة، والإجلال، والمحبة، والتعظيم، أضعاف أضعاف ما كان كل بحسبه، ولا يخلو
ج/ 28 ص -53-الرجل. إما أن يكون مجتهدًا مصيبًا، أو مخطئًا، أو مذنبًا. فالأول: مأجور مشكور. والثاني مع أجره على الاجتهاد: فمعفو عنه مغفور له. والثالث: فالله يغفر لنا، وله ولسائر المؤمنين. فنطوي بساط الكلام المخالف لهذا، الأصل. كقول القائل: فلان قصر، فلان ما عمل، فلان أوذي، الشيخ بسببه فلان كان سبب هذه القضية، فلان كان يتكلم في كيد فلان. ونحو هذه الكلمات التي فيها مذمة لبعض الأصحاب والإخوان. فإني لا أسامح من أذاهم من هذا الباب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بل مثل هذا يعود على قائله بالملام، إلا أن يكون له من حسنة، وممن يغفر الله، له إن شاء. وقد عفا الله عما سلف. وتعلمون أيضًا : أن ما يجري من نوع تغليظ، أو تخشين على بعض الأصحاب والإخوان: ما كان يجري بدمشق، ومما جرى الآن بمصر فليس ذلك غضاضة، ولا نقصًا، في حق صاحبه ولا حصل بسبب ذلك تغير منا، ولا بغض. بل هو بعد ما عومل به من التغليظ والتخشين أرفع قدرًا وأنبه ذكرًا وأحب وأعظم، وإنما هذه الأمور هي من مصالح المؤمنين التي يصلح الله بها بعضهم ببعض فإن المؤمن للمؤمن كاليدين، تغسل إحداهما الأخرى.
وقد
ج/ 28 ص -54-لا ينقلع الوسخ إلا بنوع من الخشونة، لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما نحمد معه ذلك التخشين. وتعلمون: أنا جميعًا متعاونون على البر والتقوى. واجب علينا نصر بعضنا بعضًا أعظم مما كان وأشد. فمن رام أن يؤذي بعض الأصحاب أو الإخوان لما قد يظنه من نوع تخشين - عومل به بدمشق أو بمصر الساعة أو غير ذلك - فهو الغالط.
وكذلك من ظن أن المؤمنين يبخلون عما أمروا به، من التعاون والتناصر، فقد ظن ظن سوء وإن الظن لا يُغني من الحق شيئا، وما غاب عنا أحد من الجماعة أو قدم إلينا الساعة، أو قبل الساعة، إلا ومنزلته عندنا اليوم أعظم مما كانت وأجل وأرفع. وتعلمون - رضي الله عنكم -: أن ما دون هذه القصية من الحوادث يقع فيها من اجتهاد الآراء، واختلاف الأهواء، وتنوع أحوال أهل الإيمان، وما لا بد منه - من نزغات الشيطان - ما لا يتصور أن يُعرى عنه نوع الإنسان.
وقد قال تعالى: "وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" [الأحزاب: 72]، "لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا" [الأحزاب: 73].
بل أنا أقول ما هو أبلغ من ذلك - تنبيهًا بالأدنى على الأعلى،
ج/ 28 ص -55-وبالأقصى على الأدنى - فأقول: تعلمون كثرة ما وقع في هذه القضية من الأكاذيب المفتراة، والأغاليط المظنونة، والأهواء الفاسدة، وأن ذلك أمر يجل عن الوصف. وكل ما قيل: من كذب وزور فهو في حقنا خير ونعمة. قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [النور: 11].
وقد أظهر الله من نور الحق وبرهانه، ما رد به إفك الكاذب وبهتانه. فلا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه عليّ، أو ظلمه وعدوانه، فإني قد أحللت كل مسلم. وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي. والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي. وأما ما يتعلق بحقوق الله فإن تابوا تاب الله عليهم، وإلا فحكم الله نافذ فيهم. فلو كان الرجل مشكورًا على سوء عمله لكنت أشكر كل من كان سببًا في هذه القضية؛ لما يترتب عليه من خير الدنيا
ج/ 28 ص -56-والآخرة، لكن الله هو المشكور على حسن نعمه، وآلائه وأياديه، التي لا يقضي للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له.
وأهل القصد الصالح يشكرون على قصدهم، وأهل العمل الصالح يشكرون على عملهم وأهل السيئات نسأل الله أن يتوب عليهم. وأنتم تعلمون هذا من خلقي. والأمر أزيد مما كان وأوكد، لكن حقوق الناس بعضهم مع بعض وحقوق الله عليهم هم فيها تحت حكم الله.
وأنتم تعلمون أن الصديق الأكبر في قضية الإفك التي أنزل الله فيها القرآن، حلف لا يصل مسطح بن أثاثة؛ لأنه كان من الخائضين في الإفك. فأنزل الله تعالى: "وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أولى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" [النور: 22]، فلما نزلت قال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي. فأعاد إلى مسطح النفقة التي كان ينفق. ومع ما ذكر من العفو والإحسان وأمثاله وأضعافه والجهاد على ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة أمر لا بد منه "فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [المائدة: 54]، "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" [المائدة: 55] "وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ" [المائدة: 56].
ج/ 28 ص -57-والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد، وآله وسلم تسليمًا.
وكتب أيضًا :
بسم الله الرحمن الرحيم، سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته، ونحن لله الحمد والشكر في نعم متزايدة، متوافرة، وجميع ما يفعله الله فيه نصر الإسلام، وهو من نعم الله العظام. "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفي بِاللَّهِ شَهِيدًا" [الفتح: 28]، فإن الشيطان استعمل حزبه في إفساد دين الله الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه. ومن سنة الله: أنه إذا أراد إظهار دينه، أقام من يعارضه؛ فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل؛ فيدمغه فإذا هو زاهق.
ج/ 28 ص -58-والذي سعى فيه حزب الشيطان لم يكن مخالفة لشرع محمد ﷺ وحده، بل مخالفة لدين جميع المرسلين: إبراهيم وموسى، والمسيح، ومحمد خاتم النبيين، صلى الله عليهم أجمعين. وكانوا قد سعوا في أن لا يظهر من جهة حزب الله ورسوله خطاب، ولا كتاب وجزعوا من ظهور الإخنائية فاستعملهم الله تعالى. حتى أظهروا أضعاف ذلك وأعظم، وألزمهم بتفتيشه ومطالعته ومقصودهم إظهار، عيوبه وما يحتجون به فلم يجدوا فيه إلا ما هو حجة عليهم وظهر لهم جهلهم وكذبهم وعجزهم وشاع هذا في الأرض وأن هذا مما لا يقدر عليه إلا الله، ولم يمكنهم أن يظهروا علينا فيه عيبًا في الشرع، والدين بل غاية ما عندهم: أنه خولف مرسوم بعض المخلوقين، والمخلوق كائنًا من كان، إذا خالف أمر الله تعالى ورسوله لم يُجب، بل ولا يجوز طاعته في مخالفة أمر الله ورسوله، باتفاق المسلمين. وقول القائل: إنه يظهر البدع كلام يظهر فساده لكل مستبصر ويعلم أن الأمر بالعكس فإن الذي يظهر البدعة إما أن يكون لعدم علمه بسنة الرسول، أو لكونه له غرض وهوى يخالف ذلك، وهو أولى بالجهل بسنة الرسول واتباع هواهم بغير هدى من الله "وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ" [القصص: 50] ممن هو أعلم بسنة الرسول منهم وأبعد عن الهوى والغرض في مخالفتها
ج/ 28 ص -59-"ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" [الجاثية: 18]، "إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شيئا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ" [الجاثية: 19]. وهذه قضية كبيرة لها شأن عظيم. ولتعلمن نبأه بعد حين.
ثم قال بعده: وكانوا يطلبون تمام الإخنائية فعندهم ما يطمهم أضعافها، وأقوى فقها منها وأشد مخالفة لأغراضهم. فإن الزملكانية قد بين فيها من نحو خمسين وجها: أن ما حكم به ورسم به مخالف لإجماع المسلمين وما فعلوه لو كان ممن يعرف ما جاء به الرسول ويتعمد مخالفته لكان كفرًا وردة عن الإسلام لكنهم جهال دخلوا في شيء، ما كانوا يعرفونه، ولا ظنوا أنه يظهر منه أن السلطنة تخالف مرادهم والأمر أعظم مما ظهر لكم ونحن ولله الحمد على عظيم الجهاد في سبيله. ثم ذكر كلامًا وقال: بل جهادنا في هذا مثل جهادنا يوم قازان، والجبلية، والجهمية، والاتحادية وأمثال ذلك. وذلك من أعظم نعم الله علينا، وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون.