ج/ 26 ص -304-باب الهدي والأضحية والعقيقة
وقال رحمه الله :
فصل
والأضحية والعقيقة والهدي أفضل من الصدقة بثمن ذلك، فإذا كان معه مال يريد التقرب به إلى الله، كان له أن يضحي به، والأكل من الأضحية أفضل من الصدقة، والهدي بمكة أفضل من الصدقة بها، وإن كان قد نذر أضحية في ذمته فاشتراها في الذمة، وبيعت قبل الذبح كان عليه إبدالها شاة.
وأما إذا اشتري أضحية، فتعيبت قبل الذبح، ذبحها في أحد قولي العلماء، وإن تعيبت عند الذبح أجزأ في الموضعين.
ج/ 26 ص -305- وقال رحمه الله: والأضحية من النفقة بالمعروف، فيضحي عن اليتيم من ماله، وتأخذ المرأة من مال زوجها ما تضحي به عن أهل البيت، وإن لم يأذن في ذلك، ويضحي المدين إذا لم يطالب بالوفاء، ويتدين ويضحي إذا كان له وفاء.
وسئل عمن لا يقدر على الأضحية: هل يستدين؟
فأجاب:
الحمد الله رب العالمين، إن كان له وفاء فاستدان ما يضحي به فحسن، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك. والله أعلم.
ج/ 26 ص -306-وقال رحمه الله:
فصل
وتجوز الأضحية عن الميت، كما يجوز الحج عنه، والصدقة عنه، ويضحي عنه في البيت، ولا يذبح عند القبر أضحية ولا غيرها. فإن في سنن أبي داود عن النبي ﷺ أنه نهى عن العقر عند القبر. حتي كره أحمد الأكل مما يذبح عند القبر؛ لأنه يشبه ما يذبح على النُّصُب. فإن النبي ﷺ قال: "لعن الله إليهود والنصاري، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما فعلوا. وثبت عنه في الصحيح أنه قال: "لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها"، وقال: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة، والحمام". فنهى عن الصلاة عندها؛ لئلا يشبه من يصلي لها. وكذلك الذبح عندها يشبه من ذبح لها.
وكان المشركون يذبحون للقبور، ويقربون لها القرابين، وكانوا في الجاهلية إذا مات لهم عظيم ذبحوا عند قبره الخيل، والإبل، وغير ذلك، تعظيما للميت. فنهى النبي ﷺ عن ذلك كله.
ج/ 26 ص -307-ولو نذر ذلك ناذر لم يكن له أن يوفي به. ولو شرطه واقف لكان شرطا فاسدا.
وكذلك الصدقة عند القبر كرهها العلماء، وشرط الواقف ذلك شرط فاسد. وأنكر من ذلك أن يوضع على القبر الطعام والشراب ليأخذه الناس، فإن هذا ونحوه من عمل كفار الترك، لا من أفعال المسلمين.
وقال رحمه الله :
فصل
والأضحية بالحامل جائزة، فإذا خرج ولدها ميتا فذكاته ذكاة أمه عند الشافعي، وأحمد، وغيرهما. سواء أشعر، أو لم يشعر. وإن خرج حيا ذبح، ومذهب مالك: إن أشعر حل، وإلا فلا. وعند أبي حنيفة: لا يحل حتي يذكي بعد خروجه، والله أعلم.
ج/ 26 ص -308-وقال رحمه الله :
فصل
والهتماء: التي سقط بعض أسنانها، فيها قولان، هما وجهان في مذهب أحمد. أصحهما أنها تجزئ، وأما التي ليس لها أسنان في أعلاها فهذه تجزئ باتفاق.
والعفراء: أفضل من السوداء، وإذا كان السواد حول عينيها، وفمها، وفي رجليها، أشبهت أضحية النبي صلىالله عليه وسلم .
وسئل عما يقال على الأضحية حال ذبحها، وما صفة ذبحها، وكيف يقسمها؟
فأجاب:
الحمد الله، وأما الأضحية فإنه يستقبل بها القبلة، فيضجعها على الأيسر، ويقول: بسم الله، والله أكبر، اللهم تقبل مني كما
ج/ 26 ص -309-تقبلت من إبراهيم خليلك. وإذا ذبحها قال: "إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [الأنعام: 79] ، "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" [الأنعام:162163] .
ويتصدق بثلثها، ويهدي ثلثها، وإن أكل أكثرها، أو أهداه أو أكله، أو طبخها، ودعا الناس إليها جاز.
ويعطي أجرة الجزار من عنده،وجلدها إن شاء انتفع به، وإن شاء تصدق به والله أعلم.
وقال رحمه الله تعالى :
فصل
الذبيحة الأضحية وغيرها تضجع على شقها الأيسر، ويضع الذابح رجله اليمين على عنقها، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ: فيسمي، ويكبر، فيقول: "باسم الله، والله أكبر، اللهم منك ولك، اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك".
ج/ 26 ص -310-ومن أضجعها على شقها الأيمن، وجعل رجله اليسري على عنقها، تكلف مخالفة يديه ليذبحها، فهو جاهل بالسنة، معذب لنفسه، وللحيوان ولكن يحل أكلها؛ فإن الإضجاع على الشق الأيسر أروح للحيوان. وأيسر في إزهاق النفس، وأعون للذبح، وهو السنة التي فعلها رسول الله ﷺ، وعليها عمل المسلمين، وعمل الأمم كلهم.
ويشرع أن يستقبل بها القبلة أيضا.
وإن ضحي بشاة واحدة عنه، وعن أهل بيته أجزأ ذلك في أظهر قولي العلماء. وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما، فإن الصحابة كانوا يفعلون ذلك. وقد ثبت في الصحيح أن النبي ﷺضحي بشاتين، فقال في إحداهما: "اللهم عن محمد وآل محمد".
وسئل عن رجل اسمه أبو بكر صار جنديا، وغير اسمه، وسمي روحه اسم المماليك، فهل عليه إثم؟
فأجاب:
إذا سمي اسمه باسم تركي لمصلحة له في ذلك، فلا إثم
ج/ 26 ص -311-عليه، ويكون له اسمان، كما يكون له اسم من سماه به أبواه، ثم يلقبه الناس ببعض الألقاب، كفلان الدين.
وسئل عن الألقاب المتواطأ عليها بين الناس؟
فأجاب:
وأما الألقاب فكانت عادة السلف الأسماء والكني، فإذا كنوه
بابي فلان، تارة يكنون الرجل بولده، كما يكنون من لا ولد له، إما بالإضافة إلى اسمه، أو اسم أبيه أو ابن سميه، أو بأمر له تعلق به، كما كني النبي ﷺعائشة
بابن أختها عبد الله، وكما يكنون داود أبا سليمان، لكونه باسم داود عليه السلام، الذي اسم ولده سليمان، وكذلك كنية إبراهيم أبو إسحاق، وكما كنوا عبد الله بن عباس أبا العباس، وكما كني النبي ﷺ أبا هريرة باسم هريرة كانت معه. وكان الأمر على ذلك في القرون الثلاثة، فلما غلبت دولة الأعاجم لبني أمية صاروا...
ثم بعد هذا أحدثوا الإضافة إلى الدين، وتوسعوا في هذا، ولا ريب أن الذي يصلح مع الإمكان، هو ما كان السلف يعتادونه من
ج/ 26 ص -312-المخاطبات، والكنايات، فمن أمكنه ذلك فلا يعدل عنه إن اضطر إلى المخاطبة، لاسيما وقد نهى عن الأسماء التي فيها تزكية، كما غير النبي ﷺاسم برة، فسماها زينب؛ لئلا تزكي نفسها، والكناية عنه بهذه الأسماء المحدثة خوفا من تولد شر إذا عدل عنها فليقتصر على مقدار الحاجة، ولقبوا بذلك؛ لأنه علم محض لا تلمح فيه الصفة، بمنزلة الأعلام المنقولة، مثل أسد، وكلب، وثور.
ولا ريب أن هذه المحدثات التي أحدثها الأعاجم، وصاروا يزيدون فيها، فيقولون: عز الملة، والدين، وعز الملة والحق والدين، وأكثر ما يدخل في ذلك من الكذب المبين، بحيث يكون المنعوت بذلك أحق بضد ذلك الوصف، والذين يقصدون هذه الأمور فخرا وخيلاء يعاقبهم الله بنقيض قصدهم، فيذلهم، ويسلط عليهم عدوهم.
والذين يتقون الله ويقومون بما أمرهم به من عبادته، وطاعته، يعزهم وينصرهم. كما قال تعالى "إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ" [غافر:51] ، وقال تعالى: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ" [المنافقون: 8] . والله أعلم وصلي الله على محمد وآله وسلم.