ج/ 25 ص -318-وسئل عن الخميس ونحوه من البدع.
فأجاب:
أما بعد حمد الله والصلاة والسلام على محمد وصحبه وسلم، فإن الشيطان قد سَوَّل لكثير ممن يدعي الإسلام فيما يفعلونه في أواخر صوم النصاري، وهو الخميس الحقير من الهدايا، والأفراح، والنفقات، وكسوة الأولاد. وغير ذلك مما يصير به مثل عيد المسلمين.
وهذا الخميس الذي يكون في آخر صوم النصاري، فجميع ما يحدثه الإنسان فيه من المنكرات، فمن ذلك خروج النساء، وتبخير القبور، ووضع الثياب على السطح، وكتابة الورق وإلصاقها بالأبواب، واتخاذه موسمًا لبيع الخمور وشرائها، ورُقَي البخور مطلقًا في ذلك الوقت أو غيره، أو قصد شراء البخور المرقي، فإن رُقَي البخور واتخاذه قربانًا هو دين النصاري والصابئين، وإنما البخور طيب يتطيب بدخانه، كما يتطيب بسائر الطيب، وكذلك تخصيصه بطبخ الأطعمة، وغير ذلك من صَبْغِ البيض.
ج/ 25 ص -319-وأما القمار بالبيض، وبيعه لمن يقامر به، أو شراؤه من المقامرين، فحكمه ظاهر.
ومن ذلك ما يفعله النساء من أخذ ورق الزيتون، أو الاغتسال بمائه، فإن أصل ذلك ماء المعمودية، ومن ذلك أيضًا ترك الوظائف الراتبة من الصنائع، والتجارات، أو حلق العلم في أيام عيدهم واتخاذه يوم راحة وفرحة، وغير ذلك، فإن النبي ﷺ نهاهم عن اليومين اللذين كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية، ونهي النبي ﷺ عن الذبح بالمكان إذا كان المشركون يعبدون فيه، ويفعلون أمورًا يقشعر منها قلب المؤمن الذي لم يمت قلبه بل يعرف المعروف، وينكر المنكر كما لا يتشبه بهم، فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك، بل ينهي عن ذلك.
فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدي من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات لم تقبل هديته، خصوصًا إن كانت الهدية مما يستعان به على التشبه بهم، مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، وإهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم، وهو الخميس الحقير، ولا
ج/ 25 ص -320- يبايع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس والبخور؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر.
وقال الشيخ رضي الله عنه:
ونذكر أشياء من منكرات دين النصاري لما رأيت طوائف من المسلمين قد ابتلي ببعضها، وجهل كثير منهم أنها من دين النصاري الملعون هو وأهله، وقد بلغني أنهم يخرجون في الخميس الحقير الذي قبل ذلك، أو السبت أو غير ذلك إلىالقبور، وكذلك يبخرون في هذه الأوقات، وهم يعتقدون أن في البخور بركة، ودفع مضرة، ويعدونه من القرابين مثل الذبائح، ويرقونه بنحاس يضربونه كأنه ناقوس صغير وبكلام مصنف، ويصلبون على أبواب بيوتهم إلىغير ذلك من الأمور المنكرة، حتي إن الأسواق تبقي مملوءة أصوات النواقيس الصغار، وكلام الرقايين من المنجمين وغيرهم بكلام أكثره باطل، وفيه ما هو محرم أو كفر.
وقد ألقي إلىجماهير العامة أو جميعهم إلا من شاء الله،وأعني
ج/ 25 ص -321-بالعامة هنا:كل من لم يعلم حقيقة الإسلام، فإن كثيرًا ممن ينسب إلىفقه ودين قد شاركهم في ذلك، ألقي إليهم أن هذا البخور المرقي ينفع ببركته من العين والسحر، والأدواء والهوام، ويصورون صور الحيات والعقارب، ويلصقونها في بيوتهم زعمًا أن تلك الصور الملعون فاعلها التي لا تدخل الملائكة بيتًا هي فيه، تمنع الهوام. وهو ضرب من طلاسم الصابئة، ثم كثير منهم على ما بلغني يصلب باب البيت، ويخرج خلق عظيم في الخميس الحقير المتقدم، وعلى هذا يبخرون القبور، ويسمون هذا المتأخر الخميس الكبير، وهو عند الله الخميس المهين الحقير هو وأهله ومن يعظمه، فإن كل ما عظم بالباطل من مكان أو زمان أو حجر أو شجر أو بنية يجب قصد إهانته، كما تهان الأوثان المعبودة، وإن كانت لولا عبادتها لكانت كسائر الأحجار.
ومما يفعله الناس من المنكرات: أنهم يوظفون على الفلاحين وظائف أكثرها كرهًا، من الغنم والدجاج واللبن والبيض، يجتمع فيها تحريمان: أكل مال المسلم والمعاهد بغير حق، وإقامة شعار النصاري، ويجعلونه ميقاتًا لإخراج الوكلاء على المزارع، ويطبخون منه، ويصطبغون فيه البيض،وينفقون فيه النفقات الواسعة، ويزينون أولادهم
ج/ 25 ص -322-إلى غير ذلك من الأمور التي يقشعر منها قلب المؤمن الذي لم يمت قلبه، بل يعرف المعروف، وينكر المنكر. وخلق كثير منهم يضعون ثيابهم تحت السماء رجاء لبركة نزول مريم عليها، فهل يستريب من في قلبه أدنى حبة من الإيمان أن شريعة جاءت بما قدمنا بعضه من مخالفة اليهود والنصاري، لا يرضي من شرعها ببعض هذه القبائح؟! وأصل ذلك كله إنما هو اختصاص أعياد الكفار بأمر جديد أو مشابهتهم في بعض أمورهم، فيوم الخميس هو عيدهم يوم عيد المائدة، ويوم الأحد يسمونه عيد الفصح، وعيد النور، والعيد الكبير، ولما كان عيدًا صاروا يصنعون لأولادهم فيه البيض المصبوغ ونحوه؛ لأنهم فيه يأكلون ما يخرج من الحيوان من لحم ولبن وبيض؛ إذ صومهم هو عن الحيوان، وما يخرج منه. وعامة هذه الأعمال المحكية عن النصاري وغيرها مما لم يحك قد زينها الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام، وجعل لها في قلوبهم مكانة وحسن ظن، وزادوا في بعض ذلك ونقصوا وقدموا وأخروا، وكل ما خصت به هذه الأيام من أفعالهم وغيرها، فليس للمسلم أن يشابههم في أصله ولا في وصفه، ومن ذلك أيضًا أنهم يكسون بالحمرة دوابهم، ويصبغون الأطعمة التي لا تكاد تفعل في عيد الله ورسوله، ويتهادون الهدايا التي تكون في مثل مواسم الحج، وعامتهم قد نسوا أصل ذلك
ج/ 25 ص -323-وبقي عادة مطردة، وهذا كله تصديق قول النبي ﷺ: "لَتَتَّبِعنَّ سَنَنَ من كان قبلكم". وإذا كانت المتابعة في القليل ذريعة ووسيلة إلىبعض هذه القبائح كانت محرمة، فكيف إذا أفضت إلىما هو كفر بالله من التبرك بالصليب، والتعمد في المعمودية؟!
وقول القائل: المعبود واحد، وإن كانت الطرق مختلفة ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن، إما كون الشريعة النصرانية أو اليهودية المبدلين المنسوخين موصلة إلىالله، وإما استحسان بعض ما فيها مما يخالف دين الله أو التدين بذلك، أو غير ذلك مما هو كفر بالله ورسوله وبالقرآن وبالإسلام، بلا خلاف بين الأمة، وأصل ذلك المشابهة والمشاركة.
وبهذا يتبين لك كمال موقع الشريعة الحنيفية، وبعض حكم ما شرع الله لرسوله من مباينة الكفار، ومخالفتهم في عامة الأمور؛ لتكون المخالفة أحسم لمادة الشر، وأبعد عن الوقوع فيما وقع فيه الناس، فينبغي للمسلم إذا طلب منه أهله وأولاده شيئًا من ذلك أن يحيلهم على ما عند الله ورسوله، ويقضي لهم في عيد الله من الحقوق ما يقطع استشرافهم إلىغيره، فإن لم يرضوا فلا حول ولا قوة إلا
ج/ 25 ص -324-بالله، ومن أغضب أهله لله أرضاه الله وأرضاهم.
فليحذر العاقل من طاعة النساء في ذلك، وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله ﷺ: "ما تركت بعدي فَتْنةً أَضَرُّ على الرجال من النساء".
وأكثر ما يفسد الملك والدول طاعة النساء، ففي صحيح البخاري عن أبي بَكَرةَ قال: قال رسول الله ﷺ: "لا أفلح قوم ولوْا أمرهم امرأة". وروي أيضًا : "هلكت الرجالُ حين أطاعت النساء" وقد قال ﷺ لأمهات المؤمنين لما راجعنه في تقديم أبي بكر: "إنكن صواحبُ يوسف". يريد أن النساء من شأنهن مراجعة ذي اللُب، كما قال في الحديث الآخر: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للُب ذي اللُب من إحداكن". ولما أنشده الأعشي أعشي باهلة أبياته التي يقول فيها:
وهن شر غالب لمن غلب
جعل النبي ﷺ يرددها ويقول: "وهن شر غالب لمن غلب"؛ ولذلك امتن الله سبحانه على زكريا حيث قال: "وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ" [الأنبياء: 90] قال بعض العلماء: ينبغي للرجل أن يجتهد إلىالله في إصلاح زوجته.
ج/ 25 ص -325-وقد قال صلى الله علسه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم". وقد روي البيهقي بإسناد صحيح في باب كراهية الدخول على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم. والتشبه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم عن سفيان الثوري، عن ثور بن يزيد، عن عطاء بن دينار، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا تعَلَّمُوا رَطَانَةالأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخط ينزل عليهم. فهذا عمر قد نهي عن تعلم لسانهم، وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهم، فكيف من يفعل بعض أفعالهم؟! أو قصد ما هو من مقتضيات دينهم؟! اليست موافقتهم في العمل أعظم من موافقتهم في اللغة؟! أو ليس عمل بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم؟! وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم، فمن يشركهم في العمل أو بعضه أليس قد تعرض لعقوبة ذلك؟!
ثم قوله: "اجتنبوا أعداء الله في عيدهم". أليس نهيا عن لقائهم والاجتماع بهم فيه؟ فكيف بمن عمل عيدهم؟! وقال ابن عمر في كلام له: من صنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتي يموت حشر معهم. وقال عمر: اجتنبوا أعداء الله في عيدهم. ونص الإمام أحمد على أنه
ج/ 25 ص -326-لا يجوز شهود أعياد اليهود والنصاري، واحتج بقول الله تعالى : "وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ" [الفرقان: 72] قال: الشعانين وأعيادهم. وقال عبد الملك بن حبيب من أصحاب مالك في كلام له قال: فلا يعاونون على شيء من عيدهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم، وعونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره، لم أعلم أنه اختلف فيه.
وأكل ذبائح أعيادهم داخل في هذا الذي اجتمع على كراهيته، بل هو عندي أشد، وقد سئل أبو القاسم عن الركوب في السفن التي تركب فيها النصاري إلىأعيادهم، فكره ذلك؛ مخافة نزول السخط عليهم بشركهم الذي اجتمعوا عليه، وقد قال الله تعإلى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ" فيوافقهم ويعينهم "فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" [المائدة: 51]. وروي الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسي قال: قلت لعمر: إن لي كاتبًا نصرانيا قال: مالك قاتلك الله، أما سمعت الله تعإلى يقول:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ" [المائدة:51] ألا اتخذت حنيفيا؟! قال: قلت:يا أمير المؤمنين، لي
ج/ 25 ص -327-كتابته وله دينه، قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنىهم إذ أقصاهم الله، وقال الله تعإلى: "وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ" [الفرقان: 72]. قال مجاهد: أعياد المشركين، وكذلك قال الربيع بن أنس. وقال القاضي أبو يعلى : مسألة في النهي عن حضور أعياد المشركين: وروي أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده في شروط أهل الذمة عن الضحاك في قوله: "وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ" [الفرقان:72] قال: عيد المشركين، وبإسناده عن سنان عن الضحاك "وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ": كلام المشركين، وروي بإسناده عن ابن سلام، عن عمرو بن مرة "وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ": لايماكثون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم.
وقد دل الكتاب وجاءت سنة رسول الله ﷺ وسنة خلفائه الراشدين التي أجمع أهل العلم عليها بمخالفتهم وترك التشبه بهم... إيقاد النار، والفرح بها من شعار المجوس، عباد النيران. والمسلم يجتهد في إحياء السنن، وإماتة البدع، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
ج/ 25 ص -328-ﷺ: "إن اليهود والنصاري لا يصبغون فخالفوهم"، وقال النبي ﷺ: "اليهود مَغْضُوبٌ عليهم، والنصاري ضَالونَ". وقد أمرنا الله تعإلى أن نقول في صلاتنا: "اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عليهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عليهِمْ وَلاَ الضَّالينَ" [الفاتحة:6، 7]، والله سبحانه أعلم.
ج/ 25 ص -329-وسئل عمن يفعل من المسلمين، مثل طعام النصاري في النيروز، ويفعل سائر المواسم مثل الغطاس، والميلاد، وخميس العدس، وسبت النور، ومن يبيعهم شيئًا يستعينون به على أعيادهم أيجوز للمسلمين أن يفعلوا شيئًا من ذلك أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله، لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم، لا من طعام، ولا لباس ولا اغتسال، ولا إيقاد نيران، ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة، أو غير ذلك، ولا يحل فعل وليمة، ولا الإهداء، ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار زينة.
وبالجملة، ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم.
ج/ 25 ص -330-وأما إذا أصابه المسلمون قصدًا، فقد كره ذلك طوائف من السلف والخلف، وأما تخصيصه بما تقدم ذكره، فلا نزاع فيه بين العلماء، بل قد ذهب طائفة من العلماء إلىكفر من يفعل هذه الأمور؛ لما فيها من تعظيم شعائر الكفر. وقال طائفة منهم: من ذبح نطيحة يوم عيدهم فكأنما ذبح خنزيرًا.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: من تأسي ببلاد الأعاجم، وصنع نيروزهم، ومهرجانهم، وتشبه بهم حتي يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة. وفي سنن أبي داود عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله ﷺ أن ينحر إبلاً ببُوانَةَ، فأتي رسول الله ﷺ، فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانَةَ، فقال النبي ﷺ: "هل كان فيها من وثن يعبد من دون الله من أوثان الجاهلية؟" قال: لا. قال: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟" قال: لا. قال رسول الله ﷺ: "أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم". فلم يأذن النبي ﷺ لهذا الرجل أن يوفي بنذره مع أن الأصل في الوفاء أن يكون واجبًا، حتي أخبره أنه لم يكن بها عيد من أعياد الكفار، وقال: "لا وفاء لنذر في
ج/ 25 ص -331-معصية الله".
فإذا كان الذبح بمكان كان فيه عيدهم معصية، فكيف بمشاركتهم في نفس العيد؟! بل قد شرط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والصحابة وسائر أئمة المسلمين ألا يظهروا أعيادهم في دار المسلمين، وإنما يعملونها سرًا في مساكنهم، فكيف إذا أظهرها المسلمون أنفسهم؟! حتي قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا تتعلموا رَطَاَنةَ الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخط ينزل عليهم.
وإذا كان الداخل لفرجة أو غيرها منهيا عن ذلك؛ لأن السخط ينزل عليهم، فكيف بمن يفعل ما يسخط الله به عليهم، مما هي من شعائر دينهم؟! وقد قال غير واحد من السلف في قوله تعالى : "وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ" [الفرقان: 72] قالوا: أعياد الكفار، فإذا كان هذا في شهودها من غير فعل، فكيف بالأفعال التي هي من خصائصها؟! وقد روي عن النبي صلى الله عليه سلم في المسند والسنن أنه قال: "من تشبه بقوم فهو منهم"، وفي لفظ: "ليس منا من تشبه بغيرنا" وهو حديث جيد، فإذا كان هذا في التشبه بهم، وإن كان
ج/ 25 ص -332-من العادات، فكيف التشبه بهم فيما هو أبلغ من ذلك؟!
وقد كره جمهور الأئمة إما كراهة تحريم، أو كراهة تنزيه أكل ما ذبحوه لأعيادهم وقرابينهم إدخالاً له فيما أُهِلَّ به لغير الله وما ذبح على النصب، وكذلك نهوا عن معاونتهم على أعيادهم بإهداء أو مبايعة، وقالوا: إنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصاري شيئًا من مصلحة عيدهم، لا لحمًا، ولا دمًا، ولا ثوبًا، ولا يعارون دابة، ولا يعاونون على شيء من دينهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك؛ لأن الله تعإلى يقول: "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة: 2]
ثم إن المسلم لا يحل له أن يعينهم على شرب الخمور بعصرها، أو نحو ذلك، فكيف على ما هو من شعائر الكفر؟! وإذا كان لا يحل له أن يعينهم هو، فكيف إذا كان هو الفاعل لذلك؟! والله أعلم. قاله أحمد بن تيمية.