أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)

(اختيار من أقسام الكتاب والفتاوى)

باب إخراج الزكاة

    ج/ 25 ص -79-باب إخراج الزكاة
    سُئل شيخ الإسلام عن تاجر‏:‏ هل يجوز أن يخرج من زكاته الواجبة عليه صنفًا يحتاج إليه‏؟‏ وهل إذا مات إنسان وعليه ديْنٌ له، فهل يجوز أن يعطي أحدًا من أقارب الميت إن كان مستحقًا للزكاة ثم يستوفيه منه‏؟‏ وهل إذا أخرج زكاته على أهل بلد آخر مسافة القصر، هل يجزئه أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله، إذا أعطاه دراهم أجزأ بلا ريب‏.‏
    وأما إذا أعطاه القيمة، ففيه نزاع‏:‏ هل يجوز مطلقًا أو لا يجوز مطلقًا‏؟‏ أو يجوز في بعض الصور للحاجة أو المصلحة الراجحة‏؟‏ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره‏.‏ وهذا القول أعدل الأقوال‏.‏
    فإن كان آخذ الزكاة يرىد أن يشتري بها كسوة، فاشتري رب

    ج/ 25 ص -80-المال له بها كسوة وأعطاه، فقد أحسن إليه، وأما إذا قَوَّم هو الثياب التي عنده وأعطاها، فقد يقومها بأكثر من السعر، وقد يأخذ الثياب من لا يحتاج إليها، بل يبيعها فيغرم أجرة المنادي، وربما خسرت، فيكون في ذلك ضرر على الفقراء‏.‏
    والأصناف التي يُتَّجَر فيها يجوز أن يخرج عنها جميعًا دراهم بالقيمة، فإن لم يكن عنده دراهم فأعطي ثمنها بالقيمة، فالأظهر أنه يجوز؛ لأنه واسي الفقراء، فأعطاهم من جنس ماله‏.‏
    وأما الدَّيْنُ الذي على الميت، فيجوز أن يوفي من الزكاة في أحد قولي العلماء، وهو إحدي الروايتين عن أحمد؛ لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏
    "‏وَالْغَارِمِينَ‏"‏[‏التوبة‏:‏60‏]‏، ولم يقل‏:‏ وللغارمين‏.‏ فالغارم لا يشترط تمليكه‏.‏
    وعلى هذا يجوز الوفاء عنه، وأن يملك لوارثه ولغيره، ولكن الذي عليه الدَّيْن لا يعطي ليستوفي دينه‏.‏

    ج/ 25 ص -81-وسئل رحمه الله عن زكاة العشر وغيره يأخذها السلطان، يصرفها حيث شاء، ولا يعطيها للفقراء والمساكين‏:‏ هل يسقط الفرض بذلك أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    أما ما يأخذه ولاة المسلمين من العشر وزكاة الماشية والتجارة وغير ذلك، فإنه يسقط ذلك عن صاحبه، إذا كان الإمام عادلاً يصرفه في مصارفه الشرعية، باتفاق العلماء، فإن كان ظالما لا يصرفه في مصارفه الشرعية، فينبغي لصاحبه ألا يدفع الزكاة إليه، بل يصرفها هو إلى مستحقيها، فإن أكره على دفعها إلى الظالم، بحيث لو لم يدفعها إليه لحصل له ضرر، فإنها تجزئة في هذه الصورة عند أكثر العلماء‏.‏
    وهم في هذه الحال ظلموا مستحقيها، كولي اليتيم، وناظر الوقف، إذا قبضوا ماله وصرفوه في غير مصارفه‏.‏

    ج/ 25 ص -82-وسئل رحمه الله عمن أخرج القيمة في الزكاة،فإنه كثيرا ما يكون أنفع للفقير‏:‏ هل هو جائز أم لا‏؟‏‏.‏
    فأجاب‏:‏
    وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك، فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز، وعند أبي حنيفة يجوز، وأحمد رحمه الله قد منع القيمة في مواضع، وجوزها في مواضع، فمن أصحابه من أقر النص، ومنهم من جعلها على روايتين‏.‏
    والأظهر في هذا‏:‏ أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة، ممنوع منه؛ ولهذا قَدَّر النبي ﷺ الجبران بشاتين، أو عشرين درهمًا، ولم يعدل إلى القيمة؛ ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقًا، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر؛ ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه، وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل، فلا

    ج/ 25 ص -83-بأس به، مثل أن يبيع ثمر بستانه، أو زرعه بدراهم، فهنا إخراج عشر الدراهم يجزيه، ولا يكلف أن يشتري ثمرًا، أو حنطة، إذ كان قد ساوي الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك‏.‏
    ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فإخراج القيمة هنا كاف، ولا يكلف السفر إلى مدينة أخري ليشتري شاة، ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة؛ لكونها أنفع، فيعطيهم إياها، أو يرى الساعي أن أخذها أنفع للفقراء، كما نقل عن معاذ بن جبل أنه كان يقول لأهل اليمن‏:‏ ائتوني بخميص، أو لبيس أسهل عليكم، وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار‏.‏
    وهذا قد قيل‏:‏ إنه قاله في الزكاة، وقيل‏:‏ في الجزية‏.‏

    ج/ 25 ص -84-وسئل رحمه الله عن إسقاط الدين عن المعسر‏:‏هل يجوز أن يحسبه من الزكاة‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    وأما إسقاط الدَّيْن عن المعسر، فلا يجزئ عن زكاة العين بلا نزاع، لكن إذا كان له دين على من يستحق الزكاة، فهل يجوز أن يسقط عنه قدر زكاة ذلك الدين، ويكون ذلك زكاة الدين‏؟‏ فهذا فيه قولان للعلماء في مذهب أحمد وغيره‏.‏
    أظهرهما الجواز؛ لأن الزكاة مبناها على المواساة، وهنا قد أخرج من جنس ما يملك، بخلاف ما إذا كان ماله عينًا، وأخرج دينًا، فإن الذي أخرجه دون الذي يملكه، فكان بمنزلة إخراج الخبيث عن الطيب، وهذا لا يجوز‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏
    "‏وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ‏"‏ الآية ‏[‏البقرة‏:‏ 267‏]‏‏.‏
    ولهذا كان على المزكي أن يخرج من جنس ماله، لا يخرج أدني منه، فإذا كان له ثمر وحنطة جيدة لم يخرج عنها ما هو دونها‏.‏

    ج/ 25 ص -85-وسئل رحمه الله عمن له زكاة، وله أقارب في بلد تقصر إليه الصلاة، وهم مستحقون الصدقة، فهل يجوز أن يدفعها إليهم أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله، إذا كانوا محتاجين مستحقين للزكاة، ولم تحصل لهم كفايتهم من جهة غيره، فإنه يعطيهم من الزكاة، ولو كانوا في بلد بعيد‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل شيخ الإسلام عن المسكين يحتاج إلى الزكاة من الزرع، فهل إعطاؤه يسقط الفرض عن صاحب الزرع، إذا عجلها له قبل إدراك زرعه أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    وأما تعجيل الزكاة قبل وجوبها بعد سبب الوجوب، فيجوز عند جمهور العلماء، كأبي حنيفة والشافعي وأحمد، فيجوز

    ج/ 25 ص -86-تعجيل زكاة الماشية والنقدين وعروض التجارة إذا ملك النصاب‏.‏
    ويجوز‏:‏ تعجيل المعشرات قبل وجوبها إذا كان قد طلع الثمر قبل بدو صلاحه، ونبت الزرع قبل اشتداد الحب‏.‏
    فأما إذا اشتد الحب وبدا صلاح الثمرة؛ وجبت الزكاة‏.‏
    وسئل عن رجل تحت يده مال فوق النصاب، فأخرج منه شيئا من زكاة الفرض، ظنًا منه أنه قد حال عليه الحول، ثم تبين أنه لم يحل الحول وفيمن يخرج الزكاة، وفي نفسه إذا كان الحول حالاً فهي زكاة، وإلا تكون سلفًا على ما يجب بعد‏:‏ هل يجزئ في الصورتين‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    نعم، يجزي ذلك في الصورتين جميعا، إذا وجبت الزكاة‏.‏ والله أعلم‏.‏

    ج/ 25 ص -87-وسئل عن دفع الزكاة إلى قوم منتسبين إلى المشايخ‏:‏ هل يجوز أم لا ‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    فصل
    وأما الزكاة، فينبغي للإنسان أن يتحري بها المستحقين من الفقراء والمساكين والغارمين وغيرهم من أهل الدين، المتبعين للشريعة فمن أظهر بدعة أو فجورا؛ فإنه يستحق العقوبة بالهجر وغيره والاستتابة، فكيف يعان على ذلك‏؟‏‏!‏
    وأما من يأخذها وينفقها بحسب اختياره، أو ينفقها على عياله مع غناه، فهذا لا يجوز دفعها إليه، ولا تبرأ ذمة من دفعها إليه، بل لا تعطي إلا لمستحقها، أو لمن يعطيها لمستحقها، مثل من عنده خبرة

    ج/ 25 ص -88-بأهلها وأمانة، فيؤديها إليهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏"‏إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا‏"‏ ‏[‏النساء‏:‏ 58‏]‏‏.‏
    وإذا طلبها من لا يعلم حاجته إليها، وهو يعلم حاجة آخر، فإعطاء من يعلم أولى، وإعطاء القريب المحتاج الذي ليس من أهل نفقته أولى من إعطاء البعيد المساوي له في الحاجة‏.‏
    وسئل عن رجل عليه زكاة‏:‏ هل يجوز له أن يعطيها لأقاربه المحتاجين‏؟‏ أو أن يشتري لهم منها ثيابًا أو حبوبًا، وإذا أخذ السلطان من غنمه هل تسقط زكاتها‏؟‏ وهل يلزمه إعطاء الزكاة في بلد القلة والمال أم لا‏؟‏ وهل إذا مات فقير وله عليه مال‏:‏ هل له أن يحسبه من الزكاة‏؟‏ أو يطلبه من غيره فيأخذ عنه‏؟‏ وهل يعطي لمن لا يصلى أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله يجوز أن يصرف الزكاة إلى من يستحقها، وإن كانوا من أقاربه الذين ليسوا في عياله، لكن يعطيهم من ماله، وهم يأذنون لمن يشتري لهم بها ما يريدون‏.‏

    ج/ 25 ص -89-وما أخذه السلطان من الزكاة بغير أمر أصحابه احتسب به، وجيران المال أحق بصدقته، فإن استغنوا عنها أعطي البعيد وإن أعطاها الفقراء في غير البلد جاز‏.‏
    وإن كان له دَين على حي أو ميت لم يحتسب به من الزكاة، ولا يحتال في ذلك‏.‏
    ومن لم يكن مصليا أُمر بالصلاة، فإن قال‏:‏ أنا أصلي، أعطي، وإلا لم يعط‏.‏
    وسئل قدس الله روحه عن دفع الزكاة إلى أقاربه المحتاجين، الذين لا تلزمه نفقتهم‏:‏ هل هو الأفضل أو دفعها إلى الأجنبي ‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    أما دفع الزكاة إلى أقاربه، فإن كان القريب الذي يجوز دفعها إليه حاجته مثل حاجة الأجنبي إليها، فالقريب أولى، وإن كان البعيد أحوج، لم يحاب بها القريب‏.‏ قال أحمد، عن سفيان بن عيينة‏:‏ كانوا يقولون‏:‏ لا يحابي بها قريبًا، ولا يدفع بها مذمة، ولا يقي بها ماله‏.‏

    ج/ 25 ص -90-وسئل رحمه الله عن دفعها إلى والديه، وولده الذين لا تلزمه نفقتهم‏:‏ هل يجوز أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الذين يأخذون الزكاة صنفان‏:‏ صنف يأخذ لحاجته، كالفقير والغارم لمصلحة نفسه‏.‏
    وصنف يأخذها لحاجة المسلمين، كالمجاهد، والغارم في إصلاح ذات البين، فهؤلاء يجوز دفعها إليهم، وإن كانوا من أقاربه‏.‏
    وأما دفعها إلى الوالدين إذا كانوا غارمين، أو مكاتبين ففيها وجهان، والأظهر جواز ذلك‏.‏
    وأما إن كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم فالأقوي جواز دفعها إليهم في هذه الحال؛ لأن المقتضي موجود، والمانع مفقود،فوجب العمل بالمقتضي السالم عن المعارض المقاوم‏.‏

    ج/ 25 ص -91-وسئل عن امرأة فقيرة، وعليها دَينٌ، ولها أولاد بنت صغار، ولهم مال، وهم تحت الحجر‏:‏ هل يجوز أن يدفعوا زكاتهم إلى جدتهم أم لا‏؟‏ وهل هي أولى من غيرها أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    أما دفع زكاتهم إليها لقضاء دينها، فيجوز في أظهر قولي العلماء، وهو أحد القولين في مذهب أحمد وغيره، وكذلك دفعها إلى سائر الأقارب لأجل الدين‏.‏
    وأما دفعها لأجل النفقة، فإن كانت مستغنية بنفقتهم، أو نفقة غيرهم؛ لم تدفع إليها، وإن كانت محتاجة إلى زكاتهم؛ دفعت إليها في أظهر قولي العلماء، وهي أحق من الأجانب‏.‏ والله أعلم‏.‏

    ج/ 25 ص -92-وسئل رحمه الله‏:‏
    هل من كان عليه دَينٌ يجوز له أن يأخذ من زكاة أبيه لقضاء دينه أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إذا كان على الولد دَينٌ، ولا وفاء له؛ جاز له أن يأخذ من زكاة أبيه في أظهر القولين في مذهب أحمد وغيره‏.‏
    وأما إن كان محتاجًا إلى النفقة، وليس لأبيه ما ينفق عليه، ففيه نزاع، والأظهر أنه يجوز له أخذ زكاة أبيه‏.‏
    وأما إن كان مستغنيا بنفقة أبيه، فلا حاجة به إلى زكاته‏.‏ والله أعلم‏.‏

    ج/ 25 ص -93-وسئل‏:‏
    هل يجزئ الرجل عن زكاته ما يغرمه ولاة الأمور في الطرقات أم لا ‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    ما يأخذه ولاة الأمور بغير اسم الزكاة لا يعتد به من الزكاة‏.‏ واللّه تعالى أعلم‏.‏
    وسئل عن الصدقة على المحتاجين من الأهل وغيرهم ‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إن كان مال الإنسان لا يتسع للأقارب والأباعد، فإن نفقة القريب واجبة عليه، فلا يعطي البعيد ما يضر بالقريب‏.‏
    وأما الزكاة والكفارة، فيجوز أن يعطي منها القريب الذي لا ينفق عليه، والقريب أولى إذا استوت الحاجة‏.‏

    ج/ 25 ص -94-وسئل رَحمه اللّه عن رجل أعطاه أخ له شيئاً من الدنيا، أيقبله أم يرده ‏؟‏ وقد ورد‏:‏ ‏"‏من جاءه شيء بغير سؤال فرده، فكأنما رده على اللّه‏"‏ هل هو صحيح أم لا ‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    قد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال لعمر‏:‏
    ‏"‏ما أتاك من هذا المال، وأنت غير سائل، ولا مُشْرِفٍ، فخذه، ومالا فلا تتبعه نفسك‏"‏، وثبت أيضا في الصحيح‏:‏ أن حَكِيم بن حِزام سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم قال‏:‏‏"‏ياحكيم، ما أكثر مسألتك‏؟‏‏!‏ إن هذا المال خَضِرةٌ حُلْوةٌ، فمن أخذه بسخاوة نفس بُورك له فيه، ومن أخذه بِإشراف نفس لم يبارك له فيه، فكان كالذي يأكل ولا يشبع‏"‏، فقال له حكيم‏:‏ والذي بعثك بالحق لا أرزأ بعدك من أحد شيئاً‏.‏ فكان أبو بكر وعمر يعطيانه فلا يأخذ‏.‏
    فتبين بهذين الحديثين أن الإنسان إذا كان سائلاً بلسانه، أو

    ج/ 25 ص -95-مشرفاً إلى ما يعطاه، فلا ينبغي أن يقبله، إلا حيث تباح له المسألة والاستشراف‏.‏ وأما إذا أتاه من غير مسألة ولا إشراف، فله أخذه إن كان الذي أعطاه أعطاه حقه، كما أعطي النبي ﷺ عمر من بيت المال، فإنه قد كان عمل له فأعطاه عمالته، وله ألا يقبله كما فعل حكيم بن حزام مالا يستحقه عليه، فإن قبله وكان من غير إشراف له عليه فقد أحسن‏.‏
    وأما الغني، فينبغي له أن يكافئ بالمال من أسداه إليه؛ لخبر‏:‏ ‏
    "‏من أسْدي إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا له ما تكافئوه فادعوا له حتي تعلموا أن قد كافأتموه‏"‏‏.

    ج/ 25 ص -96-وَقَالَ رحَمهُ اللّه‏:‏
    فصل
    في الأخذ من غير سؤال‏.‏
    في الصحيح حديث حكيم بن حزام‏:‏ لما سأل النبي ﷺ مرة بعد مرة، ثم قال‏:‏
    ‏"‏ياحكيم، إن هذا المال خَضِرةٌ حُلْوةٌ، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلي‏"‏‏.‏ قال حكيم‏:‏ فقلت‏:‏ يا رسول اللّه، والذي بعثك بالحق، لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً حتي أفارق الدنيا‏.‏ فكان أبو بكر رضي اللّه عنه يدعو حكيماً ليعطيه العطاء، فيأبي أن يقبل منه شيئاً، ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله، فقال‏:‏ يامعشر المسلمين‏.‏ وفي رواية‏:‏ إني أشهدكم يا معشر المسلمين، إني أعرض على حكيم حقه الذي قسم اللّه له في هذا الفيء فيأبي أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد النبي ﷺ‏.‏

    ج/ 25 ص -97-قوله‏:‏ لم يرزأ، أي‏:‏ لم ينقص، لا لم يسأل، كما يدل عليه السياق‏.‏
    ففيه أن حكيماً ذكر للنبي ﷺ أنه لا يقبل من أحد شيئاً، وأقره النبي ﷺ على ذلك، وكذلك الخلفاء بعده، وهذا حجة في جواز الرد، وإن كان عن غير مسألة ولا إشراف‏.‏
    وقوله‏:‏ ‏"‏اليد العليا خير من اليد السفلي‏"‏ تنبيه له على أن يد الآخذ سفلي‏.‏ وقد سئل أحمد عن حجة لذلك من الآية، فلم يعرفها، وهذه حجة جيدة‏.‏
    وقد روي فيه زيادات مثل قوله‏:‏ ‏"‏إن خيرآً لك ألا تأخذ من أحد شيئاً‏"‏، لكن ينظر إسناده، فهو صريح في تفضيل عدم الأخذ مطلقاً‏.‏


    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة PDF
    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة XML