أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)

(اختيار من أقسام الكتاب والفتاوى)

باب زكاة الخارج من الأرض

    ج/ 25 ص -51-باب زكاة الخارج من الأرض
    سئل رحمه الله عما يجب من عشر الحبوب ومقداره، وهل هو على المالك، أو الفلاح، أم عليهما‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله رب العالمين، النصاب خمسة أوسق، والوسق ستون صاعًا بصاع النبي ﷺ، وصاع النبي ﷺ قَدَّره الأئمة لما بنيت بغداد بخمسة أرطال وثلث بالرطل العراقي إذ ذاك، فيكون ألفًا وستمائة رطل بالعراقي‏.‏ وكان الرطل العراقي إذ ذاك تسعين مثقالاً مائة وثمانية وعشرين درهمًا، وأربعة أسباع درهم‏.‏
    ولكن زيد فيه بعد ذلك حتى صار مائة وثلاثين، ثم زيد فيه حتى صارمائة وأربعة وأربعين، فظن بعض متأخري الفقهاء أن هذا أو هذا هو الرطل الذي قَدَّره به الأئمة غلطًا منهم‏.‏
    وإذا كان كذلك، فمقداره بالرطل الدمشقي الذي هو ستمائة درهم

    ج/ 25 ص -52-ثلاثمائة رطل، واثنان وأربعون رطل، وستة أسباع رطل‏.‏ وستة أسباع الرطل‏:‏ هو أربعمائة درهم وثمانية وعشرون، وأربعة أسباع، وهو ثلثا رطل، وأربعة أسباع أوقية‏.‏
    ومن ظن من الفقهاء المتأخرين أن الرطل البغدادي‏:‏ مائة وثلاثون درهمًا، زاد في كل رطل بغدادي مثقالاً، وهو درهم وثلاثة أسباع درهم، فيزيد ألفين وخمسة أسباع درهم، فيصير النصاب على قوله‏:‏ ثلاثمائة وستة وأربعين رطلاً، وثلاثمائة درهم، وأربعة عشر وسبعي درهم وهو نصف رطل، وسبعا أوقية‏.‏
    والعشر على من يملك الزرع، فإذا زارع الفلاح، ففي صحة المزارعة قولان للعلماء‏.‏
    فمن اعتقد جواز المزارعة أخذ نصيبه، وأعطي الفلاح نصيبه، وعلى كل منهما زكاة نصيبه، ومن لم يصحح المزارعة جعل الزرع كله لصاحب الحَبِ، فإذا كان هو الفلاح استحق الزرع كله، ولم يكن للمالك إلا أجرة الأرض، والزكاة حينئذ على الفلاح‏.‏
    ولم يقل أحد من المسلمين‏:‏ إن المقاسمة جائزة، والعشر كله على الفلاح، بل من قال‏:‏ العشر على الفلاح، قال‏:‏ ليس للمالك في الزرع شيء، ولا المقطع، ولا غيرهما، فمن ظن أن العشر على الفلاح

    ج/ 25 ص -53-مع جواز المقاسمة؛ فقد خالف إجماع المسلمين‏.‏
    والعمل في بلاد الشام عند المسلمين على جواز المزارعة، كما مضت بذلك سنة رسول الله ﷺ، وسنة خلفائه الراشدين، وسواء كان البذر من المالك، أو من العامل، فإن النبي ﷺ عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع، على أن يعمروها من أموالهم، فكان البذر من عندهم، وهذا هو الذي اتفق عليه الصحابة، وعليه عمل المسلمين في عامة بلاد الإسلام في زمن نبيهم، وإلى اليوم‏.‏
    فمن كان يعامل بالمزارعة؛ كان عليه زكاة نصيبهم، ومن كان يتقلد قول من يبطل هذه المزارعة، ويري أنه لا يستحق من الزرع شيئًا، وأنه ليس له عند الفلاح إلا الأجرة، وأنه إذا أخذ المقاسمة بغير اختيار الفلاح كان ظالمًا، آكلاً للحرام، فعليه أن يعطي الزرع للفلاح، ويعرفه أنه لا يستحق عليه إلا أجرة المثل، فإن طابت نفس الفلاح بعد هذا بأن يقاسمه ويؤدي الزكاة؛ كان الفلاح حينئذ متفضلاً عليه بطيب نفسه‏.‏ ومن المعلوم أن الفلاحين لو علموا هذا لما طابت بذلك نفس أكثرهم، فهذا حقيقة هذه المسألة على قول الطائفتين‏.‏ والله أعلم‏.‏

    ج/ 25 ص -54-وقال رحمه الله‏:‏
    فصل

    وأما ‏[‏العشر‏]‏، فهو عند جمهور العلماء، كمالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم على من نبت الزرع على ملكه، كما قال الله تعالى ‏:‏ ‏
    "‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ‏"‏ ‏[‏البقرة‏:‏267‏]‏، فالأول يتضمن زكاة التجارة، والثاني يتضمن زكاة ما أخرج الله لنا من الأرض‏.‏
    فمن أخرج الله له الحَبَّ فعليه العشر، فإذا استأجر أرضًا ليزرعها، فالعشر على المستأجر عند هؤلاء العلماء كلهم، وكذلك عند أبي يوسف ومحمد‏.‏ وأبو حنيفة يقول‏:‏ العشر على المؤجر‏.‏
    وإذا زارع أرضًا على النصف، فما حصل للمالك فعليه عشره، وما حصل للعامل فعليه عشره، على كل واحد منهما عشر ما أخرجه الله له‏.‏

    ج/ 25 ص -55-ومن أعير أرضًا، أو أقطعها، أو كانت موقوفة على عينه، فازدرع فيها زرعًا، فعليه عشره، وإن آجرها، فالعشر على المستأجر، وإن زارعها، فالعشر بينهما‏.‏
    وأصل هؤلاء الأئمة‏:‏ أن العشر حق الزرع؛ ولهذا كان عندهم يجتمع العشر والخراج؛ لأن العشر حق الزرع، ومستحقه أهل الزكاة، والخراج حق الزرع ومستحقه أهل الفيء، فهما حقان لمستحقين بسببين مختلفين، فاجتمعا، كما لو قتل مسلمًا خطأ فعليه الدية لأهله، والكفارة حق الله وكما لو قتل صيدًا مملوكًا، وهو محرم فعليه البدل لمالكه، وعليه الجزاء حقًا الله‏.‏
    وأبو حنيفة يقول‏:‏ العشر حق الأرض، فلا يجتمع عليها حقان، ومما احتج به الجمهور‏:‏ أن الخراج يجب في الأرض التي يمكن أن تزرع سواء زرعت أو لم تزرع، وأما العشر فلا يجب إلا في الزرع‏.‏ والحديث المرفوع‏:‏ ‏"‏لا يجتمع العشر والخراج‏"‏ كذب باتفاق أهل الحديث‏.‏

    ج/ 25 ص -56-وسئل عمن كانت له أشجار أعناب لا يصير زبيبًا ولا يتركه صاحبه إلى الجُذاذ، كيف يخرج عشره رطبًا أو يابسًا‏؟‏ وإن أخرج يابسًا أخرج من غير ثمر بستانه‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    أما العنب الذي لا يصير زبيبًا، فإذا أخرج عنه زبيبًا بقدر عشره لو كان يصير زبيبًا جاز وهو أفضل وأجزأه ذلك بلا ريب، ولا يتعين على صاحب المال الإخراج من عين المال، لا في هذه الصورة ولا غيرها، بل من كان معه ذهب أو فضة أو عرض تجارة، أو له حَبٌّ أو ثمر يجب فيه العشر، أو ماشية تجب فيها الزكاة، وأخرج مقدار الواجب المنصوص من غير ذلك المال أجزأه، فكيف في هذه الصورة‏؟‏‏!‏ وإن أخرج العشر عنبًا ففيه قولان في مذهب أحمد‏:‏
    أحدهما‏:‏ وهو المنصوص عنه‏:‏ أنه لا يجزئه‏.‏
    والثاني‏:‏ يجزئه، وهو قول القاضي أبي يعلى، وهذا قول أكثر العلماء، وهو أظهر‏.‏

    ج/ 25 ص -57-وأما العنب الذي يصير زبيبًا لكنه قطعه قبل أن يصير زبيبًا، فهنا يخرج زبيبًا بلا ريب، فإن النبي ﷺ كان يبعث سعاته فَيَخْرُصُون النَّخْل والكَرْم، ويطالب أهله بمقدار الزكاة يابسًا وإن كان أهل الثمار يأكلون كثيرًا منها رطبًا- ويأمر النبي ﷺ الخَارِصِينَ أن يَدَعُوا لأهل الأموال الثلث، أو الربع، لا يؤخذ منه عشر، ويقول‏:‏ ‏"‏إذا خَرَصْتُم فدعوا الثلثَ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع‏"‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏فإن في المال العَرِيَّة، والوَطِيَّة والسَابِلَة‏"‏ يعني‏:‏ أن صاحب المال يتبرع بما يعريه من النخل لمن يأكله وعليه ضيف يطؤون حديقته يطعمهم، ويطعم السَابِلَةَ وهم أبناء السبيل، وهذا الإسقاط مذهب الإمام أحمد وغيره من فقهاء الحديث‏.‏
    وفي هذه المسألة نزاع بين العلماء، وكذلك في الأولى‏.‏
    وأما الثانية، فما علمت فيها نزاعًا، فإن حق أهل السهمان لا يسقط باختيار قطعه رطبًا، إذا كان ييبس‏.‏ نعم لو باع عنبه أو رُطَبَة بعد بدو صلاحه، فقد نص أحمد في هذه الصورة على أنه يجزئه إخراج عُشْر الثمن، ولا يحتاج إلى إخراج عنب أو زبيب، فإن في إخراج القيمة نزاعًا في مذهبه، ونصوصه الكثيرة تدل على أنه يجوز ذلك للحاجة، ولا يجوز بدون الحاجة، والمشهور عند كثير من أصحابه‏:‏ لا يجوز مطلقًا، وخرجت عنه رواية بالجواز مطلقًا، ونصوصه الصريحة إنما هي بالفرق‏.‏

    ج/ 25 ص -58-ومثل هذا كثير في مذهبه، ومذهب الشافعي، وغيرهما من الأئمة قد ينص على مسألتين متشابهتين بجوابين مختلفين، ويخرج بعض أصحابه جواب كل واحدة إلى الأخرى، ويكون الصحيح إقرار نصوصه بالفرق بين المسألتين‏.‏ كما قد نص على أن الوصية للقاتل تجوز بعد الجرح، ونص على أن المُدْبر إذا قتل سيده بطل التدبير، فمن أصحابه من خرج في المسألتين روايتين‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ بل إذا قتل بعد الوصية بطلت الوصية، كما يمنع قتل الوارث لمورثه أن يرثه، وأما إذا أوصي له بعد الجرح فهنا الوصية صحيحة، فإنه رضي بها بعد جرحه‏.‏ ونظائر هذا كثيرة‏.‏
    وسئل عن مقطع له فلاح، والزرع بينهما مناصفة، فهل عليه عشر‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    ما نبت على ملك الإنسان فعليه عشره، فالأرض المقطعة إذا كانت المقاسمة نصفين، فعلى الفلاح تعشير نصفه، وعلى المقطع تعشير نصفه، هذا على القول الصحيح الذي عليه عمل المسلمين قديمًا وحديثًا‏.‏ وهو قول من قال‏:‏ إن المزارعة صحيحة، سواء كان البذر من المالك، أو من العامل‏.‏

    ج/ 25 ص -59-وأما من قال‏:‏ إن المزارعة باطلة، فعنده لا يستحق المقطع إلا أجرة المثل، والزرع كله لرب البذر العامل، وحينئذ فالعشر كله على العامل، فإن أراد المقطع أن يأخذ نصف المغل مقاسمة، ويجعل العشر كله على صاحب النصف الآخر؛ لم يكن له هذا باتفاق العلماء والله أعلم‏.‏
    وسئل عن إنسان له إقطاع من السلطان، فهل الحاصل الذي يحصل له من ذلك الإقطاع تجب فيه الزكاة أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله، نعم ما يثبت على ملكه فعليه عشره، سواء كان مقطعًا، أو مستأجرًا، أو مالكًا، أو مستعيرًا، والله أْعلم‏.‏
    وسئل عن نصيب العامل في المزْرَعَة‏:‏ هل فيه زكاة‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    أما الزكاة في المساقاة والمزارعة، فهذا مبني على أصل،

    ج/ 25 ص -60-وهو أن المزارعة والمساقاة هل هي جائزة أم لا‏؟‏ على قولين مشهورين‏:‏
    أحدهما‏:‏ قول من قال‏:‏ إنها لا تجوز، واعتقدوا أنها نوع من الإجارة بعوض مجهول، ثم من هؤلاء من أبطلها مطلقًا كأبي حنيفة ومنهم من استثني ما تدعو إليه الحاجة، فيجوز المساقاة للحاجة؛ لأن الشجر لا يمكن إجازته، بخلاف الأرض، وجوزوا المزارعة على الأرض التي فيها شجر تبعًا للمساقاة، إما مطلقًا كقول الشافعي، وإما إذا كان البياض قدر الثلث فما دونه، كقول مالك‏.‏ ثم منهم من جوز المساقاة مطلقًا، كقول مالك، والشافعي في القديم، وفي الجديد‏:‏ قصر الجواز على النخل، والعنب‏.‏
    والقول الثاني‏:‏ قول من يجوز المساقاة والمزارعة، ويقول‏:‏ إن هذه مشاركة، وهي جنس غير جنس الإجارة التي يشترط فيها قدر النفع والأجرة، فإن العمل في هذه العقود ليس بمقصود، بل المقصود هو الثمر الذي يشتركان فيه، ولكن هذا شارك بنفع ماله، وهذا بنفع بدنه، وهكذا المضاربة‏.‏
    فعلى هذا، فإذا افترق أصحاب هذه العقود؛ وجب للعامل قسط مثله من الربح، إما ثلث الربح، وإما نصفه، ولم تجب أجرة المثل للعامل، وهذا القول هو الصواب المقطوع به، وعليه إجماع الصحابة‏.‏

    ج/ 25 ص -61-والقول بجواز المساقاة والمزارعة، قول جمهور السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم‏.‏ وهو مذهب الليث بن سعد، وابن أبي ليلي، وأبي يوسف، ومحمد، وفقهاء الحديث كأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبي بكر بن المنذر، والخطابي وغيرهم‏.‏
    والصواب‏:‏ أن المزارعة أَحَلُّ من الإجارة بثمن مسمى؛ لأنها أقرب إلى العدل، وأبعد عن الخطر؛ فإن الذي نهى عنه النبي ﷺ من العقود، منه ما يدخل في جنس الربا المحرم في القرآن، ومنه ما يدخل في جنس الميسر الذي هو القمار، وبيع الغرر هو من نوع القمار والميسر، فالأجرة والثمن إذا كانت غررا مثل ما لم يوصف ولم ير ولم يعلم جنسه؛ كان ذلك غَرَرًا وقمارًا‏.‏
    ومعلوم أن المستأجر إنما يقصد الانتفاع بالأرض بحصول الزرع له، فإذا أعطي الأجرة المسماة؛ كان المؤجر قد حصل له مقصوده بيقين‏.‏ وأما المستأجر فلا يدري هل يحصل له الزرع أم لا‏؟‏
    بخلاف المزارعة، فإنهما يشتركان في المغنم وفي الحرمان كما في المضاربة فإن حصل شيء اشتركا فيه، وإن لم يحصل شيء اشتركا في الحرمان، وكان ذهاب نفع مال هذا في مقابلة ذهاب نفع بدن هذا‏.‏

    ج/ 25 ص -62-ولهذا لم يجز أن يشترط لأحدهما شيء مقدر من النماء، لا في المضاربة، ولا في المساقاة، ولا في المزارعة؛ لأن ذلك مخالف للعدل، إذ قد يحصل لأحدهما شيء، والآخر لا يحصل له شيء، وهذا هو الذي نهى عنه رسول الله ﷺ في الأحاديث التي روي فيها‏:‏ أنه نهى عن المخابرة، أو عن كراء الأرض، أو عن المزارعة، كحديث رافع بن خديج وغيره، فإن ذلك قد جاء مفسرا بأنهم كانوا يعملون عليها بزرع بقعة معينة من الأرض للمالك؛ ولهذا قال الليث بن سعد‏:‏ إن الذي نهى عنه رسول الله ﷺ من ذلك أمرا إذا نظر فيه ذو علم بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز‏.‏
    فأما المزارعة، فجائزة بلا ريب سواء كان البذر من المالك أو العامل أو منهما، وسواء كان بلفظ الإجارة أو المزارعة أو غير ذلك‏.‏ هذا أصح الأقوال في هذه المسألة‏.‏
    وكذلك كل ما كان من هذا الجنس، مثل أن يدفع دابته، أو سفينته إلى من يكتسب عليها، والربح بينهما، أو من يدفع ماشيته أو نخله لمن يقوم عليها، والصوف، واللبن، والولد، والعسل بينهما‏.‏
    فإذا عرف هذان القولان في المزارعة، فمن قال من العلماء‏:‏ إن

    ج/ 25 ص -63-المزارعة باطلة، قال‏:‏ الزرع كله لرب الأرض، إذا كان البذر منه، أو للعامل إذا كان البذر منه‏.‏ ومن قال‏:‏ له الزرع؛ كان عليه العشر، وأما من قال‏:‏ إن رب الأرض يستحق جزءًا مشاعًا من الزرع، فإن عليه عشره باتفاق الأئمة، ولم يقل أحد من المسلمين‏:‏ إن رب الأرض يقاسم العامل، ويكون العشر كله على العامل، فمن قال هذا، فقد خالف إجماع المسلمين‏.
    وسئل رحمه الله عن لبس الفضة للرجال من الكلاليب، وخاتم، وحياصة، وحلية على السيف، وسائر لبس الفضة‏:‏ هل هي محرمة ولا تجوز الصلاة فيها‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله، أما خاتم الفضة فيباح باتفاق الأئمة، فإنه قد صح عن النبي ﷺ أنه اتخذ خاتما من فضة، وأن أصحابه اتخذوا خواتيم‏.‏
    بخلاف خاتم الذهب، فإنها حرام باتفاق الأئمة الأربعة، فإنه قد صح عن النبي ﷺ أنه نهى عن ذلك‏.‏

    ج/ 25 ص -64-والسيف يباح تحليته بيسير الفضة، فإن سيف النبي ﷺ كان فيه فضة، وكذلك يسير الذهب على الصحيح‏.‏
    وأما الحياصة إذا كان فيها فضة يسيرة، فإنها تباح على أصح القولين‏.‏ وأما الكلاليب التي تمسك بها العمامة، وتحتاج إليها، إذا كانت بزنة الخواتيم كالمثقال ونحوه، فهي أولى بالإباحة من الخاتم؛ فإن الخاتم يتخذ للزينة، وهذا للحاجة، وهذه متصلة باليسير ليست مفردة كالخاتم، ويسير الفضة التابع لغيره إذا كان يحتاج إلى جنسه كشعيرة السكين وحلقة الإناء، تباح في الآنية، وإن كره مباشرته بالاستعمال‏.‏
    وباب اللباس أوسع من باب الآنية، فإن آنية الذهب والفضة تحرم على الرجال والنساء‏.‏ وأما باب اللباس، فإن لباس الذهب والفضة يباح للنساء بالاتفاق، ويباح للرجل ما يحتاج إليه من ذلك، ويباح يسير الفضة للزينة، وكذلك يسير الذهب التابع لغيره، كالطرز ونحوه في أصح القولين، في مذهب أحمد وغيره، فإن النبي ﷺ نهى عن الذهب إلا مقطعًا‏.‏
    فإذا كان رسول الله ﷺ أباح يسير الفضة للزينة مفردًا، أو مضافًا إلى غيره كحلية السيف وغيره فكيف يحرم

    ج/ 25 ص -65-يسير الفضة للحاجة‏؟‏‏!‏
    وهذا كله لو كان عن النبي ﷺ لفظ عام بتحريم لبس الفضة، كما جاء عنه لفظ عام بتحريم لبس الذهب والحرير على الرجال حيث قال‏:‏
    ‏"‏هذان حرامٌ على ذكور أمتي، حِلٌ لإناثها‏"‏، وكما جاء عنه لفظ عام في تحريم آنية الذهب والفضة‏.‏
    فلما كانت ألفاظ النبي ﷺ عامة في آنية الذهب والفضة، وفي لباس الذهب والحرير؛ استثني من ذلك ما خصته الأدلة الشرعية، كيسير الحرير، ويسير الفضة في الآنية للحاجة ونحو ذلك‏.‏
    فأما لبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم؛ لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه، فإذا جاءت السنة باباحة خاتم الفضة؛ كان هذا دليلاً على إباحة ذلك، وما هو في معناه، وما هو أولى منه بالإباحة، وما لم يكن كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

    ج/ 25 ص -66-وسئل عن جندي قال للصانع‏:‏اعمل لي حياصة من ذهب أو فضة،واكتب عليها‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، فهل يجوز ذلك‏؟‏ ثم لابد من إعادتها إلى النار لتمام عملها، وهل يجوز لأحد أن يلبس حياصة ذهب أو فضة‏؟‏‏.‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله رب العالمين، أما حياصة الذهب فمحرمة، فإن النبي ﷺ قال‏:‏ ‏"‏الذَّهَبُ والحرير هذان حرامٌ على ذكور أمتي، حِلٌّ لإناثها‏"‏
    وأما حياصة الفضة، ففيها نزاع بين العلماء، وقد أباحها الشافعي وأحمد في إحدي الروايتين‏.‏
    وأما كتابة القرآن عليها، فيشبه كتابة القرآن على الدرهم والدينار، ولكن يمتاز هذا بأنها تعاد إلى النار بعد الكتابة، وهذا كله مكروه، فإنه يفضي إلى ابتذال القرآن وامتهانه، ووقوعه في

    ج/ 25 ص -67-المواضع التي ينزه القرآن عنها، فإن الحياصة والدرهم والدينار ونحو ذلك، هو في معرض الابتذال، والامتهان‏.‏
    وإن كان من العلماء من رخََّصَ في حمل الدراهم المكتوب عليها القرآن، فذلك للحاجة، ولم يرخص في كتابة القرآن عليها‏.‏ والله أعلم‏.‏


    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة PDF
    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة XML