ج/ 25 ص -5-"الفقه"
شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني
كتاب الفقه
الجزء الخامس
الزكاة والصوم
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَاب الزكاة
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه اللّه:
الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ تسليمًا.
أما بعد، فإن الله تعالى أنعم على عباده بمحمد ﷺ فهو أعظم نعمة عليهم، ومن قبلها، تمت عليه النعمة، وأكمل له الدين وجعله من خير أمة أخرجت للناس، فبعثه بالهدي ودين الحق، وأنزل عليه الكتاب والحكمة، وجعل كتابه مهيمنًا على ما بين يديه من الكتب، وأمر فيه
ج/ 25 ص -6- بعبادة الله، وبالإحسان إلى خلق الله، فقال تعالى:"وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَي وَاليتَامَي وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَي وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا" [النساء: 36].
وجعل دينه ثلاث درجات: إسلام، ثم إيمان، ثم إحسان.
وجعل الإسلام مبنيًا على أركان خمسة، ومن آكدها الصلاة وهي خمسة فروض وقرن معها الزكاة، فمن آكد العبادات الصلاة، وتليها الزكاة، ففي الصلاة عبادته، وفي الزكاة الإحسان إلى خلقه، فكرر فرض الصلاة في القرآن في غير آية، ولم يذكرها إلا قرن معها الزكاة.
من ذلك قوله تعالى: "وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ" [البقرة: 110]،وقال: "فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ" [التوبة: 11] وقال: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ" [البينة:5]
وفي الصحيحين: من حديث أبي هريرة، رواه مسلم من حديث عمر: أن جبريل سأل النبي ﷺ عن الإسلام
ج/ 25 ص -7- فقال: "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت". وعنه: قال ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله". ولما بعث معاذًا إلى اليمن قال له: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله. فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم. فإن هم أطاعوك لذلك، فخذ منهم، وتَوَقَّ كرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".
فصل
وجاء ذكر الصلاة والزكاة في القرآن مجملاً، فبينه الرسول ﷺ، وإن بيانه أيضًا من الوحي؛ لأنه سبحانه أنزل عليه الكتاب والحكمة.
ج/ 25 ص -8- قال حسان بن عطية: كان جبريل ينزل على النبي ﷺ بالسنة يعلمه إياها، كما يعلمه القرآن. وقد ذكرت في الصلاة
فصلاً قبل هذا.
والمقصود هنا ذكر الزكاة. فنذكر ما تيسر من أحكامها، وبعض الأحاديث، وشيئًا من أقوال الفقهاء. فقد سمي الله الزكاة صدقة، وزكاة. ولفظ الزكاة في اللغة يدل على النمو، والزرع. يقال فيه: زكا، إذا نما، ولا ينمو إلا إذا خلص من الدَّغَل. فلهذا كانت هذه اللفظة في الشريعة تدل على الطهارة: "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا" [الشمس: 9]، "قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّي" [الأعلى: 14]. نفس المتصدق تزكو، وماله يزكو، يطهر ويزيد في المعني.
وقد أفهم الشرع أنها شرعت للمواساة، ولا تكون المواساة إلا فيما له مال من الأموال، فحد له أنصبة، ووضعها في الأموال النامية، فمن ذلك ما ينمو بنفسه؛ كالماشية، والحرث. وما ينمو بتغير عينه والتصرف فيه كالعين، وجعل المال المأخوذ على حساب التعب، فما وجد من أموال الجاهلية هو أقله تعبًا ففيه الخمس، ثم ما فيه التعب من طرف واحد فيه نصف الخمس، وهو العشر فيما سقته السماء. وما فيه التعب من طرفين فيه ربع الخمس، وهو نصف العشر فيما سقي بالنضح، وما فيه التعب في طول السنة كالعين ففيه ثمن ذلك وهو ربع العشر.
ج/ 25 ص -9-فصل
وافتتح مالك رحمه الله كتاب الزكاة في موطئه بذكر حديث أبي سعيد؛ لأنه أصح ما روي في الباب، وكذلك فعل مسلم في صحيحه. وفيه ذكر نصاب الورق، ونصاب الإبل، ونصاب الحب والثمر، ثم الماشية والعين، لابد فيها من مرور الحول. فثني بما رواه عن أبي بكر، وعمر، وابن عمر رضي الله عنهم في اعتبار الحول. ولو كان قد خالفهم معاوية، وابن عباس، فما رواه أو قاله الخلفاء حجة على من خالفهم، لاسيما الصديق لقوله ﷺ: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي". وقوله: "إن يطع القوم أبا بكر، وعمر، يرشدوا".
ثم ذكر نصاب الذهب، والحجة فيه أضعف من الورق؛ فلهذا أخره.
ثم ذكر ما تؤخذ الزكاة منه، فذكر الأحاديث والآيات في ذلك، وأجودها حديث عمر ابن الخطاب، وكتابه في الصدقة، وذكر عن عمر بن عبد العزيز: أن الصدقة لا تكون إلا في العين، والحرث،
ج/ 25 ص -10-والماشية، واختاره. وقال ابن عبد البر: وهو إجماع، أن الزكاة فيما ذكر، وقال ابن المنذر الإمام أبو بكر النيسابوري: أجمع أهل العلم على أن الزكاة تجب في تسعة أشياء: في الإبل، والبقر، والغنم، والذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والزبيب. إذا بلغ من كل صنف منها ما تجب فيه الزكاة.
فصل
في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال: "ليس فيما دون خمسة وْسُق صدقة، ولا فيما دون خمس ذَوْد صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة. وأشار بخمس أصابعه". وفي لفظ: "ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر، ولا حب صدقة". وفي لفظ: [ثمر] بالثاء المثلثة. وفي لفظ: "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة". ورواه مسلم عن جابر، وروي مسلم عن جابر عن النبي ﷺ أنه قال: "فيما سقت الأنهار والغيم العشر، وفيما سقي بالسانية نصف العشر". ورواه البخاري من حديث ابن عمر ولفظه: "فيما سقت السماء والعيون، أو كان عَثَرِيا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر".
وفي الموطأ [العيون والبعل]، والبعل: ما شرب بعروقه ويمتد في الأرض
ج/ 25 ص -11-ولا يحتاج إلى سقي من الكرم، والنخل. و[العَثَرِي] ما تسقيه السماء، وتسميه العامة العِذْي، وقيل: يجمع له ماء المطر فيصير سواقيًا يتصل الماء بها.
قال أبو عمر بن عبد البر: في الحديث الأول [فوائد]:
منها: إيجاب الصدقة في هذا المقدار، ونفيها عما دونه و[الذود من الإبل]: من الثلاثة إلى العشر. و[الأوقية]: اسم لوزن أربعين درهمًا، و[النش]: نصف أوقية، و[النواة]: خمسة دراهم، قاله أبو عبيد القاسم بن سلام، وما زاد على المائتين وهي الخمس الأواق: فظاهر هذا الحديث إيجاب الزكاة فيه لعدم النص بالعفو عما زاد، ونصه على العفو فيما دونها، وذلك إيجاب لها في الخمس فما فوقها، وعليه أكثر العلماء، روي ذلك عن على، وابن عمر، وهو مذهب مالك، والثوري، والأوزاعي، والليث، وابن أبي ليلي، والشافعي، وأبي يوسف، ومحمد، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور.
وقالت طائفة: لاشيء في الزيادة حتى يبلغ أربعين درهمًا.
وفي الذهب أربعة دنانير. يروي هذا عن عمر، وبه قال سعيد والحسن، وطاوس وعطاء، والزهري، ومكحول، وعمرو بن دينار،
ج/ 25 ص -12-وأبو حنيفة. وأما ما زاد على الخمسة أوسق، ففيه الزكاة عند الجميع.
فصل
فنصاب الورق التي تجب زكاته مائتا درهم، على ما في هذا الحديث، وهو قوله: "خمس أواق من الورق" وهذا مجمع عليه. وفي حديث أنس في الصحيحين أيضًا : "وفي الرقة ربع العشر".
وأما نصاب الذهب، فقد قال مالك في الموطأ: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا: أن الزكاة تجب في عشرين دينارًا، كما تجب في مائتي درهم. فقد حكي مالك إجماع أهل المدينة، وما حكي خلاف إلا عن الحسن أنه قال: لا شيء في الذهب حتى يبلغ أربعين مثقالاً. نقله ابن المنذر. وأما الحديث الذي يُرْوَي فيه، فضعيف.
وما دون العشرين، فإن لم تكن قيمته مائتي درهم، فلا زكاة فيه بالإجماع، وإن كان أقل من عشرين، وقيمته مائتي درهم، ففيه الزكاة عند بعض العلماء من السلف.
ودل القرآن والحديث على إيجاب الزكاة في الذهب، كما وجبت في الفضة. قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ إليمٍ" الآية [التوبة: 34].
ج/ 25 ص -13-وقال النبي ﷺ: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها زكاتها...." الحديث. وسيأتي إن شاء الله، وسواء في ذلك المضروب منها دراهم، ودنانير، وغير المضروب.
فصل
وهل يضم الذهب إلى الفضة فيكمل بهما النصاب ويزكي أم لا؟ على ستة أقوال:
قيل: لا يُضْم أحدهما إلى الآخر، وهو قول الشافعي، وروي عن شريك، والحسن بن صالح.
وقيل: يضم الذهب؛ لأنه تبع، ولا يضم الورق إلى الذهب؛ لأنها أصل.
وقيل: يضم بشرط أن الأقل يتبع الأكثر، وهو قول الشعبي، والأوزاعي.
وقيل: يضم، لكن بالقيمة. وهو قول أبي حنيفة، والثوري.
وقيل: يضم بالأجزاء، وهو قول الحسن، وقتادة، والنخعي،
ج/ 25 ص -14-وهو مذهب مالك، وصاحب أبي حنيفة: أبو يوسف. فعند هؤلاء: من كان معه عشرة دنانير، ومائة درهم، وجبت الزكاة. فإن كان قيمة العشرة مائة وخمسين، ومعه خمسون درهمًا، لم تجب الزكاة؛ لأن الدينار في الزكاة عشرة دراهم، والضم بالأجزاء لا بالقيمة.
فصل
والحول شرط في وجوب الزكاة في العين، والماشية، كما كان النبي ﷺ يبعث عماله على الصدقة كل عام، وعمل بذلك الخلفاء في الماشية والعين، لما علموه من سنته، فروي مالك في موطئه عن أبي بكر الصديق، وعن عثمان بن عفان،وعن عبد الله بن عمر أنهم قالوا: هذا شهر زكاتكم. وقالوا: لا تجب زكاة مال حتى يحول عليه الحول. قال أبو عمر بن عبد البر: وقد روي هذا عن على، وعبد الله بن مسعود، وعليه جماعة الفقهاء قديمًا، وحديثًا. إلا ما روي عن معاوية، وعن ابن عباس، كما تقدم.
فمن ملك نصابًا من الذهب أو الورق وأقام في ملكه حولاً، وجبت فيه الزكاة. وإن ملك دون النصاب ثم ملك ما يتم النصاب، بني الأول على حول الثاني. فالاعتبار من يوم كمل النصاب، وإن ملك
ج/ 25 ص -15-نصابًا ثم بعد مدة ملك نصابًا، بني كل واحد منهما على حوله، وربح المال مضموم إلى أصله، يزكي الربح لحول الأصل، وإذا كان الأصل نصابًا عند الجمهور. وإن كان الأصل دون النصاب فتم عند الحول نصابًا بربحه، ففيه الزكاة عند مالك رحمه الله وإن كان معه عرض للتجارة، ثم ملك ما يكمل النصاب، فعليه الزكاة.
فصل
وأما العروض التي للتجارة، ففيها الزكاة، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة، إذا حال عليها الحول. روي ذلك عن عمر وابنه، وابن عباس، وبه قال الفقهاء السبعة، والحسن، وجابر بن زيد، وميمون بن مهران، وطاوس، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وحكي عن مالك وداود: لا زكاة فيها. وفي سنن أبي داود عن سمرة قال: كان النبي ﷺ يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع. وروي عن حماس، قال: مر بي عمر، فقال: أد زكاة مالك، فقلت: مالي إلا جعاب وأدم، فقال: قَوِّمْها، ثم أد زكاتها. واشتهرت القصة بلا منكر، فهي إجماع.
ج/ 25 ص -16-وأما مالك، فمذهبه أن التجار على قسمين: متربص، ومدير.
فالمتربص وهو الذي يشتري السلع، وينتظر بها الأسواق، فربما أقامت السلع عنده سنين فهذا عنده لا زكاة عليه، إلا أن يبيع السلعة فيزكيها لعام واحد، وحجته أن الزكاة شرعت في الأموال النامية. فإذا زكي السلعة كل عام وقد تكون كاسدة نقصت عن شرائها فيتضرر. فإذا زكيت عند البيع، فإن كانت ربحت، فالربح كان كامنًا فيها، فيخرج زكاته، ولا يزكي حتى يبيع بنصاب ثم يزكي بعد ذلك ما يبيعه من كثير، وقليل.
وأما المدير وهو الذي يبيع السلع في أثناء الحول فلا يستقر بيده سلعة، فهذا يزكي في السنة الجميع، يجعل لنفسه شهرًا معلومًا، يحسب ما بيده من السلع والعين، والدين الذي على المليء الثقة، ويزكي الجميع، هذا إذا كان ينض في يده في أثناء السنة ولو درهم فإن لم يكن يبيع بعين أصلا، فلا زكاة عليه عنده.
فصل
وأما الحلي، فإن كان للنساء، فلا زكاة فيه عند مالك، والليث والشافعي، وأحمد، وأبي عبيد، وروي ذلك عن عائشة، وأسماء،
ج/ 25 ص -17-وابن عمر، وأنس، وجابر رضي الله عنهم وعن جماعة من التابعين. وقيل: فيه الزكاة، وهو مروي عن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وجماعة من التابعين، وهو مذهب أبي حنيفة والثوري، والأوزاعي.
وأما حلية الرجال، فما أبيح منه فلا زكاة فيه، كحلية السيف، والخاتم الفضة. وأما ما يحرم اتخاذه كالأواني، ففيه الزكاة. وما اختلف فيه من تحلية المنطقة، والخوذة، والجَوْشَن، ونحو ذلك، ففي زكاته خلاف، فعند مالك والشافعي فيه الزكاة، ولا يجوز اتخاذه، وأباحه أبو حنيفة وأحمد إذا كان من فضة، وأما حلية الفرس كالسرج واللجام والبِرْذَون، فهذا فيه الزكاة عند جمهور العلماء. وقد منع من اتخاذه مالك، والشافعي، وأحمد، وكذلك الدواة، والمكحلة، ونحو ذلك فيه الزكاة عند الجمهور، سواء كان فضة أو ذهبًا.
فصل
وتجب الزكاة في مال اليتامي عند مالك، والليث، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وهو مروي عن عمر، وعائشة، وعلي، وابن عمر، وجابر رضي الله عنهم قال عمر: اتجروا في أموال اليتامي،
ج/ 25 ص -18-لا تأكلها الزكاة، وقالته عائشة أيضًا. وروي ذلك عن الحسن ابن على، وهو قول عطاء، وجابر بن زيد، ومجاهد، وابن سيرين.
فصل
المال المغصوب والضائع ونحو ذلك. قال مالك: ليس فيه زكاة حتى يقبضه، فيزكيه لعام واحد، وكذلك الدين عنده لا يزكيه حتى يقبضه زكاة واحدة وقول مالك: يروي عن الحسن، وعطاء، وعمر بن عبد العزيز. وقيل: يزكي كل عام إذا قبضه زكاة عما مضي، وللشافعي قولان.
فصل
والمعادن: إذا أخرج منها نصابًا من الذهب، والفضة، ففيه الزكاة عند أخذه: عند مالك، والشافعي، وأحمد، وزاد أحمد: الياقوت، والزبرجد، والبلور، والعقيق، والكحل، والسبج، والزرنيخ. وعند إسحاق، وابن المنذر: يستقبل به حولا ويزكيه، وأبو حنيفة يجعل فيه الخمس، وله قول أنه لا يخرج إلا فيما ينطبع: كالحديد، والرصاص، والنحاس دون غيره.
ج/ 25 ص -19-وأما ما يخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان، فلا زكاة فيه عند الجمهور. وقيل: فيه الزكاة، وهو قول الزهري، والحسن البصري، ورواية لأحمد.
فصل
والدين يسقط زكاة العين: عند مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، وأحد قولي الشافعي، وهو قول عطاء، والحسن، وسليمان بن يسار، وميمون بن مهران، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، والليث، وإسحاق، وأبي ثور.
واحتجوا بما رواه مالك في الموطأ عن السائب بن يزيد قال: سمعت عثمان رضي الله عنه يقول: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين، فليؤده، حتى تخلص أموالكم تؤدون منها الزكاة. وعند مالك: إن كان عنده عروض توفي الدين، ترك العين وجعلها في مقابلة الدين، وهي التي يبيعها الحاكم في الدين ما يفضل عن ضرورته، وإن كان له دين على مليء ثقة، جعله في مقابلة دينه أيضًا. وزكي العين فإن لم يكن إلا ما بيده، سقطت الزكاة.
فصل
واختلف: هل في العسل زكاة؟ فكان الخلاف فيه بين أهل المدينة.
ج/ 25 ص -20-فرأي الزهري أن فيه الزكاة، وهو قول الأوزاعي، وأبي حنيفة وأصحابه، وهو قول ربيعة، ويحيي بن سعيد، وهو العشر. وعند مالك والشافعي وأحمد لا زكاة فيه.
فصل
وأما الحديث الثاني: وهو قوله ﷺ: "فيما سقت السماء، والعيون العشر.....". الحديث، ففيه ما اتفق العلماء عليه، وهو المقدار المأخوذ من المعشرات. ولكن اختلفوا في أي شيء يجب العشر، ونصفه.
فقالت طائفة: يجب العشر في كل ما يزرعه الآدميون من الحبوب، والبقول، وما أنبتته تجاراتهم من الثمار، قليل ذلك وكثيره، ويروي هذا عن حماد بن أبي سليمان، وأبي حنيفة، وزفر.
وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجب إلا فيما له ثمرة باقية، فيما يبلغ خمسة أوسق. وقال أحمد: يجب العشر فيما ييبس، ويبقي، مما يكال ويبلغ خمسه أوسق، فصاعدًا. وسواء عنده أن يكون قوتًا كالحنطة، والشعير، والأرز، والذرة، أو من القطنيات كالباقلاء، والعدس، أو من الأبازير كالكسفرة، والكمون، والكراويا، والبزر، كبزر الكتان،
ج/ 25 ص -21-والسمسم، وسائر الحبوب.
وتجب أيضًا عنده فيما جمع هذه الأوصاف، كالتمر، والزبيب، واللوز، والبندق، والفستق، ولا تجب في الفواكه، ولا في الخضر، وهذا قول أبي يوسف، ومحمد.
ويشبهه قول ابن حبيب من المالكية. قال مثل قول مالك، وزاد عليه فقال: تؤخذ الزكاة من الثمار ذوات الأصول كلها، ما ادخر منها وما لم يدخر. وقال: إذا اجتمع للرجل من الصنف الواحد منها ما يبلغ خرص ثمرته خمسة أوسق، إن كان مما ييبس: كالجوز، واللوز، والفستق، أخرج عشره، وإن كانت مما لا ييبس: مثل الرمان، والتفاح، والفرسك، والسفرجل، وشبهه، فبلغ خرصها وهي خضراء خمسة أوسق، وجبت فيها الزكاة. إن باعه بعشر الثمن، وإن لم يبعها، فبعشر كيل خرصها.
وقال مالك وأصحابه في المشهور من قولهم: تجب الزكاة في الحنطة والشعير، والسُّلت، والذرة، والدُّخن، والأرز، والحمص، والعدس، والجل
باب، والرش، والبسلة، والسمسم، والماش، وحب الفجل، وما أشبه هذه الحبوب المأكولة المدخرة.
وتجب في ثلاثة أنواع من الثمار: وهي التمر، والزبيب، والزيتون.
ج/ 25 ص -22-وقال الشافعي: تجب الزكاة فيما ييبس، ويدخر، ويقتات، مأكولا أو طبيخًا، أو سويقًا، وله في الزيتون قولان، وتجب الزكاة عنده في التمر والزبيب.
وقال الليث بن سعد: كل ما يختبز، ففيه الصدقة، مع أنه يوجب الزكاة في التمر والزبيب والزيتون. وكذلك الثوري يوجب الزكاة في الزيتون، والأوزاعي والزهري، ويروي عن ابن عباس أيضًا. وقال الأوزاعي: مضت السنة أن الزكاة في الحنطة، وفي الشعير، والسلت والتمر، والعنب، والزيتون. وقال إسحاق: كل ما يختبز، ففيه الصدقة.
وعند ابن المنذر: تسعة أشياء كما تقدم فقط: التمر، والزبيب، والحنطة، والشعير، والفضة، والذهب، والإبل، والبقر، والغنم، وكل هؤلاء يعتبر الخمسة الأوسق، إلا ما يروي عن مجاهد، وأبي حنيفة: أنه يوجب الزكاة في القليل، ويعتبر - أيضًا - عندهم اليبس، والتصفية في الحبوب والجفاف في الثمار، وما لا زيت فيه من الزيتون، وما لا يزبب من العنب، ولا يتمر من الرطب، تخرج الزكاة من ثمنه، أو من حبه. قال مالك: إذا بلغ منه خمسة أوسق، فبيع، أخرج الزكاة من ثمنه.
ج/ 25 ص -23-فصل
ويضم القمح والشعير والسلت في الزكاة، وتضم القطافي بعضها إلى بعض، ويضم زرع العام بعضه إلى بعض، ولو كان بعضه صيفيًا، وبعضه شتويًا، وكذلك الثمرة. ولو كان في بلدان شتي، إذا كان لرجل واحد. وأما الشركاء: فلابد أن يكون في حصة كل واحد منهم نصاب.
فصل
والوسق ستون صاعًا: والصاع: أربعة أمداد بمد النبي ﷺ. والمد خمسة أرطال وثلث بالبغدادي. والرطل البغدادي ثمانية وعشرون درهمًا. والدرهم هي هذه التي هي من زمان عبد الملك: كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل. فمبلغ النصاب بالرطل البغدادي ألف وستمائة رطل.
وتقديره بالدمشقي: ثلاثمائة رطل، واثنان وأربعون رطلا، وستة أسباع رطل.
ج/ 25 ص -24-فصل
ومن باع ثمرة، أو وهبها، أو مات عنها بعد بدو صلاحها، فالزكاة عليه، وإن كان قبل بدو صلاحها، فالزكاة على المشتري، والموهوب له، والوارث إن كان في حصة كل واحد نصاب. ويخرص النخل والكرم على أر
بابه، ويخلي بينهم وبينه، فإن شاؤوا أكلوا، وإن شاؤوا باعوا، ويخفف عنهم. وما أكل من الزرع، أو القطافي وهو أخضر صغير، فلا زكاة فيه، وقال النبي ﷺ: "إذا خرصتم فدعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث، فدعوا الربع". رواه أبو داود. وقال: "خففوا على الناس، فإن في المال الوطية، والآكلة، والعرية". رواه أبو عبيد. وقال: [الوطية] السابلة، سموا بذلك لوطيهم بلاد الثمار، مجتازين. و[العرية]: هي هبة ثمرة نخلة، أو نخلات لمن يأكله. و[الآكلة] أهل المال يأكلون منه.
فصل
ولا تجب الزكاة إلا في خمسة أوسق من صنف واحد. والقمح والشعير والسلت عند مالك صنف واحد، فإذا اجتمع من هذه الثلاثة
ج/ 25 ص -25-نصاب، وجبت الزكاة، ويخرج كل بحسابه. وكذلك القطافي: وهي الحمص، والباقلاء، والعدس، ونحو ذلك صنف واحد عنده، والقدر المأخوذ بقدر التعب والمؤنة. كما في الحديث: "ما كان يسقي بماء السماء والأنهار والعيون ففيه العشر، وما كان يسقي بالنضح أو السانية والدواليب - وهي أسماء شيء واحد، كالسانية، والناضح هي الإبل يستقي بها لشرب الماء - ففيه نصف العشر،وما سقي نصفه بهذا، ونصفه بهذا، أو نصف السنة، ففيه ثلاثة أرباع العشر".
فصل
وكل من نبت الزرع على ملكه، فعليه زكاته، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ" الآية [البقرة: 267] وسواء كانت الأرض ملكًا له، أو استأجرها، أو أقطعها له الإمام، يستغل منفعتها، أو استعارها، أو كانت موقوفة عليه.
قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم، على أن كل أرض أسلم أهلها عليها، قبل قهرهم، أنها لهم، وأن عليهم فيما زرعوا فيها الزكاة. فأرض الصلح كما قال. وكذلك أرض العنوة، إذا
ج/ 25 ص -26-كان عليها خراج أدي الخراج، وزكي ما بقي.
فمن استأجر أرضًا للزرع، فعليه الزكاة، عند جمهور العلماء: كمالك والشافعي، وأحمد، وأبي يوسف، ومحمد. وكذلك المقطعين عليهم العشر، فإن كان الزرع كله له، وهو يعطي الفلاح أجره، فعليه العشر كله، وإن كان الزرع مقاسمة نصفه أو ثلثه للفلاح، ونصفه أو ثلثه للمقطع، فعلى كل منهما عشر نصيبه، فإن الزرع نبت على ملكه وهذا قول علماء الإسلام.
وقد كان الصحابة يأخذ منهم النبي ﷺ العشر يعطيه لمستحقيه، ويأمرهم أن يجاهدوا بما يبقي من أموالهم، فإذا كان الجند قد أعطوا من بيت المال ما يجاهدون به، كان أولى أن يعطوا عشره، فمن أقطعه الإمام أرضاً للاستغلال والجهاد إذا استغلها، ونبت الزرع على ملكه في أرض عشرية، فما يقول عالم:إنه لا عشر عليه.
وقد تنازع العلماء، فيمن استحق منفعة الأرض بعوض، كالمستأجر لها بدراهم، أو بخدمة نفسه، ونحو ذلك. فجمهورهم يقول: عليه العشر، وهو قول صاحبي أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد. وأما أبو حنيفة فإنه يقول: العشر على رب الأرض.
فهؤلاء المقطعون إذا قدر أنهم استؤجروا بمنفعة الأرض، فبذلوا
ج/ 25 ص -27-خدمة أنفسهم، كان عليهم العشر عند الجمهور، وعلى القول الآخر على الذي استأجرهم. فمن قال: إن العشر الذي أوجبه الله لمستحقي الصدقات يسقط، فقد خالف الإجماع.
وأيضًا، فهؤلاء الجند ليسوا كالأجراء، وإنما هم جند الله يقاتلون في سبيل الله عباده، ويأخذون هذه الأرزاق من بيت المال ليستعينوا بها على الجهاد، وما يأخذونه ليس ملكًا للسلطان، وإنما هو مال الله يقسمه ولي الأمر بين المستحقين، فمن جعلهم كالأجراء جعل جهادهم لغير الله. وقد جاء في الحديث: "مثل الذين يغزون من أمتي، ويأخذون ما يعطونه مثل أم موسي ترضع ابنها، وتأخذ أجرها".
فصل
فإن كان على مالك الزرع والثمار دين، فهل تسقط الزكاة؟ فيه ثلاثة أقوال:
قيل: لا تسقط بحال وهو قول مالك، والأوزاعي، والشافعي ورواية عن أحمد.
وقيل: يسقطها. وهو قول عطاء، والحسن، وسليمان بن يسار،
ج/ 25 ص -28-وميمون بن مهران، والنخعي، والليث، والثوري، وإسحاق. وكذلك في الماشية: الإبل، والبقر، والغنم.
وقيل: يسقطها الدين الذي أنفقه على زرعه،وثمرته، ولا يسقطها ما استدانه لنفقة أهله.
وقيل: يسقطها هذا وهذا. الأول: قول ابن عباس، واختاره أحمد بن حنبل، وغيره. والثاني: قول ابن عمر.
فصل
والرطب الذي لا يتمر، والزيتون الذي لا يعصر، والعنب الذي لا يزبب: فقال مالك وغيره: تخرج الزكاة من ثمنه، إذا بلغ خمسة أوسق، وإن لم يبلغ ثمنه مائتي درهم، وإن كان يتناهي فبيع قبل تناهيه، فقيل: تخرج الزكاة من ثمنه. وقيل:تخرج من حبه أو دهنه.
ج/ 25 ص -29-فصل
فهذه زكاة العين، والحرث التي دلت عليها الأحاديث المتقدمة، مع الآيات الكريمة. وأما زكاة الماشية: الإبل، والبقر، والغنم. فقد دلت عليها الأحاديث الصحيحة، وكتب النبي ﷺ فيها، وكذلك كتب أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة. ففي الصحيح من حديث أنس بن مالك هذا لفظ البخاري أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين، والتي أمر الله بها ورسوله، فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سأل فوقها فلا يعطي: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها: الغنم. في كل خمس شاة. فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين، ففيها بنت مخاض أنثي، فإذا بلغت ستًا وثلاثين إلى خمس وأربعين، ففيها بنت لبون أنثي، فإذا بلغت ستًا وأربعين إلى ستين، ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين، ففيها جذعة، فإذا بلغت ستًا وسبعين إلى تسعين، ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدي وتسعين إلى عشرين ومائة، ففيها حقتان
ج/ 25 ص -30-طروقتا الجمل. فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل، فليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمسًا من الإبل، ففيها شاة، وفي صدقة الغنم: في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين، ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة: شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين واحدة، فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها. وفي الرقة ربع العشر. فإن لم يكن إلا تسعين ومائة، فليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربها.
وعن أنس في هذا الكتاب أيضًا : "من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة، وعنده حقة، فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن تيسرتا له، أو عشرين درهما. ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده الحقة وعنده جذعة، فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين. ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون، فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطي شاتين أو عشرين درهمًا. ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون، وعنده حقة، فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق
ج/ 25 ص -31-عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت لبون، وليست عنده، وعنده بنت مخاض، فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهمًا، أو شاتين"، "ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع، خشية الصدقة"، "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية"، "ولا يخرج في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس، إلا إن شاء المصدق".
وعنه في هذا الكتاب أيضًا : "ومن بلغت صدقته بنت مخاض، وليست عنده وعنده بنت لبون، فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها، وعنده ابن لبون، فإنه يقبل منه وليس معه شيء".
وروي مالك بن أنس كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في موطئه بمثل هذا اللفظ، أو قريب منه، إلا ذكر البدل مع العشرين، فإنه لم يذكره.
فصل
قال الإمام أبو بكر بن المنذر: وهذا مجمع عليه، إلى عشرين ومائة، ولا يصح عن على ما روي في خمس وعشرين خمس شياه.
ج/ 25 ص -32-وقوله في هذا الحديث: في سائمة الغنم، موضع خلاف بين العلماء؛ لأن السائمة هي التي ترعي. فمذهب مالك: أن الإبل العوامل، والبقر العوامل، والكباش المعلوفة، فيها الزكاة. قال أبو عمر: وهذا قول الليث، ولا أعلم أحدًا قال به غيرهما. وأما الشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة، وكذلك الثوري، والأوزاعي، وغيرهم: فلا زكاة فيها عندهم. وروي هذا عن جماعة من الصحابة: على، وجابر، ومعاذ بن جبل. وكتب به عمر بن عبد العزيز.
وقد روي في حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، عن النبي ﷺ أنه قال: "في كل سائمة في كل أربعين بنت لبون". فقيده بالسائمة، والمطلق يحمل على المقيد، إذا كان من جنسه بلا خلاف، وكذلك حديث أبي بكر في سائمة الغنم.
وقوله: "من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده...." إلى آخره. لم يقل به مالك، بل قال: إنه إذا لم يجد السن كالجذعة أو غيرها فإنه يبتاعها، ولا أحب أن يعطيه ثمنها. وقال: إذا لم يجد السن التي تجب في المال لم يأخذ ما فوقها، ولا ما دونها، ولا يزداد دراهم، ويبتاع له رب المال مسنًا.
وقال الثوري والشافعي وأحمد بمثل ما في الحديث: أنه إذا لم
ج/ 25 ص -33-يجد السن أخذ ما وجد، وأعطي شاتين، أو عشرين درهمًا، أو أخذ مثل ذلك كما في الحديث. ومذهب أبي حنيفة وصاحبيه إن شاء أخذ القيمة، وإن شاء أخذ أفضل منها، وأعطي الزيادة. ومالك لم يقل بذلك؛ لأن مالكًا إنما روي كتاب عمر وليس فيها ما في كتاب أبي بكر من الزيادة، وهذا شأن العلماء.
وقوله في هذا الحديث: "فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة". قال أبو عمر:هذا موضع خلاف يعني إذا زادت واحدة قال مالك: إذا زادت واحدة على عشرين ومائة، فالساعي بالخيار بين أن يأخذ حقتين، أو ثلاث بنات لبون، وقال الزهري: فيها ثلاث بنات لبون، إلى ثلاثين ومائة، فيكون فيها حقة وابنتا لبون. وبه قال الأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأبو عبيد، وهو قول محمد بن إسحاق، وهو قول أئمة الحجاز وهو أولى عند العلماء.
وأما قول الكوفيين:فإنه يستقبل الفريضة بعد العشرين ومائة،فيكون في كل خمس شاة.
ج/ 25 ص -34-فصل
وقوله: "ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس"، عليه جماعة فقهاء الأمصار؛ لأن المأخوذ في الصدقات العدل، كما قال عمر رضي الله عنه : عدل من عدل المال وخياره. [الهرمة]: الشاة الشارف، و[ذات العَوار] بفتح العين: التي بها عيب، وبالضم التي ذهبت عينها. ولا يجزي ذلك في الصدقة، والشاة المأخوذة في الإبل الجذعة من الضأن، والثنية من المعز، فإن أخرج القيمة، فقولان.
وقوله: "ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة"، يعني بذلك: تفرقة المواشي، وجمعها خشية الصدقة، واختلف هل المخاطب بذلك أر
باب الأموال، أو هو الساعي، أو هما جميعًا. وهذا في الخلطة، فقد يكون على الخلطاء عدد من الغنم، فإذا فرقت، قل العدد، أو في الفرقة عدد فإذا جمعوها، قل العدد، فنهوا عن ذلك. ولهذا نظائر: كثلاثة نفر لكل منهم أربعون، ففيها حينئذ ثلاث شياه، فإذا جمعت، صار فيها شاة، أو يكون لرجلين من الغنم مائتين
ج/ 25 ص -35-وشاتين لكل واحد منهما مائة وشاة، فعليهما فيها ثلاث شياه، فإذا تفرق، كان على كل واحد منهما شاة، ونحو ذلك.
وقوله: "وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية"، يعني: إذا أخذت شاة من غنم أحد الخليطين، فإنه يرجع على الآخر بقيمة ما يخصه.
فصل
وقوله في الحديث: "في الغنم في سائمتها، إذا كانت أربعين، ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت، ففيها شاتان، إلى مائتين، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة، ففيها ثلاث شياه. فإذا زادت على ثلاثمائة، ففي كل مائة شاة" . هذا متفق عليه في صدقة الغنم أيضًا والضأن والمعز سواء.
والسوم شرط في الزكاة، إلا عند مالك، والليث -كما تقدم- فإنهما يوجبان الزكاة في غير السائمة، ولا خلاف بين الفقهاء أن الضأن والمعز يجمعان في الزكاة، وكذلك الإبل على اختلاف أصنافها، وكذلك البقر والجواميس.
ج/ 25 ص -36-واختلفوا فيما إذا كان بعض الجنس أرفع من بعض. فقيل: يأخذ من أيها شاء، وقيل: من الوسط.
فصل
وأما [صدقة البقر]، فقد ثبت عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي ﷺ لما بعثه إلى اليمن، أمره أن يأخذ صدقة البقر من كل ثلاثين تبيعًا أو تبيعة. ومن كل أربعين مسنة. وأن يأخذ الجزية من كل حالم دينارًا. رواه أحمد، والنسائي، والترمذي، عن مسروق عنه. وكذلك في كتاب النبي ﷺ الذي كتبه لعمرو بن حزم، ورواه مالك في موطئه، عن طاوس عن معاذ، وحكي أبو عبيد الإجماع عليه، وجماهير العلماء على أنه ليس فيما دون الثلاثين شيء. وحكي عن سعيد والزهري أن في الخمس شاة كالإبل.
ومن شرطها أن تكون سائمة، كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال: "ليس في العوامل صدقة". رواه أبو داود. وروي عن علي، ومعاذ، وجابر أنهم قالوا: لا صدقة في البقر العوامل. ومالك، والليث يقولان: فيها الصدقة.
ج/ 25 ص -37-ويخرج في الثلاثين الذكر. وفي الأربعين الأنثي، فإن أخرج ذكرًا، هل يجزيه؟ قولان. قال ابن القاسم: يجزيه، وأشهب قال: لا يجزيه وهو مذهب أحمد، وجماعة من العلماء. فإن كانت كلها ذكورًا، أخرج منها. وإذا بلغت مائة وعشرين، خُير رب المال، بين ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة، والتبيع: الذي له سنة، ودخل في الثانية. والبقرة المسنة مالها سنتان.
فصل
و[الجواميس] بمنزلة البقر، حكي ابن المنذر فيه الإجماع.
وأما [بقر الوحش]، فلا زكاة فيها عند الجمهور. وقال بعضهم: فيها الزكاة. فإن تولد من الوحشي والأهلي، فقال الشافعي: لا زكاة. وقال أحمد: تزكي. ومالك يفرق بين الأمهات والآباء، فإن كانت الأمهات أهلية أخرج الزكاة، وإلا فلا.
وصغار كل صنف من جميع الماشية تبع يعد مع الكبار، ولكن لا يؤخذ إلا من الوسط، فإن كان الجميع صغارًا، فقيل: يأخذ منها، وقيل: يشتري كبارًا.
ج/ 25 ص -38-فصل
والخلطاء في الماشية وهو إذا كان مال كل منهما متميزًا عن الآخر فإن لم يتميز، فهما شريكان، وإذا كانا خليطين، زكيا زكاة المال الواحد، مثل أن يكون لكل منهما أربعون، فعليهما في الخلطة شاة واحدة، ويترادان قيمتها. وتعتبر الخلطة بثلاثة شروط. وقيل: بشرطين. وقيل: بشرط واحد: وهو الدلو، والحوض، والمراح. والمبيت، والراعي، والفحل. وقيل: بالراعي وحده؛ لأنه به يجتمعان ويجتمعون في غير ذلك.
وهل من شرط الخلطة: أن يكون لكل منهما نصابًا أم لا؟ بالأول قال مالك. وقال غيره: لا يعتبر ذلك.
فصل
إذا ملك ماشية فتوالدت، فإن كانت الأمهات نصابًا، زكي الأولاد تبعًا، وبنى على حول الأمهات عند الجمهور. وإن كانت دون النصاب
ج/ 25 ص -39-فتوالدت ولو قبل الحول بيوم، وتم النصاب أخرج الزكاة عند مالك وبني الأولاد على حول الأمهات. وإن باع النصاب بجنسه بني الثاني على حول الأول، وإن اشتري بنصاب من العين نصابًا من الماشية، وكان الأول لم يتم له حول، بني الماشية على حول العين، في أحد القولين.
فصل
وتفرقته زكاة كل بلد في موضعه، فزكاة الشام في الشام، وزكاة مصر في مصر، وهل يجوز نقلها لمصلحة فتنقل من الشام إلى مدينة النبي ﷺ، أو غيرها؟ فيه قولان لأهل العلم. قال مالك: لا بأس بنقلها للحاجة، وإذا لم يكن أهل البلد مستحقين، فتنقل بلا خلاف. ولما نقل معاذ بن جبل الصدقة من اليمن إلى المدينة، أنكر عمر، فقال: ما بعثتك جابيًا. فقال: ما وجدت آخذًا. فعند الشافعي، وأحمد: لا تنقل، وعند مالك: يجوز نقلها.
فصل
وأما [قسمة الصدقات]، فقد بين الله ذلك في القرآن بقوله: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عليها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عليمٌ حَكِيمٌ" [التوبة: 60].
ج/ 25 ص -40-قال الإمام أبو جعفر الطبري: عامة أهل العلم يقولون: للمتولي قسمتها، ووضعها في أي الأصناف الثمانية شاء، وإنما سمي الله الأصناف الثمانية: إعلامًا منه أن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف إلى غيرها، لا إيجابًا لقسمتها بين الأصناف الثمانية، وروي بإسناده عن حذيفة، وعن ابن عباس أنهما قالا: إن شئت جعلته في صنف أو صنفين أو ثلاثة. قال: وروي عن عمر أنه قال: أيما صنف أعطيته أجزأك، وروي عنه أنه كان عمر يأخذ الفرض في الصدقة، فيجعله في الصنف الواحد، وهو قول أبي العالية، وميمون بن مهران، وإبراهيم النخعي.
قال: وكان بعض المتأخرين يقول: عليه وضعها في ستة أصناف؛ لأنه يقسمها، فسقط العامل، والمؤلفة سقطوا. قال: والصواب أن الله جعل الصدقة في معنيين:
أحدهما: سد خلة المسلمين. والثاني: معونة الإسلام وتقويته. فما كان معونة للإسلام يعطي منه الغني والفقير، كالمجاهد، ونحوه، ومن هذا الباب يعطي المؤلفة، وما كان في سد خلة المسلمين.
ج/ 25 ص -41-وقال شيخ الإسلام:
فصل
الأصْل الثّاني: الزكَاة
وهم أيضًا متبعون فيها لسنة النبي ﷺ وخلفائه، آخذين بأوسط الأقوال الثلاثة، أو بأحسنها في السائمة، فأخذوا في أوقاص الإبل بكتاب الصديق رضي الله عنه ومتابعته، المتضمن: أن في الإبل الكثيرة في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة؛ لأنه آخر الأمرين من رسول الله ﷺ بخلاف الكتاب الذي فيه استئناف الفريضة بعد مائة وعشرين، فإنه متقدم على هذا؛ لأن استعمال عمرو بن حزم على نَجْران كان قبل موته بمدة، وأما كتاب الصديق، فإنه ﷺ كتبه ولم يخرجه إلى العمال حتى أخرجه أبو بكر.
وتوسطوا في المعشرات بين أهل الحجاز وأهل العراق، فإن أهل
ج/ 25 ص -42-العراق كأبي حنيفة يوجبون العشر في كل ما أخرجت الأرض إلا القَصَب ونحوه في القليل والكثير منه، بناء على أن العشر حق الأرض كالخراج؛ ولهذا لا يجمعون بين العشر والخراج. وأهل الحجاز لا يوجبون العشر إلا في النصاب المقدر بخمسة أوسق، ووافقهم عليه أبو يوسف ومحمد، ولا يوجبون من الثمار إلا في التمر والزبيب، وفي الزروع في الأقوات، ولا يوجبون في عسل ولا غيره. والشافعي على مذهب أهل الحجاز.
وأما أحمد وغيره من فقهاء الحديث، فيوافق في النصاب قول أهل الحجاز؛ لصحة السنن عن النبي ﷺ بأنه ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا يوجبون الزكاة في الخضراوات؛ لما في الترك من عمل النبي ﷺ وخلفائه والأثر عنه، لكن يوجبها في الحبوب والثمار التي تدخر، وإن لم تكن تمرًا أو زبيبًا كالفستق والبندق جعلاً للبقاء في المعشرات بمنزلة الحول في الماشية والجرين، فيفرق بين الخضراوات وبين المدخرات. وقد يلحق بالموسق الموزونات، كالقطن على إحدي الروايتين؛ لما في ذلك من الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم.
ويوجبها في العسل؛ لما فيه من الآثار التي جمعها هو، وإن كان غيره لم تبلغه إلا من طريق ضعيفة، وتسوية بين جنس ما أنزله الله من
ج/ 25 ص -43-السماء وما أخرجه من الأرض.
ويجمعون بين العشر والخراج؛ لأن العشر حق الزرع، والخراج حق الأرض. وصاحبا أبي حنيفة قولهما هو قول أحمد أو قريب منه.
وأما مقدار الصاع والمد، ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الصاع خمسة أرطال وثلث، والمد ربعه، وهذا قول أهل الحجاز في الأطعمة والمياه، وقصة مالك مع أبي يوسف فيه مشهورة، وهو قول الشافعي وكثير من أصحاب أحمد أو أكثرهم.
والثاني: أنه ثمانية أرطال، والمد ربعه، وهو قول أهل العراق في الجميع.
والقول الثالث: أن صاع الطعام خمسة أرطال وثلث، وصاع الطهارة ثمانية أرطال، كما جاء بكل واحد منهما الأثر. فصاع الزكوات والكفارات وصدقة الفطر، هو ثلثا صاع الغسل والوضوء، وهذا قول طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم ممن جمع بين الأخبار المأثورة في هذا الباب لمن تأمل الأخبار الواردة في ذلك.
ج/ 25 ص -44-ومن أصولها: أن أبا حنيفة أوسع في إيجابها من غيره، فإنه يوجب في الخيل السائمة المشتملة على الآثار، ويوجبها في جميع أنواع الذهب والفضة من الحلي المباح وغيره، ويجعل الركاز المعدن وغيره، فيوجب فيه الخمس، لكنه لا يوجب ما سوي صدقة الفطر والعشر إلا على مكلف، ويجوز الاحتيال لإسقاطها، واختلف أصحابه: هل هو مكروه أم لا؟ فكرهه محمد، ولم يكرهه أبو يوسف، وأما مالك والشافعي، فاتفقا على أنه لا يشترط لها التكليف لما في ذلك من الآثار الكثيرة عن الصحابة.
ولم يوجبها في الخيل، ولا في الحلي المباح، ولا في الخارج، إلا ما تقدم ذكره، وحرم مالك الاحتيال لإسقاطها، وأوجبها مع الحيلة، وكره الشافعي الحيلة في إسقاطها.
وأما أحمد، فهو في الوجوب بين أبي حنيفة ومالك، كما تقدم في المعشرات، وهو يوجبها في مال المكلف وغير المكلف.
واختلف قوله في الحلي المباح، وإن كان المنصور عند أصحابه: أنه لا يجب. وقوله في الاحتيال كقول مالك: يحرم الاحتيال لسقوطها،
ج/ 25 ص -45-ويوجبها مع الحيلة ، كما دلت عليه سورة [ن] وغيرها من الدلائل.
والأئمة الأربعة وسائر الأمة إلا من شذ متفقون على وجوبها في عرض التجارة، سواء كان التاجر مقيمًا أو مسافرًا، وسواء كان متربصًا وهو الذي يشتري التجارة وقت رخصها ويدخرها إلى وقت ارتفاع السعر أو مديرًا كالتجار الذين في الحوانيت، سواء كانت التجارة بَزا من جديد، أو لبيس، أو طعامًا من قوت أو فاكهة، أو أدم أو غير ذلك، أو كانت آنية كالفخار ونحوه، أو حيوانًا من رقيق أو خيل، أو بغال، أو حمير، أو غنم معلوفة، أو غير ذلك، فالتجارات هي أغلب أموال أهل الأمصار الباطنة، كما أن الحيوانات الماشية هي أغلب الأموال الظاهرة.
فصل
ولابد في الزكاة من الملك.
واختلفوا في اليد، فلهم في زكاة ما ليس في اليد كالدين ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها تجب في كل دين وكل عين، وإن لم تكن تحت يد
ج/ 25 ص -46-صاحبها كالمغصوب والضال، والدين المجحود، وعلى معسر أو مماطل، وأنه يجب تعجيل الإخراج مما يمكن قبضه، كالدين على الموسر، وهذا أحد قولي الشافعي وهو أقواهما.
فصل
وللناس في إخراج القيم في الزكاة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يجزئ بكل حال. كما قاله أبو حنيفة.
والثاني: لا يجزئ بحال، كما قاله الشافعي.
والثالث: أنه لا يجزئ إلا عند الحاجة، مثل من تجب عليه شاة في الإبل وليست عنده، ومثل من يبيع عنبه ورطبه قبل اليبس. وهذا هو المنصوص عن أحمد صريحًا، فإنه منع من إخراج القيم، وجوزه في مواضع للحاجة، لكن من أصحابه من نقل عنه جوازه. فجعلوا عنه في إخراج القيمة روايتين. واختاروا المنع؛ لأنه المشهور عنه، كقول الشافعي. وهذا القول أعدل الأقوال، كما ذكرنا مثله في الصلاة، فإن الأدلة الموجبة للعين نصًا وقياسًا، كسائر أدلة الوجوب.
ومعلوم أن مصلحة وجوب العين، قد يعارضها أحيانًا في القيمة من المصلحة الراجحة، وفي العين من المشقة المنفية شرعًا.
ج/ 25 ص -47-وسئل رحمه الله عن صداق المرأة على زوجها تمر عليه السنون المتوالية لا يمكنها مطالبته به لئلا يقع بينهما فرقة، ثم إنها تتعوض عن صداقها بعقار، أو يدفع إليها الصداق بعد مدة من السنين، فهل تجب زكاة السنين الماضية؟ أم إلى أن يحول الحول من حين قبضت الصداق؟
فأجاب:
الحمد لله، هذه المسألة فيها للعلماء أقوال:
قيل: يجب تزكية السنين الماضية، سواء كان الزوج موسرًا أو معسرًا، كأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد، وقد نصره طائفة من أصحابهما.
وقيل: يجب مع يساره، وتمكنها من قبضها، دون ما إذا لم يمكن تمكينه من القبض، كالقول الآخر في مذهبهما.
وقيل: تجب لسنة واحدة، كقول مالك، وقول في مذهب أحمد.
وقيل: لا تجب بحال، كقول أبي حنيفة، وقول في مذهب أحمد.
ج/ 25 ص -48-وأضعف الأقوال: من يوجبها للسنين الماضية، حتى مع العجز عن قبضه، فإن هذا القول باطل، فأما أن يجب لهم ما يأخذونه مع أنه لم يحصل له شيء، فهذا ممتنع في الشريعة، ثم إذا طال الزمان كانت الزكاة أكثر من المال، ثم إذا نقص النصاب، وقيل: إن الزكاة تجب في عين النصاب، لم يعلم الواجب إلا بحساب طويل، يمتنع إتيان الشريعة به.
وأقرب الأقوال قول من لا يوجب فيه شيئًا بحال حتى يحول عليه الحول، أو يوجب فيه زكاة واحدة عند القبض، فهذا القول له وجه، وهذا وجه، وهذا قول أبي حنيفة، وهذا قول مالك، وكلاهما قيل به في مذهب أحمد، والله أعلم.
وسئل عن رجل له جِمالٌ، ويشتري لها أيام الرعي مرعي: هل فيها زكاة؟
فأجاب:
إذا كانت راعية أكثر العام، مثل أن يشتري لها ثلاثة أشهر أو أربعة، فإنه يزكيها، هذا أظهر قولي العلماء.
ج/ 25 ص -49-وقال رحمه الله:
إذا كانت الغنم أربعين صغارًا، أو كبارًا، وجبت فيها الزكاة إذا حال عليها الحول، وإن كانت أقل من أربعين، فحال الحول وهي أربعون، ففي هذا نزاع، والأحوط أداء الزكاة. والله أعلم.
وسئل رحمه الله عن رجل له غَنَمٌ، ولم تبلغ النصاب: هل تجب فيها زكاة في أثناء الحول؟
فأجاب:
هذه المسألة فيها قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد:
أحدهما: أن ابتداء الحول حين صارت أربعين، كقول الشافعي.
والثاني: أن ابتداء الحول من حين ملك الأُمهات، كقول مالك. والله أعلم.
ج/ 25 ص -50-وسئل عن قرية بها فلاحون، وهي نصفان: أحد فلاحي النصف له غنم تجب فيها الزكاة، والنصف الآخر ليس لفلاحيه غنمًا قدر ما تجب فيه الزكاة، فألزم الإمام أهل القرية بزكاة الغنم على الفلاحين، فهل تجب على من له النصاب؟ وإذا وجبت عليه، فهل يجوز للإمام أن يأخذ ممن ليس له نصاب؟
فأجاب:
إن كان المطلوب هو مقدار ما فرضه الله على من تجب عليه الزكاة اختصوا بأدائه، وإن كان المطلوب فوق الواجب على سبيل الظلم اشترك فيه الجميع، بحسب أموالهم. والله أعلم.