أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)

(اختيار من أقسام الكتاب والفتاوى)

باب صلاة الكسوف

    ج/ 24 ص -254-باب صلاة الكسوف
    سُئِلَ شيخ الإسلام عن قول أهل التقاويم‏:‏ في أن الرابع عشر من هذا الشهر يخسف القمر، وفي التاسع والعشرين تكسف الشمس ، فهل يصدقون في ذلك ‏؟‏ وإذا خسفا هل يصلي لهما أم يسبح ‏؟‏ وإذا صلى، كيف صفة الصلاة ‏؟‏ واذكرلنا أقوال العلماء في ذلك‏.‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله، الخسوف والكسوف لهما أوقات مقدرة، كما لطلوع الهلال وقت مقدر، وذلك ما أجري الله عادته بالليل والنهار، والشتاء والصيف، وسائر ما يتبع جريان الشمس والقمر‏.‏
    وذلك من آيات الله تعالى‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏
    "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏"‏ [‏الأنبياء‏:‏ 33‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏"هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ‏"‏[‏يونس‏:‏5‏]‏، وقال تعالى‏:‏

    ج/ 24 ص -255- ‏"الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ‏"‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 5‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏"فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعليمِ‏"‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 96‏]‏، وقال تعالى‏:‏"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِي َمَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ‏"[‏البقرة‏:‏189‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏"إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ‏"‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 36‏]‏‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏
    "وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعليمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حتى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏"‏ ‏[‏يس‏:‏3740‏]‏‏.‏
    وكما أن العادة التي أجراها الله تعالى أن الهلال لا يستهل إلا ليلة ثلاثين من الشهر، أو ليلة إحدي وثلاثين، وأن الشهر لا يكون إلا ثلاثين، أو تسعة وعشرين‏.‏ فمن ظن أن الشهر يكون أكثر من ذلك أو أقل، فهو غالط‏.‏
    فكذلك أجري الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الاستسرار، وأن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار، ووقت إبداره هي الليالي البيض التي يستحب صيام أيامها‏:‏ ليلة الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر‏.‏ فالقمر لا يخسف إلا في هذه الليالي‏.‏

    ج/ 24 ص -256-والهلال يستسر آخر الشهر‏:‏ إما ليلة، وإما ليلتين‏.‏ كما يستسر ليلة تسع وعشرين، وثلاثين، والشمس لا تكسف إلا وقت استسراره‏.‏ وللشمس والقمر ليالي معتادة، من عرفها عرف الكسوف والخسوف‏.‏ كما أن من علم كم مضي من الشهر يعلم أن الهلال يطلع في الليلة الفلانية أو التي قبلها‏.‏
    لكن العلم بالعادة في الهلال علم عام، يشترك فيه جميع الناس، وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما، وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب، ولا من
    باب ما يخبر به من الأحكام التي يكون كذبه فيها أعظم من صدقه، فإن ذلك قول بلا علم ثابت، وبناء على غير أصل صحيح‏.‏
    وفي سنن أبي داود عن النبي ﷺ أنه قال‏:‏
    ‏"‏من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد‏"‏‏.‏ وفي صحيح مسلم عن النبي ﷺ أنه قال‏:‏ ‏"‏من أتي عرافا فسأله عن شيء فصدقه، لم يقبل الله صلاته أربعين يوما‏"‏‏.‏ والكهان أعلم بما يقولونه من المنجمين في الأحكام، ومع هذا صح عن النبي ﷺ أنه نهى عن إتيانهم، ومسألتهم، فكيف بالمنجم‏؟‏‏!‏ وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع، عن هذا الجواب‏.‏

    ج/ 24 ص -257-وأما ما يعلم بالحساب، فهو مثل العلم بأوقات الفصول، كأول الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء، لمحاذاة الشمس أوائل البروج، التي يقولون فيها أن الشمس نزلت في برج كذا‏:‏ أي حاذته‏.‏
    ومن قال من الفقهاء‏:‏ إن الشمس تكسف في غير وقت الاستسرار فقد غلط، وقال ما ليس له به علم‏.‏ وما يروي عن الواقدي من ذكره‏:‏ أن إبراهيم ابن النبي ﷺ مات يوم العاشر من الشهر، وهو اليوم الذي صلى فيه النبي ﷺ صلاة الكسوف، غلط‏.‏ والواقدي لا يحتج بمسانيده، فكيف بما أرسله من غير أن يسنده إلى أحد‏؟‏ وهذا فيما لم يعلم أنه خطأ، فأما هذا، فيعلم أنه خطأ‏.‏ ومن جوز هذا، فقد قفا ما ليس له به علم، ومن حاج في ذلك فقد حاج في ما ليس له به علم‏.‏
    وأما ما ذكره طائفة من الفقهاء من اجتماع صلاة العيد والكسوف، فهذا ذكروه في ضمن كلامهم فيما إذا اجتمع صلاة الكسوف وغيرها من الصلوات، فقد رأوا اجتماعها مع الوتر، والظهر، وذكروا صلاة العيد، مع عدم استحضارهم هل يمكن ذلك في العادة أو لا يمكن، فلا يوجد في تقديرهم ذلك العلم بوجود ذلك في الخارج، لكن استفيد من ذلك العلم، علم ذلك على تقدير وجوده، كما يقدرون مسائل يعلم أنها لا تقع لتحرير القواعد، وتمرين الأذهان على ضبطها‏.‏

    ج/ 24 ص -258-وأما تصديق المخبر بذلك وتكذيبه، فلا يجوز أن يصدق إلا أن يعلم صدقه، ولا يكذب إلا أن يعلم كذبه، كما قال النبي ﷺ‏:‏ ‏"‏إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوهم، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوهم‏"
    والعلم بوقت الكسوف والخسوف وإن كان ممكنا، لكن هذا المخبر المعين قد يكون عالما بذلك، وقد لا يكون‏.‏ وقد يكون ثقة في خبره، وقد لا يكون‏.‏ وخبر المجهول الذي لا يوثق بعلمه وصدقه ولا يعرف كذبه موقوف‏.‏ ولو أخبر مخبر بوقت الصلاة وهو مجهول? لم يقبل خبره، ولكن إذا تواطأ خبر أهل الحساب على ذلك فلا يكادون يخطئون، ومع هذا فلا يترتب على خبرهم علم شرعي، فإن صلاة الكسوف والخسوف لا تصلي إلا إذا شاهدنا ذلك، وإذا جوز الإنسان صدق المخبر بذلك، أو غلب على ظنه فنوي أن يصلي الكسوف والخسوف عند ذلك، واستعد ذلك الوقت لرؤية ذلك، كان هذا حثا من باب المسارعة إلى طاعة الله تعالى وعبادته، فإن الصلاة عند الكسوف متفق عليها بين المسلمين، وقد تواترت بها السنن عن النبي ﷺ، ورواها أهل الصحيح، والسنن، والمسانيد من وجوه كثيرة‏.‏ واستفاض عنه أنه صلى بالمسلمين صلاة الكسوف يوم مات ابنه إبراهيم‏.‏

    ج/ 24 ص -259-وكأن بعض الناس ظن أن كسوفها كان، لأن إبراهيم مات، فخطبهم النبي ﷺ، وقال‏:‏ ‏"‏إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتموهما، فافزعوا إلى الصلاة‏"‏‏.‏ وفي رواية في الصحيح‏:‏ ‏"‏ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده‏"‏‏.‏ وهذا بيان منه ﷺ أنهما سبب لنزول عذاب بالناس، فإن الله إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه، وعصوا رسله، وإنما يخاف الناس مما يضرهم، فلولا إمكان حصول الضرر بالناس عند الخسوف، ما كان ذلك تخويفاً، قال تعالى ‏"وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا‏"‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 59‏]‏، وأمر النبي ﷺ بما يزيل الخوف، أمر بالصلاة والدعاء، والاستغفار، والصدقة، والعتق، حتى يكشف ما بالناس، وصلى بالمسلمين في الكسوف صلاة طويلة‏.‏
    وقد روي في صفة صلاة الكسوف أنواع، لكن الذي استفاض عند أهل العلم بسنة رسول الله ﷺ، ورواه البخاري ومسلم من غير وجه، وهو الذي استحبه أكثر أهل العلم كمالك، والشافعي، وأحمد ‏:‏ أنه صلى بهم ركعتين، في كل ركعة ركوعان، يقرأ قراءة طويلة، ثم يركع ركوعاً طويلا، دون القراءة، ثم يقوم فيقرأ قراءة طويلة دون القراءة الأولى، ثم يركع ركوعاً دون الركوع

    ج/ 24 ص -260-الأول، ثم يسجد سجدتين طويلتين‏.‏ وثبت عنه في الصحيح‏:‏ أنه جهر بالقراءة فيها‏.‏
    والمقصود أن تكون الصلاة وقت الكسوف إلى أن يتجلى، فإن فرغ من الصلاة قبل التجلي، ذكر الله ودعاه، إلى أن يتجلى‏.‏
    والكسوف يطول زمانه تارة، ويقصر أخري، بحسب ما يكسف منها، فقد تكسف كلها، وقد يكسف نصفها، أو ثلثها‏.‏ فإذا عظم الكسوف طول الصلاة، حتى يقرأ بالبقرة ونحوها، في أول ركعة، وبعد الركوع الثاني يقرأ بدون ذلك‏.‏
    وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ بما ذكرناه كله مثل ما في الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري قال‏:‏ انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن النبي ﷺ‏.‏ فقال الناس‏:‏ انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله ﷺ‏:‏
    ‏"‏إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله، وإلى الصلاة‏"‏‏.‏ وفي الصحيح عن أبي موسى أنه ﷺ قال‏:‏ ‏"‏هذه الآيات التي يرسلها الله لا تكون لموت أحد، ولا لحياته، ولكن الله يخوف بها عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك، فافزعوا إلى ذكره،

    ج/ 24 ص -261-ودعائه، واستغفاره‏"‏‏.‏ وفي الصحيحين من حديث جابر أنه ﷺ قال‏:‏ ‏"‏إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى ينجلي‏"‏‏.‏ وفي رواية عن أبي مسعود‏:‏ ‏"‏فإذا رأيتم شيئاً منها، فصلوا وادعوا، حتى يكشف ما بكم‏"‏‏.‏ وفي رواية لعائشة‏:‏ ‏"‏فصلوا حتى يفرج الله ما بكم‏"‏‏.‏
    وفي الصحيحين عن عائشة‏:‏ أن الشمس خسفت على عهد رسول الله ﷺ، فخرج رسول الله ﷺ إلى المسجد، فقام وكبر، وصف الناس وراءه، فاقترأ رسول الله ﷺ قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعا طويلا، ثم رفع رأسه، فقال‏:‏ سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد‏.‏ ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً هو أدنى من الركوع الأول ثم قال‏:‏ سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم سجد، ثم فعل في الركعة الأخري مثل ذلك، حتى استكمل أربع ركعات، وأربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف‏.‏
    وقد جاء إطالته للسجود في حديث صحيح، وكذلك الجهر بالقراءة، لكن روي في القراءة المخافتة، والجهر أصح‏.‏ وأما تطويل السجود، فلم

    ج/ 24 ص -262-يختلف فيه الحديث، لكن في كل حديث زيادة ليست في الآخر، والأحاديث الصحيحة كلها متفقة لا تختلف‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل رحمه الله عن المطر، والرعد، والزلازل، على قول أهل الشرع، وعلى قول الفلاسفة‏.‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله رب العالمين، أما المطر‏:‏ فإن الله يخلقه في السماء من السحاب، ومن السحاب ينزل،كما قال تعالى‏:‏‏
    "أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ‏"‏ ‏[‏الواقعة‏:‏68،69‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏"وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا‏"‏ ‏[‏النبأ‏:‏14‏]‏،وقال تعالى‏:‏‏"فَتَرَي الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ‏"‏[‏النور‏:‏43‏]‏‏.‏أي‏:‏ من خلال السحاب‏.‏
    وقوله في غير موضع من السماء‏:‏ أي من العلو، والسماء اسم جنس للعالي، قد يختص بما فوق العرش تارة، وبالأفلاك تارة، وبسقف البيت تارة، لما يقترن باللفظ، والمادة التي يخلق منها المطر هي الهواء الذي في الجو تارة، وبالبخار المتصاعد من الأرض تارة، وهذا ما ذكره علماء المسلمين، والفلاسفة يوافقون عليه‏.‏

    ج/ 24 ص -263-فصل
    وأما ‏[‏الرعد والبرق‏]‏، ففي الحديث المرفوع في الترمذي وغيره، أنه سئل عن الرعد قال‏:‏
    ‏"‏ملك من الملائكة موكل بالسحاب، معه مخاريق من نار، يسوق بها السحاب حيث شاء الله‏"‏‏.‏ وفي مكارم الأخلاق للخرائطي‏:‏ عن على أنه سئل عن الرعد فقال‏:‏ ملك‏.‏
    وسئل عن البرق فقال‏:‏ مخاريق بأيدي الملائكة‏.‏ وفي رواية عنه‏:‏ مخاريق من حديد بيده‏.‏ وروي في ذلك آثار كذلك‏.‏
    وقد روي عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك، كقول من يقول‏:‏ إنه اصطكاك أجرام السحاب، بسبب انضغاط الهواء فيه، فإن هذا لا يناقض ذلك، فإن الرعد مصدر رعد يرعد رعداً‏.‏ وكذلك الراعد يسمى رعداً‏.‏ كما يسمى العادل عدلا‏.‏ والحركة توجب الصوت‏.‏ والملائكة هي التي تحرك السحاب، وتنقله من مكان إلى مكان‏.‏ وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة‏.‏ وصوت الإنسان هو عن اصطكاك أجرامه الذي هو شفتاه، ولسانه، وأسنانه

    ج/ 24 ص -264-ولهاته، وحلقه‏.‏ وهو مع ذلك يكون مسبحا للرب‏.‏ وآمرا بمعروف وناهيا عن منكر‏.‏
    فالرعد إذًا صوت يزجر السحاب‏.‏ وكذلك البرق قد قيل‏:‏ لمعان الماء، أو لمعان النار، وكونه لمعان النار أو الماء لا ينافي أن يكون اللامع مخراقا بيد الملك، فإن النار التي تلمع بيد الملك، كالمخراق، مثل مزجي المطر‏.‏ والملك يزجي السحاب كما يزجي السائق للمطي‏.‏
    والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عبادة، كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات، والحوادث لها أسباب وحكم، فكونها آية يخوف الله بها عباده، هي من حكمة ذلك‏.‏
    وأما أسبابه‏:‏ فمن أسبابه انضغاط البخار في جوف الأرض، كما ينضغط الريح والماء في المكان الضيق‏.‏ فإذا انضغط طلب مخرجا، فيشق ويزلزل ما قرب منه من الأرض‏.‏
    وأما قول بعض الناس‏:‏ إن الثور يحرك رأسه فيحرك الأرض، فهذا جهل، وإن نقل عن بعض الناس، وبطلانه ظاهر، فإنه لو كان كذلك لكانت الأرض كلها تزلزل، وليس الأمر كذلك‏.‏ والله أعلم‏.‏


    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة PDF
    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة XML