ج/ 21 ص -623-بَاب الحَيْض
وَسُئِل شيخُ الإِسلام عما يروي عن النبي ﷺ أنه قال: الحيض للجارية البكر ثلاثة أيام ولياليهن، وأكثره خمسة عشر: هل هو صحيح؟ وما تأويله على مذهب الشافعي وأحمد؟
فأجاب:
أما نقل هذا الخبر عن النبي ﷺ فهو باطل، بل هو كذب موضوع، باتفاق علماء الحديث. ولكن هو مشهور عن أبي الخلد عن أنس، وقد تكلم في أبي الخلد.
وأما الذين يقولون: أكثر الحيض خمسة عشر، كما يقوله: الشافعي وأحمد، ويقولون: أقله يوم، كما يقوله الشافعي وأحمد. أو لا حد له كما يقوله مالك، فهم يقولون: لم يثبت عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه في هذا شيء، والمرجع في ذلك إلى العادة، كما قلنا. واللّه أعلم.
ج/ 21 ص -624-وَسُئِل عن جماع الحائض هل يجوز أم لا ؟
فأجاب:
وطء الحائض لا يجوز باتفاق الأئمة، كما حرم اللّه ذلك ورسوله ﷺ فإن وطئها وكانت حائضاً، ففي الكفارة عليه نزاع مشهور، وفي غسلها من الجنابة دون الحيض نزاع بين العلماء، ووطء النفساء كوطء الحائض حرام باتفاق الأئمة.
لكن له أن يستمتع من الحائض والنفساء بما فوق الإزار. وسواء استمتع منها بفمه أو بيده أو برجله، فلو وطئها في بطنها واستمني جاز. ولو استمتع بفخذيها ففي جوازه نزاع بين العلماء. واللّه أعلم.
وَسُئِل عن المرأة تطهر من الحيض، ولم تجد ماء تغتسل به، هل لزوجها أن يطأها قبل غسلها من غير شرط؟
فأجاب:
أما المرأة الحائض إذا انقطع دمها، فلا يطؤها زوجها حتى
ج/ 21 ص -625-تغتسل. إذا كانت قادرة على الاغتسال، وإلا تيممت. كما هو مذهب جمهور العلماء كمالك وأحمد والشافعي.
وهذا معني ما يروي عن الصحابة حيث روي عن بضعة عشر من الصحابة منهم الخلفاء أنهم قالوا: في المعتدة: هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
والقرآن يدل على ذلك، قال اللّه تعالى: "وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ" [ البقرة:222]، قال مجاهد: حتي يطهرن، يعني ينقطع الدم، فإذا تطهرن اغتسلن بالماء، وهو كما قال مجاهد. وإنما ذكر اللّه غايتين على قراءة الجمهور؛ لأن قوله: "حَتَّىَ يَطْهُرْنَ" غاية التحريم الحاصل بالحيض، وهو تحريم لا يزول بالاغتسال ولا غيره، فهذا التحريم يزول بانقطاع الدم، ثم يبقي الوطء بعد ذلك جائزاً بشرط الاغتسال، لا يبقي محرماً على الاطلاق، فلهذا قال: "فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ". وهذا كقوله : "فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ" [البقرة:230]، فنكاح الزوج الثاني غاية التحريم الحاصل بالثلاث، فإذا نكحت الزوج الثاني زال ذلك التحريم، لكن صارت في عصمة الثاني، فحرمت لأجل حقه، لا لأجل الطلاق الثلاث. فإذا طلقها جاز للأول أن يتزوجها.
ج/ 21 ص -626-وقد قال بعض أهل الظاهر : المراد بقوله: "فَإِذَا تَطَهَّرْنَ" أي: غسلن فروجهن، وليس بشيء؛ لأن اللّه قد قال: "وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ" [المائدة: 6]، فالتطهر في كتاب اللّه هو الاغتسال، وأما قوله: "إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" [البقرة: 222]، فهذا يدخل فيه المغتسل والمتوضيء والمستنجي، لكن التطهر المقرون بالحيض كالتطهر المقرون بالجنابة. والمراد به الاغتسال.
وأبو حنيفة رحمه اللّه يقول: إذا اغتسلت، أو مضي عليها وقت صلاة، أو انقطع الدم لعشرة أيام حلت، بناء على أنه محكوم بطهارتها في هذه الأحوال. وقول الجمهور هو الصواب. كما تقدم واللّه أعلم.
وَسئل رَحمه اللّه عن إتيان الحائض قبل الغسل؟ وما معني قول أبي حنيفة: فإن انقطع الدم لأقل من عشرة أيام لم يجز وطؤها حتي تغتسل؟ وإن انقطع دمها لعشرة أيام جاز وطؤها قبل الغسل؟ وهل الأئمة موافقون على ذلك ؟
فأجاب:
أما مذهب الفقهاء كمالك والشافعي وأحمد فإنه لا يجوز
ج/ 21 ص -627-وطؤها حتي تغتسل. كما قال تعالى: "وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ" [البقرة: 222]، وأما أبو حنيفة فيجِّوز وطأها إذا انقطع لأكثر الحيض، أو مر عليها وقت الصلاة فاغتسلت، وقول الجمهور هو الذي يدل عليه ظاهر القرآن والآثار.
وَسُئلَ عن الحديثين المتفق عليهما في الصحيحين:
أحدهما عن عائشة رضي اللّه عنها أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي ﷺ فقالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال: "إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي" وفي رواية: "وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي".
والحديث الثاني عن عائشة أيضاً رضي اللّه عنها : أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين، فسألت رسول اللّه ﷺ عن ذلك، فأمرها أن تغتسل لكل صلاة. فهل كانت تغتسل الغسل الكامل المشروع؟ أم كانت تغسل الدم وتتوضأ؟ ومع هذا
ج/ 21 ص -628-فهل كانت ناسية لأيام الحيض؟ أم كانت مبتدأة ؟ وهل نسخ أحد الحديثين الآخر ؟ وأيهما كان الناسخ؟ وهل إذا ابتليت المرأة بما ابتليت به أم حبيبة أن تغتسل الغسل الكامل؟ وإذا أمرت بالغسل فيكون هذا من الحرج العظيم، وقد قال اللّه تعالى : "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" [الحج: 78]. وهل في ذلك نزاع بين الأئمة؟
فأجاب :
ليس أحد الحديثين ناسخاً للآخر، ولا منافاة بينهما.
فإن الحديث الأول: فيمن كانت لها عادة تعلم قدرها، فإذا استحيضت قعدت قدر العادة، ولهذا قال : "فدعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها" وقال: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي" وبهذا الحديث أخذ جمهور العلماء في المستحاضة المعتادة. أنها ترجع إلى عادتها، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي والإمام أحمد.
لكنهم متنازعون لو كانت مميزة تميز الدم الأسود من الأحمر: فهل تقدم التمييز على العادة، أم العادة على التمييز؟
فمنهم من يقدم التمييز على العادة. وهو مذهب الشافعي وأحمد في إحدي الروايتين.
والثاني: في أنها تقدم العادة، وهو ظاهر الحديث، وهو مذهب
ج/ 21 ص -629-أبي حنيفة وأحمد في أظهر الروايتين عنه، بل أبو حنيفة لم يعتبر التمييز كما أن مالكا لم يعتبر العادة، لكن الشافعي وأحمد يعتبران هذا وهذا والنزاع في التقديم.
وأما الحديث الثاني: فليس فيه أن النبي ﷺ، أمرها أن تغتسل لكل صلاة، ولكن أمرها بالغسل مطلقاً، فكانت هي تغتسل لكل صلاة، والغسل لكل صلاة مستحب، ليس بواجب عند الأئمة الأربعة، وغيرهم، إذا قعدت أياماً معلومة هي أيام الحيض ثم اغتسلت، كما تغتسل من انقطع حيضها ثم صلت وصامت في هذه الاستحاضة، بل الواجب عليها أن تتوضأ عند كل صلاة من الصلوات الخمس عند الجمهور، كأبي حنيفة والشافعي وأحمد. وأما مالك فعنده ليس عليها وضوء ولا غسل، فإن دم الاستحاضة لا ينقض الوضوء عنده لا هو ولا غيره من النادرات، وقد احتج الأكثرون بما في الترمذي وغيره أن النبي ﷺ أمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة.
وهذه المستحاضة الثانية لم تكن مبتدأة، وإن كان ذلك قد ظنه بعض الناس، فإنها كانت عجوزاً كبيرة، وإنما حملوا أمرها على أنها كانت ناسية لعادتها، وفي السنن: "أنها أمرت أن تحيض ستاً أو سبعاً" كما جاء ذلك في حديث سلمة بنت سهل،وبهذا احتج الإمام
ج/ 21 ص -630-أحمد وغيره على أن المستحاضة المتحيرة تجلس ستاً أو سبعاً، وهو غالب الحيض.
وفي المستحاضة عن النبي ﷺ ثلاث سنن: سنة في العادة لم تقدم، وسنة في المميزة وهو قوله: "دم الحيض أسود يعرف" وسنة في غالب الحيض، وهو قوله: "تحيضي ستاً أو سبعاً، ثم اغتسلي، وصلي ثلاثاً وعشرين، أو أربعاً وعشرين، كما تحيض النساء، ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن".
والعلماء لهم في الاستحاضة نزاع فإن أمرها مشكل لاشتباه دم الحيض بدم الاستحاضة، فلابد من فاصل يفصل هذا من هذا.
والعلامات التي قيل بها ستة:
إما العادة: فإن العادة أقوي العلامات؛ لأن الأصل مقام الحيض دون غيره.
وإما التمييز؛ لأنه الدم الأسود والثخين المنتن أولي أن يكون حيضاً من الأحمر.
وأما اعتبار غالب عادة النساء؛ لأن الأصل إلحاق الفرد بالأعم
ج/ 21 ص -631-الأغلب، فهذه العلامات الثلاث تدل عليها السنة والاعتبار، ومن الفقهاء من يجلسها ليلة وهو أقل الحيض، ومنهم من يجلسها الأكثر؛ لأنه أصل دم الصحة. ومنهم من يلحقها بعادة نسائها.
وهل هذا حكم الناسية؛ أو حكم المبتدأة والناسية جميعاً فيه نزاع؟ وأصوب الأقوال اعتبار العلامات التي جاءت بها السنة، وإلغاء ما سوي ذلك.
وأما المتحيرة فتجلس غالب الحيض، كما جاءت به السنة، ومن لم يجعل لها دماً محكوماً بأنه حيض، بل أمرها بالاحتياط مطلقاً، فقد كلفها أمراً عظيماً لا تأتي الشريعة بمثله، وفي تبغيض عبادة اللّه إلى أهل دين اللّه، وقد رفع اللّه الحرج عن المسلمين، وهو من أضعف الأقوال جداً.
وأصل هذا: أن الدم باعتبار حكمه لا يخرج عن خمسة أقسام:
دم مقطوع بأنه حيض، كالدم المعتاد الذي لا استحاضة معه.
ودم مقطوع بأنه استحاضة، كدم الصغيرة.
ودم يحتمل الأمرين، لكن الأظهر أنه حيض. وهو دم المعتادة
ج/ 21 ص -632-والمميزة ونحوهما من المستحاضات، الذي يحكم بأنه حيض.
ودم يحتمل الأمرين، والأظهر أنه دم فساد. وهو الدم الذي يحكم بأنه استحاضة من دماء هؤلاء.
ودم مشكوك فيه لا يترجح فيه أحد الأمرين، فهذا يقول به طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما، فيوجبون على من أصابها أن تصوم وتصلي ثم تقضي الصوم. والصواب أن هذا القول باطل لوجوه:
أحدها: أن اللّه تعالى يقول : "وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ" [التوبة: 115]، فاللّه تعالى قد بين للمسلمين في المستحاضة وغيرها ما تتقيه من الصلاة والصيام في زمن الحيض، فكيف يقال: إن الشريعة فيها شك مستمر يحكم به الرسول وأمته؟! نعم، قد يكون شك خاص ببعض الناس. كالذي يشك هل أحدث أم لا، كالشبهات التي لا يعلمها كثير من الناس، فأما شك وشبهة تكون في نفس الشريعة فهذا باطل، والذين يجعلون هذ دم شك يجعلون ذلك حكم الشرع، لا يقولون: نحن شككنا، فإن الشاك لا علم عنده فلا يجزم، وهؤلاء يجزمون بوجوب الصيام وإعادته لشكهم.
الوجه الثاني : أن الشريعة ليس فيها إيجاب الصلاة مرتين، ولا
ج/ 21 ص -633-الصيام مرتين، إلا بتفريط من العبد. فأما مع عدم تفريطه، فلم يوجب اللّه صوم شهرين في السنة، ولا صلاة ظهرين في يوم، وهذا مما يعرف به ضعف قول من يوجب الصلاة، ويوجب إعادتها. فإن هذا أصل ضعيف. كما بسط القول عليه في غير هذا الموضع.
ويدخل في هذا من يأمر بالصلاة خلف الفاسق وإعادتها، وبالصلاة مع الأعذار النادرة التي لا تتصل وإعادتها. ومن يأمر المستحاضة بالصيام مرتين ونحو ذلك مما يوجد في مذهب الشافعي وأحمد في أحد القولين.
فإن الصواب ما عليه جمهور المسلمين أن من فعل العبادة كما أمر بحسب وسعه، فلا إعادة عليه، كما قال تعالى: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" [التغابن: 16]. ولم يعرف قط أن رسول اللّه ﷺ أمر العبد أن يصلي الصلاة مرتين، لكن يأمر بالإعادة من لم يفعل ما أمر به مع القدرة على ذلك، كما قال للمسيء في صلاته : "ارجع فصل فإنك لم تصل"، وكما أمر من صلي خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة. فأما المعذور كالذي يتيمم لعدم الماء، أو خوف الضرر باستعماله لمرض أو لبرد، وكالاستحاضة، وأمثال هؤلاء، فإن سنة رسول اللّه ﷺ في هؤلاء أن يفعلوا ما يقدرون عليه بحسب استطاعتهم، ويسقط عنهم ما يعجزون عنه،بل سنته فيمن كان لم يعلم الوجوب أنه لا قضاء
ج/ 21 ص -634-عليه؛ لأن التكليف مشروط بالتمكن من العلم والقدرة على الفعل.
ولهذا لم يأمر عمر وعماراً بإعادة الصلاة، لما كان جنبين. فعمر لم يصل، وعمار تمرغ كما تتمرغ الدابة، ظَناً أن التراب يصل إلى حيث يصل الماء، وكذلك الذين أكلوا من الصحابة حتي تبين لهم الحبال السود من البيض لم يأمرهم بالإعادة . وكذلك الذين صلوا إلى غير الكعبة قبل أن يبلغهم الخبر الناسخ لم يأمرهم بالإعادة، وكان بعضهم بالحبشة،وبعضهم بمكة، وبعضهم بغيرها، بل بعض من كان بالمدينة صلوا بعض الصلاة إلى الكعبة، وبعضها إلى الصخرة ولم يأمرهم بالإعادة، ونظائرها متعددة.
فمن استقرأ ما جاء به الكتاب والسنة تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل، فمن كان عاجزاً عن أحدهما سقط عنه ما يعجزه، ولا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها.
ولهذا عذر المجتهد المخطئ لعجزه عن معرفة الحق في تلك المسألة، وهذا بخلاف المفرط المتمكن من فعل ما أمر به، فهذا هو الذي يستحق العقاب؛ ولهذا قال النبي ﷺ لعمران ابن حصين: "صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" . وهذه قاعدة كبيرة تحتاج إلى بسط ليس هذا موضعه.
ج/ 21 ص -635-ومقصود السائل ما يتعلق بالمستحاضة، وقد بينا أن الصواب أنه ليس عليها في صورة من الصور أن تصوم وتقضي الصوم. كما يقوله في بعض الصور من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما، وأنه ليس عليها أن تغتسل لكل صلاة باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم. واللّه أعلم.
وَسُئِلَ عن امرأة نُفَسَاء لم تغتسل: فهل يجوز وطؤها قبل الغسل أم لا؟
فأجاب:
لا يجوز وطء الحائض والنفساء حتي يغتسلا، فإن عدمت الماء أو خافت الضرر باستعمالها الماء لمرض أو برد شديد تتيمم، وتوطأ بعد ذلك، هذا مذهب جماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد. وقد دل على ذلك القرآن بقوله تعالى: "وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ" [البقرة: 222]، أي ينقطع الدم، فإذا تطهرن: أي اغتسلن بالماء. كما قال : "وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ" [المائدة: 6]، وقد روي ما يدل على ذلك عن أكابر الصحابة كعمر وعثمان وعلى وابن مسعود وأبي موسي وغيرهم حيث جعلوا الزوج أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
وأما أبو حنيفة: فمذهبه: إن انقطع الدم لعشرة أيام أو أكثر، ومر عليها وقت صلاة، أو اغتسلت وطئها، وإلا فلا. واللّه أعلم.
ج/ 21 ص -636-وَسئل رَحمه اللّه عن امرأة نُفَسَاء : هل يجوز لها قراءة القرآن في حال النفاس؟ وهل يجوز وطؤها قبل انقضاء الأربعين أم لا وهل إذا قضت الأربعين ولم تغتسل فهل يجوز وطؤها بغير غسل أم لا؟
فأجاب:
الحمد للّه. أما وطؤها قبل أن ينقطع الدم، فحرام باتفاق الأئمة. وإذا انقطع الدم بدون الأربعين فعليها أن تغتسل وتصلي، لكن ينبغي لزوجها ألا يقربها إلى تمام الأربعين.
وأما قراءتها القرآن، فإن لم تخف النسيان فلا تقرؤه . وأما إذا خافت النسيان فإنها تقرؤه في أحد قولي العلماء. وإذا انقطع الدم واغتسلت، قرأت القرآن وصلت بالاتفاق، فإن تعذر اغتسالها لعدم الماء أو لخوف ضرر لمرض ونحوه، فإنها تتيمم وتفعل بالتيمم ما تفعل بالاغتسال واللّه أعلم.
آخر المجلد الحادي والعشرين