ج/ 21 ص -295-بَابّ الغُسْل
سئل رَحمه الله عن غسل الجنابة: هل هو فرض أم لا؟ وهل يجوز لأحد الصلاة جنبًا ولا يعيد؟
فأجاب:
الطهارة من الجنابة فرض، ليس لأحد أن يصلي جنبًا ولا محدثًا، حتى يتطهر، ومن صلى بغير طهارة شرعية مستحلاً لذلك فهو كافر، ولو لم يستحل ذلك فقد اختلف في كفره، وهو مستحق للعقوبة الغليظة، لكن إن كان قادرًا على الاغتسال بالماء اغتسل، وإن كان عادمًا للماء، ويخاف الضرر باستعماله بمرض، أو خوف برد تيمم، وصلى.
وإن تعذر الغسل والتيمم صلى بلا غسل ولا تيمم، في أظهر أقوال العلماء، ولا إعادة عليه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ج/ 21 ص -296-وَسُئِلَ عن رجل يلاعب امرأته، ثم بعد ساعة يبول، فيخرج شبه المني بألم وعصر، فهل يجب عليه الغسل؟
فأجاب:
المني الذي يوجب الغسل هو الذي يخرج بشهوة، وهو أبيض غليظ، تشبه رائحته رائحة الطَّلع.
فأما المني الذي يخرج بلا شهوة، إما لمرض، أو غيره، فهذا فاسد لا يوجب الغسل عند أكثر العلماء: كمالك، وأبي حنيفة وأحمد. كما أن دم الاستحاضة لا يوجب الغسل، والخارج عقيب البول تارة مع ألم، أو بلا ألم، هو من هذا الباب، لا غسل فيه عند جمهور العلماء. والله أعلم.
وَسُئِلَ عن امرأة قيل لها: إذا كان عليك نجاسة من عذر النساء، أو من جنابة لا تتوضئي إلا تمسحي بالماء من داخل الفرج، فهل يصح ذلك؟
ج/ 21 ص -297-فأجاب:
الحمد للَّه، لا يجب على المرأة إذا اغتسلت من جنابة أو حيض غسل داخل الفرج، في أصح القولين، والله أعلم.
وَسُئِلَ عن امرأتين تباحثتا، فقالت إحداهما: يجب على المرأة أن تدس إصبعها، وتغسل الرحم من داخل. وقالت الأخرى: لا يجب إلا غسل الفرج من ظاهر، فأيهما على الصواب؟
فأجاب:
الصحيح أنه لا يجب عليها ذلك، وإن فعلت جاز.
وَسُئِلَ عن امرأة تضع معها دواء وقت المجامعة، تمنع بذلك نفوذ المني في مجاري الحبل، فهل ذلك جائز حلال أم لا؟ وهل إذا بقي ذلك الدواء معها بعد الجماع ولم يخرج يجوز لها الصلاة والصوم بعد الغسل، أم لا؟
فأجاب:
أما صومها وصلاتها فصحيحة، وإن كان ذلك الدواء
ج/ 21 ص -298-
في جوفها، وأما جواز ذلك ففيه نزاع بين العلماء، والأحوط أنه لا يفعل. والله أعلم.
وَسُئِل: هل صح عن النبي ﷺ أنه كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد، وما قدر ذلك؟ وهل تكره الزيادة على هذا مع اختلاف أحوالهم، وهل يكرر الصب على وجهه في الوضوء؟
فأجاب:
الصاع بالرطل الدمشقي: رطل وأوقيتان تقريبًا، والمد ربع ذلك. وهذا مع الاقتصاد والرفق يكفي غالب الناس، وإن احتاج إلى الزيادة أحيانًا لحاجة فلا بأس بذلك.
لكن من فقه الرجل قلة ولوعه بالماء، وما ذكر من تكثير الاغتراف مكروه، بل إذا غرف الماء يرسله على وجهه إرسالا من أعالى الوجه إلى أسفله برفق. واللّه أعلم.
ج/ 21 ص -299-وَسُئِلَ عن رجل اغتسل، ولم يتوضأ فهل يجزيه ذلك، أم لا؟
فأجاب:
الأفضل أن يتوضأ، ثم يغسل سائر بدنه، ولا يعيد الوضوء كما كان النبي ﷺ يفعل.
ولو اقتصر على الاغتسال من غير وضوء، أجزأه ذلك في المشهور من مذهب الأئمة الأربعة، لكن عند أبي حنيفة وأحمد: عليه المضمضة والاستنشاق، وعند مالك والشافعي ليس عليه ذلك، وهل ينوى رفع الحدثين، فيه نزاع بين العلماء. والله أعلم.
ج/ 21 ص -300-وَقَالَ رَحمه الله:
فَصْل
في الحمَّام
قد كره الإمام أحمد بناء الحمام، وبيعه، وشراءه، وكراءه، وذلك لاشتماله على أمور محرمة كثيرًا، أو غالبًا، مثل كشف العورات ومسها والنظر إليها، والدخول المنهي عنه إليها، كنهي النساء، وقد تشتمل على فعل فواحش كبيرة وصغيرة بالنساء، والرجال. وجاء في الحديث الذي رواه الطبراني: "إن الشيطان قال: يارب اجعل لي بيتا، قال: بيتك الحمام". ومن المنكرات التي يكثرها فيها تصوير الحيوان في حيطانها، وهذا متفق عليه.
قلت: قد كتبت في غير هذا الموضع: أنه لابد من تقييد ذلك بما إذا لم يحتج إليها، فأقول هنا: إن جوابات أحمد ونصوصه إما أن تكون مقيدة في نفسه، بأن يكون خرج كلامه على الحمامات التي يعهدها في العراق والحجاز واليمن، وهي جمهور البلاد التي انتابها، فإنه لم يذهب
ج/ 21 ص -301-إلى خراسان، ولم يأت إلى غير هذه البلاد إلا مرة في مجيئه إلى دمشق. وهذه البلاد المذكورة الغالب عليها الحر، وأهلها لا يحتاجون إلى الحمام غالبًا؛ ولهذا لم يكن بأرض الحجاز حمام على عهد رسول الله ﷺ وخلفائه. ولم يدخل النبي ﷺ حماما. ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان. والحديث الذي يروى: أن النبي ﷺ دخل الحمام موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث. ولكنّ علىّ لما قدم العراق كان بها حمامات، وقد دخل الحمام غير واحد من الصحابة، وبنى بالجحفة حمام دخلها ابن عباس وهو محرم.
وإما أن يكون جواب أحمد كان مطلقا في نفسه، وصورة الحاجة لم يستشعرها نفيًا، ولا إثباتًا، فلا يكون جوابه متناولا لها، فلا يحكى عنه فيها كراهة.
وإما أن يكون قصد بجوابه المنع العام عند الحاجة وعدمها، وهذا أبعد المحامل الثلاثة أن يحمل عليه كلامه، فإن أصوله وسائر نصوصه في نظائر ذلك تأبي ذلك، وهو أيضًا مخالف لأصول الشريعة، وقد نقل عنه أنه لما مرض وصف له الحمام.
وكان أبو عبد الله لا يدخل الحمام اقتداء بابن عمر، فإنه كان لا يدخلها، ويقول هي: من رقيق العيش، وهذا ممكن في أرض
ج/ 21 ص -302-يستغنى أهلها عن الحمام، كما يمكن الاستغناء عن الفِرَاء والحشايا في مثل تلك البلاد.
والكلام في فصلين:
أحدهما: في تفصيل حكم ما ذكر من بنائها وبيعها وإجارتها، والأقسام أربعة:
فإنه لا يخلو: إما أن يحتاج إليها من غير محظور، أو لا يحتاج إليها ولا محظور، أو يحتاج إليها مع المحظور، أو يكون هناك محظور من غير حاجة.
فأما الأول، فلا ريب في الجواز؛ مثل أن يبنى الرجل لنفسه وأهله حماما في البلاد الباردة، ولا يفعل فيها ما نهي الله عنه، فهنا حاجة. أو مثل أن يقدر بناء حمام عامة، في بلاد باردة، وصيانتها عن كل محظور، فإن البناء والبيع والكراء هنا بمنزلة دخول الرجل إلى الحمام الخاصة، أو المشتركة مع غض بصره، وحفظ فرجه وقيامه بما يجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا لا ريب في جوازه، وقد دخلها غير واحد من الصحابة.
وأحاديث الرخصة فيها مشهورة. كحديث أبي سعيد الخدرى الذي
ج/ 21 ص -303-رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، عن النبي ﷺ أنه قال: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" وعلى هذا اعتمدوا في الصلاة في الحمام. وقد أرسله طائفة، وأسنده آخرون، وحكموا له بالثبوت، واستثناؤه الحمام من الأرض، كاستثنائه المقبرة، في كونها مسجدًا دليل على إقرارها في الأرض، وأنه لا ينهي عن الانتفاع بها مطلقا؛ إذ لو كان يجب إزالتها ويحرم بناؤها ودخولها لم تخص الصلاة بالمنع.
والنهي عن الصلاة في الحمام قد قال بعض الأصحاب: كأبي بكر، والقاضي: إنه يعيد. قيل: لأنه محل الشياطين، وفيه وجه. وهو التعليل بمظنة النجاسة، والمشهور أن المنع يتناول ما يدخل في البيع، وهو المشْلَح، والمغتسل، والأندر.
وقد يقال: الحمام فعال من الحم، وهو المكان الذي فيه الهواء الحار، والماء الحار يتعرضن فيه.
فأما المشلح الذي توضع فيه الثياب، وهو بارد لا يغتسل فيه، ولا يقعد فيه إلا المتلبس، فليس هو مكان حمام، والدخول في المنع لا يصلح له تعليل.
ج/ 21 ص -304-وقد بينا أن المقبرة وأعطان الإبل تصح الصلاة فيهما على الصحيح؛ لعدم تناول اللفظ والمعنى، وإن دخل في المنع إلا أنه يقال: لفظ الحمام يعم هذا كله، ولا يعرف حمام ليس فيها هذا المكان. وتخلع فيه الثياب هذه هي الحمامات المعروفة، والحمامات الموجودة على عهد النبي ﷺ التي يتناولها لفظ الاستثناء الشياطين يتناول ذلك كله. كما أن صحن المسجد هو تبع للمسجد، ويشبه أن يكون الكلام فيها، كالكلام في رحبة المسجد، فإن الرحبة الخارجة عن سور المسجد غير الرحبة التي هي صحن مكشوف بجانب المسقوف من المسجد المعد للصلاة، فهذا الثاني نسبته إليه تشبه نسبة خارج الحمام إلى داخله.
وإذا تبين هذا فنقول: إنما تكون الحجة أن لو علم أن النبي ﷺ وخلفاءه أمكنهم دخوله فلم يدخلوه، وإلا فإذا احتمل مع الإمكان الدخول وعدمه لم يكن فيه حجة. وأما الصحابة فقد روي عن ابن عمر أنه لم يدخلها، وكان يقول: هي مما أحدث الناس من رقيق العيش، وهذا تنبيه على ما أحدثه الناس من أنواع الفضول التي لم تكن على عهد النبي ﷺ، وهذا قاله ابن عمر في أرض الحجاز، وبهذا اقتدى أحمد. وهذا ترك لها من
ج/ 21 ص -305-باب الزهد في فضول المباح. والزهد المشروع هو ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة، ولا ريب أنه إذا لم يكن دخول الحمام مما ينتفع به في أعمال الآخرة كان تركه زهدًا مشروعًا.
ولتركه وجه آخر: وهو أن يكون على سبيل الورع، والورع المشروع هو ترك ما قد يضر في الدار الآخرة، وهذا منه ورع واجب كترك المحرم، ومنه ما هو دون ذلك وهو ترك المشتبهات، التي لا يعلمها كثير من الناس، وغيرها من المكروهات.
ولا ريب أن في دخول الحمام ما قد يكون محرمًا، إذا اشتمل على فعل محرم، من كشف العورة، أو تعمد النظر إلى عورة الغير، أو تمكن الأجنبي من مس عورته، أو مس عورة الأجنبي، أو ظلم الحمامى بمنع حقه، وصب الماء الزائد على ما اقتضته المعاوضة، أو المكث فوق ما يقابل العوض المبذول له بدون رضاه، أو فعل الفواحش فيها، أو الأقوال المحرمة التي تفعل كثيرًا فيها، أو تفويت الصلوات المكتوبات.
ومنه ما قد يكون مكروهًا محرمًا، أو غير محرم، مثل صب الماء الكثير، واللبث الطويل مع المعاوضة عنهما، والإسراف في نفقتها، والتعرض للمحرم من غير وقوع فيه، وغير ذلك. وكذلك التمتع
ج/ 21 ص -306-والترفه بها من غير حاجة إلى ذلك، ولا استعانة به على طاعة الله.
وقد يكون دخولها واجبًا إذا احتاج إلى طهارة واجبة، لا تمكن إلا فيها، وقد يكون مستحبًا إذا لم يمكن فعل المستحب من الطهارة وغيرها إلا فيها، مثل الأغسال المستحبة التي لا يمكن فعلها إلا فيها ومثل نظافة البدن من الأوساخ التي لا تمكن إلا فيها.
فإن نظافة البدن من الأوساخ مستحبة. كما روى الترمذى عن النبي ﷺ أنه قال: "إن الله نظيف يحب النظافة" وقد ثبت في الصحيح عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: "عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء" قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. قال وكيع: انتقاص الماء يعنى الاستنجاء، وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "من الفطرة أو قال: الفطرة المضمضة والاستنشاق، وقص الشارب، والسواك، وتقليم الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، والاستحداد، والاختتان، والانتضاح" رواه الإمام أحمد. وهذا لفظه. وأبو داود وابن
ج/ 21 ص -307-ماجه.
وهذه الخصال عامتها إنما هي للنظافة من الدرن، فإن الشارب إذا طال يعلق به الوسخ من الطعام والشراب، وغير ذلك. وكذلك الفم إذا تغير ينظفه السواك، والمضمضة، والاستنشاق ينظفان الفم والأنف وقص الأظفار ينظفها مما يجتمع تحتها من الوسخ، ولهذا روى: "يدخل أحدكم على ورفغه تحت أظفاره" يعني الوسخ الذي يحكه بأظفاره من أرفاغه.
وغسل البراجم وهي عقد الأصابع، فإن الوسخ يجتمع عليها، ما لا يجتمع بين العقد، وكذلك الإبط فإنه يخرج من الشعر عرق الإبط، وكذلك العانة، إذا طالت. وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: وقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط وحلق العانة، ألا نترك أكثر من أربعين ليلة فهذا غاية ما يترك الشعر، والظفر المأمور بإزالته.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: "حق اللَّه على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام: يغسل رأسه، وجسده" وهذا في أحد قولي العلماء، هو
غسل راتب مسنون للنظافة، في كل أسبوع، وإن لم يشهد الجمعة. بحيث يفعله من لا جمعة عليه. وعن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: "على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم، وهو يوم الجمعة".
ج/ 21 ص -308-رواه أحمد والنسائي. وهذا لفظه، وأبو حاتم البستي.
وأما الأحاديث في الغسل يوم الجمعة متعددة. وذاك يعلل باجتماع الناس بدخول المسجد، وشهود الملائكة، ومع العبد ملائكة، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: "إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" وعن قيس بن عاصم: "أنه أسلم فأمره النبي ﷺ أن يغتسل بماء وسدر". رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي. وقال: حديث حسن.
وهذان غسلان متنازع في وجوبهما، حتى في وجوب السدر. فقد ذكر أبو بكر في [المشتبه] وجوب ذلك. وهو خلاف ما حكى عنه في موضع آخر.
ومن المعلوم أن أمر النبي ﷺ بالاغتسال بماء وسدر كما أمر بالسدر في غسل المحرم الذي وقصته ناقته، وفي غسل ابنته المتوفاة. وكما أمر الحائض أيضًا أن تأخذ ماءها وسدرها إنما هو لأجل التنظيف، فإن السدر مع الماء ينظف. ومن المعلوم أن الاغتسال في الحمام أتم تنظيفًا، فإنها تحلل الوسخ بهوائها الحار، ومائها الحار، وما كان أبلغ في تحصيل مقصود الشارع كان أحب، إذا لم يعارضه ما يقتضي خلاف ذلك.
ج/ 21 ص -309-وأيضًا، فالرجل إذا شعث رأسه واتسخ، وقمل وتوسخ بدنه، كان ذلك مؤذيا له ومضرًا، حتى قد جعل الله هذا مما يبيح للمحرم أن يحلق شعره، ويفتدي. كما قال:"وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" [البقرة: 196]. وقد ثبت في الصحيح: "أنها نزلت في كعب بن عجرة لما مر به النبي ﷺ عام الحديبية قبل أن يؤذن لهم في الإحلال، والقمل يتهافت على رأسه". وقد تكون إزالة هذا الأذى والضرر في غير الحمام إما متعذرة، أو متعسرة.
فالحمام لمثل هذا مشروعة مؤكدة، وقد يكون به من المرض ما ينفعه فيه الحمام، واستعمال مثل ذلك: إما واجب، وإما مستحب، وإما جائز. فإنها ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره.
وأيضًا، فالحمام قد يحلل عنه من الأبخرة الأوساخ، ويوجب له من الراحة ما يستعين به على ما أمر به من الواجبات والمستحبات، ودخولها حينئذ بهذه النية يكون من جنس الاستعانة بسائر ما يستريح به، كالمنام والطعام. كما قال معاذ لأبي موسى: إني أنام وأقوم، وأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، ونظائره في الحديث الصحيح متعددة، كما في حديث أبي الدرداء، وعبد الله بن عمرو، وغيرهما.
ج/ 21 ص -310-القسم الثاني: إذا خلت عن محظور، في البلاد الباردة أو الحارة فهنا لا ريب أنه لا يحرم بناؤها، وقد بنيت الحمامات على عهد الصحابة في الحجاز، والعراق، على عهد على وغيره، وأقروها. وأحمد لم يقل: إن ذلك حرام، ولكن كره ذلك، لاشتماله غالبًا على مباح، ومحظور.
وفي زمن الصحابة كان الناس أتقى للَّه، وأرعى لحدوده، من أن يكثر فيها المحظور، فلم تكن مكروهة إذ ذاك، وإن وقع فيها أحيانًا محظور، فهذا بمنزلة وقوع المحظور فيما يبنى من الأسواق والدور التي لم ينه عنها، وإن كان يمكن الاستغناء عنها.
القسم الثالث: إذا اشتملت على الحاجة والمحظور غالبًا: كغالب الحمامات، التي في البلاد الباردة، فإنه لابد لأهل تلك الأمصار من الحمام، ولابد في العادة أن يشتمل على محظور، فهنا أيضًا لا تطلق كراهة بنائها وبيعها، وذلك لأن قول النبي ﷺ: "الحلال بين، والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يخالطه".
إنما يقتضي اتقاء الشبهات التي يشتبه فيها الحلال بالحرام، بخلاف
ج/ 21 ص -311-ما إذا اشتبه الواجب أو المستحب بالمحظور وقد ذكر ذلك أبو طالب المكي، وابن حامد، ولهذا سئل الإمام أحمد عن رجل مات أبوه وعليه دين. وله ديون فيها شبهة. أيقضيها ولده؟ فقال: أيدع ذمة أبيه مرهونة؟! وهذا جواب سديد، فإن قضاء الدين واجب، وترك الواجب سبب للعقاب، فلا يترك لما يحتمل أن يكون فيه عقاب، ويحتمل ألا يكون.
ومن المعلوم أن من الأغسال ما هو واجب: كغسل الجنابة، والحيض، والنفاس، ومنها ما هو مؤكد قد تنوزع في وجوبه، كغسل الجمعة. ومنها ما هو مستحب، وهذه الأغسال لا تمكن في البلاد الباردة إلا في حمام. وإن اغتسل في غير حمام خيف عليه الموت، أو المرض. فلا يجوز الاغتسال في غير حمام حينئذ.
ولا يجوز الانتقال إلى التيمم مع القدرة على الاغتسال بالماء في الحمام، ولو قدر أن في ذلك كراهة مثل كون الماء مسخنًا بالنجاسة عند من يكرهه مطلقًا، أو عند من يكرهه إذا لم يكن بين الماء والدخان حاجز حصين، كما قد تنازع في ذلك أصحاب أحمد وغيرهم على القول بكراهة المسخن بالنجاسة، فإنه بكل حال يجب استعماله، إذا لم يمكن استعمال غيره؛ لأن التطهر من الجنابة بالماء واجب مع القدرة، وإن اشتمل على وصف مكروه، فإنه في هذه الحال لا يبقى مكروهًا.
ج/ 21 ص -312-وكذلك كل ما كره استعماله مع الجواز، فإنه بالحاجة إليه لطهارة واجبة، أو شرب واجب، لا يبقى مكروهًا. ولكن هل يبقى مكروها عند الحاجة إلى استعماله في طهارة مستحبة؟ هذا محل تردد؛ لتعارض مفسدة الكراهة، ومصلحة الاستحباب. والتحقيق: ترجيح هذا تارة، وهذا تارة، بحسب رجحان المصلحة تارة، والمفسدة أخرى.
وإذا تبين ذلك، فقد يقال: بناء الحمام واجب حينئذ، حيث يحتاج إليه لأداء الواجب العام.
وقد يقال: إنما يجب الاغتسال فيها عند وجودها، ولا يجب تحصيلها ابتداء، كما لا يجب على الرجل حمل الماء معه للطهارة، ولا إعداد الماء المسخن، فإذا فتحت مدينة وفيها حمام لم يهدم، والحال هذه. كما جاءت بذلك سنة رسول الله ﷺ، وسنة خلفائه الراشدين. وكذلك من انتقلت إليه بإرث ونحوه، وأما من ملكها باختياره، فالكلام في ملكها ابتداء، فإنه بمنزلة ابتداء بنائها.
وعلى هذا، فقد يقال: نحن إنما نكره بناءها ابتداء، فأما إذا بناها غيرنا فلا نأمر بهدمها، لما في ذلك من الفساد، وكلام أحمد المتقدم إنما هو في البناء، لا في الإبقاء، والاستدامة أقوى من الابتداء؛ ولهذا كان الإحرام والعدة يمنع ابتداء النكاح، ولا يمنع دوامه، وأهل
ج/ 21 ص -313-الذمة يمنعون من إحداث معابدهم، ولا يمنعون من إبقائها إذا دخل ذلك في عهدهم.
وإذا كان المكروه الابتداء، فالجنب ونحوه إنما يجب عليه استعمال الحمام إذا أمكن، فهذا يفيد وجوب دخول الحمام، إذا كانت موجودة، واحتيج إليها لطهارة واجبة، فلم قلتم: إنه يسوغ بناؤها ابتداء لذلك مع اشتماله على محظور؟ فإن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، وأما ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب، وهنا الوجوب عند عدم بنائها منتف، فإذا توقفتم في الوجوب فتوقفوا في الإباحة.
القسم الرابع: أن تشتمل على المحظور مع إمكان الاستغناء عنها: كما في حمامات الحجاز، والعراق، واليمن: في الأزمان المتأخرة، فهذا محل نص أحمد وتجنب ابن عمر.
الفصل الثاني
في دخولها
فنقول: ليس لأحد أن يحتج على كراهة دخولها، أو عدم استحبابه بكون النبي ﷺ لم يدخلها، ولا أبو بكر، وعمر، فإن
ج/ 21 ص -314-هذا إنما يكون حجة لو امتنعوا من دخول الحمام، وقصدوا اجتنابها، أو أمكنهم دخولها فلم يدخلوها، وقد علم أنه لم يكن في بلادهم حينئذ حمام، فليس إضافة عدم الدخول إلى وجود مانع الكراهة أو عدم ما يقتضي الاستحباب، بأولى من إضافته إلى فوات شرط الدخول، وهو القدرة والإمكان.
وهذا كما أن ما خلقه الله في سائر الأرض من القوت واللباس والمراقب والمساكن لم يكن كل نوع منه كان موجودًا في الحجاز، فلم يأكل النبي ﷺ من كل نوع من أنواع الطعام القوت والفاكهة، ولا لبس من كل نوع من أنواع اللباس. ثم إن من كان من المسلمين بأرض أخرى: كالشام، ومصر، والعراق، واليمن، وخراسان، وأرمينية، وأذربيجان، والمغرب، وغير ذلك عندهم أطعمة وثياب مجلوبة عندهم، أو مجلوبة من مكان آخر، فليس لهم أن يظنوا ترك الانتفاع بذلك الطعام واللباس سنة؛ لكون النبي ﷺ لم يأكل مثله، ولم يلبس مثله؛ إذ عدم الفعل إنما هو عدم دليل واحد من الأدلة الشرعية، وهو أضعف من القول باتفاق العلماء، وسائر الأدلة من أقواله: كأمره ونهيه وإذنه، من قول الله تعالى هى أقوى وأكبر، ولا يلزم من عدم دليل معين عدم سائر الأدلة الشرعية.
ج/ 21 ص -315-وكذلك إجماع الصحابة أيضًا من أقوى الأدلة الشرعية، فنفي الحكم بالاستحباب لانتفاء دليل معين من غير تأمل باقي الأدلة خطأ عظيم، فإن الله يقول:"وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا" [فصلت: 10]، وقال تعالى:"هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً" [البقرة: 29]، وقال تعالى:"وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ" [الجاثية: 13]، وقال تعالى:"وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" [النحل: 8]، ولم تكن البغال موجودة بأرض العرب، ولم يركب النبي ﷺ بغلة إلا البغلة التي أهداها له المقوقس من أرض مصر بعد صلح الحديبية. وهذه الآية نزلت بمكة. ومثلها في القرآن: يمتن الله على عباده بنعمه التي لم تكن بأرض الحجاز كقوله تعالى:"فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا" [عبس: 24 31]. ولم يكن بأرض الحجاز زيتون، ولا نقل عن النبي ﷺ أنه أكل زيتونًا. ولكن لعل الزيت كان يجلب إليهم.
وقد قال تعالى:"وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ" [التين: 1]، ولم يكن بأرضهم لا هذا ولا هذا، ولا نقل عن النبي ﷺ أنه أكل منهما، وكذلك قوله:"وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ" [المؤمنون: 20]، وقد قال النبي ﷺ: "كلوا الزيت وادهنوا
ج/ 21 ص -316-به، فإنه من شجرة مباركة" وقال تعالى:"اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ" [النور: 35]، وكذلك قوله:"وَحَدَائِقَ غُلْبًا" [عبس: 30].
وكذلك قوله في البحر:"لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا" [النحل:14]، وقوله:"وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ" [الزخرف:12 14]، ولم يركب النبي ﷺ البحر، ولا أبو بكر، ولا عمر، وقد أخبر ﷺ بمن يركب البحر من أمته غزاة في سبيل الله كأنهم ملوك على الأسرة لأم حَرَام بنت مِلّحان وقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "أنت منهم".
وكانت سنة رسول الله ﷺ أنه يطعم ما يجده في أرضه، ويلبس ما يجده، ويركب ما يجده، مما أباحه الله تعالى فمن استعمل ما يجده في أرضه فهو المتبع للسنة. كما أنه حج البيت من مدينته. فمن حج البيت من مدينة نفسه فهو المتبع للسنة، وإن لم تكن هذه المدينة تلك.
ج/ 21 ص -317-وكان ﷺ يجاهد من يليه من الكفار من المشركين وأهل الكتاب، فمن جاهد من يليه من هؤلاء فقد اتبع السنة، وإن كان نوع هؤلاء غير نوع أولئك؛ إذ أولئك كان غالبهم عربًا، ولهم نوع من الشرك هم عليه، فمن جاهد سائر المشركين تُرْكِهم، وهِنْدِهم وغيرهم، فقد فعل ما أمر الله به. وإن كانت أصنامهم ليست تلك الأصنام.
ومن جاهد اليهود والنصارى فقد اتبع السنة، وإن كان هؤلاء اليهود والنصارى من نوع آخر، غير النوع الذين جاهدهم البنى ﷺ، فإنه جاهد يهود المدينة: كقريظة، والنضير، وبنى قينقاع، ويهود خيبر، وضرب الجزية على نصارى نجران، وغزا نصارى الشام، عربها ورومها، عام تبوك، ولم يكن فيها قتال، وأرسل إليهم زيدًا، وجعفرًا، وعبد الله بن رواحة، قاتلوهم في غزوة مؤتة. وقال: "أميركم زيد، فإن قتل فجعفر فإن قتل فعبد الله ابن رواحة".
وصالح أهل البحرين، وكانوا مجوسًا على الجزية، وهم أهل هجر وفي الصحيح أنه قدم مال البحرين فجعله في المسجد، وما ثاب حتى قسمه، وهذا باب واسع قد بسطناه في غير هذا الموضع، وميزنا بين السنة والبدعة، وبينا أن السنة هى ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة للَّه ورسوله، سواء فعله رسول الله ﷺ، أو فعل
ج/ 21 ص -318-على زمانه، أو لم يفعله، ولم يفعل على زمانه لعدم المقتضى حينئذ لفعله، أو وجود المانع منه.
فإنه إذا ثبت أنه أمر به أو استحبه فهو سنة، كما أمر بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وكما جمع الصحابة القرآن في المصحف، وكما داوموا على قيام رمضان في المسجد جماعة، وقد قال ﷺ: "لا تكتبوا عنى غير القرآن، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه" فشرع كتابة القرآن؛ وأما كتابة الحديث فنهى عنها أولا، وذلك منسوخ عند جمهور العلماء بإذنه لعبد الله بن عمرو أن يكتب عنه ما سمعه، في الغضب والرضا، وبإذنه لأبي شاه أن تكتب له خطبته عام الفتح، وبما كتبه لعمرو بن حزم من الكتاب الكبير الذي كتبه له لما استعمله على نجران، وبغير ذلك.
والمقصود هنا أن كتابة القرآن مشروعة، لكن لم يجمعه في مصحف واحد؛ لأن نزوله لم يكن تم، وكانت الآية قد تنسخ بعد نزولها، فلوجود الزيادة والنقص لم يمكن جمعه في مصحف واحد، حتى مات. وكذلك قيام رمضان. قد قال ﷺ: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة" وقام في أول الشهر بهم ليلتين، وقام في آخر الشهر ليالى، وكان الناس يصلون على عهده في المسجد فرادى وجماعات، لكن لم يداوم بهم على الجماعة، خشية أن
ج/ 21 ص -319-تفرض عليهم، وقد أمن ذلك بموته.
وقد قال ﷺ في الحديث الذي رواه أهل السنن، وصححه الترمذي وغيره: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة" فما سنه الخلفاء الراشدون ليس بدعة شرعية ينهى عنها، وإن كان يسمى في اللغة بدعة؛ لكونه ابتدئ. كما قال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل وقد بسطنا ذلك في قاعدة.
فَصْل
الماء الجاري في أرض الحمام خارجًا منها، أو نازلاً في بلاليعها، لا يحكم بنجاسته، بل بطهارته، إلا أن تعلم نجاسة شيء منه؛ ولهذا كان ظاهر مذهب أحمد أن الحمام لم ينه عن الصلاة فيها لكونها مظنة النجاسة، كما ذهب إليه طائفة من الفقهاء، وهو وجه في مذهب أحمد. ومن قال هذا قال: إذا غسلنا موضعًا منها، أو تيقنا طهارته جازت الصلاة فيه.
ج/ 21 ص -320-وأما على من قال بالنهي مطلقًا، كما في حديث أبي سعيد الذي في سنن أبي داود وغيره وقد صححه من صححه من الحفاظ، وبينوا أن رواية من أرسله لا تنافي الرواية المسندة الثابتة أن النبي ﷺ قال: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" فاستثنى الحمام مطلقًا، فيتناول الاسم ما دخل في المسمى. فلهم طريقان:
أحدهما: أن النهى تعبد لا يعقل معناه كما ذهب إليه طائفة من أصحاب أحمد، وغيرهم كأبى بكر، والقاضي أبي يعلى، وأتباعه.
والثاني: أن ذلك لأنها مأوى الشياطين، كما في الحديث الذي رواه الطبراني عن ابن عباس عن النبي ﷺ: "أن الشيطان قال: يارب اجعل لي بيتًا، قال: بيتك الحمام، قال: اجعل لى قرآنًا قال: قرآنك الشعر، قال: اجعل لي مؤذنًا، قال: مؤذنك المزمار".
وهذا التعليل كتعليل النهي عن الصلاة في أعطان الإبل بنحو ذلك كما في الحديث: "إن على ذروة كل بعير شيطان"، "وإنها جن خلقت من جن"؛ إذ لا يصح التعليل هناك بالنجاسة؛ لأنه فرق بين أعطان الإبل، ومبارك الغنم، وكلاهما في الطهارة والنجاسة سواء. كما لا يصح تعليل الأمر بالوضوء من لحومها؛ بأنه لأجل مس النار مع تفريقه بين لحوم الإبل ولحوم الغنم، وكلاهما في مس النار وعدمه سواء.
ج/ 21 ص -321-وكذلك تعليل النهي عن الصلاة في المقبرة بنجاسة التراب هو ضعيف، فإن النهي عن المقبرة مطلقًا، وعن اتخاذ القبور مساجد، ونحو ذلك مما يبين. أن النهي لما فيه من مظنة الشرك، ومشابهة المشركين.
وأيضًا، فنجاسة تراب المقبرة فيه نظر، فإنه مبنى على [مسألة الاستحالة] ومسجد رسول الله ﷺ قد كان مقبرة للمشركين، وفيه نخل، وخرب. فأمر النبي ﷺ بالنخل فقطعت، وجعلت قبلة المسجد، وأمر بالخرب فسويت، وأمر بالقبور فنبشت، فهذه مقبرة منبوشة، كان فيها المشركون. ثم لما نبش الموتى جعلت مسجدًا مع بقاء ما بقى فيها من التراب، ولو كان ذلك التراب نجسًا لوجب أن ينقل من المسجد التراب النجس، لاسيما إذا اختلط الطاهر بالنجس، فإنه ينبغي أن ينقل به زوال النجاسة، ولم يفعل ذلك، ولم يؤمر باجتناب ذلك التراب، ولا بإزالة ما يصيب الأبدان والثياب منه.
فتبين أن الحكم معلق بظهور القبور، لا بظن نجاسة التراب.
وأيضًا، من علل ذلك بالنجاسة، فإن غايته أن يكره الصلاة عند الاحتمال، كما قاله من كره الصلاة في المقبرة والحمام، والأعطان، ولم
ج/ 21 ص -322-يحرمها كما ذهب إليه طائفة من العلماء، لكن هذا قول ضعيف؛ لأن السنة فرقت بين معاطن الإبل، ومبارك الغنم؛ ولأنه استثنى كونها مسجدًا، فلم تبق محلاً للسجود؛ ولأنه نهى عن ذلك نهيًا مؤكدًا بقوله قبل أن يموت بخمس: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك".
ولأنه لعن على ذلك بقوله: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"؛ يحذر ما فعلوا ولأنه جعل مثل هؤلاء شرار الخليقة بقوله: "إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة".
وأيضًا، فإنه قد ثبت بسنته أن احتمال نجاسة الأرض لا يوجب كراهة الصلاة فيها، بل ثبت بسنته أن الأرض تطهر بما يصيبها من الشمس والريح والاستحالة . كما هو قول طوائف من العلماء: كأبي حنيفة، والشافعي، في قول، ومالك في قول، وهو أحد القولين في مذهب أحمد . فإنه ثبت أن الكلاب كانت تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله ﷺ، ولم يكونوا يرشون شيئًا من ذلك. وثبت في الصحيح عنه أنه كان يصلي في نعليه، وفي السنن عنه أنه قال: "إن اليهود لا يصلون في نعالهم فخالفوهم" وقال: "إذا أتى
ج/ 21 ص -323-أحدكم المسجد فلينظر في نعليه: فإن كان فيهما أذى فليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور" فإذا كان قد جعل التراب يطهر أسفل الخف فلأن يطهر نفسه أول وأحرى.
وأيضًا، فمن المعلوم: أن غالب طرقات الناس تحتمل من النجاسة، نحو ما تحتمله المقبرة والحمام. أو نحو ذلك أو أكثر من ذلك، فلو كان ذلك سبب النهي عن الصلاة في النعال مطلقًا؛ لأن هذا الاحتمال فيها أظهر. فهذه السنن تبطل ذلك التعليل من وجهين:
من جهة أن هذا الاحتمال لم يلتفت إليه، ومن جهة أن التراب مطهر لما يلاقيه في العادة.
والمقصود هنا. الكلام في الماء الجاري في الحمام فنقول: إن كراهة هذا الماء وتوقيه، وغسل ما يصيب البدن والثوب منه، إما أن يكون على جهة الاستقذار، وإما أن يكون على جهة النجاسة.
أما الأول فكما يغسل الإنسان بدنه وثيابه من الوسخ والدنس، ومن الوحل الذي يصيبه، ومن المخاط والبصاق، ومن المني على القول بطهارته، وأشباه ذلك. ومثل هذا قد يكون في المياه المتغيرة بمقرها وممازجها ونحو ذلك. وهذا نوع غير النوع الذي نتكلم فيه الآن.
ج/ 21 ص -324-وأما اجتناب ذلك على جهة تنجيسه، فحجته أن يقال: إن هذا الماء في مظنة أن تخالطه النجاسة، وهو ما يكون في الحمام من القيء والبول: فإن هذه النجاسة التي قد تكون في الحمام. فأما العذرة أو الدم، أو غير ذلك، فلا تكاد تكون في الحمام. وإن كان فيها نادرًا تميز وظهر.
وأيضًا، فقد يزال به نجاسة تكون على البدن، أو الثياب. فإن كثيرًا ممن يدخل الحمام يكون على بدنه نجاسة، إما من تخلي، وإما من مرض، وإما غير ذلك، فيغسلها في الحمام. وكذلك بعض الآنية قد يكون نجسًا، وقد يكون بعض ما يغسل فيها من الثياب نجسًا.
وأيضًا، فهذا الماء كثيرًا ما يكون فيه الماء المستعمل في رفع الحدث وهو نجس عند من يقول بنجاسته، فهذه الحجة المعتمدة.
والجواب عنها مبني على أصول ثلاثة:
أحدها: الجواب فيه من وجوه:
أحدها: أن يقال: الماء الفائض من حياض الحمام، والمصبوب على أبدان المغتسلين، أو على أرض الحمام طاهر بيقين، وما ذكر مشكوك في إصابته لهذا الماء المعين، فإنه وإن تيقن أن الحمام يكون فيه
ج/ 21 ص -325-مثل هذا فلم يتيقن أن هذا الماء المعين أصابه هذا، واليقين لا يزول بالشك.
الوجه الثاني: أن يقال هذا بعينه وارد في طين الشوارع لكثرة ما يصيبه من أبوال الدواب، وقد قال أصحاب أحمد وغيرهم بطهارته، بل النجاسة في طين الشوارع أكثر، وأثبت. فإن الحمام وإن خالط بعض مياهها نجاسة، فإنه يندفع، ولا يثبت بخلاف طين الشوارع.
الوجه الثالث: أن يقال: كما أن الأصل عدم النجاسة، فالظاهر موافق للأصل، وذلك أنا إذا اعتبرنا ما تلاقيه النجاسة في العادة، وما لا تلاقيه كان ما لا تلاقيه أكثر بكثير. فإن غالب المياه الجارية في أرض الحمام لا يلاقيها في العادة نجاسة، وإذا اتفق الأصل والظاهر، لم تبق المسألة من موارد النزاع، بل من مواقع الإجماع. ولهذا قلت: إنه لا يستحب غسل ذلك تنجسًا، فإنه وسواس.
ولنا فيما إذا شك في نجاسة الماء هل يستحب البحث عن نجاسته. وجهان: أظهرهما لا يستحب البحث، لحديث عمر. وذلك لأن حكم الغائب إنما يثبت بعد العلم في الصحيح، الذي هو ظاهر مذهب أحمد، ومذهب مالك وغيرهما، ولا إعادة على من لم يعلم أن عليه
ج/ 21 ص -326-نجاسة. وهذا وإن كان في اجتنابها في الصلاة فمسألة إصابتها لنا فيها أيضًا وجهان.
الوجه الرابع: أنا إذا قدرنا أن الغالب التنجس، فقد يعارض الأصل والظاهر، وفي مثل هذا كثيرًا ما يجيء قولان في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، كثياب الكفار ونحو ذلك، لكن مع مشقة الاحتراز كطين الشوارع يرجحون الطهارة، وإذا قيل بالتنجيس في مثل هذا عفي عن يسيره.
الأصل الثاني: أن نقول: هب أن هذا الماء خالطته نجاسة، لكنه ماء جار، فإنه ساح على وجه الأرض، والماء الجاري إذا خالطته نجاسة ففيه للعلماء قولان:
أحدهما: أنه لا ينجس إلا بالتغير بالنجاسة، وهذا أصح القولين، وهو مذهب مالك، وأحمد في أحد القولين، اللذين يدل عليهما نصه، وهو مذهب أبي حنيفة، مع شدة قوله في الماء الدائم وهو القول القديم للشافعي. ونهى النبي ﷺ عن البول في الماء الدائم، والاغتسال فيه، دليل على أن الجاري بخلاف ذلك. وهو دليل على أنه لا يضره البول فيه، والاغتسال فيه.
وأيضًا، فإنه طاهر لم يتغير بالنجاسة، وليس في الأدلة الشرعية
ج/ 21 ص -327-ما يوجب تنجيسه، فإن الذين يقولون : إن الماء الجاري كالدائم تعتبر فيه القلتان، فإذا كانت الجرية أقل من قلتين، نجسته. كما هو الجديد من قولى الشافعي، وأحد القولين في مذهب أحمد، فإنه لا حجة لهم في هذا، ولا أثر عن أحد من السلف، إلا التمسك بقوله ﷺ: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" وقياس الجاري على الدائم، وكلاهما لا حجة فيه.
أما الحديث فمنطوقه لا حجة فيه، وإنما الحجة في مفهومه، ودلالة مفهوم المخالفة لا تقتضي عموم مخالفة المنطوق في جميع صور المسكوت بل تقتضي أن المسكوت ليس كالمنطوق، فإذا كان بينهما نوع فرق ثبت أن تخصيص أحد النوعين بالذكر مع قيام المقتضي للتعميم كان لاختصاصه بالحكم. فإذا قال: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، دل أنه إذا لم يبلغ قلتين لم يكن حكمه كذلك، فإذا كان ما لم يبلغ فرق فيه بين الماء الجاري والدائم حصل المقصود، لاسيما والحديث ورد جوابًا عن سؤالهم عن الماء الدائم الذي يكون بأرض الفلاة، وما ينوبه من السباع والدواب، فيبقى قوله: "الماء طهور لا ينجسه شيء" الوارد في بئر بُضَاعة متناولا للجاري. والفرق أن الجاري له قوة دفع النجاسة عن غيره، فإنه إذا صب على الأرض النجسة طهرها، ولم يتنجس، فكيف لا يدفعها عن نفسه؛ ولأن الماء الجاري يحيل النجاسة بجريانه.
ج/ 21 ص -328-وأيضًا، فإن القياس: هل هو تنجيس الماء بمخالطة النجاسة؟ أو عدم تنجيسه حتى تظهر النجاسة؟ فيه قولان للأصحاب وغيرهم.
فمن قال بالأول، قال: العفو عما فوق القلتين: كان للمشقة؛ لأنه يشق حفظه من وقوع النجاسة فيه؛ لأنه غالبًا يكون في الحياض والغدران والآبار، بخلاف القليل، فإنه يكون في الأواني، وهذا المعنى موجود في الجاري، فإنَّ حِفّظَه من النجاسة أصعب من حفظ الدائم الكثير.
ومن قال بالثاني وأن الأصل الطهارة حتى تظهر النجاسة، كان التطهير على قوله أوكد، فإن القليل الدائم نجس؛ لأنه قد يحمل الخبث، كما نبه عليه الحديث. وأما الجاري فإنه بقوة جريانه يحيل الخبث فلا يحمله، كما لا يحمله الكثير.
وإذا كان كذلك، فهذه المياه الجارية في حمام إذا خالطها بول أو قيء أو غيرهما، كانت نجاسة قد خالطت ماءً جاريًا، فلا ينجس إلا بالتغير، والكلام فيما لم تظهر فيه النجاسة.
وإن قيل: إن ماء الحمام يخالطه السدر، والخطمى، والتراب، وغير ذلك مما يغسل به الرأس، والأشنان والصابون والحناء
ج/ 21 ص -329-وغير ذلك من الطاهرات التي تختلط به، حتى لا تظهر فيه النجاسة.
قيل: إذا جاز أن تكون النجاسة ظاهرة فيه، وجاز ألا تكون ظاهرة، فالأصل عدم ظهورها، وإذا كان قد علم أنه تخالطه الطاهرات، ورأيناه متغيرًا، أحلنا التغير على مخالطة الطاهرات؛ إذ الحكم الحادث يضاف إلى السبب المعلوم، لا إلى المقدر المظنون. بل قد ثبت النص بذلك فيما أصله الحظر، كالصيد إذا جرح، وغاب، فإنه ثبت بالنص إباحته، وإن جاز أن يكون قد زهق بسب آخر أصابه، فزهوقه إلى السبب المعلوم، وهو جرح الصائد أو كلبه؛ وإن كان في المسألة أقوال متعددة، فهذا هو الصواب الذي ثبت بالنص الصحيح الصريح.
الأصل الثالث: أن نقول: هب أن الماء تنجس، فإنه صار نجاسة على الأرض، والنجاسة إذا كانت على الأرض بولاً كانت أو غير بول فإنه يطهر بصب الماء عليها، إذا لم تبق عينها. كما أمر النبي ﷺ بذلك في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد، حيث قال: "لا تزرموه" أى لا تقطعوا عليه بوله. "فصبوا على بوله ذنوبًا من ماء" وقال: "إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين".
ولهذا قال أصحاب أحمد وغيره: إن نجاسة الأرض والبرك والحياض المبنية ونحو ذلك، مما لا ينقل ويحول، يخالف النجاسة على المنقول من الأبدان والثياب والآنية، من ثلاثة أوجه:
ج/ 21 ص -330-أحدها: أنه لا يشترط فيها العدد. لا من ولوغ الكلب ولا غيره.
الثاني: أنه لا يشترط فيها الانفصال، عن موضع النجاسة.
الثالث: أن الغسالة طاهرة قبل انفصالها عن موضع النجاسة.
وإذا كان كذلك فنقول: ما كان على أرض الحمام من بول وغيره، فإنه قد جرى عليه الماء بعد ذلك، فطهرت الأرض مع طهارة الغسالة، وإذا كانت غسالة الأرض طاهرة زالت الشبهة بالكلية، فإنه إن قال قائل: قد يكون من الماء ما تزال به نجاسة عن البدن أو آنية، أو ثوب.
قيل له: فهذه إذا كانت نجسة وأصابت الأرض لم تكن أعظم من البول المصيب الأرض، وإذا كانت تلك النجاسة تزول مع طهارة الغسالة قبل الانفصال فهذه أولى، وليس له أن يقول: النجاسة منتفية، ومرور الماء المطهر مشكوك فيه، لاسيما وقد يكون ذلك الماء المار مما لا يزيل النجاسة، لكونه مستعملا. أو لتغيره بالطاهرات؛ لأنه يقال له: ليس الكلام في نجاسة معينة منتفية مشكوك في زوالها، وإنما الكلام فيما يعتاد.
ج/ 21 ص -331-ومن المعلوم بالعادات أن الماء المطهر، والجاري على أرض الحمام، أكثر من النجاسات بكثير كثير. فيكون ذلك الماء قد طهر ما مر عليه من نجس. فإن اغتسال الناس من غير حدث ولا نجس في الحمامات أكثر من اغتسالهم من إحدى هاتين الطهارتين، وهم يصبون على أبدانهم من الماء القراح الذي ينفصل غير متغير أكثر من غيره، وإن كان فيه تغير يسير بيسير السدر والأشنان، فهذا لا يخرجه عن كونه مطهرًا، بل الراجح من القولين وهو إحدى الروايتين عن أحمد التي نصها في أكثر أجوبته : أن الماء المتغير بالطاهر كالحمص والباقلاء، لا يخرج عن كونه طهورًا، ما دام اسم الماء يتناوله كالماء المتغير بأصل الخلقة، كماء البحر وغيره، وما تغير بما يشق صونه عنه من الطحلب، وورق الشجر، وغيرهما، فإن شمول اسم الماء في اللغة لهذه الأصناف الثلاثة واحد.
فإن كان لفظ الماء في قوله:"فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء" [المائدة: 6] يتناول أحد هذه الأصناف، فقد تناول الآخرين، وقد ثبت أنه متناول للمتغير ابتداء، وطردًا لما يشق الاحتراز عنه، فيتناول الثالث؛ إذ الفرق إنما يعود إلى أمر معهود، وهو أن هذا يمكن الاحتراز عنه، وهذا لا يمكن، وهذا الفرق غير مؤثر في اللغة، ويتناول اللفظ لمعناه، وشمول الاسم مسماه، فيحتاج المفرق إلى دليل منفصل. وقد ثبت
ج/ 21 ص -332-بالسنة أن النبي ﷺ قال في الذي وقصته ناقته: "اغسلوه بماء وسدر" وكذلك قال للاتي غسلن ابنته: "اغسلنها بماء وسدر" وللذي أسلم: "اغتسل بماء وسدر" وهذا فيه كلام ليس هذا موضعه.
وإذا تبين ما ذكرناه ظهر عظيم البدعة، وتغيير السنة والشرعة، فيما يفعله طوائف من المنتسبين إلى العلم والدين من فرط الوسوسة في هذا الباب، حتى صاروا إنما يفعلونه مضاهين لليهود، بل للسامرية الذين يقولون : لا مساس.
وباب التحليل والتحريم الذي منه باب التطهير والتنجيس دين الإسلام فيه وسط بين اليهود والنصارى، كما هو وسط في سائر الشرائع، فلم يشدد علينا في أمر التحريم والنجاسة كما شدد على اليهود، الذين حرمت عليهم طيبات أحلت لهم بظلمهم وبغيهم، بل وضعت عنا الآصار والأغلال، التي كانت عليهم، مثل قرض الثوب ومجانبة الحائض في المؤاكلة، والمضاجعة، وغير ذلك. ولم تحلل لنا الخبائث كما استحلها النصارى، الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق، فلا يجتنبون نجاسة، ولا يحرمون خبيثًا، بل غاية أحدهم أن يقول طهر قلبك، وصل. واليهودي إنما يعتني بطهارة ظاهره
ج/ 21 ص -333-لا قلبه، كما قال تعالى عنهم:"أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ" [المائدة: 41].
وأما المؤمنون، فإن الله طهر قلوبهم وأبدانهم من الخبائث، وأما الطيبات، فأباحها لهم، والحمد للَّه حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى.
وَسُئِلَ عمن يدخل الحمام هل يجوز له كشف العورة في الخلوة؟ وما هو الذي يفعله من آداب الحمام؟
فأجاب:
لا يلزم المتطهر كشف عورته، لا في الخلوة، ولا في غيرها، إذا طهر جميع بدنه. لكن إن كشفها في الخلوة لأجل الحاجة: كالتطهر، والتخلي، جاز كما ثبت في الصحيح أن موسى عليه السلام اغتسل عريانًا، وأن أيوب عليه السلام اغتسل عريانًا وفي الصحيح أن فاطمة: كانت تستر النبي ﷺ عام الفتح بثوب وهو يغتسل، ثم صلى ثماني ركعات وهي التي يقال لها صلاة الضحى. ويقال: إنها صلاة الفتح، وفي الصحيح أيضًا أن ميمونة سترته فاغتسل.
ج/ 21 ص -334-وعلى داخل الحمام أن يستر عورته، فلا يمكن أحدًا من نظرها ولا لمسها، سواء كان القيم الذي يغسله أو غيره، ولا ينظر إلى عورة أحد ولا يلمسها، إذا لم يحتج إلى ذلك لأجل مداواة أو غيرها، فذاك شيء آخر. وعليه أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر بحسب الإمكان، كما قال النبي ﷺ: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" فيأمر بتغطية العورات فإن لم يمكنه ذلك وأمكنه أن يكون حيث لا يشهد منكرًا فليفعل ذلك، إذ شهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه منهي عنه.
وليس له أن يسرف في صب الماء؛ لأن ذلك منهي عنه مطلقًا، وهو في الحمام ينهي عنه لحق الحمامي؛ لأن الماء الذي فيها مال من أموال له قيمة، وعليه أن يلزم السنة في طهارته؛ فلا يجفو جفاء النصارى، ولا يغلو غلو اليهود. كما يفعل أهل الوسوسة، بل حياض الحمام طاهرة، ما لم تعلم نجاستها، سواء كانت فائضة أو لم تكن، وسواء كانت الأنبوب تصب فيها، أو لم تكن، وسواء بات الماء أو لم يبت، وسواء تطهر منها الناس أو لم يتطهروا. فإذا اغتسل منها جماعة جاز ذلك، فقد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن النبي ﷺ كان يغتسل هو وامرأته من إناء واحد قدر
ج/ 21 ص -335-الفرق فهذا إناء صغير لا يفيض، ولا أنبوب فيه، وهما يغتسلان منه جميعًا، وفي لفظ: فأقول: دع لي ويقول: دعي لي.
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر: أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون على عهد رسول الله ﷺ من إناء واحد. وقد ثبت عنه أنه كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع. والصاع عند أكثر العلماء يكون بالرطل المصري أقل من خمسة أرطال، نحو خمسة إلا ربعًا، والمد ربع ذلك. وقيل :هو نحو من سبعة أرطال بالمصري.
وليس للإنسان أن يقول: الطاسة إذا وقعت على أرض الحمام تنجست، فإن أرض الحمام الأصل فيها الطهارة، وما يقع فيها من نجاسة كبول فهو يصب عليه من الماء ما يزيله، وهو أحسن حالا من الطرقات بكثير، والأصل فيها الطهارة، بل كما يتيقن أنه لابد أن يقع على أرضها نجاسة، فكذلك يتيقن أن الماء يعم ما تقع عليه النجاسة، ولو لم يعلم ذلك، فلا يجزم على بقعة بعينها أنها نجسة، إن لم يعلم حصول النجاسة فيها. والله أعلم.
ج/ 21 ص -336-مَا تقول السَّادة العُلمَاء رضي الله عَنهم أجمعين فيمن دخل الحمام بلا مئزر، مكشوف العورة: هل يحرم ذلك أم لا؟ وهل يجب على ولي الأمر منع من يفعل ذلك أم لا؟ وهل يجب على ولي الأمر أيضًا أن يلزم مستأجر الحمام ألاّ يمكن أحدًا من دخول حمامه مكشوف العورة أم لا؟ وفيمن يقعد في الحمام وقت صلاة الجمعة ويترك الصلاة: هل يمنع من ذلك أم لا؟ أفتونا، وابسطوا القول في ذلك.
فأجاب شيخ الإسلام بقية السلف الكرام، الشيخ تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية:
الحمد للَّه، نعم يحرم عليه ذلك باتفاق الأئمة، وقد صح عن النبي ﷺ أنه نهي الناس عن الحمام [بغير مئزر]، وفي السنن عنه ﷺ أنه قال: "من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر" وفي الحديث: "نهي النساء من الدخول مطلقًا إلا لمعذرة" وفي الحديث الثابت عنه الذي استشهد به البخاري حديث معاوية بن حيدة القشيري أنه قال له:"احفظ
ج/ 21 ص -337-عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك" قال: قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها، قال: قلت: يارسول الله، إذا كان أحدنا خاليا، قال: " فاللَّه أحق أن يستحيى منه من الناس". أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حسن. وابن ماجه.
وعلى ولاة الأمور النهي عن ذلك، وإلزام الناس بألا يدخل أحد الحمام مع الناس إلا مستور العورة، وإلزام أهل الحمام بأنهم لا يمكنون الناس من دخول حماماتهم إلا مستوري العورة، ومن لم يطع الله ورسوله وولاة الأمر من أهل الحمام، والداخلين، عوقب عقوبة بليغة تردعه وأمثاله من أهل الفواحش، الذين لا يستحيون لا من الله ولا من عباده؛ فإن إظهار العورات من الفواحش. وقد قال تعالى: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ" [النور: 30]، وغض البصر واجب عما لا يحل التمتع بالنظر إليه: من النسوة الأجنبيات، ونحو ذلك، وعن العورات، وإن لم يكن بالنظر إليها لذة لفحش ذلك.
ولهذا كان على داخل الحمام أن يغض بصره عمن كان مكشوف العورة، وإن كان ذلك الرجل قد عصى بكشفها، وعليه أن يأمر المكشوف بالاستتار، فإن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يجب على الناس، وكذلك حفظ الفروج يكون عن الاستمتاع
ج/ 21 ص -338-المنهي عنه، وعن إظهارها لمن ليس له أن يراها. كما ينهي الرجل عن مس عورة غيره، كما ثبت في الصحيح أن النبي ﷺ نهي أن يباشر الرجل الرجل في ثوب واحد، وأن تباشر المرأة المرأة في ثوب واحد، وأمر بالتفريق في المضاجع بين الصبيان إذا بلغوا عشر سنين. كما بين ذلك النبي ﷺ بقوله: "احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك" لما قال له: يا رسول الله عوراتنا، ما نأتي؟ وما نذر؟... فإذا كان القوم بعضهم في بعض، قال: "إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها" قال: قلت: فإذا كان أحدنا خاليًا، قال: "فاللَّه أحق أن يستحيى منه من الناس" فأمر بسترها في الخلوة. وهذا واجب عند أكثر العلماء.
وأما إذا اغتسل في مكان خال بجنب حائط أو شجرة ونحو ذلك في بيته أو حمام أو نحو ذلك فإنه يجوز له كشفها في هذه الصورة، عند الجمهور. كما ثبت في الصحيح: أن موسى اغتسل عريانًا وأن أيوب: اغتسل عريانًا وأن فاطمة كانت تستر النبي ﷺ بثوب ثم يغتسل.
وهذا كشف للحاجة بمنزلة كشفها عند التخلى والجماع بمقدار الحاجة ولهذا كره العلماء للمتخلي أن يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض.
ج/ 21 ص -339-وتنازعوا في نظر كل من الزوجين إلى عورة الآخر: هل يكره أو لا يكره؟ أم يكره وقت الجماع خاصة؟ على ثلاثة أقوال معروفة، في مذهب أحمد، وغيره.
وقد كره غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره النزول في الماء بغير مئزر، ورووا عن الحسن والحسين أو أحدهما أنه كره ذلك، وقال: إن للماء سكانًا.
وأما فتح الحمام وقت صلاة الجمعة، وتمكين المسلمين من دخولها هذا الوقت، وقعودهم فيها تاركين لما فرضه الله عليهم من السعي إلى الجمعة، فهذا أيضًا محرم باتفاق المسلمين، وقد حرم الله بعد النداء إلى الجمعة البيع الذي يحتاج إليه الناس في غالب الأوقات، وكان هذا تنبيها على ما دونه، من قعود في الحمام، أو بستان، أو غير ذلك، والجمعة فرض باتفاق المسلمين، فلا يجوز تركها لغير عذر شرعي، وليس دخول الحمام من الأعذار باتفاق المسلمين، بل إن كان لتنعم كان آثما عاصيًا، وإن كانت عليه جنابة أمكنه الاغتسال قبل ذلك، وليس له أن يؤخر الاغتسال، ولا يجوز ترك الصلاة.
بل على ولاة الأمور أمر جميع من تجب عليه الجمعة بها من أهل الأسواق والدور وغيرهم، ومن تخلف عن هذا الواجب عوقب على
ج/ 21 ص -340-ذلك عقوبة تحمله وأمثاله على فعل ذلك. فقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: "لينتهين أقوام عن تركهم الجمعات أو ليطبعن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين" وقال: "من ترك ثلاث جمع تهاونًا من غير عذر طبع الله على قلبه".
وهذا الذي ذكرناه من وجوب أمر من تجب عليه الجمعة بها، ونهيه عما يمنعه من الجمعة متفق عليه بين الأئمة. والله أعلم. كتبه أحمد بن تيمية.
وقال شيخ الإسلاَم رَحِمهُ الله :
الحمد للَّه، وحسبي الله ونعم الوكيل، يحرم كشف العورة في الحمام وغيره من غير مسوغ شرعي، وعلى ولي الأمر أيده الله منع من يفعل ذلك بطريقة شرعية، وعليه أيضًا إلزام مستأجر الحمام بألا يمكن أحدًا من دخوله على الوجه الممنوع، ولا يحل لأحد ممن خوطب بأداء الجمعة تركها من غير عذر، وليس دخول الحمام بمجرده عذرًا في تركها والله أعلم.
ج/ 21 ص -341-وَسُئِلَ عن ترك دخول الحمام؟
فأجاب:
من ترك دخول الحمام لعدم حاجته إليه فقد أحسن، ومن دخلها مع كشف عورته، والنظر إلى عورات الناس، أو ظلم الحمامي فهو عاص مذموم، ومن تنعم بها لغير حاجة فهو منقوص مرجوح، ومن تركها مع الحاجة إليها حتى يكثر وسخه وقمله فهو جاهل مذموم.
وَسُئِلَ عن رجل عامي سئل عن عبور الحمام؟ ونقل حديثًا عن رسول الله ﷺ يحرم ذلك، وأسند الحديث إلى كتاب مسلم هل صح هذا أو لا؟
فأجاب:
ليس لأحد، لا في كتاب مسلم، ولا غيره من كتب الحديث، عن النبي ﷺ أنه حرم الحمام، بل الذي في السنن أنه
ج/ 21 ص -342-قال: "ستفتحون أرض العجم وتجدون فيها بيوتًا يقال لها الحمامات، فمن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كانت تؤمن باللَّه واليوم الآخر من إناث أمتي فلا تدخل الحمام إلا مريضة أو نفساء".
وقد تكلم بعضهم في هذا الحديث.
والحمام من دخلها مستور العورة، ولم ينظر إلى عورة أحد، ولم يترك أحدًا يمس عورته ولم يفعل فيها محرمًا، وأنصف الحمامي، فلا إثم عليه، وأما المرأة فتدخلها للضرورة مستورة العورة.
وهل تدخلها إذا تعودتها وشق عليها ترك العادة؟ فيه وجهان في مذهب أحمد وغيره.
أحدهما: لها أن تدخلها، كقول أبي حنيفة واختاره ابن الجوزي.
والثاني: لا تدخلها، وهو قول كثير من أصحاب الشافعي، وأحمد، وغيرهما. والله أعلم.
ج/ 21 ص -343-وسُئِلَ شيخ الإسلام رحمه الله:
أيما أفضل للجنب أن ينام ذ وضوء؟ أو يكره له النوم على غير وضوء؟ وهل يجوز له النوم في المسجد إذا توضأ من غير عذر أم لا ؟
فأجاب:
الجنب يستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يعاود الوطء، لكن يكره له النوم إذا لم يتوضأ، فإنه قد ثبت في الصحيح: أن النبي ﷺ سئل هل يرقد أحدنا وهو جنب؟ فقال: "نعم، إذا توضأ للصلاة" ويستحب الوضوء عند النوم لكل أحد، فإن النبي ﷺ قال لرجل: "إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم قل: اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت".
ج/ 21 ص -344-وليس للجنب أن يلبث في المسجد،لكن إذا توضأ جاز له اللبث فيه عند أحمد وغيره، واستدل بما ذكره بإسناده عن هشام بن سعد: أن أصحاب رسول الله كانوا يتوضؤون وهم جنب. ثم يجلسون في المسجد. ويتحدثون. وهذا؛ لأن النبي ﷺ: أمر الجنب بالوضوء عند النوم، وقد جاء في بعض الأحاديث أن ذلك كراهة أن تقبض روحه وهو نائم، فلا تشهد الملائكة جنازته، فإن في السنن عن النبي ﷺ أنه قال: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه جنب" وهذا مناسب لنهيه عن اللبث في المسجد فإن المساجد بيوت الملائكة، كما نهي النبي ﷺ عن آكل الثوم والبصل عند دخول المسجد. وقال: "إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".
فلما أمر النبي ﷺ الجنب بالوضوء عند النوم، دل ذلك على أن الوضوء يرفع الجنابة الغليظة، وتبقي مرتبة بين المحدث وبين الجنب ولم يرخص له فيما يرخص فيه للمحدث من القراءة، ولم يمنع مما يمنع منه الجنب من اللبث في المسجد، فإنه إذا كان وضوؤه عند النوم يقتضي شهود الملائكة له، دل على أن الملائكة تدخل المكان الذي هو فيه إذا توضأ؛ ولهذا يجوز الشافعي وأحمد للجنب المرور في المسجد، بخلاف قراءة القرآن، فإن الأئمة الأربعة متفقون على منعه من ذلك؛ فعلم أن
ج/ 21 ص -345-منعه من القرآن أعظم من منعه من المسجد.
وقد تنازع العلماء في منع الكفار من دخول المسجد، والمسلمون خير من الكفار، ولو كانوا جنبًا، فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال لأبي هريرة لما لقيه وهو جنب، فانخنس منه فاغتسل ثم أتاه فقال: "أين كنت؟" قال: إني كنت جنبًا فكرهت أن أجالسك إلا على طهارة، فقال: "سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس". وقد قال الله تعالى: "إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ" [التوبة: 28]. فلبث المؤمن الجنب إذا توضأ في المسجد أولى من لبث الكافر فيه عند من يجوز ذلك، ومن منع الكافر لم يجب أن يمنع المؤمن المتوضئ، كما نقل عن الصحابة.
وإذا كان الجنب يتوضأ عند النوم، والملائكة تشهد جنازته حينئذ، علم أن النوم لا يبطل الطهارة الحاصلة بذلك، وهو تخفيف الجنابة، وحينئذ فيجوز أن ينام في المسجد حيث ينام غيره، وإذا كان النوم الكثير ينقض الوضوء، فذاك هو الوضوء الذي يرفع الحدث الأصغر، ووضوء الجنب هو تخفيف الجنابة، وإلا فهذا الوضوء لا يبيح له ما يمنعه الحدث الأصغر: من الصلاة، والطواف ومس المصحف.