ج/ 21 ص -81-باب الآنية
سُئِلَ عن أواني النحاس المطعمة بالفضة كالطاسات وغيرها هل حكمها حكم آنية الذهب والفضة أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله، أما المضبب بالفضة من الآنية وما يجري مجراها من الآلات سواء سمي الواحد من ذلك إناء أو لم يسم وما يجري مجري المضبب كالمباخر، والمجامر، والطشوت، والشمعدانات وأمثال ذلك، فإن كانت الضبة يسيرة لحاجة مثل تشعيب القدح وشعيرة السكين ونحو ذلك مما لا يباشر بالاستعمال، فلا بأس بذلك.
ومراد الفقهاء بالحاجة هنا: أن يحتاج إلى تلك الصورة كما يحتاج إلى التشعيب والشعيرة، سواء كان من فضة أو نحاس أو حديد أو غير ذلك، وليس مرادهم أن يحتاج إلى كونها من فضة، بل هذا يسمونه في مثل هذا ضرورة، والضرورة تبيح الذهب والفضة مفردًا وتبعًا، حتي لو احتاج إلى شد أسنانه بالذهب؛ أو اتخذ أنفًا من ذهب ونحو ذلك، جاز كما جاءت به السنة مع أنه ذهب ومع أنه مفرد.
وكذلك لو لم يجد ما يشربه إلا في إناء ذهب أو فضة، جاز له
ج/ 21 ص -82-شربه، ولو لم يجد ثوبًا يقيه البرد أو يقيه السلاح أو يستر به عورته إلا ثوبًا من حرير منسوج بذهب أو فضة جاز له لبسه. فإن الضرورة تبيح أكل الميتة والدم ولحم الخنزير بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة مع أن تحريم المطاعم أشد من تحريم الملابس؛ لأن تأثير الخبائث بالممازجة والمخالطة للبدن أعظم من تأثيرها بالملابسة والمباشرة للظاهر، ولهذا كانت النجاسات التي تحرم ملابستها يحرم أكلها، ويحرم من أكل السموم ونحوها من المضرات ما ليس بنجس، ولا يحرم مباشرتها.
ثم ما حرم لخبث جنسه أشد مما حرم لما فيه من السرف والفخر والخيلاء؛ فإن هذا يحرم القدر الذي يقتضي ذلك منه ويباح للحاجة؛ كما أبيح للنساء لبس الذهب والحرير لحاجتهن إلى التزين، وحرم ذلك على الرجال، وأبيح للرجل من ذلك اليسير كالعلم، ونحو ذلك مما ثبت في السنة؛ ولهذا كان الصحيح من القولين في مذهب أحمد وغيره جواز التداوي بهذا الضرب دون الأول، كما رخص النبي ﷺ للزبير وطلحة في لبس الحرير من حكة كانت بهما.
ونهى عن التداوي بالخمر، وقال: "إنها داء وليست بدواء"، ونهى عن الدواء الخبيث، ونهى عن قتل الضفدع لأجل التداوي بها، وقال: "إن نقنقتها تسبيح"، وقال: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها"؛ ولهذا استدل بإذنه للعرنيين في التداوي بأبوال الإبل وألبانها على أن ذلك ليس من الخبائث المحرمة النجسة؛ لنهيه عن التداوي
ج/ 21 ص -83-بمثل ذلك؛ ولكونه لم يأمر بغسل ما يصيب الأبدان والثياب والآنية من ذلك.
وإذا كان القائلون بطهارة أبوال الإبل تنازعوا في جواز شربها لغير الضرورة، وفيه عن أحمد روايتان منصوصتان، فذاك لما فيها من القذارة الملحق لها بالمخاط والبصاق والمني، ونحو ذلك من المستقذرات التي ليست بنجسة، التي يشرع النظافة منها، كما يشرع نتف الإبط، وحلق العانة، وتقليم الأظافر، وإحفاء الشارب. ولهذا أيضًا كان هذا الضرب محرمًا في باب الآنية والمنقولات على الرجال والنساء، فآنية الذهب والفضة حرام على الصنفين، بخلاف التحلي بالذهب ولباس الحرير فإنه مباح للنساء.
وباب الخبائث بالعكس؛ فإنه يرخص في استعمال ذلك فيما ينفصل عن بدن الإنسان ما لا يباح إذا كان متصلاً به، كما يباح إطفاء الحريق بالخمر، وإطعام الميتة للبزاة والصقور، وإلباس الدابة الثوب النجس، وكذلك الاستصباح بالدهن النجس في أشهر قولي العلماء، وهو أشهر الروايتين عن أحمد؛ وهذا لأن استعمال الخبائث فيها يجري مجري الإتلاف ليس فيه ضرر، وكذلك في الأمور المنفصلة، بخلاف استعمال الحرير والذهب فإن هذا غاية السرف والفخر والخيلاء.
وبهذا يظهر غلط من رخص من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم في إلباس دابته الثوب الحرير؛ قياسًا على إلباس الثوب النجس، فإن هذا بمنزلة من يجوز افتراش الحرير ووطأه قياسًا على المصورات، أو
ج/ 21 ص -84-من يبيح تحلية دابته بالذهب والفضة قياسًا على من يبيح إلباسها الثوب النجس، فقد ثبت بالنص تحريم افتراش الحرير كما ثبت تحريم لباسه.
وبهذا يظهر أن قول من حرم افتراشه على النساء كما هو قول المراوزة من أصحاب الشافعي أقرب إلى القياس من قول من أباحه للرجال؛ كما قاله أبو حنيفة وإن كان الجمهور على أن الافتراش كاللباس يحرم على الرجال دون النساء لأن الافتراش لباس، كما قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس؛ إذ لا يلزم من إباحة التزين على البدن إباحة المنفصل كما في آنية الذهب والفضة فإنهم اتفقوا على أن استعمال ذلك حرام على الزوجين: الذكر والأنثي.
وإذا تبين الفرق بين ما يسميه الفقهاء في هذا الباب حاجة، وما يسمونه ضرورة، فيسير الفضة التابع يباح عندهم للحاجة، كما في حديث أنس: أن قدح رسول الله ﷺ لما انكسر شعِّب بالفضة، سواء كان الشاعب له رسول الله ﷺ أو كان هو أنسًا.
وأما إن كان اليسير للزينة، ففيه أقوال في مذهب أحمد وغيره، التحريم، والإباحة، والكراهة، قيل: والرابع: أنه يباح من ذلك
ج/ 21 ص -85-ما لا يباشر بالاستعمال، وهذا هو المنصوص عنه، فينهى عن الضبة في موضع الشرب دون غيره، ولهذا كره حلقة الذهب في الإناء اتباعًا لعبد الله بن عمر في ذلك، فإنه كره ذلك، وهو أولي ما اتبع في ذلك.
وأما ما يروي عنه مرفوعًا: "من شرب في إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك"، فإسناده ضعيف. ولهذا كان المباح من الضبة إنما يباح لنا استعماله عند الحاجة، فأما بدون ذلك؟ قيل: يكره. وقيل: يحرم؛ ولذلك كره أحمد الحلقة في الإناء اتباعًا لعبد الله بن عمر. والكراهة منه: هل تحمل على التنزيه أو التحريم؟ على قولين لأصحابه. وهذا المنع هو مقتضي النص والقياس، فإن تحريم الشيء مطلقًا يقتضي تحريم كل جزء منه، كما أن تحريم الخنزير والميتة والدم اقتضي ذلك، وكذلك تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة يقتضي المنع من أبعاض ذلك، وكذلك النهى عن لبس الحرير اقتضي النهى عن أبعاض ذلك، لولا ما ورد من استثناء موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع في الحديث الصحيح. ولهذا وقع الفرق في كلام الله ورسوله ﷺ وكلام سائر الناس بين باب النهى والتحريم وباب الأمر والإيجاب، فإذا نهى عن شيء نهى عن بعضه، وإذا أمر بشيء كان أمرًا بجميعه.
ج/ 21 ص -86-ولهذا كان النكاح حيث أمر به كان أمرًا بمجموعه، وهو العقد،والوطء، وكذلك إذا أبيح كما في قوله: "فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء" [النساء: 3]، "حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ" [البقرة: 230]، "وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ" [النور: 32]، "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج". وحيث حرم النكاح كان تحريمًا لأبعاضه، حتي يحرم العقد مفردًا والوطء مفردًا، كما في قوله:"وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ" [النساء: 22]، وكما في قوله: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ" الآية [النساء: 23]، إلى آخرها، وكما في قوله: "لا يَنْكِحُ المحرم ولا يُنْكَحُ" ونحو ذلك.
ولهذا فرق مالك وأحمد في المشهور عنه بين من حلف ليفعلن شيئًا ففعل بعضه: أنه لا يبر، ومن حلف لا يفعل شيئًا ففعل بعضه: أنه يحنث.
وإذا كان تحريم الذهب والحرير على الرجال وآنية الذهب والفضة على الزوجين يقتضي شمول التحريم لأبعاض ذلك، بقي اتخاذ اليسير لحاجة أو مطلقًا، فالاتخاذ اليسير في تفصيل؛ ولهذا تنازع العلماء في جواز اتخاذ الآنية بدون استعمالها، فرخص فيه أبو حنيفة، والشافعي وأحمد في قول، وإن كان المشهور عنهما تحريمه؛ إذ الأصل أن ما حرم استعماله حرم اتخاذه كآلات الملاهي.
ج/ 21 ص -87-وأما إن كانت الفضة التابعة كثيرة، ففيها أيضًا قولان في مذهب الشافعي وأحمد، وفي تحديد الفرق بين الكثير واليسير، والترخيص في لبس خاتم الفضة أو تحلية السلاح من الفضة، وهذا فيه إباحة يسير الفضة مفردًا، لكن في اللباس والتحلي، وذلك يباح فيه ما لا يباح في باب الآنية، كما تقدم التنبيه على ذلك؛ ولهذا غلط بعض الفقهاء من أصحاب أحمد، حيث حكي قولاً بإباحة يسير الذهب تبعًا في الآنية عن أبي بكر عبد العزيز، وأبو بكر إنما قال ذلك في باب اللباس والتحلي، كعلم الذهب ونحوه.
وفي يسير الذهب في [باب اللباس] عن أحمد أقوال:
أحدها: الرخصة مطلقًا؛ لحديث معاوية: "نهى عن الذهب إلا مقطعًا" ولعل هذا القول أقوي من غيره، وهو قول أبي بكر. والثاني: الرخصة في السلاح فقط.
والثالث: في السيف خاصة، وفيه وجه بتحريمه مطلقًا؛ لحديث أسماء: "لا يباح من الذهب ولا خُرَيْصَة" والخُرَيْصَة عين الجرادة، لكن هذا قد يحمل على الذهب المفرد دون التابع؛ ولا ريب أن هذا
ج/ 21 ص -88-محرم عند الأئمة الأربعة؛لأنه قد ثبت عن النبي ﷺ أنه نهى عن خاتم الذهب، وإن كان قد لبسه من الصحابة من لم يبلغه النهى.
ولهذا فرق أحمد وغيره بين يسير الحرير مفردًا كالتكة فنهى عنه، وبين يسيره تبعًا كالعلم؛ إذ الاستثناء وقع في هذا النوع فقط.
فكما يفرق في الرخصة بين اليسير والكثير، فيفرق بين التابع والمفرد، ويحمل حديث معاوية "إلا مقطعًا " على التابع لغيره، وإذا كانت الفضة قد رخص منها في باب اللباس والتحلي في اليسير وإن كان مفردًا، فالذين رخصوا في اليسير أو الكثير التابع في الآنية ألحقوها بالحرير الذي أبيح يسيره تبعًا للرجال في الفضة التي أبيح يسيرها مفردًا أولاً؛ ولهذا أبيح في أحد قولي العلماء، وهو إحدي الروايتين عن أحمد حلية المنطقة من الفضة؛ وما يشبه ذلك من لباس الحرب كالخوذة، والجوشن، والران، وحمائل السيف.
وأما تحلية السيف بالفضة فليس فيه هذا الخلاف، والذين منعوا قالوا: الرخصة وقعت في باب اللباس دون باب الآنية، وباب اللباس أوسع كما تقدم. وقد يقال: إن هذا أقوي؛ إذ لا أثر في هذه الرخصة. والقياس كما ترى.
ج/ 21 ص -89-وأما المضبب بالذهب، فهذا داخل في النهى،سواء كان قليلاً أو كثيرًا،والخلاف المذكور في الفضة منتفٍ ههنا، لكن في يسير الذهب في الآنية وجه للرخصة فيه.
وأما التوضؤ والاغتسال من آنية الذهب والفضة، فهذا فيه نزاع معروف في مذهب أحمد، لكنه مركب على إحدي الروايتين، بل أشهرهما عنه في الصلاة في الدار المغصوبة، واللباس المحرم كالحرير والمغصوب والحج بالمال الحرام، وذبح الشاة بالسكين المحرمة، ذلك مما فيه أداء واجب واستحلال محظور. فأما على الرواية الأخري التي يصحح فيها الصلاة والحج ويبيح الذبح، فإنه يصحح الطهارة من آنية الذهب والفضة. وأما على المنع فلأصحابه قولان: أحدهما: الصحة؛ كما هو قول الخرقي وغيره. والثاني: البطلان، كما هو قول أبي بكر، طردًا لقياس الباب.
والذين نصروا قول الخرقي أكثر أصحاب أحمد؛ فرقوا بفرقين:
أحدهما: أن المحرم هنا منفصل عن العبادة؛ فإن الإناء منفصل عن المتطهر بخلاف لابس المحرم وآكله والجالس عليه؛ فإنه مباشر له، قالوا: فأشبه ما لو ذهب إلى الجمعة بدابة مغصوبة. وضعف آخرون هذا الفرق بأنه لا فرق بين أن يغمس يده في الإناء المحرم وبين أن
ج/ 21 ص -90-يغترف منه، وبأن النبي ﷺ جعل الشارب من آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم، وهو حين انصباب الماء في بطنه يكون قد انفصل عن الإناء.
والفرق الثاني وهو أفقه : قالوا: التحريم إذا كان في ركن العبادة وشرطها أَثَّر فيها، كما إذا كان في الصلاة في اللباس أو البقعة. وأما إذا كان في أجنبي عنها لم يؤثر، والإناء في الطهارة أجنبي عنها فلهذا لم يؤثر فيها. والله أعلم.
وسئل: عن جلود الحمر، وجلد ما لا يؤكل لحمه، والميتة: هل تطهر بالدباغ أم لا؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، أما طهارة جلود الميتة بالدباغ ففيها قولان مشهوران للعلماء في الجملة:
أحدهما: أنها تطهر بالدباغ، وهو قول أكثر العلماء، كأبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين.
ج/ 21 ص -91-والثاني: لا تطهر، وهو المشهور في مذهب مالك؛ ولهذا يجوز استعمال المدبوغ في الماء دون المائعات؛ لأن الماء لا ينجس بذلك، وهو أشهر الروايتين عن أحمد أيضًا اختارها أكثر أصحابه، لكن الرواية الأولي هي آخر الروايتين عنه، كما نقله الترمذي عن أحمد بن الحسن الترمذي عنه أنه كان يذهب إلى حديث ابن عُكَيْم ثم ترك ذلك بآخرة. وحجة هذا القول شيئان:
أحدهما: أنهم قالوا: هي من الميتة ولم يصح في الدباغ شيء، ولهذا لم يرو البخاري ذكر الدباغ في حديث ميمونة من قول النبي ﷺ، وطعن هؤلاء فيما رواه مسلم وغيره؛ إذ كانوا أئمة لهم في الحديث اجتهاد. وقالوا: روي ابن عُيَيْنة الدباغ عن الزهري والزهري كان يجوز استعمال جلود الميتة بلا دباغ وذلك يبين أنه ليس في روايته ذكر الدباغ، وتكلموا في ابن وعلة.
والثاني: أنهم قالوا: أحاديث الدباغ منسوخة بحديث ابن عُكَيْم، وهو قوله صلي الله تعالى عليه وسلم فيما كتب إلى جهينة: "كنت رخصت في جلود الميتة فإذا أتاكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب". فكلا هاتين الحجتين مأثورة عن الإمام أحمد نفسه في جوابه ومناظراته في الرواية الأولي المشهورة.
ج/ 21 ص -92-وقد احتج القائلون بالدباغ بما في الصحيحين عن عبد الله بن عباس: أن النبي ﷺ مر بشاة ميتة فقال: "هلا استمتعتم بإهابها؟!" قالوا: يا رسول الله، إنها ميتة. قال: "إنما حرم من الميتة أكلها". وفي رواية لمسلم: "ألا أخذوا إهابها، فدبغوه فانتفعوا به". وعن سودة بنت زمعة زوج النبي ﷺ قالت: ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها، فما زلنا ننبذ فيه حتي صار شنًا. وعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر". قلت: وفي رواية له عن عبد الرحمن بن وَعْلَة: أنا نكون بالمغرب ومعنا البربر والمجوس، نؤتى بالكبش قد ذبحوه ونحن لا نأكل ذبائحهم، ونؤتي بالسقاء يجعلون فيه الدلوك؟ فقال ابن عباس: قد سألنا رسول الله ﷺ عن ذلك فقال: "دباغه طهوره".
وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت. رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي. وفي رواية عن عائشة قالت: سئل رسول الله ﷺ عن جلود الميتة، فقال: "دباغها طهورها". رواه الإمام أحمد والنسائي. وعن سلمة بن المحبق رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ مر ببيت بفنائه قربة معلقة فاستقي، فقيل: إنها
ج/ 21 ص -93-ميتة. فقال: "ذكاة الأديم دباغه". رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
وأما حديث ابن عُكَيْم فقد طعن بعض الناس فيه بكون حامله مجهولاً، ونحو ذلك مما لا يسوغ رد الحديث به. قال عبد الله بن عُكَيْم: أتانا كتاب رسول الله ﷺ قبل أن يموت بشهر أو شهرين: "ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب". رواه الإمام أحمد. وقال: ما أصلح إسناده! وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي. وقال:حديث حسن. وأجاب بعضهم عنه بأن الإهاب اسم للجلد قبل الدباغ، كما نقل ذلك النضر بن شميل وغيره من أهل اللغة. وأما بعد الدبغ فإنما هو أديم، فيكون النهى عن استعمالها قبل الدبغ. فقال المانعون: هذا ضعيف، فإن في بعض طرقه: كتب رسول الله ﷺ ونحن في أرض جهينة "إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب". رواه الطبراني في المعجم الأوسط من رواية فضالة بن مفضل بن فضالة المصري. وقد ضعفه أبو حاتم الرازي، لكن هو شديد في التزكية. وإذا كان النهى بعد الرخصة فالرخصة إنما كانت في المدبوغ.
وتحقيق الجواب أن يقال: حديث ابن عُكَيْم ليس فيه نهى عن استعمال المدبوغ. وأما الرخصة المتقدمة، فقد قيل: إنها كانت للمدبوغ
ج/ 21 ص -94-وغيره، ولهذا ذهب طائفة منهم الزهري وغيره إلى جواز استعمال جلود الميتة قبل الدباغ تمسكًا بقوله المطلق في حديث ميمونة، وقوله: "إنما حرم من الميتة أكلها"، فإن هذا اللفظ يدل على التحريم، ثم لم يتناول الجلد. وقد رواه الإمام أحمد في المسند عن ابن عباس قال: ماتت شاة لسَوْدَة بنت زَمْعة فقالت: يا رسول الله، صلي الله عليك وسلم، ماتت فلانة تعني: الشاة فقال: "فلولا أخذتم مسكها؟!" فقالت: آخذ مسك شاة قد ماتت؟ فقال لها رسول الله ﷺ: "إنما قال: "قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ" [الأنعام: 145]، وإنكم لا تطعمونه، إن تدبغوه تنتفعوا به"، فأرسلت اليها فسلخت مسكها فدبغته، فاتخذت منه قربة حتي تخرقت عندها.
فهذا الحديث يدل على أن التحريم لم يتناول الجلد، وإنما ذكر الدباغ لإبقاء الجلد وحفظه، لا لكونه شرطًا في الحل. وإذا كان كذلك فتكون الرخصة لجهينة في هذا، والنسخ عن هذا، فإن الله تعالى ذكر تحريم الميتة في سورتين مكيتين: الأنعام والنحل. ثم في سورتين مدنيتين: البقرة والمائدة، والمائدة من آخر القرآن نزولاً كما روي: "المائدة آخر القرآن نزولاً، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها"، وقد ذكر الله فيها من التحريم ما لم يذكره في غيرها، وحرم النبي صلى
ج/ 21 ص -95-الله عليه وسلم أشياء مثل: أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير. وإذا كان التحريم زاد بعد ذلك على ما في السورة المكية التي استندت اليه الرخصة المطلقة، فيمكن أن يكون تحريم الانتفاع بالعصب والإهاب قبل الدباغ ثبت بالنصوص المتأخرة، وأما بعد الدباغ فلم يحرم ذلك قط، بل بين أن دباغه طهوره وذكاته، وهذا يبين أنه لا يباح بدون الدباغ.
وعلى هذا القول، فللناس فيما يطهره الدباغ أقوال:
قيل: إنه يطهر كل شيء حتي الحمير. كما هو قول أبي يوسف وداود.
وقيل: يطهر كل شيء سوي الحمير كما هو قول أبي حنيفة.
وقيل: يطهر كل شيء إلا الكلب والحمير، كما هو قول الشافعي، وهو أحد القولين في مذهب أحمد على القول بتطهير الدباغ، والقول الآخر في مذهبه وهو قول طوائف من فقهاء الحديث أنه إنما يطهر ما يباح بالذكاة، فلا يطهر جلود السباع.
ومأخذ التردد: أن الدباغ هل هو كالحياة فيطهر ما كان طاهرًا في الحياة، أو هو كالذكاة فيطهر ما طهر بالذكاة؟ والثاني أرجح.
ج/ 21 ص -96-ودليل ذلك: نهى النبي ﷺ عن جلود السباع، كما روي عن أسامة بن عمير الذهلي أن النبي ﷺ: نهى عن جلود السباع. رواه أحمد وأبو داود والنسائي. زاد الترمذي: أن تفرش. وعن خالد بن معدان قال: وفد المقدام بن معد يكَرب على معاوية فقال: أنشدك بالله، هل تعلم أن رسول الله ﷺ نهى عن جلود السباع والركوب عليها؟ قال: نعم. رواه أبو داود والنسائي. وهذا لفظه. وعن أبي ريحانة: نهى رسول الله ﷺ عن ركوب النمور. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. وروي أبو داود والنسائي عن معاوية عن النبي ﷺ قال: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر". رواه أبو داود. وفي هذا القول جمع بين الأحاديث كلها. والله أعلم.
وسئل شيخ الإسلام عن عظام الميتة وحافرها، وقرنها، وظفرها، وشعرها، وريشها وأنفحتها: هل ذلك كله نجس أم طاهر؟ أم البعض منه طاهر والبعض نجس؟
فأجاب:
أما عظم الميتة وقرنها، وظفرها، وما هو من جنس
ج/ 21 ص -97-ذلك كالحافر ونحوه، وشعرها وريشها، ووبرها ففي هذين النوعين للعلماء ثلاثة أقوال:
أحدها: نجاسة الجميع؛ كقول الشافعي في المشهور عنه، وذلك رواية عن أحمد.
والثاني: أن العظام ونحوها نجسة، والشعور ونحوها طاهرة. وهذا هو المشهور من مذهب مالك وأحمد.
والثالث: أن الجميع طاهر؛ كقول أبي حنيفة، وهو قول في مذهب مالك وأحمد.
وهذا القول هو الصواب؛ وذلك لأن الأصل فيها الطهارة، ولا دليل على النجاسة.
وأيضًا، فإن هذه الأعيان هي من الطيبات ليست من الخبائث، فتدخل في آية التحليل؛ وذلك لأنها لم تدخل فيما حرمه الله من الخبائث لا لفظًا ولا معني؛ فإن الله تعالى حرم الميتة، وهذه الأعيان لا تدخل فيما حرمه الله لا لفظًا ولا معني.
أما اللفظ فلأن قوله تعالى : "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ" [المائدة: 3]، لا يدخل فيها الشعور وما أشبهها؛ وذلك؛ لأن الميت ضد الحي، والحياة نوعان:
ج/ 21 ص -98-حياة الحيوان، وحياة النبات. فحياة الحيوان خاصتها الحس والحركة الإرادية. وحياة النبات خاصتها النمو والاغتذاء. وقوله: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ"، إنما هو بما فارقته الحياة الحيوانية دون النباتية؛ فإن الشجر والزرع إذا يبس لم ينجس باتفاق المسلمين، وقد قال تعالى: "وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا" [النحل: 65]، وقال: "اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا" [الحديد: 17]، فموت الأرض لا يوجب نجاستها باتفاق المسلمين، وإنما الميتة المحرمة: ما فارقها الحس والحركة الإرادية. وإذا كان كذلك فالشعر حياته من جنس حياة النبات، لا من جنس حياة الحيوان؛ فإنه ينمو ويغتذي ويطول كالزرع، وليس فيه حس ولا يتحرك بإرادته، فلا تحله الحياة الحيوانية حتي يموت بمفارقتها فلا وجه لتنجيسه.
وأيضًا، فلو كان الشعر جزءًا من الحيوان لما أبيح أخذه في حال الحياة، فإن النبي ﷺ سئل عن قوم يجبون أسنمة الإبل واليات الغنم؟ فقال: "ما أبين من البهيمة وهي حية فهو ميت". رواه أبو داود وغيره. وهذا متفق عليه بين العلماء، فلو كان حكم الشعر حكم السنام والالية لما جاز قطعه في حال الحياة، ولا كان طاهرًا حلالاً. فلما اتفق العلماء على أن الشعر والصوف إذا جز من الحيوان كان طاهرًا حلالاً، علم أنه ليس مثل اللحم.
ج/ 21 ص -99-وأيضًا، فقد ثبت أن النبي ﷺ أعطي شعره لما حلق رأسه للمسلمين، وكان ﷺ يستنجي ويستجمر. فمن سوي بين الشعر والبول والعذرة فقد أخطأ خطأ بينًا.
وأما العظام ونحوها، فإذا قيل: إنها داخلة في الميتة لأنها تحس وتألم، قيل لمن قال ذلك: أنتم لم تأخذوا بعموم اللفظ، فإن ما لا نفس له سائلة كالذباب والعقرب والخنفساء لا ينجس عندكم وعند جمهور العلماء، مع أنها ميتة موتًا حيوانيًا. وقد ثبت في الصحيح أن النبي ﷺ قال: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء". ومن نجس هذا قال في أحد القولين: إنه لا ينجس المائعات الواقع فيها لهذا الحديث.
وإذا كان كذلك، علم أن علة نجاسة الميتة إنما هو احتباس الدم فيها، فما لا نفس له سائلة ليس فيه دم سائل، فإذا مات لم يحتبس فيه الدم، فلا ينجس. فالعظم ونحوه أولى بعدم التنجيس من هذا، فإن العظم ليس فيه دم سائل، ولا كان متحركًا بالإرادة إلا على وجه التبع. فإذا كان الحيوان الكامل الحساس المتحرك بالإرادة لا ينجس لكونه ليس فيه دم سائل، فكيف ينجس العظم الذي ليس فيه دم سائل؟
ج/ 21 ص -100-ومما يبين صحة قول الجمهور:أن الله سبحانه إنما حرم علينا الدم المسفوح، كما قال تعالى: "قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا" [الأنعام: 145]؛ فإذا عفي عن الدم غير المسفوح مع أنه من جنس الدم علم أنه سبحانه فرق بين الدم الذي يسيل وبين غيره؛ ولهذا كان المسلمون يضعون اللحم في المرق وخطوط الدم في القدور بيِّن، ويأكلون ذلك على عهد رسول الله ﷺ كما أخبرت بذلك عائشة، ولولا هذا لاستخرجوا الدم من العروق كما يفعل اليهود. والله تعالى حرم ما مات حتف أنفه أو بسبب غير جارح محدد، فحرم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، وحرم النبي ﷺ ما صيد بعرض المعراض، وقال: "إنه وقيذ" دون ما صيد بحده. والفرق بينهما إنما هو سفح الدم، فدل على أن سبب التنجيس هو احتقان الدم واحتباسه، وإذا سفح بوجه خبيث بأن يذكر عليه غير اسم الله، كان الخبث هنا من جهة أخري، فإن التحريم يكون تارة لوجود الدم، وتارة لفساد التذكية؛ كذكاة المجوسي والمرتد، والذكاة في غير المحل.
وإذا كان كذلك، فالعظم والقرن والظفر والظلف وغير ذلك ليس فيه دم مسفوح، فلا وجه لتنجيسه. وهذا قول جمهور السلف. قال الزهري: كان خيار هذه الأمة يمتشطون بأمشاط من عظام الفيل، وقد
ج/ 21 ص -101-روي في العاج حديث معروف، لكن فيه نظر ليس هذا موضعه، فإنا لا نحتاج إلى الاستدلال بذلك.
وأيضًا، فقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال في شاة ميمونة: "هلا أخذتم إهابها فانتفعتم به؟!" قالوا: إنها ميتة. قال: "إنما حرم أكلها". وليس في صحيح البخاري ذكرالدباغ، ولم يذكره عامة أصحاب الزهري عنه، ولكن ذكره ابن عُيَيْنْة، ورواه مسلم في صحيحه، وقد طعن الإمام أحمد في ذلك وأشار إلى غلط ابن عُُيَينة فيه، وذكر أن الزهري وغيره كانوا يبيحون الانتفاع بجلود الميتة بلا دباغ لأجل هذا الحديث، وحينئذ فهذا النص يقتضي جواز الانتفاع بها بعد الدبغ بطريق الأولي، لكن إذا قيل: إن الله حرم بعد ذلك الانتفاع بالجلود حتي تدبغ، أو قيل: إنها لا تطهر بالدباغ، لم يلزم تحريم العظام ونحوها؛ لأن الجلد جزء من الميتة فيه الدم كما في سائر أجزائها، والنبي ﷺ جعل دباغه ذكاته؛ لأن الدباغ ينشف رطوباته؛ فدل على أن سبب التنجيس هو الرطوبات، والعظم ليس فيه رطوبة سائلة، وما كان فيه منها فإنه يجف وييبس، وهو يبقي ويحفظ أكثر من الجلد، فهو أولي بالطهارة من الجلد.
والعلماء تنازعوا في الدباغ: هل يطهر؟
ج/ 21 ص -102-فذهب مالك وأحمد في المشهور عنهما : أنه لا يطهر.
ومذهب أبي حنيفة والشافعي والجمهور: أنه يطهر. وإلى هذا القول رجع أحمد، كما ذكر ذلك عنه الترمذي عن أحمد بن الحسن الترمذي عنه.
وحديث ابن عُكَيْم يدل على أن النبي ﷺ نهاهم أن ينتفعوا من الميتة بإهاب أو عصب، بعد أن كان أذن لهم في ذلك، لكن هذا قد يكون قبل الدباغ فيكون قد أرخص، فإن حديث الزهري الصحيح يبين أنه كان قد رخص في جلود الميتة قبل الدباغ، فيكون قد أرخص لهم في ذلك، ثم لما نهى عن الانتفاع بها قبل الدباغ نهاهم عن ذلك، ولهذا قال طائفة من أهل اللغة: إن الإهاب اسم لما لم يدبغ ولهذا قرن معه العصب، والعصب لا يدبغ.
فصل
وأما لبن الميتة وأنفحتها ففيه قولان مشهوران للعلماء:
أحدهما: أن ذلك طاهر. كقول أبي حنيفة وغيره، وهو إحدي الروايتين عن أحمد.
ج/ 21 ص -103-والثاني: أنه نجس، كقول مالك والشافعي، والرواية الأخري عن أحمد.
وعلى هذا النزاع انبني نزاعهم في جبن المجوس، فإن ذبائح المجوس حرام عند جماهير السلف والخلف، وقد قيل: إن ذلك مجمع عليه بين الصحابة، فإذا صنعوا جبنًا والجبن يصنع بالأنفحة كان فيه هذان القولان.
والأظهر أن جبنهم حلال، وأن أنفحة الميتة ولبنها طاهر، وذلك لأن الصحابة لما فتحوا بلاد العراق أكلوا جبن المجوس، وكان هذا ظاهرًا شائعًا بينهم، وما ينقل عن بعضهم من كراهة ذلك ففيه نظر، فإنه من نَقْل بعض الحجازيين وفيه نظر. وأهل العراق كانوا أعلم بهذا، فإن المجوس كانوا ببلادهم ولم يكونوا بأرض الحجاز.
ويدل على ذلك أن سلمان الفارسي كان هو نائب عمر بن الخطاب على المدائن، وكان يدعو الفرس إلى الإسلام، وقد ثبت عنه: أنه سئل عن شيء من السمن والجبن والفراء؟ فقال: الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفي عنه. وقد رواه أبو داود مرفوعًا إلى النبي ﷺ. ومعلوم أنه لم يكن السؤال عن جبن المسلمين وأهل الكتاب، فإن هذا أمر
ج/ 21 ص -104-بَيِّن، وإنما كان السؤال عن جبن المجوس، فدل ذلك على أن سلمان كان يفتي بحِلِّها، وإذا كان روي ذلك عن النبي ﷺ انقطع النزاع بقول النبي ﷺ.
وأيضًا، فاللبن والأنفحة لم يموتا، وإنما نَجَّسَهما مَنْ نجسهما لكونهما في وعاء نجس، فيكون مائعًا في وعاء نجس، فالتنجيس مبني على مقدمتين: على أن المائع لاقي وعاء نجسًا، وعلى أنه إذا كان كذلك صار نجسًا.
فيقال أولاً: لا نسلم أن المائع ينجس بملاقاة النجاسة، وقد تقدم أن السنة دلت على طهارته لا على نجاسته.
ويقال ثانيًا: إن الملاقاة في الباطن لا حكم لها، كما قال تعالى: "نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ" [النحل: 66]، ولهذا يجوز حمل الصبي الصغير في الصلاة مع ما في بطنه. والله أعلم.