أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)

(اختيار من أقسام الكتاب والفتاوى)

فصل الحسنات والسيئات كل منهما يعلل بعلتين

    ج/ 20 ص -192-وقال شيخ الإسلام
    فصل

    ‏[‏قاعدة‏]‏ الحسنات تعلل بعلتين‏:‏ إحداهما‏:‏ ما تتضمنه من جلب المصلحة والمنفعة‏.‏
    والثانية‏:‏ ما تتضمنه من دفع المفسدة والمضرة‏.‏ وكذلك السيئات تعلل بعلتين‏:‏
    إحداهما‏:‏ ما تتضمنه من المفسدة والمضرة‏.‏
    والثانية‏:‏ ما تتضمنه من الصد عن المنفعة والمصلحة‏.‏ مثال ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏
    "إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ‏"‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏ 45‏]‏، فبين الوجهين جميعا فقوله‏:‏ ‏"إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ‏"‏ بيان لما تتضمنه من دفع المفاسد والمضار فإن النفس إذا قام بها ذكر الله ودعاؤه - لا سيما على وجه الخصوج/ 20 ص - أكسبها ذلك صبغة صالحة تنهاها عن الفحشاء والمنكر كما يحسه الإنسان من نفسه، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏"وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ‏"‏[‏البقرة‏:‏ 45‏]‏، فإن القلب يحصل له من الفرح والسرور وقرة العين ما يغنيه عن

    ج/ 20 ص -193-اللذات المكروهة ويحصل له من الخشية والتعظيم لله والمهابة‏.‏ وكل واحد من رجائه وخشيته ومحبته ناه ينهاه‏.‏ وقوله‏:‏ "وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ‏"‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏ 45‏]‏ بيان لما فيها من المنفعة والمصلحة أي ذكر الله الذي فيها أكبر من كونها ناهية عن الفحشاء والمنكر فإن هذا هو المقصود لنفسه كما قال‏:‏ ‏"إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ‏"‏[‏الجمعة‏:‏ 9‏]‏، والأول تابع فهذه المنفعة والمصلحة أعظم من دفع تلك المفسدة، ولهذا كان المؤمن الفاسق يئول أمره إلى الرحمة والمنافق المتعبد أمره صائر إلى الشقاء فإن الإيمان بالله ورسوله هو جماع السعادة وأصلها‏.‏ ومن ظن أن المعنى ولذكر الله أكبر من الصلاة فقد أخطأ، فإن الصلاة أفضل من الذكر المجرد بالنص والإجماع‏.‏ والصلاة ذكر الله لكنها ذكر على أكمل الوجوه فكيف يفضل ذكر الله المطلق على أفضل أنواعه ‏؟‏ ومثال ذلك قوله ﷺ‏:‏ ‏"‏عليكم بقيام الليل فإنه قربة إلى ربكم، ودأب الصالحين قبلكم ومنهاة عن الإثم، ومكفرة للسيئات ومطردة لداعي الحسد‏"‏ فبين ما فيه من المصلحة بالقرب إلى الله وموافقة الصالحين ومن دفع المفسدة بالنهي عن المستقبل من السيئات، والتكفير للماضي منها وهو نظير الآية‏.‏

    ج/ 20 ص -194-وكذلك قوله‏:‏ ‏"وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات‏"[‏هود‏:‏ 114‏]‏، فهذا دفع المؤذي ثم قال‏:‏ ‏"ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ‏"‏ ‏[‏هود‏:‏ 114‏]‏، فهذا مصلحة وفضائل الأعمال وثوابها وفوائدها ومنافعها كثير في الكتاب والسنة من هذا النمط كقوله في الجهاد‏:‏ ‏"يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَار‏"‏[‏الصف‏:‏ 12‏]‏، إلى قوله‏:‏ ‏"وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ‏"‏ ‏[‏الصف‏:‏ 13‏]‏، فبين ما فيه من دفع مفسدة الذنوب ومن حصول مصلحة الرحمة بالجنة فهذا في الآخرة وفي الدنيا النصر والفتح وهما أيضا دفع المضرة وحصول المنفعة ونظائره كثيرة‏.‏ وأما من السيئات فكقوله‏:‏ ‏"إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ‏"‏[‏المائدة‏:‏ 91‏]‏، فبين فيه العلتين‏:‏
    إحداهما‏:‏ حصول مفسدة العداوة الظاهرة والبغضاء الباطنة والثانية‏:‏ المنع من المصلحة التي هي رأس السعادة وهي ذكر الله والصلاة فيصد عن المأمور به إيجابا أو استحبابا‏.‏
    وبهذا المعنى عللوا أيضا كراهة أنواع الميسر من الشطرنج ونحوه

    ج/ 20 ص -195-فإنه يورث هذه المفسدة ويصد عن المأمور به وكذلك الغناء فإنه يورث القلب نفاقا ويدعو إلى الزنى ويصد القلب عن ما أمر به من العلم النافع والعمل الصالح فيدعو إلى السيئات وينهى عن الحسنات مع أنه لا فائدة فيه والمستثنى منه عارضه ما أزال مفسدته كنظائره‏.‏
    وكذلك البدع الاعتقادية والعملية، تتضمن ترك الحق المشروع الذي يصد عنه من الكلم الطيب والعمل الصالح إما بالشغل عنه وإما بالمناقضة وتتضمن أيضا حصول ما فيها من مفسدة الباطل اعتقادا وعملا‏.‏ وهذا باب واسع إذا تؤمل انفتح به كثير من معاني الدين‏.‏


    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة PDF
    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة XML