ج/ 3 ص -160-قال رحمه الله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين .الرحمن الرحيم.مالك يوم الدين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ظهير له، ولا معين.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ الذي أرسله إلى الخلق أجمعين.صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا، وعلى سائر عباد الله الصالحين.
أما بعد: فقد سئلت غير مرة، أن أكتب ما حضرنى ذكره مما جرى في المجالس الثلاثة، المعقودة للمناظرة، في أمر الاعتقاد بمقتضى ما ورد به كتاب السلطان، من الديار المصرية إلى نائبه أمير البلاد. لما سعى إليه قوم من الجهمية،والاتحادية، والرافضة، وغيرهم من ذوى الأحقاد.
فأمر الأمير بجمع القضاة الأربعة قضاة المذاهب الأربعة وغيرهم من نوابهم والمفتين والمشائخ، ممن له حرمة وبه اعتداد. وهم لا يدرون
ج/ 3 ص -161-ما قصد بجمعهم في هذا الميعاد، وذلك يوم الاثنين ثامن رجب المبارك عام خمس وسبعمائة.
فقال لى: هذا المجلس عقد لك، فقد ورد مرسوم السلطان بأن أسألك عن اعتقادك، وعما كتبت به إلى الديار المصرية، من الكتب التي تدعو بها الناس إلى الاعتقاد، وأظنه قال: وأن أجمع القضاة والفقهاء، وتتباحثون في ذلك.
فقلت: أما الاعتقاد، فلا يؤخذ عنى ولا عمن هو أكبر منى، بل يؤخذ عن الله ورسوله ﷺ، وما أجمع عليه سلف الأمة، فما كان في القرآن وجب اعتقاده، وكذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة، مثل صحيح البخاري، ومسلم.
وأما الكتب، فما كتبت إلى أحد كتابًا ابتداءً أدعوه به إلى شيء من ذلك، ولكني كتبت أجوبة أجبت بها من يسألنى من أهل الديار المصرية وغيرهم، وكان قد بلغنى أنه زور على كتاب إلى الأمير ركن الدين الجاشنكير، أستاذ دار السلطان، يتضمن ذكر عقيدة محرفة، ولم أعلم بحقيقته، لكن علمت أنه مكذوب.
وكان يرد عليَّ من مصر وغيرها من يسألني عن مسائل في الاعتقاد وغيره، فأجيبه بالكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة.
ج/ 3 ص -162-فقال: نريد أن تكتب لنا عقيدتك.
فقلت: اكتبوا. فأمر الشيخ كمال الدين أن يكتب، فكتب له جمل الاعتقاد في أبواب الصفات والقدر، ومسائل الإيمان والوعيد، والإمامة والتفضيل.
وهو أن اعتقاد أهل السنة والجماعة: الإيمان بما وصف الله به نفسه، وبما وصفه به رسوله ﷺ، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
والإيمان بأن الله خالق كل شيء من أفعال العباد وغيرها، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه أمر بالطاعة، وأحبها ورضيها، ونهي عن المعصية وكرهها، والعبد فاعل حقيقة،والله خالق فعله،وأن الإيمان والدين قول وعمل، يزيد وينقص،وألا نكفر أحدًا من أهل القبلة بالذنوب، ولا نخلد في النار من أهل الإيمان أحدًا، وأن الخلفاء بعد رسول الله ﷺ أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وأن مرتبتهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة،ومن قدم عليًا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار [أزرى بالمهاجرين والأنصار: أي قلل من شأنهم وعابهم] وذكرت هذا أو نحوه؛ فإني الآن قد بعد عهدي، ولم أحفظ لفظ ما أمليته، لكنه كتب إذ ذاك.
ثم قلت للأمير والحاضرين: أنا أعلم أن أقوامًا يكذبون على، كما قد كذبوا علىَّ غير مرة، وإن أمليت الاعتقاد من حفظي، ربما يقولون: كتم بعضه،
ج/ 3 ص -163-أو داهن وداري، فأنا أحضر عقيدة مكتوبة، من نحو سبع سنين قبل مجيء التتر إلى الشام.
وقلت قبل حضورها كلامًا قد بعد عهدي به، وغضبت غضبًا شديدًا، لكني أذكر أني قلت: أنا أعلم أن أقوامًا كذبوا على وقالوا للسلطان أشياء، وتكلمت بكلام احتجت إليه، مثل أن قلت: من قام بالإسلام أوقات الحاجة غيرى؟ ومن الذي أوضح دلائله وبينه؟ وجاهد أعداءه وأقامه لما مال حين تخلى عنه كل أحد، ولا أحد ينطق بحجته ولا أحد يجاهد عنه، وقمت مظهرًا لحجته مجاهدًا عنه، مرغبًا فيه؟
فإذا كان هؤلاء يطمعون في الكلام في فكيف يصنعون بغيري؟ ! ولو أن يهوديًا طلب من السلطان الإنصاف، لوجب عليه أن ينصفه، وأنا قد أعفو عن حقى وقد لا أعفو، بل قد أطلب الإنصاف منه، وأن يحضر هؤلاء الذين يكذبون؛ ليوافقوا على افترائهم، وقلت كلامًا أطول من هذا الجنس، لكن بعد عهدي به.
فأشار الأمير إلى كاتب الدرج محيي الدين بأن يكتب ذلك.
وقلت أيضًا : كل من خالفني في شيء مما كتبته فأنا أعلم بمذهبه منه، وما أدري هل قلت هذا قبل حضورها أو بعده، لكننى قلت أيضًا بعد حضورها وقراءتها: ما ذكرت فيها فصلًا إلا وفيه مخالف من المنتسبين إلى القبلة، وكل جملة فيها خلاف لطائفة من الطوائف، ثم
ج/ 3 ص -164-أرسلت من أحضرها، ومعها كراريس بخطى من المنزل، فحضرت [العقيدة الواسطية].
وقلت لهم: هذه كان سبب كتابتها أنه قدم عليَّ من أرض واسط بعض قضاة نواحيها شيخ يقال له: رضى الدين الواسطى من أصحاب الشافعي قدم علينا حاجًا، وكان من أهل الخير والدين، وشكا ما الناس فيه بتلك البلاد، وفي دولة التتر من غلبة الجهل، والظلم،ودروس الدين والعلم، وسألنى أن أكتب له عقيدة تكون عمدة له ولأهل بيته، فاستعفيت من ذلك، وقلت: قد كتب الناس عقائد متعددة، فخذ بعض عقائد أئمة السنة. فألح في السؤال، وقال:ما أحب إلا عقيدة تكتبها أنت،فكتبت له هذه العقيدة، وأنا قاعد بعد العصر، وقد انتشرت بها نسخ كثيرة في مصر والعراق، وغيرهما.
فأشار الأمير بألا أقرأها أنا لرفع الريبة، وأعطاها لكاتبه الشيخ كمال الدين، فقرأها على الحاضرين حرفًا حرفًا، والجماعة الحاضرون يسمعونها، ويورد المورد منهم ما شاء ويعارض فيما شاء.والأمير أيضًا: يسأل عن مواضع فيها، وقد علم الناس ما كان في نفوس طائفة من الحاضرين، من الخلاف والهوى، ما قد علم الناس بعضه، وبعضه بسبب الاعتقاد، وبعضه بغير ذلك.
ولا يمكن ذكر ما جرى من الكلام والمناظرات في هذه المجالس؛ فإنه
ج/ 3 ص -165-كثير لا ينضبط، لكن أكتب ملخص ما حضرنى في ذلك، مع بعد العهد بذلك، ومع أنه كان يجرى رفع أصوات ولغط لا ينضبط.
فكان مما اعترض عليَّ بعضهم لما ذكر في أولها، ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل فقال: ما المراد بالتحريف والتعطيل؟ ومقصوده أن هذا ينفي التأويل، الذي أثبته أهل التأويل، الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره، إما وجوبًا، وإما جوازًا.
فقلت: تحريف الكلم عن مواضعه كما ذمه الله تعالى في كتابه، وهو إزالة اللفظ عما دل عليه من المعنى،مثل تأويل بعض الجهمية لقوله تعالى: "وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" [النساء: 164]. أي جَرَّحَهُ بأظافير الحكمة تجريحًا. ومثل تأويلات القرامطة والباطنية وغيرهم من الجهمية والرافضة والقدرية، وغيرهم فسكت وفي نفسه ما فيها.
وذكرت في غير هذا المجلس أنى عدلت عن لفظ التأويل إلى لفظ التحريف؛ لأن التحريف اسم جاء القرآن بذمه، وأنا تحريت في هذه العقيدة اتباع الكتاب والسنة، فنفيت ما ذمه الله من التحريف، ولم أذكر فيها لفظ التأويل بنفي ولا إثبات؛ لأنه لفظ له عدة معان، كما بينته في موضعه من القواعد.
ج/ 3 ص -166-فإن معنى لفظ التأويل في كتاب الله غير معنى لفظ التأويل في اصطلاح المتأخرين، من أهل الأصول والفقه، وغير معنى لفظ التأويل في اصطلاح كثير من أهل التفسير والسلف؛ لأن من المعانى التي قد تسمى تأويلًا ما هو صحيح، منقول عن بعض السلف، فلم أنف ما تقوم الحجة على صحته، فإذا ما قامت الحجة على صحته وهو منقول عن السلف، فليس من التحريف.
وقلت له أيضًا: ذكرت في النفي التمثيل، ولم أذكر التشبيه؛ لأن التمثيل نفاه الله بنص كتابه حيث قال: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" [الشورى: 11]، وقال: "هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا" [مريم: 65]، وكان أحب إلى من لفظ ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله ﷺ، وإن كان قد يعنى بنفيه معنى صحيح، كما قد يعنى به معنى فاسد.
ولما ذكرت أنهم لا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، جعل بعض الحاضرين يتمعض من ذلك؛ لاستشعاره ما في ذلك من الرد الظاهر عليه، ولكن لم يتوجه له ما يقوله، وأراد أن يدور بالأسئلة التي أعلمها، فلم يتمكن لعلمه بالجواب.
ولما ذكرت آية الكرسى أظنه سأل الأمير عن قولنا: لا يقربه شيطان حتى يصبح فذكرت حديث أبي هريرة في الذي كان يسرق صدقة الفطر، وذكرت أن البخاري رواه في صحيحه، وأخذوا يذكرون نفي التشبيه والتجسيم، ويطنبون في هذا، ويعرضون لما ينسبه بعض الناس إلينا من ذلك.
ج/ 3 ص -167-فقلت: قولى: من غير تكييف ولا تمثيل ينفي كل باطل، وإنما اخترت هذين الاسمين؛ لأن التكييف مأثور نفيه عن السلف كما قال ربيعة، ومالك، وابن عيينة وغيرهم المقالة التي تلقاها العلماء بالقبول: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
فاتفق هؤلاء السلف على أن التكييف غير معلوم لنا،فنفيت ذلك اتباعًا لسلف الأمة.
وهو أيضًا منفي بالنص، فإن تأويل آيات الصفات يدخل فيها حقيقة الموصوف، وحقيقة صفاته.وهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله، كما قد قررت ذلك في قاعدة مفردة، ذكرتها في التأويل والمعنى، والفرق بين علمنا بمعنى الكلام وبين علمنا بتأويله.
وكذلك التمثيل، منفي بالنص، والإجماع القديم، مع دلالة العقل على نفيه، ونفي التكييف؛ إذ كُنْه البارى غير معلوم للبشر، وذكرت في ضمن ذلك كلام الخطأبي الذي نقل أنه مذهب السلف، وهو إجراء آيات الصفات، وأحاديث الصفات على ظاهرها، مع نفي الكيفية والتشبيه عنها؛ إذ الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، يحتذى فيه حذوه، ويتبع فيه مثاله، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات تكييف، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات تكييف.
ج/ 3 ص -168-فقال أحد كبار المخالفين: فحينئذ يجوز أن يقال: هو جسم لا كالأجسام، فقلت له أنا وبعض الفضلاء الحاضرين: إنما قيل:إنه يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله ﷺ، وليس في الكتاب والسنة أن الله جسم، حتى يلزم هذا السؤال.
وأخذ بعض القضاة الحاضرين والمعروفين بالديانة يريد إظهار أن ينفي عنا ما يقول وينسبه البعض إلينا، فجعل يزيد في المبالغة في نفي التشبيه والتجسيم، فقلت: ذكرت فيها في غير موضع من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وقلت في صدرها: ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد ﷺ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
ثم قلت: وما وصف الرسول به ربه من الأحاديث الصحاح، التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول، وجب الإيمان بها كذلك،إلى أن قلت: إلى أمثال هذه الأحاديث الصحاح، التي يخبر فيها رسول الله ﷺ بما يخبر به، فإن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك، كما يؤمنون بما أخبر الله في كتابه، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل هم وسط في فرق الأمة، كما أن الأمة هي الوسط في الأمم.
ج/ 3 ص -169-فهم وسط في باب صفات الله بين أهل التعطيل الجهمية،وبين أهل التمثيل المشبهة.
ولما رأى هذا الحاكم العدل ممالأتهم، وتعصبهم، ورأي قلة العارف الناصر، وخافهم قال: أنت صنفت اعتقاد الإمام أحمد، فتقول: هذا اعتقاد أحمد، يعني والرجل يصنف على مذهبه فلا يعترض عليه، فإن هذا مذهب متبوع، وغرضه بذلك قطع مخاصمة الخصوم.
فقلت: ما جمعت إلا عقيدة السلف الصالح جميعهم، ليس للإمام أحمد اختصاص بهذا، والإمام أحمد إنما هو مبلغ العلم الذي جاء به النبي ﷺ، ولو قال أحمد من تلقاء نفسه ما لم يجئ به الرسول لم نقبله، وهذه عقيدة محمد ﷺ.
وقلت مرات: قد أمهلت كل من خالفنى في شيء منها ثلاث سنين، فإن جاء بحرف واحد عن أحد من القرون الثلاثة التي أثنى عليها النبي ﷺ، حيث قال: "خير القرون القرن الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" يخالف ما ذكرته فأنا أرجع عن ذلك، وعلىَّ أن آتى بنقول جميع الطوائف عن القرون الثلاثة، توافق ما ذكرته من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية، والأشعرية، وأهل الحديث، والصوفية، وغيرهم.
ج/ 3 ص -170-وقلت أيضًا في غير هذا المجلس: الإمام أحمد رحمه الله لما انتهي إليه من السنة، ونصوص رسول الله ﷺ، أكثر مما انتهي إلى غيره، وابتلى بالمحنة، والرد على أهل البدع، أكثر من غيره، كان كلامه وعلمه في هذا الباب أكثر من غيره، فصار إمامًا في السنة أظهر من غيره، وإلا فالأمر كما قاله بعض شيوخ المغاربة العلماء الصلحاء قال: المذهب لمالك والشافعي، والظهور لأحمد بن حنبل. يعني: أن الذي كان عليه أحمد عليه جميع أئمة الإسلام، وإن كان لبعضهم من زيادة العلم والبيان، وإظهار الحق، ودفع الباطل ما ليس لبعض.
ولما جاء فيها: وما وصف به النبي ﷺ ربه في الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل العلم بالقبول. ولما جاء حديث أبي سعيد المتفق عليه في الصحيحين عن النبي ﷺ، يقول الله يوم القيامة: "يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تبعث بعثًا إلى النار" الحديث سألهم الأمير هل هذا الحديث صحيح؟ فقلت: نعم. هو في الصحيحين، ولم يخالف في ذلك أحد، واحتاج المنازع إلى الإقرار به، ووافق الجماعة على ذلك.
وطلب الأمير الكلام في مسألة الحرف والصوت؛ لأن ذلك طلب منه.
فقلت: هذا الذي يحكيه كثير من الناس عن الإمام أحمد وأصحابه، أن صوت القارئين، ومداد الصحف قديم أزلي كما نقله مجد الدين ابن الخطيب
ج/ 3 ص -171-وغيره كذب مفترى، لم يقل ذلك أحمد، ولا أحد من علماء المسلمين، لا من أصحاب أحمد ولا غيرهم.
وأخرجت كراسًا قد أحضرته مع العقيدة، فيه ألفاظ أحمد، مما ذكره الشيخ أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن الإمام أحمد، وما جمعه صاحبه أبو بكر المروذى من كلام الإمام أحمد،وكلام أئمة زمانه وسائر أصحابه: أن من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي. ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع.
قلت: وهذا هو الذي نقله الأشعري في كتاب المقالات عن أهل السنة وأصحاب الحديث.وقال: إنه يقول به.قلت: فكيف بمن يقول: لفظى قديم؟ فكيف بمن يقول: صوتي غير مخلوق؟ فكيف بمن يقول: صوتي قديم؟
ونصوص الإمام أحمد في الفرق بين تكلم الله بصوت، وبين صوت العبد كما نقله البخاري صاحب الصحيح في كتاب خلق أفعال العباد وغيره من أئمة السنة.
وأحضرت جواب مسألة كنت سئلت عنها قديمًا، فيمن حلف بالطلاق، في مسألة الحرف والصوت، ومسألة الظاهر في العرش، فذكرت من الجواب القديم في هذه المسألة، وتفصيل القول فيها، وأن إطلاق القول أن
ج/ 3 ص -172-القرآن هو الحرف والصوت، أو ليس بحرف ولا صوت، كلاهما بدعة، حدثت بعد المائة الثالثة. وقلت: هذا جوابي.
وكانت هذه المسألة قد أرسل بها طائفة من المعاندين المتجهمة، ممن كان بعضهم حاضرا في المجلس، فلما وصل إليهم الجواب أسكتهم، وكانوا قد ظنوا أنى إن أجبت بما في ظنهم أن أهل السنة تقوله، حصل مقصودهم من الشناعة، وإن أجبت بما يقولونه هم، حصل مقصودهم من الموافقة، فلما أجيبوا بالفرقان الذي عليه أهل السنة وليس هو ما يقولونه هم، ولا ما ينقولونه عن أهل السنة؛ إذ قد يقوله بعض الجهال بهتوا لذلك وفيه: أن القرآن كله كلام الله حروفه ومعانيه، ليس القرآن اسمًا لمجرد الحروف، ولا لمجرد المعاني.
وقلت في ضمن الكلام لصدر الدين ابن الوكيل لبيان كثرة تناقضه، وأنه لا يستقر على مقالة واحدة، وإنما يسعى في الفتن والتفريق بين المسلمين: عندى عقيدة للشيخ أبي البيان، فيها: أن من قال: إن حرفًا من القرآن مخلوق، فقد كفر.
وقد كتبت عليها بخطك: أن هذا مذهب الشافعي، وأئمة أصحابه، وأنك تدين الله بها فاعترف بذلك، فأنكر عليه الشيخ كمال الدين بن الزملكاني ذلك.
فقال ابن الوكيل: هذا نص الشافعي، وراجعه في ذلك مرارا، فلما اجتمعنا في المجلس الثاني، ذكر لابن الوكيل أن ابن درباس [هو أبو القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس بن عبدوس الكردي، قاضي الديار المصرية، ولد سنة 615 ه تقريبًا، توفي سنة 650 ه] نقل في كتاب
ج/ 3 ص -173-الانتصار عن الشافعي مثل ما نقلت، فلما كان في المجلس الثالث، أعاد ابن الوكيل الكلام في ذلك.
فقال الشيخ كمال الدين لصدر الدين ابن الوكيل: قد قلت في ذلك المجلس للشيخ تقى الدين: إنه من قال: إن حرفًا من القرآن مخلوق فهو كافر، فأعاده مرارًا، فغضب هنا الشيخ كمال الدين غضبًا شديدًا، ورفع صوته. وقال: هذا يكفر أصحابنا المتكلمين الأشعرية، الذين يقولون: إن حروف القرآن مخلوقة مثل إمام الحرمين وغيره، وما نصبر على تكفير أصحابنا.
فأنكر ابن الوكيل أنه قال ذلك، وقال: ما قلت ذلك، وإنما قلت: إن من أنكر حرفًا من القرآن فقد كفر، فرد ذلك عليه الحاضرون وقالوا: ما قلت إلا كذا وكذا، وقالوا: ما ينبغى لك أن تقول قولًا وترجع عنه.وقال بعضهم: ما قال هذا.فلما حرفوا، قال: ما سمعناه قال هذا، حتى قال نائب السلطان: واحد يكذب، وآخر يشهد، والشيخ كمال الدين مغضب.فالتفت إلى قاضى القضاة نجم الدين الشافعي يستصرخه للانتصار على ابن الوكيل، حيث كفر أصحابه.فقال القاضى نجم الدين: ما سمعت هذا، فغضب الشيخ كمال الدين، وقال كلاما لم أضبط لفظه، إلا أن معناه: أن هذا غضاضة على الشافعي، وعار عليهم أن أئمتهم يكفرون، ولا ينتصر لهم.
ولم أسمع من الشيخ كمال الدين ما قال في حق القاضي نجم الدين، واستثبت غيري ممن حضر، هل سمع منه في حقه شيئًا؟ فقالوا: لا.لكن القاضى اعتقد
ج/ 3 ص -174-أن التعيير لأجله، ولكونه قاضي المذهب، ولم ينتصر لأصحابه، وأن الشيخ كمال الدين قصده بذلك، فغضب قاضي القضاة نجم الدين. وقال: اشهدوا على أني عزلت نفسي، وأخذ يذكر ما يستحق به التقديم، والاستحقاق، وعفته عن التكلم في أعراض الجماعة، ويستشهد بنائب السلطان في ذلك. وقلت له كلامًا مضمونه تعظيمه واستحقاقه لدوام المباشرة في هذه الحال.
ولما جاءت مسألة القرآن ومن الإيمان به الإيمان بأن القرآن كلام الله. غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، نازع بعضهم في كونه منه بدأ وإليه يعود، وطلبوا تفسير ذلك.
فقلت: أما هذا القول، فهو المأثور الثابت عن السلف،مثل ما نقله عمرو بن دينار، قال: أدركت الناس منذ سبعين سنة، يقولون: الله الخالق، وما سواه مخلوق إلا القرآن، فإنه كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
وقد جمع غير واحد ما في ذلك من الآثار عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، والصحابة والتابعين، كالحافظ أبي الفضل ابن ناصر، والحافظ أبي عبد الله المقدسي. وأما معناه: فإن قولهم: منه بدأ، أي: هو المتكلم به، وهو الذي أنزله من لدنه، ليس هو كما تقول الجهمية: إنه خلق في الهوى أو غيره، أو بدأ من عند غيره.
وأما إليه يعود: فإنه يسري به في آخر الزمان، من المصاحف والصدور،فلا
ج/ 3 ص -175-يبقى في الصدر منه كلمة، ولا في المصاحف منه حرف، ووافق على ذلك غالب الحاضرين، وسكت المنازعون.
وخاطبت بعضهم في غير هذا المجلس، بأن أريته العقيدة التي جمعها الإمام القادرى، التي فيها أن القرآن كلام الله، خرج منه، فتوقف في هذا اللفظ. فقلت: هكذا قال النبي ﷺ: "ما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه" يعني: القرآن، وقال خباب بن الأرت: يا هنتاه، تقرب إلى الله بما استطعت، فلن يتقرب إليه بشيء أحب إليه مما خرج منه.
وقال أبو بكر الصديق لما قرأ قرآن مُسَيْلَمة الكذاب: إن هذا الكلام لم يخرج من إلٍّ يعنى رب.
وجاء فيها: ومن الإيمان به: الإيمان بأن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأن الله تكلم به حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزله الله على محمد ﷺ هو كلام الله حقيقة، لا كلام غيره، ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله، أو عبارة، بل إذا قرأه الناس، أو كتبوه في المصاحف، لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله؛ فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئًا، لا إلى من قاله مبلغًا مؤديًا، فتمعض بعضهم من إثبات كونه كلام الله حقيقة، بعد تسليمه أن الله تعالى تكلم به حقيقة.
ج/ 3 ص -176-ثم إنه سلَّم ذلك لمَّا بين له أن المجاز يصح نفيه، وهذا لا يصح نفيه، ولما بين له أن أقوال المتقدمين المأثورة عنهم، وشعر الشعراء المضاف إليهم، هو كلامهم حقيقة، فلا يكون نسبة القرآن إلى الله بأقل من ذلك.
فوافق الجماعة كلهم على ما ذكر في مسألة القرآن، وأن الله تكلم حقيقة، وأن القرآن كلام الله حقيقة لا كلام غيره.
ولما ذكر فيها: أن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئًا، لا إلى من قاله مبلغًا مؤديًا، استحسنوا هذا الكلام وعظموه، وأخذ أكبر الخصوم يظهر تعظيم هذا الكلام، كابن الوكيل وغيره، وأظهر الفرح بهذا التلخيص، وقال: إنك قد أزلت عنا هذه الشبهة، وشفيت الصدور ويذكر أشياء من هذا النمط.
ولما جاء ما ذكر من الإيمان باليوم الآخر، وتفصيله ونظمه، استحسنوا ذلك وعظموه.
وكذلك لما جاء ذكر الإيمان بالقدر وأنه على درجتين، إلى غير ذلك مما فيها من القواعد الجليلة.
وكذا لما جاء ذكر الكلام في الفاسق الملِّىّ، وفي الإيمان، لكن اعترضه على ذلك بما سأذكره.
ج/ 3 ص -177-وكان مجموع ما اعترض به المنازعون المعاندون، بعد انقضاء قراءة جميعها، والبحث فيها عن أربعة أسئلة:
الأول: قولنا: ومن أصول الفرقة الناجية: أن الإيمان والدين قول وعمل، يزيد وينقص، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح.
قالوا: فإذا قيل: إن هذا من أصول الفرقة الناجية، خرج عن الفرقة الناجية من لم يقل بذلك،مثل أصحابنا المتكلمين،الذين يقولون: إن الإيمان هو التصديق، ومن يقول: الإيمان هو التصديق والإقرار، وإذا لم يكونوا من الناجحين، لزم أن يكونوا هالكين.
وأما الأسئلة الثلاثة وهي التي كانت عمدتهم فأوردوها على قولنا، وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله: الإيمان بما أخبر الله في كتابه، وتواتر عن رسول الله ﷺ، وأجمع عليه سلف الأمة،من أنه سبحانه فوق سمواته على عرشه،علىٌّ على خلقه، وهو معهم أينما كانوا يعلم ما هم عاملون، كما جمع بين ذلك في قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" [الحديد: 4].وليس معنى قوله: "وَهُوَ مَعَكُمْ": أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق،
ج/ 3 ص -178-بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر أينما كان، وغير المسافر، وهو سبحانه فوق العرش، رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع إليهم، إلى غير ذلك من معانى ربوبيته.وكل هذا الكلام الذي ذكره الله تعالى من أنه فوق العرش، وأنه معنا حق على حقيقته، لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان على الظنون الكاذبة.
السؤال الثاني: قال بعضهم:نقر باللفظ الوارد، مثل حديث العباس، حديث الأوعال، والله فوق العرش،ولا نقول:فوق السموات،ولا نقول: على العرش. وقالوا أيضًا: نقول: "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" [ طه: 5] ولا نقول: الله على العرش استوى، ولا نقول: مستو، وأعادوا هذا المعنى مرارا، أي أن اللفظ الذي ورد، يقال اللفظ بعينه، ولا يبدل بلفظ يرادفه، ولا يفهم له معنى أصلا. ولا يقال: إنه يدل على صفة الله أصلا، ونبسط الكلام في هذا في المجلس الثاني، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
السؤال الثالث: قالوا: التشبيه بالقمر فيه تشبيه كون الله في السماء، بكون القمر في السماء.
السؤال الرابع: قالوا: قولك حق على حقيقته، الحقيقة هي المعنى اللغوي، ولا يفهم من الحقيقة اللغوية إلا استواء الأجسام وفوقيتها،ولم تضع العرب ذلك إلا لها، فإثبات الحقيقة هو محض التجسيم، ونفي التجسيم مع هذا تناقض أو مصانعة.
ج/ 3 ص -179-فأجبتهم عن الأسئلة، بأن قولى: اعتقاد الفرقة الناجية: هي الفرقة التي وصفها النبي ﷺ بالنجاة، حيث قال: "تفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة، وهي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
فهذا الاعتقاد هو المأثور عن النبي ﷺ، وأصحابه رضي الله عنهم وهم ومن اتبعهم الفرقة الناجية، فإنه قد ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه قال: الإيمان يزيد وينقص، وكل ما ذكرته في ذلك فإنه مأثور عن الصحابة بالأسانيد الثابتة لفظه ومعناه، وإذا خالفهم من بعدهم لم يضر في ذلك.
ثم قلت لهم: وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكًا، فإن المنازع قد يكون مجتهدًا مخطئًا يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة، وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته، وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولة له لا يجب أن يدخل فيها المتأول والقانت، وذو الحسنات الماحية، والمغفور له وغير ذلك، فهذا أولى، بل موجب هذا الكلام أن من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد، ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجيًا، وقد لا يكون ناجيًا، كما يقال: من صمت نجا.
وأما السؤال الثاني: فأجبتهم أولًا بأن كل لفظ قلته فهو مأثور عن النبي ﷺ، مثل لفظ: فوق السموات، ولفظ: على العرش، وفوق
ج/ 3 ص -180-العرش، وقلت: اكتبوا الجواب، فأخذ الكاتب في كتابته، ثم قال بعض الجماعة: قد طال المجلس اليوم، فيؤخر هذا إلى مجلس آخر، وتكتبون أنتم الجواب، وتحضرونه في ذلك المجلس.
فأشار بعض الموافقين بأن يتمم الكلام بكتابة الجواب؛ لئلا تنتشر أسئلتهم واعتراضهم وكان الخصوم لهم غرض في تأخير كتابة الجواب، ليستعدوا لأنفسهم، ويطالعوا، ويحضروا من غاب من أصحابهم، ويتأملوا العقيدة فيما بينهم؛ ليتمكنوا من الطعن والاعتراض، فحصل الاتفاق على أن يكون تمام الكلام يوم الجمعة، وقمنا على ذلك.
وقد أظهر الله من قيام الحجة، وبيان المحجة، ما أعز الله به السنة والجماعة، وأرغم به أهل البدعة والضلالة، وفي نفوس كثير من الناس أمور لما يحدث في المجلس الثاني، وأخذوا في تلك الأيام يتأملونها، ويتأملون ما أجبت به في مسائل تتعلق بالاعتقاد، مثل: [المسألة الحموية في الاستواء]، والصفات الخبرية وغيرها.
ج/ 3 ص -181-فصل
فلما كان المجلس الثاني يوم الجمعة في اثني عشر رجب، وقد أحضروا أكثر شيوخهم ممن لم يكن حاضرًا ذلك المجلس، وأحضروا معهم زيادة صفي الدين الهندي [هو محمد بن عبد الرحيم بن محمد صفي الدين الهندي، الفقيه الشافعي الأصولي، ولد بالهند سنة 446 ه، صنف في أصول الدين: [الفائق] وفي أصول الفقه: [النهاية]، و[الزبدة] في علم الكلام]، وقالوا: هذا أفضل الجماعة وشيخهم في علم الكلام، وبحثوا فيما بينهم، واتفقوا وتواطؤوا، وحضروا بقوة واستعداد غير ما كانوا عليه؛ لأن المجلس الأول أتاهم بغتة، وإن كان أيضًا بغتة للمخاطب، الذي هو المسؤول والمجيب والمناظر.
فلما اجتمعنا وقد أحضرت ما كتبته من الجواب عن أسئلتهم المتقدمة، الذي طلبوا تأخيره إلى اليوم حمدت الله بخطبة الحاجة خطبة ابن مسعود رضي الله عنه ثم قلت: إن الله تعالى أمرنا بالجماعة والائتلاف، ونهانا عن الفرقة والاختلاف.
وقال لنا في القرآن: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ" [ آل عمران: 103] وقال: "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ" [الأنعام: 159 ]، وقال:"وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ" [آل عمران: 105].
ج/ 3 ص -182-وربنا واحد، وكتابنا واحد، ونبينا واحد،وأصول الدين لا تحتمل التفرق والاختلاف، وأنا أقول ما يوجب الجماعة بين المسلمين، وهو متفق عليه بين السلف، فإن وافق الجماعة فالحمد لله، وإلا فمن خالفنى بعد ذلك كشفت له الأسرار، وهتكت الأستار، وبينت المذاهب الفاسدة، التي أفسدت الملل والدول، وأنا أذهب إلى سلطان الوقت على البريد، وأعرفه من الأمور ما لا أقوله في هذا المجلس، فإن للسلم كلامًا، وللحرب كلامًا.
وقلت: لا شك أن الناس يتنازعون، يقول هذا: أنا حنبلي، ويقول هذا: أنا أشعري، ويجري بينهم تفرق وفتن، واختلاف على أمور لا يعرفون حقيقتها.
وأنا قد أحضرت ما يبين اتفاق المذاهب فيما ذكرته، وأحضرت كتاب تبيين كذب المفتري، فيما ينسب إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله تأليف الحافظ أبي القاسم ابن عساكر رحمه الله.
وقلت: لم يصنف في أخبار الأشعري المحمودة كتاب مثل هذا، وقد ذكر فيه لفظه الذي ذكره في كتابه: الإبانة.
فلما انتهيت إلى ذكر المعتزلة، سأل الأمير عن معنى المعتزلة، فقلت: كان الناس في قديم الزمان قد اختلفوا في الفاسق الملِّيّ، وهو أول اختلاف حدث في الملة، هل هو كافر أو مؤمن؟ فقالت الخوارج: إنه كافر. وقالت الجماعة:
ج/ 3 ص -183-إنه مؤمن. وقالت طائفة: نقول: هو فاسق، لا مؤمن ولا كافر، ننزله منزلة بين المنزلتين، وخلدوه في النار، واعتزلوا حلقة الحسن البصري وأصحابه رحمه الله تعالى فسموا معتزلة.
وقال الشيخ الكبير بجبته وردائه: ليس كما قلت، ولكن أول مسألة اختلف فيها المسلمون مسألة الكلام، وسمى المتكلمون متكلمين لأجل تكلمهم في ذلك، وكان أول من قالها عمرو بن عبيد، ثم خلفه بعد موته عطاء بن واصل، هكذا قال، وذكر نحوًا من هذا.
فغضبت عليه وقلت: أخطأت، وهذا كذب مخالف للإجماع. وقلت له: لا أدب ولا فضيلة، لا تأدبت معي في الخطاب، ولا أصبت في الجواب؟
ثم قلت: الناس اختلفوا في مسألة الكلام في خلافة المأمون، وبعدها في أواخر المائة الثانية، وأما المعتزلة فقد كانوا قبل ذلك بكثير، في زمن عمرو بن عبيد بعد موت الحسن البصري، في أوائل المائة الثانية، ولم يكن أولئك قد تكلموا في مسألة الكلام، ولا تنازعوا فيها، وإنما أول بدعتهم تكلمهم في مسائل الأسماء والأحكام والوعيد.
فقال: هذا ذكره الشهرستاني في كتاب الملل والنحل. فقلت: الشهرستاني ذكر ذلك في اسم المتكلمين، لم سموا متكلمين؟ لم يذكره في اسم المعتزلة،
ج/ 3 ص -184-والأمير إنما سأل عن اسم المعتزلة، وأنكر الحاضرون عليه، وقالوا: غلطت. وقلت في ضمن كلامي: أنا أعلم كل بدعة حدثت في الإسلام، وأول من ابتدعها، وما كان سبب ابتداعها.
وأيضًا، فما ذكره الشهرستاني ليس بصحيح في اسم المتكلمين، فإن المتكلمين كانوا يسمون بهذا الاسم، قبل منازعتهم في مسألة الكلام، وكانوا يقولون عن واصل بن عطاء: إنه متكلم، ويصفونه بالكلام، ولم يكن الناس اختلفوا في مسألة الكلام.
وقلت: أنا وغيري: إنما هو واصل بن عطاء، أي: لا عطاء بن واصل كما ذكره المعترض، قلت: وواصل لم يكن بعد موت عمرو بن عبيد وإنما كان قرينه.
وقد روى أن واصلًا تكلم مرة بكلام، فقال عمرو بن عبيد: لو بعث نبى ما كان يتكلم بأحسن من هذا، وفصاحته مشهورة، حتى قيل: إنه كان ألثغ، وكان يحترز عن الراء، حتى قيل له: أمر الأمير أن يحفر بئر.فقال: أوعز القائد أن يقلب قليب في الجادة.
ولما انتهي الكلام إلى ما قاله الأشعري، قال الشيخ المقدم فيهم: لا ريب أن الإمام أحمد إمام عظيم القدر، ومن أكبر أئمة الإسلام، لكن قد انتسب إليه أناس ابتدعوا أشياء.
ج/ 3 ص -185-فقلت: أما هذا فحق، وليس هذا من خصائص أحمد، بل ما من إمام إلا وقد انتسب إليه أقوام هو منهم بريء، قد انتسب إلى مالك أناس مالك بريء منهم، وانتسب إلى الشافعي أناس هو بريء منهم، وانتسب إلى أبي حنيفة أناس هو بريء منهم، وقد انتسب إلى موسى عليه السلام أناس هو منهم بريء، وانتسب إلى عيسى عليه السلام أناس هو منهم بريء، وقد انتسب إلى على بن أبي طالب أناس هو بريء منهم، ونبينا ﷺ قد انتسب إليه من القرامطة والباطنية وغيرهم من أصناف الملحدة والمنافقين، من هو بريء منهم.
وذكر في كلامه أنه انتسب إلى أحمد ناس من الحشوية والمشبهة، ونحو هذا الكلام.
فقلت: المشبهة والمجسمة في غير أصحاب الإمام أحمد أكثر منهم فيهم، هؤلاء أصناف، الأكراد كلهم شافعية، وفيهم من التشبيه والتجسيم ما لا يوجد في صنف آخر، وأهل جيلان فيهم شافعية وحنبلية.قلت: وأما الحنبلية المحضة فليس فيهم من ذلك ما في غيرهم.
وكان من تمام الجواب أن الكرامية المجسمة كلهم حنفية، وتكلمت على لفظ الحشوية ما أدرى جوابًا عن سؤال الأمير أو غيره، أو عن غير جواب فقلت: هذا اللفظ أول من ابتدعه المعتزلة؛ فإنهم يسمون الجماعة
ج/ 3 ص -186-والسواد الأعظم الحشو، كما تسميهم الرافضة الجمهور، وحشو الناس هم عموم الناس وجمهورهم، وهم غير الأعيان المتميزين، يقولون هذا من حشو الناس، كما يقال هذا من جمهورهم.
وأول من تكلم بهذا عمرو بن عبيد، وقال: كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه حشويا فالمعتزلة سموا الجماعة حشوا كما تسميهم الرافضة الجمهور.
وقلت لا أدري في المجلس الأول أو الثاني أول من قال أن الله جسم هشام بن الحكم الرافضي.
وقلت لهذا الشيخ: من في أصحاب الإمام أحمد رحمه الله حشوي بالمعنى الذي تريده ؟ الأثرم، أبو داود، المروذى، الخلال، أبو بكر عبدالعزيز، أبو الحسن التميمي، ابن حامد، القاضي أبو يعلى، أبو الخطاب، ابن عقيل؟ ورفعت صوتي وقلت: سمهم، قل لي منهم، من هم؟
أبكذب ابن الخطيب وافترائه على الناس في مذاهبهم تبطل الشريعة، وتندرس معالم الدين؟ كما نقل هو وغيره عنهم أنهم يقولون: إن القرآن القديم هو أصوات القارئين ومداد الكاتبين، وأن الصوت والمداد قديم أزلي، من قال هذا؟ وفي أي كتاب وجد هذا عنهم؟ قل لي؟!
وكما نقل عنهم أن الله لا يرى في الآخرة باللزوم الذي ادعاه، والمقدمة التي نقلها عنهم؛ وأخذت أذكر ما يستحقه هذا الشيخ؛ من أنه كبير الجماعة
ج/ 3 ص -187-وشيخهم وأن فيه من العقل والدين ما يستحق أن يعامل بموجبه، وأمرت بقراءة العقيدة جميعها عليه فإنه لم يكن حاضرا في المجلس الأول، وإنما أحضروه في الثاني انتصارًا به.
وحدثني الثقة عنه بعد خروجه من المجلس أنه اجتمع به وقال له: أخبرني عن هذا المجلس، فقال: ما لفلان ذنب ولا لي فإن الأمير سأل عن شيء فأجابه عنه فظننته سأل عن شيء آخر .
وقال: قلت لهم أنتم ما لكم على الرجل اعتراض، فإنه نصر ترك التأويل، وأنتم تنصرون قول التأويل، وهما قولان للأشعري.
وقال أنا أختار قول ترك التأويل، وأخرج وصيته التي أوصى بها، وفيها قول ترك التأويل.
قال الحاكي لي: فقلت له: بلغني عنك أنك قلت في آخر المجلس لما أشهد الجماعة على انفسهم بالموافقة لا تكتبوا عني نفيًا ولا إثباتًا فلم ذاك؟ فقال: لوجهين:
أحدهما: أني لم أحضر قراءة جميع العقيدة في المجلس الأول.
والثاني: لأن أصحابي طلبوني لينتصروا بي فما كان يليق أن أظهر مخالفتهم، فسكت عن الطائفتين.
ج/ 3 ص -188-وأمرت غير مرة أن يعاد قراءة العقيدة جميعها على هذا الشيخ، فرأي بعض الجماعة أن ذلك تطويل، وأنه لا يقرأ عليه إلا الموضع الذي لهم عليه سؤال وأعظمه لفظ الحقيقة، فقرءوه عليه، فذكر هو بحثًا حسنًا يتعلق بدلالة اللفظ، فحسنته ومدحته عليه وقلت: لا ريب ان الله حي حقيقة؛ عليم حقيقة؛ سميع حقيقة؛ بصير حقيقة وهذا متفق عليه بين أهل السنة والصفاتية من جميع الطوائف؛ ولو نازع بعض أهل البدع في بعض ذلك، فلا ريب أن الله موجود؛ والمخلوق موجود؛ ولفظ الوجود سواء كان مقولاً عليهما بطريق الاشتراك اللفظي فقط أو بطريق التواطئ المتضمن للاشتراك لفظًا ومعنى أو بالتشكيك الذي هو نوع من التواطئ.
فعلى كل قول: فالله موجود حقيقة، والمخلوق موجود حقيقة، ولا يلزم من إطلاق الاسم على الخالق والمخلوق بطريق الحقيقة محذور، ولم أرجح في ذلك المقام قولًا من هذه الثلاثة على الآخر لأن غرضي تحصل على كل مقصودي.
وكان مقصودي تقرير ما ذكرته على قول جميع الطوائف، وأن أبين إتفاق السلف ومن تبعهم على ما ذكرت، وأن أعيان المذاهب الأربعة والأشعري وأكابر أصحابه على ما ذكرته، فإنه قبل المجلس الثاني اجتمع بي من أكابر علماء الشافعية والمنتسبين إلى الأشعرية والحنفية وغيرهم ممن عظم خوفهم من هذا المجلس وخافوا انتصار الخصوم فيه وخافوا على نفوسهم أيضًا
ج/ 3 ص -189-من تفرق الكلمة فلو أظهرت الحجة التي ينتصر بها ما ذكرته أو لم يكن من أئمة أصحابهم من يوافقها لصارت فرقة، ولصعب عليهم أن يظهروا في المجالس العامة الخروج عن أقوال طوائفهم بما في ذلك من تمكن أعدائهم من أغراضهم.
فإذا كان من أئمة مذاهبهم من يقول ذلك وقامت عليه الحجة وبان أنه مذهب السلف: أمكنهم إظهار القول به مع ما يعتقدونه في الباطن من أنه الحق حتى قال لي بعض الأكابر من الحنفية وقد اجتمع بي لو قلت هذا مذهب أحمد وثبت على ذلك لا انقطع النزاع.
ومقصوده أنه يحصل دفع الخصوم عنك بأنه مذهب متبوع ويستريح المنتصر والمنازع من إظهار الموافقة.
فقلت: لا والله، ليس لأحمد بن حنبل في هذا اختصاص، وإنما هذا اعتقاد سلف الأمة وأئمة أهل الحديث، وقلت أيضًا: هذا اعتقاد رسول الله ﷺ، وكل لفظ ذكرته فأنا أذكر به آية أو حديثا أو إجماعا سلفيا، وأذكر من ينقل الإجماع عن السلف من جميع طوائف المسلمين، والفقهاء الأربعة والمتكلمين وأهل الحديث والصوفية.
وقلت لمن خاطبني من أكابر الشافعية لأبين أن ما ذكرته هو قول السلف وقول أئمة أصحاب الشافعي، وأذكر قول الأشعري وأئمة أصحابه التي ترد على هؤلاء الخصوم، ولينتصرن كل شافعي وكل من قال بقول الأشعري
ج/ 3 ص -190-الموافق لمذهب السلف، وأبين أن القول المحكى عنه في تأويل الصفات الخبرية قول لا أصل له في كلامه وإنما هو قول طائفة من أصحابه فللأشعرية قولان ليس للأشعري قولان.
فلما ذكرت في المجلس أن جميع أسماء الله التي سمى بها المخلوق كلفظ الوجود الذي هو مقول بالحقيقة على الواجب، والممكن، على الأقوال الثلاثة: تنازع كبيران، هل هو مقول بالاشتراك أو بالتواطئ؟
فقال أحدهما: هو متواطئ، وقال الآخر: هو مشترك؛ لئلا يلزم التركيب.
وقال هذا: قد ذكر فخر دين أن هذا النزاع مبني على أن وجوده هل هو عين ماهيته أم لا؟ فمن قال أن وجود كل شيء عين ماهيته، قال: إنه مقول بالاشتراك ومن قال أن وجوده قدر زائد على ماهيته قال أنه مقول بالتواطئ.
فأخذ الأول يرجح قول من يقول: أن الوجود زائد على الماهية؛ لينصر أنه مقول بالتواطئ.
فقال الثاني: ليس مذهب الأشعري وأهل السنة أن وجوده عين ماهيته؛ فأنكر الأول ذلك.
فقلت: أما متكلموا أهل السنة فعندهم أن وجود كل شيء عين ماهيته؛
ج/ 3 ص -191-وأما القول الآخر فهو قول المعتزلة أن وجود كل شيء قدر زائد على ماهيته، وكل منهما أصاب من وجه، فإن الصواب أن هذه الأسماء مقولة بالتواطئ، كما قد قررته في غير هذا الموضع وأجبت عن شبهة التركيب بالجوابين المعروفين.
وأما بناء ذلك على كون وجود الشيء عين ماهيته أو ليس عينه: فهو من الغلط المضاف إلى ابن الخطيب، فإنا وإن قلنا أن وجود الشيء عين ماهيته لا يجب أن يكون الاسم مقولا عليه وعلى نظيره بالاشتراك اللفظى فقط كما في جميع أسماء الأجناس فإن اسم السواد مقول على هذا السواد وهذا السواد بالتواطئ وليس عين هذا السواد هو عين هذا السواد إذ الاسم دال على القدر المشترك بينهما وهو المطلق الكلي لكنه لا يوجد مطلقا بشرط الإطلاق إلا في الذهن ولا يلزم من ذلك نفي القدر المشترك بين الأعيان الموجودة في الخارج فإنه على ذلك تنتفي الأسماء المتواطئة وهي جمهور الأسماء الموجودة في الغالب وهي أسماء الأجناس اللغوية وهو الاسم المطلق على الشيء وعلى كل ما أشبهه سواء كان اسم عين أو اسم صفة جامدا أو مشتقا وسواء كان جنسا منطقيا أو فقهيا أو لم يكن بل اسم الجنس في اللغة يدخل فيه الأجناس والأصناف والأنواع ونحو ذلك وكلها أسماء متواطئة وأعيان مسمياتها في الخارج متميزة.
وطلب بعضهم إعادة قراءة الاحاديث المذكورة في العقيدة ليطعن في
ج/ 3 ص -192-بعضها، فعرفت مقصوده، فقلت: كأنك قد استعددت للطعن في حديث الأوعال حديث العباس بن عبد المطلب وكانوا قد تعنتوا حتى ظفروا بما تكلم به زكي الدين عبد العظيم من قول البخاري في تأريخه عبد الله بن عميرة لا يعرف له سماع من الأحنف فقلت هذا الحديث مع أنه رواه أهل السنن كأبي داود وابن ماجه والترمذى وغيرهم فهو مروي من طريقين مشهورين، فالقدح في أحدهما لا يقدح في الآخر.
فقال: أليس مداره على ابن عميرة، وقد قال البخاري: لا يعرف له سماع من الأحنف؟
فقلت: قد رواه إمام الأئمة ابن خزيمة؛ في كتاب التوحيد الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بما نقله العدل عن العدل موصولاً إلى النبي ﷺ، قلت والإثبات مقدم على النفي، والبخاري انما نفي معرفة سماعه من الأحنف لم ينف معرفة الناس بهذا، فإذا عرف غيره كإمام الأئمة ابن خزيمة ما ثبت به الإسناد كانت معرفته وإثباته مقدمًا على نفي غيره وعدم معرفته.
ووافق الجماعة على ذلك، وأخذ بعض الجماعة يذكر من المدح ما لا يليق أن أحكيه، وأخذوا يناظرون في أشياء لم تكن في العقيدة ولكن لها تعلق بما أجبت به في مسائل ولها تعلق بما قد يفهمونه من
ج/ 3 ص -193-العقيدة، فأحضر بعض أكابرهم كتاب الاسماء والصفات للبيهقي رحمه الله تعالى فقال: هذا فيه تأويل الوجه عن السلف، فقلت: لعلك تعني قوله تعالى: "وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ" [البقرة: 115]. فقال: نعم. قد قال مجاهد والشافعي يعنى قبلة الله، فقلت: نعم هذا صحيح عن مجاهد والشافعي وغيرهما، وهذا حق، وليست هذه الآية من آيات الصفات.
ومن عدها في الصفات فقد غلط كما فعل طائفة فإن سياق الكلام يدل على المراد حيث قال : "وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ" [البقرة: 115]. والمشرق والمغرب الجهات.
والوجه هو الجهة؛ يقال: أي وجه تريده؟ أي أي جهة، وأنا أريد هذا الوجه أي هذه الجهة، كما قال تعالى: "وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا" [البقرة 148] ولهذا قال: "فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ" [البقرة: 115] أي تستقبلوا وتتوجهوا والله أعلم وصلى الله على محمد.