أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)

(اختيار من أقسام الكتاب والفتاوى)

سئل عن أحاديث هل هي صحيحة وما معناها

    ج/ 18 ص -336- وسئل: عن أحاديث‏:‏هل هي صحيحة‏؟‏وهل رواها أحد من المعتبرين بإسناد صحيح‏؟‏
    وهي قوله‏:‏ ‏"‏أول ما خلق الله العقل قال له‏:‏ أَقْبِل، فأقبل‏.‏ ثم قال له‏:‏ أَدْبِر، فأدبر‏.‏ ثم قال‏:‏ وعزتي وجلالي ما خلقت خلقًا أكرم على منك‏.‏ بك آخذ، وبك أعطي؛ وبك أثيب، وبك أعاقب‏"‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏"‏أمرت أن أخاطب الناس على قَدْر عقولهم‏"‏‏.‏ وهل هذا اللفظ هو لفظ حديث‏؟‏ أو فيه تحريف‏؟‏ أو زيادة أو نقص‏؟‏ وقوله‏:‏ ‏"‏إن الله مَنَّ على فيما مَنَّ على‏:‏ أن أعطيتك فاتحة الكتاب، وهي من كنوز عرشي، قسمتها بيني وبينك نصفين‏"‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏"‏الناس شركاء في ثلاث‏:‏ الماء، والكلأ، والنار‏"‏‏.‏
    فأجاب‏:‏
    أما الحديث الأول، فهو كذب موضوع عند أهل العلم بالحديث، ليس هو في شيء من كتب الإسلام المعتمدة، وإنما يرويه مثل داود بن المحبر، وأمثاله من المصنفين في العقل، ويذكره أصحاب ‏[‏رسائل إخوان الصفا‏]‏ ونحوهم من المتفلسفة، وقد ذكره أبو حامد في بعض

    ج/ 18 ص -337-كتبه، وابن عربي، وابن سَبعين، وأمثال هؤلاء، وهو عند أهل العلم بالحديث كذب على النبي ﷺ، كما ذكر ذلك أبو حاتم الرازي، وأبو الفرج ابن الجوزي، وغيرهما من المصنفين في علم الحديث‏.‏
    ومع هذا فلفظ الحديث‏:‏ ‏"‏أول ما خلق الله العقل قال له‏:‏ أقبل فأقبل، وقال له‏:‏ أدبر، فأدبر، قال‏:‏ ما خلقت خلقًا أكرم على منك، فبك آخذ، وبك أعطي، وبك الثواب، وبك العقاب‏"‏، وفي لفظ‏:‏ ‏"‏لما خلق الله العقل قال له‏:‏ كذلك‏"‏ ومعني هذا اللفظ أنه قال للعقل في أول أوقات خلقه،ليس فيه أن العقل أول المخلوقات،لكن المتفلسفة القائلون بقدم العالم أتباع أرسطو، هم ومن سلك سبيلهم من باطنية الشيعة، والمتصوفة، والمتكلمة، رَوَوْهُ أول ما خلق الله العقل ‏[‏بالضم‏]‏، ليكون ذلك حجة لمذهبهم، في أن أول المبدعات هو العقل الأول، وهذا اللفظ لم يروه به أحد من أهل الحديث، بل اللفظ المروي مع ضعفه يدل على نقيض هذا المعني، فإنه قال‏:‏ ‏"‏ما خلقت خلقًا أكرم على منك‏"‏ فدل على أنه قد خلق قبله غيره، والذي يسميه الفلاسفة العقل الأول، ليس قبله مخلوق عندهم‏.‏
    وأيضًا، فإنه قال‏:‏ ‏"‏بك آخذ، وبك أعطي، وبك الثواب، وبك العقاب‏"‏، فجعل به هذه الأعراض الأربعة، وعند أولئك المتفلسفة الباطنية،

    ج/ 18 ص -338-أن جميع العالم صدر عن العقل الأول، وهو رب السموات والأرض وما بينهما عندهم، وإن كان مربوبًا للواجب بنفسه، وهو عندهم متولد عن الله، لازم لذاته، وليس هذا قول أحد من أهل الملل، لا المسلمين ولا إليهود، ولا النصاري إلا مَنْ أَلْحَدَ منهم ولا هو قول المجوس، ولا جمهور الصابئين، ولا أكثر المشركين، ولا جمهور الفلاسفة، بل هو قول طائفة منهم‏.‏
    وأيضًا، فإن العقل في لغة المسلمين عَرَض من الأعراض، قائم بغيره وهو غريزة، أو علم، أو عمل بالعلم، ليس العقل في لغتهم جوهرًا قائمًا بنفسه، فيمتنع أن يكون أول المخلوقات عرضًا قائمًا بغيره، فإن العرض لا يقوم إلا بمحل، فيمتنع وجوده قبل وجود شيء من الأعيان، وأما أولئك المتفلسفة، ففي اصطلاحهم أنه جوهر قائم بنفسه، وليس هذا المعني هو معني العقل في لغة المسلمين، والنبي ﷺ خاطب المسلمين بلغة العرب، لا بلغة اليونان، فعلم أن المعني الذي أراده المتفلسفة لم يقصده الرسول، لو كان تكلم بهذا اللفظ، فكيف إذا لم يتكلم به‏؟‏‏!‏
    وأما الحديث الثاني، وهو قوله‏:‏ ‏"‏أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم‏"‏ فهذا لم يروه أحد من علماء المسلمين الذين يعتمد عليهم في الرواية، وليس هو في شيء من كتبهم، وخطاب الله ورسوله للناس

    ج/ 18 ص -339-عام يتناول جميع المكلفين، كقوله‏:‏ ‏"‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ‏"‏[‏النساء‏:‏ 1‏]‏، ‏"‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ‏"‏[‏البقرة‏:‏104‏]‏، ‏"‏يَا عِبَادِ‏"‏ ‏[‏الزخرف‏:‏68‏]‏ ‏"‏يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ‏"‏[‏البقرة‏:‏ 47‏]‏ وكذلك النبي ﷺ كان يخاطب الناس على منبره بكلام واحد يسمعه كل أحد، لكن الناس يتفاضلون في فهم الكلام بحسب ما يخص الله به كل واحد منهم من قوة الفهم، وحسن العقيدة‏.‏
    ولهذا كان أبو بكر الصديق أعلمهم بمراده، كما في الصحيحين، عن أبي سعيد‏:‏ أن النبي ﷺ خطب الناس فقال‏:‏
    ‏"‏إن عبدًا خَيَّره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار ذلك العبد ما عند الله‏"‏ قال‏:‏ فبكى أبو بكر وقال‏:‏ نفديك بأنفسنا وأموالنا، فجعل الناس يعجبون منه، ويقولون‏:‏ عجبًا لهذا الشيخ‏!‏ بكى أن ذكر رسول الله ﷺ عبدًا خيره الله بين الدنيا والآخرة، قال‏:‏ فكان رسول الله ﷺ هو المخير‏.‏ وكان أبو بكر أعلمنا به‏"‏ فالنبي ﷺ ذكر عبدًا مطلقًا لم يعينه، ولكن أبو بكر عرف عينه‏.‏
    وما يرويه بعض الناس عن عمر، أنه قال‏:‏ كان رسول الله ﷺ وأبو بكر يتحدثان، وكنت كالزِّْنْجِي بينهما فهذا كذب مختلق‏.‏ وكذلك ما يروي أنه أجاب أبا بكر بجواب، وأجاب عائشة بجواب، فهذا كذب باتفاق أهل العلم‏.

    ج/ 18 ص -340-سُئِل عن
    هذه الأحاديث‏:‏ ‏"‏من طاف بهذا البيت أسبوعًا إيمانًا واحتسابًا غفر له ما قد سلف‏"‏‏.‏ وقوله ﷺ‏:‏ ‏"‏من وقف بعرفات، وظن أن الله لا يغفر له، لا غفر الله له‏"‏ وأيضًا‏:‏ ‏"‏لو مر بعرفات راعي غنم ولم يعلم أنه يوم عرفة غفر له‏"‏ وقوله عليه السلام ‏:‏ ‏"‏من حج ولم يَزُرْني فقد جفاني، ومن زارني فقد وجبت له شفاعتي‏"‏ هل هذه الأحاديث في الصحيح أم لا‏؟‏ وما معني قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا‏"‏[‏آل عمران‏:‏ 97‏]‏ ‏.‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله رب العالمين، ليس في هذه الأحاديث حديث لا في الصحيح، ولا في السنن، وفيها ما معناه مخالف للكتاب والسنة، فإنه لو وقف الرجل بعرفات خائفًا من الله ألا يغفر له ذنوبه؛ لكونها كبائر، لم يقل‏:‏ إن الله لا يغفر له، فإن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فما دون الشرك إن شاء الله غفره لصاحبه، وإن شاء لم يغفره، لكن إذا تاب العبد من الذنب غفره الله له؛ شركًا كان أو غير شرك‏.‏ كما قال تعالى‏:‏
    ‏"‏يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا على أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا‏"‏[‏الزمر‏:‏53‏]‏ ، فهذا في حق التائب‏.‏

    ج/ 18 ص -341-وأيضًا، فالواقف بعرفات لا يسقط عنه ما وجب عليه من صلاة وزكاة بإجماع المسلمين، بل هم متفقون على أن الصلاة أوكد من الحج بمالا نسبة بينهما‏.‏ فإن الحج يجب مرة في العمر على المستطيع، والنبي ﷺ لم يحج بعد الهجرة إلا حَجَّةً واحدة، وأما الصلاة فإنها فرض على كل عاقل بالغ إلا الحائض والنفساء سواء كان صحيحًا، أو مريضًا، آمنًا، أو خائفًا، غنيًا أو فقيرًا، رجلا أو امرأة، في اليوم والليلة نحو أربعين ركعة،سبعة عشر فريضة، والسنن الرواتب عشر ركعات، أو اثنتا عشرة ركعة، وقيام الليل إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، وكذلك حقوق العباد من الذنوب، والمظالم، وغيرها لا تسقط بالحج باتفاق الأئمة‏.‏
    والحديث الذي يروي في سقوط المظالم وغيرها بذلك في حديث عباس بن مِرْدَاس حديث ضعيف‏.‏ وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ، أنه قال‏:‏
    ‏"‏الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارة لما بينهن، إذا اجْتُنِبَتِ الكبائر‏"‏ فهذه الأمور التي هي أعظم من الحج، ولكن الكبائر تكفرها التوبة منها بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة‏.‏

    ج/ 18 ص -342-وكذلك قوله‏:‏ ‏"‏من حج ولم يزرني فقد جفاني‏"‏ كذب، فإن جفاء النبي ﷺ حرام، وزيارة قبره ليست واجبة باتفاق المسلمين، ولم يثبت عنه حديث في زيارة قبره، بل هذه الأحاديث التي تروي‏:‏ ‏"‏من زارني، وزار أبي في عام واحد ضمنت له على الله الجنة‏"‏ وأمثال ذلك كذب باتفاق العلماء‏.‏
    وقد روي الدارقطني، وغيره في زيارة قبره أحاديث ، وهي ضعيفة‏.‏
    وقد كره الإمام مالك وهو من أعلم الناس بحقوق رسول الله ﷺ وبالسنة التي عليها أهل مدينته من الصحابة، والتابعين، وتابعيهم كره أن يقال‏:‏ زُرْتُ قبر رسول الله ﷺ، ولو كان هذا اللفظ ثابتًا عن رسول الله ﷺ معروفًا عند علماء المدينة، لم يكره مالك ذلك‏.‏
    وأما إذا قال‏:‏ سلمت على رسول الله ﷺ، فهذا لا يكره بالاتفاق، كما في السنن عنه ﷺ، أنه قال‏:‏
    ‏"‏ما من رجل يسلم على إلا رد الله على رُوحي حتى أرد عليه السلام‏"‏ وكان ابن عمر يقول‏:‏ السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أَبَتِ‏.‏ وفي سنن أبي داود عنه، أنه قال‏:‏ ‏"‏أكثروا على من الصلاة يوم الجمعة، وليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة على‏"‏ قالوا‏:‏ وكيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أَرِمْتَ‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ ‏"‏إن الله حَرَّم على

    ج/ 18 ص -343-الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء‏"‏‏.‏
    وأما قوله تعالى‏:‏
    ‏"‏وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا‏"‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 97‏]‏ ، فهذا من باب البيت‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏"‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ‏"‏[‏العنكبوت‏:‏ 67‏]‏ ، وقال تعالى‏:‏ ‏"‏فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ‏"‏ ‏[‏قريش‏:‏3، 4‏]‏ ، وقال تعالى‏:‏ ‏"‏أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَي إليه ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ‏"‏[‏القصص‏:‏ 57‏]‏ ، فكانوا في الجاهلية يقتل بعضهم بعضًا خارج الحرم، فإذا دخلوا الحرم، أو لَقِي الرجل قاتل أبيه لم يَهِجْهُ، وكان هذا من الآيات التي جعلها الله فيه، كما قال‏:‏ ‏"‏فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا‏"‏ ‏[‏آل عمران‏:‏97‏]‏ ، والإسلام زاد حرمته‏.‏
    فمذهب أكثر الفقهاء أن من أصاب حدًا خارج الحرم، ثم لَجَأَ إلى الحرم لم يقم عليه الحد حتى يخرج منه، كما قال ابن عمر، وابن عباس‏.‏ وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد، وغيرهما؛ لما ثبت في الصحيح أن النبي ﷺ قال‏:‏
    ‏"‏إن مكة حَرَّمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يَعْضِدَ بها شجرًا، وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ثم قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس‏"‏‏.‏

    ج/ 18 ص -344-ومن ظن أن من دخل الحرم كان آمنًا من عذاب الآخرة، مع ترك الفرائض من الصلاة وغيرها، ومع ارتكاب المحارم، فقد خالف إجماع المسلمين، فقد دخل البيت من الكفار والمنافقين والفاسقين من هو من أهل النار بإجماع المسلمين‏.‏ والله أعلم‏.‏

    ج/ 18 ص -345-سُئِلَ رَضي الله عَنْه ‏:‏ عن هذا الحديث‏:‏ ‏"‏من علمك آية من كتاب الله فكأنما ملك رِقَّك، إن شاء باعك وإن شاء أعتقك‏"‏، فهل هذا في الكتب الستة، أو هو كذب على رسول الله ﷺ‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    ليس هذا في شيء من كتب المسلمين؛ لا في الستة ولا في غيرها، بل مخالف لإجماع المسلمين؛ فإن من عَلَّم غيره لا يصير به مالكًا، إن شاء باعه وإن شاء أعتقه، ومن اعتقد هذا فإنه يُسْتَتَاب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏ والحر المسلم لا يُسْتَرَق، وسيد مُعَلِمَ الناس رسول الله ﷺ علمهم الكتاب والحكمة، وهو أولى بهم من أنفسهم، ومع هذا فهم أحرار لم يسترقهم ولم يستعبدهم، بل كان حكمه في أمته الأحرار خلاف حكمه فيما ملكته يمينه، ولو كان المؤمنات ملكًا له لجاز أن يَطَأ كل مؤمنة بلا عقد نكاح، ولَكَان لِمْن عَلَّم امرأة آية من القرآن أن يطأها بلا نكاح، وهذا لا يقوله مسلم‏.‏

    ج/ 18 ص -346-سُئِلَ عن معني قوله ﷺ‏:‏ ‏"‏من انتهر صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمنًا وإيمانًا، وآمنه يوم الفزع الأكبر‏"‏‏.‏
    فأجاب‏:‏
    أما قوله‏:‏ ‏"‏من انتهر صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمنًا وإيمانًا‏"‏، وقوله‏:‏ ‏"‏من وقَّرَ صاحب بدعة أعان على هَدْم الإسلام‏"‏ ونحو ذلك، فهذا الكلام معروف عن الفُضَيْل بن عِيَاض‏.‏
    والبدعة‏:‏ ما خالفت الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات؛ كأقوال الخوارج والروافض والقدرية والجهمية، وكالذين يتعبدون بالرقص والغناء في المساجد، والذين يتعبدون بحلق اللحي وأكل الحشيشة، وأنواع ذلك من البدع التي يتعبد بها طوائف من المخالفين للكتاب والسنة، والله أعلم‏.‏

    ج/ 18 ص -347-سُئِلَ عمن سمع رجلا يقول‏:‏ لو كنت فعلت كذا لم يَجْرِ عليك شيء من هذا‏.‏ فقال له رجل آخر سمعه‏:‏ هذه الكلمة قد نهى النبي ﷺ عنها، وهي كلمة تؤدي قائلها إلى الكفر، فقال رجل آخر‏:‏ قال النبي ﷺ في قصة موسي مع الخِضْر ‏:‏ ‏"‏يرحم الله موسي، وَدِدْنا لو كان صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما‏"‏ واستدل الآخر بقوله ﷺ‏:‏ ‏"‏المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف إلى أن قال‏:‏ فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان‏"‏ فهل هذا ناسخ لهذا أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله، جميع ما قاله الله ورسوله حق، و‏[‏لو‏]‏ تستعمل على وجهين‏:‏
    أحدهما‏:‏ على وجه الحزن على الماضي والجزع من المقدور، فهذا هو الذي نهى عنه، كما قال تعالى‏:‏
    ‏"‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّي لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏"‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 156‏]‏ ،

    ج/ 18 ص -348-وهذا هو الذي نهى عنه النبي ﷺ،حيث قال‏:‏ ‏"‏وإن أصابك شيء فلا تقل‏:‏ لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل‏:‏ قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان‏"‏ أي‏:‏ تفتح عليك الحزن والجزع، وذلك يضر ولا ينفع، بل اعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، كما قال تعالى‏:‏ ‏"‏مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ‏"‏[‏التغابن‏:‏ 11‏]‏ ، قالوا‏:‏ هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضي ويسلم‏.‏
    والوجه الثاني‏:‏ أن يقال‏:‏ ‏[‏لو‏]‏ لبيان علم نافع، كقوله تعالى‏:‏
    ‏"‏لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا‏"‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 22‏]‏ ، ولبيان محبة الخير وإرادته، كقوله‏:‏ ‏"‏لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثل ما يعمل‏"‏ ونحوه جائز‏.‏
    وقول النبي ﷺ‏:‏
    ‏"‏وددت لو أن موسي صبر ليقص الله علينا من خبرهما‏"‏‏"‏4‏"‏ هو من هذا الباب، كقوله‏:‏ ‏"‏وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ‏"‏[‏القلم‏:‏ 9‏]‏ فإن نبينا ﷺ أحب أن يقص الله خبرهما، فذكرهما لبيان محبته للصبر المترتب عليه، فعرفه ما يكون لما في ذلك من المنفعة، ولم يكن في ذلك جزع ولا حزن ولا ترك لما

    ج/ 18 ص -349- يحب من الصبر على المقدور‏.‏
    وقوله‏:‏ ‏"‏وددت لو أن موسي صبر‏"‏، قال النحاة‏:‏ تقديره وددت أن موسي صبر‏.‏ وكذلك قوله‏:‏
    ‏"‏وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ‏"‏ ‏[‏القلم‏:‏ 9‏]‏ ،تقديره ودوا أن تُدِهن، وقال بعضهم‏:‏ بل هي ‏[‏لو‏]‏ شرطية وجوابها محذوف، والمعني على التقديرين معلوم، وهو محبة ذلك الفعل وإرادته، ومحبة الخير وإرادته محمود، والحزن والجزع وترك الصبر مذموم، والله أعلم‏.‏

    ج/ 18 ص -350-وسئل عن قصة إبليس وإخباره النبي ﷺ وهو في المسجد مع جماعة من أصحابه، وسؤال النبي ﷺ له عن أمور كثيرة، والناس ينظرون إلى صورته عيانًا، ويسمعون كلامه جهرًا‏.‏ فهل ذلك حديث صحيح، أم كذب مختلق‏؟‏ وهل جاء ذلك في شيء من الصحاح والمسانيد والسنن، أم لا‏؟‏ وهل يحل لأحد أن يروي ذلك‏؟‏ وماذا يجب على من يروي ذلك ويحدثه للناس ويزعم أنه صحيح شرعي‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله‏.‏ بل هذا حديث مكذوب مختلق ليس هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة، لا الصحاح ولا السنن ولا المسانيد‏.‏ ومن علم أنه كذب على النبي ﷺ لم يحل له أن يرويه عنه، ومن قال‏:‏ إنه صحيح فإنه يعلم بحاله، فإن أصر عوقب على ذلك، ولكن فيه كلام كثير قد جمع من أحاديث نبوية، فالذي كذبه واختلقه جمعه من أحاديث بعضها كذب وبعضها صدق؛ فلهذا يوجد فيه كلمات متعددة صحيحة؛ وإن كان أصل الحديث وهو مجيء إبليس عيانًا إلى النبي ﷺ بحضرة أصحابه وسؤاله له كذبًا مختلقًا لم ينقله أحد من علماء المسلمين، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.


    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة PDF
    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة XML