أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)

(اختيار من أقسام الكتاب والفتاوى)

تفسير سورة الأنعام

    ج/ 14 ص -488-سُورَة الأنْعَام
    سُئِلَ رَضي اللَّه عَنهُ عن قوله تعالى‏:
    ‏"‏ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ‏"‏[‏الأنعام‏: 2‏]‏، وقوله تعالى‏: ‏"‏وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ‏"‏[‏فاطر‏: 11‏]‏، وقوله تعالى‏: ‏"‏يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ‏"‏[‏ الرعد‏: ‏39‏]‏‏: هل المحو والإثبات فى اللوح المحفوظ والكتاب الذي جاء فى الصحيح‏: ‏"‏إن اللّه تعالى كتب كتاباً فهو عنده على عرشه‏"‏ الحديث، وقد جاء‏: ‏"‏جَفَّ القلم‏"‏ ، فما معنى ذلك فى المحو والإثبات‏؟‏
    وهل شرع في الدعاء أن يقول‏: ‏‏"‏اللهم إن كنت كتبتني كذا فامحني واكتبني كذا، فإنك قلت‏: ‏
    "‏يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ‏"‏‏؟‏ وهل صح أن عمر كان يدعو بمثل هذا‏؟‏ وهل الصحيح عندكم أن العمر يزيد بصلة الرحم، كما جاء في الحديث‏؟‏ أفتونا مأجورين‏.‏
    فأجاب رضي اللّه عنه‏:
    الحمد للّه رب العالمين‏.‏

    ج/ 14 ص -489-أما قوله سبحانه‏: ‏"‏ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ‏"‏ فالأجل الأول هو‏: أجل كل عبد؛ الذي ينقضي به عمره، والأجل المسمى عنده هو‏: أجل القيامة العامة؛ ولهذا قال‏: ‏"‏مُّسمًّى عِندَهُ‏"‏ فإن وقت الساعة لا يعلمه ملك مقرب ولا نبى مرسل، كما قال‏: ‏"‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ‏"‏[‏الأعراف‏: ‏187‏]‏‏.‏ بخلاف ما إذا قال‏: ‏"‏مُّسمًّى‏"‏ كقوله‏: ‏"‏إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى‏"‏ ‏[‏البقرة‏: ‏282‏]‏، إذ لم يقيد بأنه مسمى عنده، فقد يعرفه العباد‏.‏
    وأما أجل الموت فهذا تعرفه الملائكة الذين يكتبون رزق العبد، وأجله وعمله، وشقى أو سعيد، كما قال فى الصحيحين عن ابن مسعود قال‏: حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق ‏:
    ‏"‏إن أحدكم يُجمَع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نُطْفَة، ثم يكون عَلَقَة مثل ذلك، ثم يكون مُضْغَة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيقال‏: اكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقى أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح‏"‏، فهذا الأجل الذي هو أجل الموت قد يعلمه الله لمن شاء من عباده‏.‏
    وأما أجل القيامة المسمى عنده فلا يعلمه إلا هو‏.‏

    ج/ 14 ص -490-وأما قوله‏: ‏"‏وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ‏"‏[‏فاطر‏: 11‏]‏، فقد قيل‏: إن المراد الجنس، أي ما يعمر من عمر إنسان، ولا ينقص من عمر إنسان، ثم التعمير والتقصير يراد به شيئان‏:
    أحدهما‏: أن هذا يطول عمره، وهذا يقصر عمره، فيكون تقصيره نقصاً له بالنسبة إلى غيره، كما أن المعمر يطول عمره، وهذا يقصر عمره، فيكون تقصيره نقصاً له بالنسبة إلى غيره، كما أن التعمير زيادة بالنسبة إلى آخر‏.‏
    وقد يراد بالنقص النقص من العمر المكتوب، كما يراد بالزيادة الزيادة في العمر المكتوب، وفى الصحيحين عن النبى ﷺ أنه قال‏:
    ‏"‏من سَرَّه أن يُبْسَط له في رزقه، ويُنْسَأ له فى أثره فلْيَصِلْ رَحِمَه‏"‏، وقد قال بعض الناس‏: إن المراد به البركة فى العمر، بأن يعمل فى الزمن القصير ما لا يعمله غيره إلا فى الكثير، قالوا‏: لأن الرزق والأجل مقدران مكتوبان‏.‏
    فيقال لهؤلاء‏: تلك البركة وهي الزيادة فى العمل، والنفع هي أيضاً مقدرة مكتوبة، وتتناول لجميع الأشياء‏.‏
    والجواب المحقق‏: أن الله يكتب للعبد أجلا فى صحف الملائكة،

    ج/ 14 ص -491-فإذا وصل رحمه زاد فى ذلك المكتوب، وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب‏.‏
    ونظير هذا ما فى الترمذي وغيره عن النبى ﷺ‏: ‏"‏إن آدم لما طلب من اللّه أن يريه صورة الأنبياء من ذريته فأراه إياهم، فرأى فيهم رجلا له بَصِيص، فقال‏: من هذا يارب‏؟‏ فقال‏: ابنك داود ‏.‏قال‏: فكم عمره‏؟‏ قال‏: أربعون سنة‏.‏ قال‏: وكم عمري‏؟‏ قال‏: ألف سنة‏.‏ قال‏: فقد وهبت له من عمري ستين سنة‏.‏ فكتب عليه كتاب، وشهدت عليه الملائكة، فلما حضرته الوفاة قال‏: قد بقي من عمري ستون سنة‏.‏ قالوا‏: وهبتها لابنك داود، فأنكر ذلك، فأخرجوا الكتاب‏"‏‏.‏ قال النبى ﷺ‏:
    ‏‏"‏فنَسِيَ آدم فنسيت ذريته، وجَحَد آدم فجحدت ذريته‏"‏ وروى أنه كمل لآدم عمره، ولداود عمره‏.‏
    فهذا داود كان عمره المكتوب أربعين سنة، ثم جعله ستين، وهذا معنى ما روى عن عمر أنه قال‏: اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحنى واكتبنى سعيداً، فإنك تمحوا ما تشاء وتثبت‏.‏
    واللّه سبحانه عالم بما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده إياه بعد ذلك، والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم اللّه، والله يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها؛

    ج/ 14 ص -492-فلهذا قال العلماء‏: إن المحو والإثبات فى صحف الملائكة، وأما علم اللّه سبحانه فلا يختلف ولا يبدو له ما لم يكن عالماً به، فلا محو فيه ولا إثبات‏.‏
    وأما اللوح المحفوظ، فهل فيه محو وإثبات‏؟‏ على قولين، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

    ج/ 14 ص -493-وقَال أيضاً‏:
    فصل

    ذكر اللّه أنه يرفع درجات من يشاء فى قصة مناظرة إبراهيم وفى قصة احتيال يوسف؛ ولهذا قال السلف‏: بالعلم؛ فإن سياق الآيات يدل عليه، فقصة إبراهيم فى العلم بالحجة، والمناظرة لدفع ضرر الخصم عن الدين، وقصة يوسف فى العلم بالسياسة والتدبير لتحصل منفعة المطلوب، فالأول علم بما يدفع المضار فى الدين، والثانى علم بما يجلب المنافع، أو يقال‏: الأول هو العلم الذى يدفع المضرة عن الدين ويجلب منفعته، والثانى علم بما يدفع المضرة عن الدنيا ويجلب منفعتها، أو يقال قصة إبراهيم فى علم الأقوال النافعة عند الحاجة إليها، وقصة يوسف فى علم الأفعال النافعة عند الحاجة إليها، فالحاجة جلب المنفعة ودفع المضرة قد تكون إلى القول، وقد تكون‏.‏‏.‏‏.‏‏[‏خرم بالأصل‏]‏‏.‏
    ولهذا كان المقصرون عن علم الحجج والدلالات، وعلم السياسة

    ج/ 14 ص -494-والإمارات، مقهورين مع هذين الصنفين، تارة بالاحتياج إليهم إذا هجم عدو يفسد الدين بالجدل أو الدنيا بالظلم، وتارة بالاحتياج إليهم إذا هجم على أنفسهم من أنفسهم ذلك، وتارة بالاحتياج إليهم لتخليص بعضهم من شر بعض فى الدين والدنيا، وتارة يعيشون فى ظلهم فى مكان ليس فيه مبتدع يستطيل عليهم، ولا وال يظلمهم وما ذاك إلا لوجود علماء الحجج الدامغة لأهل البدع والسياسة الدافعة للظلم‏.‏
    ولهذا قيل‏: صنفان إذا صلحوا صلح الناس‏: العلماء والأمراء، وكما أن المنفعة فيهما فالمضرة منهما؛ فإن البدع والظلم لا تكون إلا فيهما؛ أهل الرياسة العلمية، وأهل الرياسة القدرية؛ ولهذا قال طائفة من السلف كالثورى وابن عيينة وغيرهما ما معناه‏: أن من نجا من فتنة البدع وفتنة السلطان فقد نجا من الشر كله، وقد بسطت القول في هذا فى الصراط المستقيم عند قوله‏:
    ‏"‏فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ‏"‏[‏التوبة‏: 69‏]‏‏.‏

    ج/ 14 ص -495-قال شيخ الإسلام رَحِمهُ اللَّه ‏:
    هذه تفسير آيات أشكلت حتى لا يوجد فى طائفة من كتب التفسير إلا ما هو خطأ‏.‏
    منها قوله‏:
    ‏"‏وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ‏"‏[‏الأنعام‏: ‏109‏]‏، والآية بعدها‏.‏ أشكلت قراءة الفتح على كثير بسبب أنهم ظنوا أن الآية بعدها جملة مبتدأة، وليس كذلك، لكنها داخلة فى خبر أن‏.‏ والمعنى‏: إذا كنتم لا تشعرون أنها إذا جاءت لا يؤمنون وأنا أفعل بهم هذا، لم يكن قسمهم صدقا، بل قد يكون كذبا، وهو ظاهر الكلام المعروف أنها ‏"‏أن‏"‏ المصدرية، ولو كان‏"‏وَنُقَلِّبُ‏"‏ إلخ ‏.‏كلاماً مبتدأ لزم أن كل من جاءته آية قلب فؤاده، وليس كذلك، بل قد يؤمن كثير منهم‏.‏

    ج/ 14 ص -496-قال شيخ الإسلاَم رَحِمهُ اللَّه ‏:
    فصل

    قال تعالى‏:
    ‏"‏وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏" ذكر هذا بعد قوله‏: ‏"‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ‏"‏ ثم قال‏: ‏"‏وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏"‏ ‏[‏الأنعام‏: 112-115‏]‏ ، وقال تعالى‏: ‏"‏وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا‏"‏ ‏[‏الكهف‏: 27‏]‏‏.‏
    فأخبر فى هاتين الآيتين أنه لا مبدل لكلمات الله، وأخبر في الأولى أنها تمت صدقاً وعدلا، وقد تواتر عن النبى ﷺ

    ج/ 14 ص -497-أنه كان يستعيذ ويأمر بالاستعاذة بكلمات اللّه التامات، وفى بعض الأحاديث ‏"‏التى لا يجاوزهن بَرٌّ ولا فاجر‏"‏‏.‏
    وقال تعالى‏:
    ‏"‏أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏"‏[‏يونس‏: 62-64‏]‏، وقال تعالى‏: ‏‏"‏وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ‏"‏ ‏[‏الأنعام‏: 34‏]‏، فأخبر في هذه الآية أيضاً أنه لا مبدل لكلمات اللّه، عقب قوله‏: ‏"‏فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا‏"‏، وذلك بيان أن وعد اللّه الذي وعده رسله من كلماته التى لا مبدل لها، لما قال فى أوليائه‏: "‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ‏" فإنه ذكر أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة، فوعدهم بنفي المخافة والحزن، وبالبشرى في الدارين‏.‏ وقال بعد ذلك‏: ‏"‏وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ‏"‏، فكان فى هذا تحقيق كلام اللّه الذي هو وعده، كما قال‏: ‏"‏فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ‏"‏[‏إبراهيم‏: ‏47‏]‏، وقال‏: ‏"‏وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ‏"‏ ‏[‏الروم‏: ‏6‏]‏، وقال المؤمنون‏: ‏"‏رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ‏"‏[‏آل عمران‏: ‏194‏]‏‏.‏ فإخلاف ميعاده تبديل

    ج/ 14 ص -498-لكلماته، وهو سبحانه لا مبدل لكلماته‏.‏
    يبين ذلك قوله تعالى‏:
    ‏‏"‏لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ‏"‏[‏ق‏: ‏28، 29‏]‏، فأخبر سبحانه أنه قدم إليهم بالوعيد، وقال‏: ‏"‏مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ‏"‏ وهذا يقتضي أنه صادق في وعيده أيضاً وأن وعيده لا يبدل‏.‏
    وهذا مما احتج به القائلون بأن فساق الملة لا يخرجون من النار‏.‏ وقد تكلمنا عليهم فى غير هذا الموضع، لكن هذه الآية تضعف جواب من يقول‏: إن إخلاف الوعيد جائز‏: فإن قوله‏:
    ‏"‏مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ‏"‏ بعد قوله‏: ‏"‏وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ‏"‏ دليل على أن وعيده لا يبدل، كما لا يبدل وعده‏.‏
    لكن التحقيق الجمع بين نصوص الوعد والوعيد، وتفسير بعضها ببعض من غير تبديل شيء منها، كما يجمع بين نصوص الأمر والنهي من غير تبديل شيء منها، وقد قال تعالى‏:
    ‏"‏سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّه‏"‏[‏الفتح‏: ‏15‏]‏، واللّه أعلم‏.‏


    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة PDF
    تحميل كتاب مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بصيغة XML