ج/ 12 ص -564-وسئل:
هل نفس المصحف هو نفس القرآن، أم كتابته؟ وما في صدور القراء هل هو نفس القرآن أو حفظه؟
فأجاب:
الواجب أن يطلق ما أطلقه الكتاب والسنة، كقوله تعالى: "بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ"[البروج:21، 22]، وقوله: "إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ" [الواقعة:7779]، وقوله:"وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ"[الطور:13]، وقوله: "يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ" [البينة:2، 3]، وقوله تعالى:"كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ "[عبس:1116] وكذلك قول النبي ﷺ:"لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو"، وقوله: "استذكروا القرآن، فَلَهُوَ أَشد تَفَصِّيًا من صدور الرجال من النَّعَم في عُقُلِها" وكلاهما في الصحيحين، وقوله: "الجوف الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخَرِب" قال الترمذي: حديث صحيح.
ج/ 12 ص -565-فمن قال: القرآن في المصاحف والصدور، فقد صدق. ومن قال: فيها حفظه وكتابته، فقد صدق. ومن قال: القرآن مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور، فقد صدق. ومن قال: إن المداد أو الورق، أو صفة العبد أو فعله، أو حفظه وصوته قديم، أو غير مخلوق، فهو مخطئ ضال. ومن قال: إنما في المصحف ليس هو كلام الله، أو ما في صدور القراء ليس هو كلام الله، أو قال: إن القرآن العزيز لم يتكلم به الله، ولكن هو مخلوق، أو صنفه جبريل أو محمد، وقال: إن القرآن في المصاحف، كما أن محمدًا في التوراة والإنجيل، فهو أيضًا مخطئ ضال.
فإن القرآن كلام، والكلام نفسه يكتب في المصحف، بخلاف الأعيان؛ فإنه إنما يكتب اسمها وذكرها،فالرسول مكتوب في التوراة والإنجيل ذكره ونعته، كما أن القرآن في زبر الأولين، وكما أن أعمالنا في الزبر، قال تعالى:"وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ"[الشعراء: 196]، وقال تعالى:"وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ" [القمر:52]، ومحمد مكتوب في التوراة والإنجيل، كما أن القرآن في تلك الكتب، وكما أن أعمالنا في الكتب، وأما القرآن فهو نفسه مكتوب في المصاحف، ليس المكتوب ذكره والخبر عنه، كما يكتب اسم الله في الورق، ومن لم يفرق بين كتابة الأسماء والكلام، وكتابة المسميات والأعيان كما جرى لطائفة من الناس فقد غلط غلطًا سَوَّى فيه بين الحقائق المختلفة، كما قد
ج/ 12 ص -566-يجعل مثل هؤلاء الحقائق المختلفة شيئًا واحدًا، كما قد جعلوا جميع أنواع الكلام معنى واحدًا.
وكلام المتكلم يسمع تارة منه، وتارة من المبلغ، فالنبي ﷺ لما قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" فهذا الكلام قاله رسول الله ﷺ بلفظه ومعناه؛ فلفظه لفظ الرسول ﷺ، ومعناه معنى الرسول، فإذا بلغه المبلغ عنه بلغ كلام الرسول بلفظه ومعناه؛ ولكن صوت الصحابي المبلغ ليس هو صوت رسول الله ﷺ.
فالقرآن كلام الله، لفظه ومعناه، سمعه منه جبريل، وبلغه عن الله إلى محمد، ومحمد سمعه من جبريل وبلغه إلى أمته، فهو كلام الله حيث سمع وكتب وقرئ، كما قال تعالى:"وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ" [التوبة:6].
وكلام الله تكلم الله به بنفسه، تكلم به باختياره وقدرته، ليس مخلوقًا بائنًا عنه، بل هو قائم بذاته، مع أنه تكلم به بقدرته ومشيئته، ليس قائمًا بدون قدرته ومشيئته.
ج/ 12 ص -567-والسلف قالوا: لم يزل الله تعالى متكلمًا إذا شاء. فإذا قيل: كلام الله قديم، بمعنى أنه لم يصر متكلمًا بعد أن لم يكن متكلمًا، ولا كلامه مخلوق، ولا معنى واحد قديم قائم بذاته، بل لم يزل متكلمًا إذا شاء فهذا كلام صحيح.
ولم يقل أحد من السلف: إن نفس الكلام المعين قديمًا، وكانوا يقولون: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، ولم يقل أحد منهم: إن القرآن قديم، ولا قالوا: إن كلامه معنى واحد قائم بذاته، ولا قالوا: إن حروف القرآن أو حروفه وأصواته قديمة أزلية قائمة بذات الله، وإن كان جنس الحروف لم يزل الله متكلمًا بها إذا شاء، بل قالوا: إن حروف القرآن غير مخلوقة، وأنكروا على من قال: إن الله خلق الحروف.
وكان أحمد وغيره من السلف ينكرون على من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق. يقولون: من قال: هو مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع؛ فإن [اللفظ] يراد به مصدر لفظ يلفظ لفظًا، ويراد باللفظ الملفوظ به، وهو نفس الحروف المنطوقة، وأما أصوات العباد ومداد المصاحف فلم يتوقف أحد من السلف في أن ذلك مخلوق، وقد نص أحمد وغيره على أن صوت القارئ صوت العبد، وكذلك غير أحمد من الأئمة. وقال أحمد: من
ج/ 12 ص -568-قال: لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو جهمي؛ فالإنسان وجميع صفاته مخلوق، حركاته وأفعاله وأصواته مخلوقة، وجميع صفاته مخلوقة، فمن قال عن شىء من صفات العبد: إنها غير مخلوقة أو قديمة، فهو مخطئ ضال، ومن قال عن شىء من كلام الله أو صفاته: إنه مخلوق، فهو مخطئ ضال.
وأما أصوات العباد بالقرآن، والمداد الذي في المصحف، فلم يكن أحد من السلف يتوقف في ذلك، بل كلهم متفقون أن أصوات العباد مخلوقة، والمداد كله مخلوق، وكلام الله الذي يكتب بالمداد غير مخلوق، قال الله تعالى:"قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا" [الكهف:109].
وهذه المسائل قد بسط الكلام عليها، وذكر أقوال الناس واضطرابهم فيها في مواضع أخر.
ج/ 12 ص -569-وقال قدس الله روحه:
فصل
والقرآن الذي بين لوحي المصحف متواتر؛ فإن هذه المصاحف المكتوبة اتفق عليها الصحابة، ونقلوها قرآنا عن النبي ﷺ وهي متواترة من عهد الصحابة، نعلم علمًا ضروريًا أنها ما غيرت، والقراءة المعروفة عن السلف الموافقة للمصحف تجوز القراءة بها بلا نزاع بين الأئمة، ولا فرق عند الأئمة بين قراءة أبي جعفر ويعقوب، وخَلَف، وبين قراءة حمزة والكسائي، وأبي عمرو ونعيم، ولم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها: إن القراءة مختصة بالقراء السبعة.
فإن هؤلاء، إنما جمع قراءاتهم أبو بكر ابن مجاهد بعد ثلاثمائة سنة من الهجرة، واتبعه الناس على ذلك، وقصد أن ينتخب قراءة سبعة من قراء الأمصار، ولم يقل هو ولا أحد من الأئمة: إن ما خرج عن هذه السبعة فهو باطل، ولا أن قول النبي ﷺ: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" أريد به قراءة هؤلاء السبعة، ولكن
ج/ 12 ص -570-هذه السبعة اشتهرت في أمصار لا يعرفون غيرها، كأرض المغرب، فأولئك لا يقرؤون بغيرها؛ لعدم معرفتهم باشتهار غيرها.
فأما من اشتهرت عندهم هذه، كما اشتهر غيرها؛ مثل أرض العراق وغيرها، فلهم أن يقرؤوا بهذا وهذا، والقراءة الشاذة مثلما خرج عن مصحف عثمان، كقراءة من قرأ: [الحي القيام] و [صراط من أنعمت عليهم] و [إن كانت إلا زقية واحدة] [والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى. والذكر والأنثى] وأمثال ذلك.
فهذه إذا قرئ بها في الصلاة، ففيها قولان مشهوران للعلماء، هما روايتان عن الإمام أحمد:
أحدهما: تصح الصلاة بها؛ لأن الصحابة الذين قرؤوا بها كانوا يقرؤونها في الصلاة، ولا ينكر عليهم.
والثاني: لا؛ لأنها لم تتواتر إلينا، وعلى هذا القول فهل يقال: إنها كانت قرآنا فنسخ، ولم يعرف من قرأ إلا بالناسخ؟ أو لم تنسخ، ولكن كانت القراءة بها جائزة لمن ثبتت عنده دون من لم تثبت، أو لغير ذلك، هذا فيه نزاع مبسوط في غير هذا الموضع.
وأما من قرأ بقراءة أبي جعفر ويعقوب ونحوهما، فلا تبطل الصلاة بها باتفاق الأئمة، ولكن بعض المتأخرين من المغاربة ذكر في ذلك كلاما وافقه عليه بعض من لم يعرف أصل هذه المسألة.
ج/ 12 ص -571-وقال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه:
وأما [الحروف] هل هي مخلوقة أو غير مخلوقة؟ فالخلاف في ذلك بين الخلف مشهور، فأما السلف فلم ينقل عن أحد منهم أن حروف القرآن وألفاظه وتلاوته مخلوقة، ولا ما يدل على ذلك، بل قد ثبت عن غير واحد منهم الرد على من قال: إن ألفاظنا بالقرآن مخلوقة. وقالوا: هو جهمي. ومنهم من كفره، وفي لفظ بعضهم تلاوة القرآن، ولفظ بعضهم الحروف.
وممن ثبت ذلك عنه أحمد بن حنبل، وأبو الوليد الجارودي صاحب الشافعي، وإسحاق بن راهويه، والحميدي، ومحمد بن أسلم الطوسي، وهشام بن عمار، وأحمد ابن صالح المصري. ومن أراد الوقوف على نصوص كلامهم فليطالع الكتب المصنفة في السنة، مثل [الرد على الجهمية] للإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم، وكتاب[الشريعة] للآجُرِّى و [الإبانة] لابن بطة، و [السنة] للالكائي، و [السنة] للطبراني،
ج/ 12 ص -572- وغير ذلك من الكتب الكثيرة، ولم ينسب أحد منهم إلى خلاف ذلك، إلا بعض أهل الغرض نسب البخاري إلى أنه قال ذلك. وقد ثبت عنه بالإسناد المرضي أنه قال: من قال عني أني قلتُ: لفظي بالقرآن مخلوق، فقد كذب. وتراجمه في آخر صحيحه تبين ذلك.
وهنا ثلاثة أشياء:
أحدها: حروف القرآن، التي هي لفظه قبل أن ينزل بها جبريل، وبعد ما نزل بها، فمن قال: إن هذه مخلوقة فقد خالف إجماع السلف، فإنه لم يكن في زمانهم من يقول هذا، إلا الذين قالوا: إن القرآن مخلوق؛ فإن أولئك قالوا بالخلق للألفاظ، ألفاظ القرآن، وأما ما سوى ذلك فهم لا يقرون بثبوته، لا مخلوقًا ولا غير مخلوق، وقد اعترف غير واحد من فحول أهل الكلام بهذا، منهم عبد الكريم الشهرستاني مع خبرته بالملل والنحل؛ فإنه ذكر أن السلف مطلقًا ذهبوا إلى أن حروف القرآن غير مخلوقة، وقال: ظهور القول بحدوث القرآن محدث، وقرر مذهب السلف في كتابه المسمى ب [نهاية الكلام].
الثاني: أفعال العباد، وهي حركاتهم التي تظهر عليها التلاوة، فلا خلاف بين السلف أن أفعال العباد مخلوقة؛ ولهذا قيل: إنه بدع
ج/ 12 ص -573-أكثرهم من قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ لأن ذلك قد يدخل فيه فعله.
الثالث: التلاوة الظاهرة من العبد عقيب حركة الآية، فهذه منهم من يصفها بالخلق، وأول من قال ذلك فيما بلغنا حسين الكرابيسي، وتلميذه داود الأصبهاني، وطائفة، فأنكر ذلك عليهم علماء السنة في ذلك الوقت، وقالوا فيهم كلاما غليظًا، وجمهورهم وهم اللفظية عند السلف الذين يقولون: لفظنا بالقرآن مخلوق، أو القرآن بألفاظنا مخلوق، ونحو ذلك.
وعارضهم طائفة من أهل الحديث والسنة كثيرون، فقالوا: لفظنا بالقرآن غير مخلوق، والذي استقرت عليه نصوص الإمام أحمد وطبقته من أهل العلم: أن من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع، هذا هو الصواب عند جماهير أهل السنة، ألا يطلق واحد منهما، كما عليه الإمام أحمد وجمهور السلف؛ لأن كل واحد من الإطلاقين يقتضي إيهامًا لخطأ؛ فإن أصوات العباد محدثة بلا شك، وإن كان بعض من نصر السنة ينفي الخلق عن الصوت المسموع من العبد بالقرآن، وهو مقدار ما يكون من القرآن المبلغ.
فإن جمهور أهل السنة أنكروا ذلك وعابوه، جريًا على منهاج أحمد
ج/ 12 ص -574-وغيره من أئمة الهدى، وقال النبي ﷺ:"زينوا القرآن بأصواتكم".
وأما التلاوة في نفسها، التي هي حروف القرآن وألفاظه، فهي غير مخلوقة، والعبد إنما يقرأ كلام الله بصوته، كما أنه إذا قال: قال النبي ﷺ: "إنما الأعمال بالنيات" فهذا الكلام لفظه ومعناه إنما هو كلام رسول الله ﷺ، وهو قد بلغه بحركته وصوته، كذلك القرآن لفظه ومعناه كلام الله تعالى ليس للمخلوق فيه إلا تبليغه وتأديته وصوته، وما يخفى على لبيب الفرق بين التلاوة في نفسها، قبل أن يتكلم بها الخلق، وبعد أن يتكلموا بها، وبين ما للعبد في تلاوة القرآن من عمل وكسب، وإنما غلط بعض الموافقين والمخالفين، فجعلوا البابين بابا واحدًا، وأرادوا أن يستدلوا على نفس حدوث حروف القرآن بما دل على حدوث أفعال العباد وما تولد عنها، وهذا من أقبح الغلط، وليس في الحجج العقلية، ولا السمعية، ما يدل على حدوث نفس حروف القرآن، إلا من جنس ما يحتج به على حدوث معانيه. والجواب عن الحجج مثل الجواب عن هذه لمن استهدى الله فهداه.
وأما ما ذكره من آيات الصفات وأحاديثها، فمذهب سلف الأمة من الصحابة والتابعين، وسائر الأئمة المتبوعين الإقرارُ والإمرارُ. قال
ج/ 12 ص -575- أبو سليمان الخطابي [هو أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي، فقيه محدث، من أهل بست "من بلاد كابل" من نسل زيد بن الخطاب "أخي عمر بن الخطاب" له مصنفات كثيرة منها:[معالم السنن] في شرح سنن أبي داود، و[بيان إعجاز القرآن]، توفى سنة 388ه]، وأبو بكر الخطيب: مذهب السلف في آيات الصفات، وأحاديث الصفات، إجراؤها على ظاهرها مع نفي الكيفية، والتشبيه عنها. وقالا في ذلك: إن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، يحتذى فيه حذوه، ويتبع فيه مثاله، فإذا كان إثبات ذاته إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إثبات وجود لا إثبات كيفية، فلا نقول: إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع العلم، هذا كلامهما.
وقال بعضهم: إذا قال لك الجهمي: كيف ينزل إلى سماء الدنيا؟ فقل له: كيف هو في نفسه؟ فإن قال: نحن لا نعلم كيفية ذاته. فقل: ونحن لا نعلم كيفية صفاته، وكيف نعلم كيفية صفة، ولا نعلم كيفية موصوفها.
ومن فهم من صفات الله تعالى ما هو مستلزم للحدوث، مجانس لصفات المخلوقين، ثم أراد أن ينفي ذلك عن الله فقد شبه وعطل؛ بل الواجب أن لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا نتجاوز القرآن والحديث. وأن نعلم مع ذلك أن الله تعالى ليس كمثله شىء، لا في نفسه، ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، وإن الخلق لا تطيق عقولهم كنه معرفته، ولا تقدر ألسنتهم على بلوغ صفته "سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" [الصافات:180-182]، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.